مقدمة
الطبعة الثانية
لكتاب
الكنز المرصود في قواعد التلمود
بقلم
المرحوم العلامة الجليل الشيخ مصطفى
الزرقاء
لما كنا أطفالاً في مدينة حلب موطني الأول
من بلاد الشام (سورية) كنا نسمع الأمهات
يمنعن أولادهن الصغار من الخروج خارج
البيوت وحدهم، ويحذّرنهم بأن اليهود
يخطفون الأطفال خِفية، ويأخذونهم إلى
حيث يستنزفون دماءهم!
وفي يفوعتنا كنا نتلقى التوصيات بأن لا
يمر أحد في حارة اليهود منفرداً (وهي
حارة طويلة متعرجة) وأنه إذا مر فيها
أحد منا فدعاه يهودي لدخول بيته لإيقاد
النار لهم بحجة أنهم لا يمسون النار
يوم السبت، فيجب أن لا يدخل حذراً من أن
يغدروا به فيقتلوه باستنزاف دمه!
فلما كبرنا ووعينا وتثقفنا كنت أتذكر هذه
التخويفات، التي كنا نتلقاها في
طفولتنا الأولى وفي يفوعتنا، وانتقدها
وأعدها من الجهالات في أساليب التربية
التي درسنا قواعدها الحديثة وأصولها،
ومن قبيل إساءة الظن بمواطنين من
الأقلية الصغار المساكين!!!
ثم لما برزت المشكلة الفلسطينية، وذر قرن
الصهيونية اليهودية، بدأنا نسمع عن
اليهود وعقائدهم الخطيرة وأفاعيلهم
المذهلة، ومكرهم العالمي، ومؤامراتهم
الخبيثة وخطرهم على البشرية جمعاء ما
جعلنا نعيد النظر في الصورة المنطبعة
في أذهاننا عن مسكنتهم المصطنعة، ولكن
بقيت قضية خطف الأشخاص واستنزاف
دمائهم في نظرنا خرافة لا تصدق، حتى
وقع إليّ منذ سنوات مجموعة الأستاذ أسد
رستم (أستاذ التاريخ الشرقي في الجامعة
الأمريكية ببيروت، الذي توفي من بضع
سنوات)، التي جمع فيها بعض وثائق
تاريخية تتعلق بتاريخ سورية في زمن
إبراهيم باشا (ابن محمد علي) من سنة (1247
ـ 1255هـ) ونقلها عن سجلات المحكمة
الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في
سنة 1927م فإذا به يفتح الجزء الخامس
منها بقصة خطف اليهود في دمشق للقسيس
الفرنسي الجنسية المسمى: الأب (البادري)
توما وخادمه إبراهيم عمار، وذبحهم
إياهما، وإرسال دمهما إلى كبير
الحاخامين ليدخلوه في خبز الفطير الذي
يوزعه الحاخامون على الأسر اليهودية
في عيد الفصح السنوي. وينقل الأستاذ
أسد رستم من سجلات المحكمة التي حاكمت
الفاعلين من الحاخامين وسواهم محاضر
جلساتها ووقائعها وينشرها في كتابه
المذكور حرفيا، وتصويرها بصورة
زنكوغرافية لأول هذه المحاضر بالخط
المدون به في سجل المحكمة، وذلك في عهد
احتلال جيش إبراهيم باشا المصري وحكمه
في سورية. فقرأت القصة مذهولاً من
التفاصيل التي فيها، وأنا أفرك عيني
بين الحين والحين، خشية أن أكون في
منام وأحلام!!! حتى إذا لم أجد في اليقظة
شكاّ، رجعت إلى ذاكرتي عن أخبار
الطفولة، ورأيت أن ما ظننته من تخويف
الأمهات وتحذيرهن جهلاً بأصول
التربية، أو إساءة ظن بمواطنين ذوي
مسكنة، كان هو الحقيقة الواقعة وأن ظني
هو الغرارة والجهالة!!
وكان عندي أغرب من هذه الحادثة ـ التي
تدمى لسماعها القلوب ولو كانت متحجرة ـ
تلك القواعد التلمودية التي تم تنفيذ
تلك الجريمة الفظيعة النكراء تطبيقاً
لها، فقد نبشت محاكمة أولئك المجرمين،
من الحاخامين الآمرين ومن بقية اليهود
الذي قاموا بالتنفيذ، أنابيش من نصوص
التلمود مذهلة يقف القارئ أمامها
مشدوهاً لا مدهوشاً فقط !!!
يكاد الإنسان لا يصدق ـ لولا الوثائق
والنصوص والوقائع التابعة ـ أن تكون
ديانة القوم (بعدما تلاعب بأصولها
وحرفتها أيدي أحبارهم تأمرهم أن
يتعبدوا بشرب دماء البشر من غير
اليهود، ولا سيما المسيحيين والمسلمين)
وباستباحة أرواحهم، وأ
عراضهم، ووجوب خيانتهم، والغدر بهم،
وغشهم واجتناب إغاثة أحد منهم، أو
إنقاذه، أو مداواته إلا للتجربة أو
للاضطرار أو ستراً للمقاصد والعقائد
اليهودية السرية، إلى غير ذلك من
العقائد المنكرة الخطيرة القائمة على
الحقد العام والامتهان لبني البشر
أجمعين، وتبرير ذلك نظرياً بأن كل
الناس سوى اليهود ليسوا في الحقيقة سوى
بهائم من الحيوان في صورة بشر، فليس
لهم حرمة ولا ذمة، ولا يلتزم أحد من
اليهود تجاهه بأي التزام إنساني أكثر
مما
يلتزم تجاه بهيمة خلقت لمصلحته، يفعل بها
ما يشاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا
يخرج عن هذا السلوك المنكر إلا للتقية
والتستر والخداع !! ومن هذه التقية
التظاهر بالضعف والمسكنة أمام
الأكثريات الأخرى من الناس.
نعم لقد كان في نظري هذه العقائد اليهودية
التي نبشتها المحاكمة في حادثة مقتل
القسيس الأب توما ـ وهو كما سيرى
القارئ ممن قضوا حياتهم في الأعمال
الإنسانية وإغاثة الملهوفين ـ أشد
غرابة وفظاعة من الغاية التي دفعت إلى
هذا القتل والتي ألبسوها ثوب الدين !!!
ومنذ أن وقعت علي وقائع هذه الجريمة
وملابساتها ومحاضر محاكمتها في مجموعة
الأستاذ أسد رستم المذكورة بدأت أتتبع
وأستقصي المعلومات عنها وعن أمثالها
وعن نصوص التلمود اليهودي، ذلك لأن ما
نقله الأستاذ أسد رستم عن هذه الحادثة
التي وقعت في دمشق سنة 1840، هو محاضر
جلسات المحاكمة وهذه تنتهي عند انتهاء
المحاكمة الني كانت نتيجتها الحكم
بالإعدام على عدد من الحاخامين
المشتركين في ترتيب الجريمة، وعدد من
اليهود الرعايا المنفذين لها، سوى
الحاخام موسى أبي العافية الذي أعلن
اعتناقه للدين الإسلامي وترجم نصوص
التلمود، وسوى بعض المشتركين الذي
وعدوا بالعفو حتى كشفوا التفاصيل،
ودلوا على مكان تصريف الجثة بعد
تقطيعها !!
عند هذا الموقف، وهو الحكم بالإعدام
نتيجة التحقيق القضائي الذي جرى في
المحكمة يقف ما نقله الأستاذ أسد رستم،
مع ما تخلل ذلك من محاولة اليهود رشوة
بعض المسؤولين الكبار في القضاء وفي
الإدارة بمبالغ مغرية لطمس الجريمة،
ذلك لأنه كما ذكرنا اقتصر على نقل
محاضر جلسات المحاكمة وما تم فيها من
تحقيقات وتفصيلات وملابسات ووقائع.
أما مصير الحكم بالإعدام نفسه فليس في
مجموعة الأستاذ أسد رستم ما يدل عليه.
فهو لم يتتبع هذا المصير، ولم يسجل عنه
شيئاً. وقد بقي هذا النقص ثغرة في نفسي
أتطلع دائماً لملئها بمعرفة ما تم بعد
ذلك، حتى رأيت مرة بطريق المصادفة
كتاباً لدى صديقي الأستاذ الشيخ ناصر
الدين الألباني المحدث المعروف في
دمشق، عنوانه (الكنز المرصود في قواعد
التلمود)، فاسترعى انتباهي هذا
العنوان، واستأذنت الأستاذ الألباني
في أخذه أياماً لقراءته فأعارني إياه،
وذهبت به وعكفت من فوري على قراءته
فإذا فيه أمنيتي المنشودة !!
تعريف
بكتاب الكنز المرصود
كان هذا الكتاب ترجمة لكتابين فرنسيين
ترجمهما الدكتور يوسف نصر الله من كبار
مسيحي مصر: أحدهما كتاب للدكتور (روهلنج)
بعنوان (اليهودي على حسب التلمود)
وتكلم فيه عن مضامين التلمود ومنشئه
وتكوينه ومخطوطاته وطبعاته المتعددة
منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وما
فيه من عقائد خطيرة مذهلة تحير العقول،
وخرافات عجيبة لا يكاد يصدق الإنسان أن
تكون عقائد تعبدية لولا نصوصها
المنقولة من التلمود. وفي كتاب الدكتور
(روهلنج) هذا من المعلومات الهامة عن
التلمود ما يصعب جداً على الباحث أن
يستقصيه من مصادر أخرى.
وثانيهما كتاب للدكتور (اشيل لوران)
بعنوان (تاريخ سورية لسنة 1840م) تكلم فيه
عن حادثة ذبح اليهود للقسيس الأب توما
وخادمه إبراهيم الآنفة الذكر في دمشق.
وهذا الكتاب الثاني يتفق في جميع
تفاصيل الحادثة وتحقيقاتها مع ما نقله
الأستاذ أسد رستم، فكلاهما ينقل محاضر
جلسات المحاكمة من نفسها ولكن هذا
الكتاب يسد الثغرة التي بقيت فارغة في
كتاب الأستاذ أسد رستم حيث يتتبع مؤلفه
القضية، ويبين مصير الحكم بالإعدام
على المتآمرين المجرمين القتلة، ذلك
المصير المؤسف الذي خلاصته أن أناساً
من كبار أغنياء اليهود المتنفذين في
أوروبا تداعوا لإنقاذ المحكوم عليهم،
وأرسلوا مندوبين اثنين من فرنسا إلى
مصر (وهما كراميو، وموييز مونتيفيوري)
فاتصلا بالخديوي(1) محمد علي باشا (والد إبراهيم
باشا الذي كان جيشه يحتل سورية في ذلك
العهد) فأصدر (فرمانا) بالعفو عن القتلة
المحكوم عليهم !!!
وتبقى غامضة تلك الوسيلة التي استخدمها
زعماء اليهود في أوروبا للتأثير على
محمد علي باشا حتى استجاب للعفو عن
هؤلاء القتلة المجرمين في أبشع صور
الجريمة (وهي التآمر على خطف البشر
الأبرياء الغافلين وذبحهم كالنعاج
لشرب دمائهم) فهل كانت تلك الوسيلة
التي استخلص بها يهود فرنسا من محمد
علي باشا فرمان العفو بهذه السهولة
ضغطاً سياسياً من بعض دول أوروبا ولا
سيما فرنسا التي كان معروفاً أن محمد
علي باشا يتلقى منها العون والتأييد في
المجال الدولي، أو كانت تلك الوسيلة
مبالغ مغرية من المال قدمها اليهود إلى
محمد علي باشا وهو في حاجة إليها، (كما
هو شأن اليهود المعروف في الاعتماد على
الرشوات المذهلة في شراء ذوي النفوذ أو
السلطان لتسوية أمورهم، وتمشية
مقاصدهم، وتغطية جرائمهم مهما عظمت)،
أو كانت تلك الوسيلة مركبة من الضغط
السياسي الدولي والمال معاً ؟ كل هذا
محتمل، ولا يعدوه الواقع.
والأغرب الأغرب أن محمد علي باشا لما جاءه
هذان اليهوديان(2) من فرنسا وطلبا منه الأمر بإعادة
المحاكمة أجابهما بأنه سيفعل خيراً من
ذلك، فأصدر فرمانا تضمن الأمر بالعفو
عن المحكوم عليهم العشرة، الذين ثبت
اشتراكهم في هذه الجريمة النكراء
بالبينات القاطعة الدامغة،
وباعترافاتهم الصادرة منهم بحضور بعض
قناصل الدول الأجنبية (كقنصل
بريطانيا، وقنصل فرنسا) في جلسات
المحاكمة، وبدلالتهم على أشلاء وأشياء
الضحايا التي بعد ذبحهم إياها
واستنزافهم دماءهما، قطعوها وكسروا
عظامها وقاموا بتصريفها(3) !! ولكن
اليهوديين المتشفعين (كراميو
ومونتيفيوري) اعترضا على التعبير في
الفرمان بلفظ (العفو) لأنه يُشعر بأن
المعفو عنهم مذنبون، فغير لهم محمد علي
باشا صيغة الفرمان إلى تعابير أخرى لا
تدل على ثبوت ارتكاب الجرم !!!(4).
هذان الكتابان الفرنسيان الأصليان (كتاب
الدكتور روهلنج عن أصول وفصول
التلمود، وكتاب الدكتور اشيل لوران عن
تفاصيل حادثة ذبح القسيس الأب توما
الكبوشي وخادمه إبراهيم عمار) أصبحا
مفقودين لنفاد نسخهما المطبوعة في
فرنسا منذ أكثر من ثمانين عاماً، كما
أشار إليه المترجم. وسبب فقدانهما
فيما يظهر هو سعي اليهود دائماً في جمع
ما يدينهم ويفضحهم وإتلافه باستمرار.
وجدير بالذكر أنه منذ نحو أربعين عاماً
قام القسيس الأب سمعان القراءلي في
مدينة حلب بإصدار كتيب عن حادثة ذبح
اليهود للأب توما الكبوشي وخادمه
إبراهيم، وكان يطبعه ويوزع منه هدايا،
ويضع بقية النسخ في المكتبات للبيع،
فلا تمضي فترة من الزمن حتى ينفد
الكتيب ولا يبقى له أثر، فيجدد طبعه
فلا يلبث أن ينفد كذلك، لأن اليهود ـ
فيما يظهر ـ يجمعونه ويتلفونه، حتى كرر
طبعه عدة مرات في عدة سنوات. وفي كل
طبعة كان يرسل منها مائة نسخة لسماحة
مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني،
فيقوم سماحته بتوزيعها، وهو الذي
حدثني عن نشاط الأب سمعان من حلب في نشر
هذه الحادثة الإجرامية الشنعاء.
وقد لحظ المترجم المصري الدكتور يوسف نصر
الله، بدلالة والده، أهمية ذينك
الكتابين الفرنسيين، وأن نسخهما أصبحت
نادرة في طريق النفاد، فأراد تعريف
أبناء العربية بهما، فقام بترجمتهما
إلى العربية، وجمعهما معاً في هذا
الكتاب الذي أسماه (الكنز المرصود في
قواعد التلمود)، طبعه بمصر سنة 1899، ولم
يجدد طبعه للآن حتى أصبحت نسخه في حكم
المخطوط النادر.
وقد صدّر المترجم المشكور الدكتور يوسف
نصر الله هذه المجموعة بمقدمة طويلة
تكلم فيها عن حوادث مماثلة لذبح الأب
توما وخادمه، منها حادثة أخرى خطف فيها
اليهود طفلاً من دمشق أيضاً اسمه هنري
عبد النور، واستنزفوا دمه بثقب في عرق
النبض عند الرسغ، ثم اكتشفت الجريمة،
واستخرجت جثة الطفل من بئر رموها فيها،
وثبتت الجريمة بأدلة كالشمس في وضح
النهار على الفاعلين، فاستخدم اليهود
وسيلتهم المعهودة في شراء الحكام
الذين طمسوا الجريمة عنوة بحجة الحفاظ
على الأمن ودرء الفتنة !! وتركوا والد
الطفل يتأوه ويذوب كمداً وحزناً، فصاغ
آلامه في رسالة وقصيدة أسماها (صراخ
البريء) !! ولم يكن لصراخه سامع، ولا
لهؤلاء المجرمين قامع !!
بعد قراءتي لهذا الكتاب الهام (الكنز
المرصود) الذي وجدت فيه ما أنشد من
المعلومات المتكاملة عن التلمود، وعن
حادثة ذبح الأب توما وخادمه، وما أضافه
المترجم المصري الدكتور يوسف نصر الله
أو أشار إليه من حوادث مماثلة أعدته
إلى الأستاذ ناصر الألباني الذي
أعارني إياه، وبدأت أبحث بنفسي
وبالواسطة عن نسخة منه أشتريها في
مكتبات مصر ودمشق قديمها وحديثها
فأعياني البحث حتى غطاني اليأس،
وتيقنت أن اليهود قد جمعوه كعادتهم ولا
سيما أنه قد مضى على طبعته الوحيدة في
مصر نحو سبعين عاماً.
فلما أصدر الصديق القائد المجاهد السيد
عبد الله التل كتابه العظيم الشأن
الموسوم باسمه (خطر اليهودية العالمية
على الإسلام والمسيحية) وجدت في ثبت
مصادره التي ذكرها في الختام هذا
الكتاب (الكنز المرصود). ثم في أول لقاء
اجتمعت فيه بالسيد عبد الله التل هذا
العام (1968) في الكويت سألته عن هذا
الكتاب الذي عده من جملة مصادر مؤلفه
القيمة، فقال لي: إنه موجود عنده في
مكتبته. فعرضت عليه أن يرسله إلى متى
عاد إلى بلده لكي أقوم بتصحيح أغلاطه
المطبعية الكثيرة، وأعلق عليه بعض
التعليقات، وأضع له مقدمة تفيد
القارئ، وأسلمه إلى إحدى الجهات
العاملة في القضية الفلسطينية لتعيد
نشر بطبعة أجود، فوافق السيد التل حفظه
الله على ذلك، وبعد عودته بقليل كان
الكتاب بيد يدي. وها أنا ذا أقدم الكتاب
إلى الجهة التي ستعيد طبعه بعدما صححت
أغلاطه المطبعية الكثيرة حتى هيأته
لإخراج أجود من الطبعة السابقة
السقيمة(5)(6) آملاً أن أكون بذلك قد أسهمت بقليل من
الجهد فيما ينفع القضية الفلسطينية
ليرى العالم، من كل مذهب ودين، ما آلت
إليه اليهودية التي كانت في أصلها
ديناً إلهياً إصلاحياً فأصيبت بتغيير
المضلين المستغلين الكاذبين على الله
تعالى، بالتحريف والتضليل واستباحت
دماء البشر من غير اليهود وفي قضية
الأب توما وخادمه التي سيقرؤها القراء
في القسم الثاني من هذا الكتاب، وفي
أخبار أمثالها الصورة الناطقة بكل ذلك.
وإني أهيب بكل ذوي الغيرة، من مسلمين
ومسيحيين، تجاه الخطر اليهودي
المشترك، أن يحرص من يستطيع منهم على
تحصيل بعض النسخ من الكتابين
الفرنسيين كتاب الدكتور روهلنج، وكتاب
الدكتور اشيل لوران اللذين هما أصل هذا
الكتاب، ويقوموا بتجديد طبعهما
ونشرهما على العالم، كما أهيب بهم أن
ينشطوا لترجمة هذا الكتاب (الكنز
المرصود) الجامع لهما إلى أهم اللغات
الحية، ولا سيما الإنجليزية والفرنسية
والألمانية والإسبانية، وإلى بعض
اللغات الأخرى الشرقية والإفريقية،
لتعرف البلاد التي تغزوها الصهيونية
بالتضليل الإعلامي والسياسي وتسخرها
لمآربها: ما هي حقيقة الأساس الديني
الرهيب الذي تقوم عليه الحركة
الصهيونية، إذ لا سبيل إلى تعريف شعوب
العالم بحقيقة جزاريه وسكاكينهم إلا
باللغات التي يفهمونها.
وبهذه المناسبة أقول في ختام هذه المقدمة:
كنت في مجلس مع بعض أصدقائي من الشخصيات
السياسية العربية، ممن كانوا في
أوروبا حينما اندلعت نار الحرب
العالمية الثانية، وظلوا هناك حتى
وضعت الحرب أوزارها، وكنا نتحدث عما
آلت إليه الحرب العربية اليهودية في
فلسطين بمؤامرة الدول الاستعمارية
التي وراء اليهود، فحدثتهم بقصة
العقائد التلمود(7)، وذبح اليهود للقس الأب توما وكنت حديث
عهد بقراءتها في مجموعة الأستاذ أسد
رستم السابقة الذكر، فلما بينت لهم أن
قنصل فرنسا كان يحضر جلسات المحاكمة في
دمشق، لأن الضحية المسكين البادري(8)
توما كان فرنسي الجنسية، وكان قنصل
فرنسا يرسل عقب كل جلسة بتقرير عما تم
إلى وزارة الخارجية الفرنسية ـ فإذا
بأحد الأصدقاء السامعين ـ وكان ممن
عاشوا ظروف الحرب بين ألمانيا وفرنسا
ومن ذوي النشاط السياسي البارز في
القضايا العربية عامة، يقول لي: الآن
وقعت على تفسير أمر عجيب !! قلت وكيف ذلك
؟
قال لما احتل الألمان باريس عاصمة فرنسا
أوائل الحرب وأنا هناك وضع الألمان
يدهم فوراً على موجودات وزارة
الخارجية الفرنسية، فوجدوا بين
إضباراتها القديمة إضبارة تشتمل على
تقارير قنصل فرنسا في دمشق فيها تفصيل
حادثة عجيبة خلاصتها أن اليهود خطفوا
أحد القسس الفرنسيين وذبحوه وأخذوا
دمه ليعجنوا به فطيراً يأكلونه تعبداً
في بعض مناسبات دينية مقدسة عندهم،
وتوجب عليهم عقيدتهم عجنه بدماء بشرية
من غير اليهود.
فلما اطلعت السلطات الألمانية على هذه
الإضبارة الغريبة، وكان هتلر يكافح
اليهود، ويحاول تطهير الأرض منهم(9)،
وإراحة العالم من مكائدهم(10) ومفاسدهم وجد الألمان في هذه
الاضبارة مادة غزيرة لشن حرب دعائية
تفضح عقائد اليهود الجهنمية وجرائمهم
على الإنسانية جمعاء، ففكر الساسة
الألمان بصنع فلم سينمائي يمثل قصة
الأب توما وخادمه ويعرضها ماثلة
وناطقة بالألوان الطبيعية أمام أنظار
العالم، ووافق هتلر على هذه الفكرة
وأمر بتنفيذها. فاختار المسؤولون
الألمان لجنة فيها بعض الشخصيات
العربية لترجمة الإضبارة إلى
الألمانية وتهيئتها للإخراج
السينمائي(11).
وقبل أن تتم هذه الترجمة والتهيئة بدأ
الإرهاب(12) الحربي يتسرب إلى الألمان وثقلت الوطأة
عليهم بعد دخول أمريكا في الحرب ضدهم
فشغلوا عن متابعة قضية إخراج القصة في
شريط سينمائي. حتى فوجئوا أخيراً
باستعادة الحلفاء مدينة باريس وبدأ
الألمان يعانون الخسائر والانحدار،
وتلاشت الفكرة.
قال محدثي ـ وكان هو أحد العرب الذين طلبت
منهم المعاونة في ذلك ـ لما اطلعت على
مجمل الحادثة كنت لا أصدق ما أقرأ وكنت
أستغرب اهتمام قنصلية فرنسا في دمشق
بوقائع جلسات المحاكمة ووجود هذه
الإضبارة في وزارة الخارجية الفرنسية
مع أنها ليست من القضايا السياسية، بل
من الجرائم العادية في اصطلاح القانون!
ثم قال: فحين علمت منك الآن أن القسيس
الضحية كان فرنسي الجنسية، وأن
الامتيازات الأجنبية إذ ذاك حمت أحد
المشتركين في القتل لأنه كان نمساوي
الجنسية وموظفاً في قنصلية النمسا
بدمشق وضحت لي الغوامض، وزال العجب من
الناحية التي استغربتها، وبقي العجب
العجاب في أصل الحادثة ومبناها
الإجرامي في عقائد التلمود، وخطره على
الإنسانية جمعاء.
مصطفى الزرقاء
الكويت
|