معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة
سياسية رقم 824
أوروبا
وسورية
وأسلحة
الدمار الشامل
داليا
داسا كني بروفيسور مساعد في العلوم
السياسية في جامعة جورج واشنطن وزميلة
في المجلس لشؤون العلاقات الدولية
الخارجية.
إن
حديث الرئيس بشار الأسد في 6 كانون
الثاني مع الديلي تلغراف اللندنية،
والذي أشار فيه إلى أن سورية لن تتخلى
عن مقدرات أسلحة الدمار الشامل خاصتها
حتى تقوم إسرائيل بذلك أيضاً.. تدل على
أن سورية من غير المحتمل أن تتبع
النموذج الليبي الأخير في الامتناع عن
أسلحة الدمار الشامل بغية تحسين
العلاقات مع الغرب. مع ذلك، فإن مقاربة
أوروبا الحديثة والجريئة في مضادة نشر
أسلحة الدمار الشامل تشكل فرصة لتنسيق
أكبر عبر المحيط الأطلسي ولإمكانية
جني نتائج مركزة.
ـ
مقاربة أوروبا الأصعب لنشر الأسلحة:
ربما
تكون حرب العراق قد قسمت أوروبا بقسوة،
إلا أن آثارها قد كانت دفعة لتطور
استراتيجية الاتحاد الأوروبي الأمنية.
هذه المقاربة تلاحظ الاهتمامات
الأمريكية الرئيسية التي تتعلق
بتهديدات الإرهاب ونشر أسلحة الدمار
الشامل، وكذلك بالحاجة إلى استخدام
القوة كعلاج أخير (وأن يكن ذلك بموافقة
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فقط).
إضافة إلى ذلك، فإن استراتيجية تظهر أن
مشاكل كهذه يمكن مواجهتها عن طريق
ديبلوماسية متعددة الأطراف وسياسات
التدابير المشروطة.
في
حين أنه مايزال أمام أوروبا طريق طويل
عليها أن تقطعه في رسم سياسة خارجية
وأمنية، إلا أنها حققت في العام الفائت
تقدماً ملحوظاً في توجيه سياسة
متماسكة ضد نشر أسلحة الدمار الشامل،
وأنجزت كذلك خطة عملية لتنفيذ المبادئ.
وتؤكد الخطة لا على أهمية المقاربات
المتعددة الأطراف وحسب، بل أيضاً على
العلاقة التكاملية بين الديبلوماسية
واستخدام القوة. ألقت الخطة الضوء كذلك
على الحاجة إلى إشراك الولايات
المتحدة وروسيا كشركاء في جهود منع نشر
أسلحة الدمار الشامل، خصوصاً في منطقة
البحر الأبيض المتوسط. في تحول كبير عن
الممارسة السابقة، أجمع الاتحاد
الأوروبي على الإصرار على أن كل مستقبل
التجارة الأوروبية واتفاقيات التعاون
مع أطراف ثالثة ستتضمن بنداً ينص على
حظر نشر أسلحة الدمار الشامل. في الشهر
الماضي، تبني الاتحاد الأوروبي
استراتيجية لمنع نشر الأسلحة تعزز
المبادئ التي تم تبنيها مؤخراً وتوضح
أن أسلحة الدمار الشامل ستصبح الآن
شرطاً أساسياً في كل اتفاقيات الاتحاد
الأوروبي المستقبلية.
لقد
كان توقيت استراتيجية حظر نشر أسلحة
الدمار الشامل حظاً سيئاً لسورية لأن
الاستراتيجية ظهرت تماماً في الوقت
الذي كانت اللجنة الأوروبية تشرك فيه
دمشق في اتفاقيات التعاون وهي
المتبقية بعد اختتام عمل ذلك مع كل
دولة متوسطية، كجزء من الشراكة
الأوروبية ـ المتوسطية التي بدأت في
برشلونة في عام 1995.
على
نحو متزايد، يستخدم الاتحاد الأوروبي
هذه الاتفاقيات والمنافع التجارية
التي تقدمها كقوة فعالية للحصول على
امتيازات سياسية في مجالات مثل حقوق
الإنسان، والآن، حظر نشر أسلحة الدمار
الشامل، كما حدث مؤخراً مع إيران.
وبالتالي فلأن المفاوضات بين الاتحاد
الأوروبي وسورية تزامنت مع سياسة
الاتحاد الأوروبي لحظر انتشار أسلحة
الدمار الشامل الجديدة، فقد أصبحت
سورية أول حالة اختبار لهذه السياسة.
ـ
الضغط الأوروبي المتزايد على سورية:
رغم
أن اللجنة الأوروبية كانت قد أنهت
مسودة دخول سورية في اتفاقيات التعاون
في كانون أول 2003، إلا أن الدول الأعضاء
لم يوافقوا بعد على الاتفاقية، فبعض
الأعضاء الهامين مثل بريطانيا
وألمانيا، قد عبروا عن قلقهم من كون
بند حظر أسلحة الدمار الشامل قد ألغي
تأثيره، وطلبوا من اللجنة الأوروبية،
وهي الهيكل المسؤول عن التفاوض على
الاتفاقيات الأوروبية، أن تعيد
التفاوض مع السوريين على هذه القضية.
إن عدداً من الدول الأعضاء يظهرون
قلقهم من أن سياسة حظر نشر أسلحة
الدمار الشامل الجديدة إذا لم يتم
تطبيقها في أول مناسبة لذلك، وخصوصاً
مع دولة مثل سورية، فإن مصداقية
المبادرة بأكملها ستكون في خطر.
خارج
نطاق التفاوض على اتفاقيات التعاون
فإن سورية تتلقى كذلك ضغطاً من بعض
الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي
مثل بريطانيا، التي تحاول تكرير
النجاح الليبي هذه المرة مع سورية.
وتتركز الجهود حول إقناع السوريين
بالانضمام إلى معاهدة الأسلحة
الكيميائية (سي.دبليو.سي) لأنه ونظراً
للمعلومات الاستخباراتية التي تشير
إلى وجود مخزون كبير من هذه الأسلحة
لدى دمشق، فإن هذا النطاق هو الأكثر
إثارة للقلق، يتنبأ الكثيرون بجهد
ثلاثي متماثل بين الثلاثة الكبار (بريطانيا
ـ ألمانيا ـ فرنسا) للتفاوض على صفقة مع
دمشق مشابهة لصفقة النموذج الإيراني.
إلا أن هذا يبدو غير محتمل. فمن غير
المحتمل أن تمارس فرنسا ضغطاً عالياً
كهذا على سورية. إضافة إلى ذلك،
وخلافاً لوضع إيران، والتي قدمت فيها
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقرير
انتهاك واضح لمعاهدة دولية، فإن سورية
وهي ليست ضمن الموقعين على معاهدة
الأسلحة الكيمائية (سي.دبليو.سي)
بالتأكيد لم تخرق أي التزامات في
معاهدة.
إن
ترافق الالتزام الديبلوماسي وتهديد
القوة غالباً ما يكون ضرورياً لتغيير
تام من قبل الدول المعنية. إن إظهار
القوة وحده في العراق لن يحمل دولاً
مثل إيران وليبيا على سلوك أفضل، إن
الديبلوماسية الأوروبية والجزرات
المغرية تساعد كذلك بهذا المعنى، فإن
التقسيم على أساس (الشرطي السيئ
والشرطي الحسن) للعمل بين الولايات
المتحدة وأوروبا قد يثبت أنه مفيد في
حالة سورية.
ليس
هناك شك في أن الأسد لا يجلس مرتاحاً في
دمشق.. وفي الحقيقة، فإنه مشغول
بالتنقل حول المنطقة حتى إلى تركيا،
لطلب الدعم على نحو واسع بسبب جيرانه
الأمريكيين الجدد في العراق، لكن
لترجمة انكشاف كهذا إلى نتائج مركزة في
مجالات من الاهتمامات المتبادلة
بالولايات المتحدة وأوروبا، إن
الالتزام الديبلوماسي حاسم، بالتالي
فإن على واشنطن أن ترحب بالجهود
الأوروبية في الالتزام المشروط،
مستخدمة قوتها الاقتصادية لتحصد
تنازلات في مجالات حظر نشر الأسلحة،
وعليها أن تدعم تلك الدول الأعضاء التي
تسعى للإبقاء على لغة قوية في
المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي
وسورية على التعاون المشترك.
لنقل
أنه حتى التنازلات السورية فيما يتعلق
بحظر نشر أسلحة الدمار الشامل في
مفاوضات التعاون المشترك من غير
المحتمل أن تدفع الأسد إلى اقتفاء طريق
معمر القذافي بالتخلي عن جميع أسلحة
الدمار الشامل. ما هو أكثر احتمالاً
لسورية أن تقوم به هو أن تقدم تنازلات
في مواضيع الإرهاب، والعراق (كما تشير
المقابلة مع الأسد
في 6 كانون الثاني)، وربما حتى في
عملية السلام.. وهي ورقة ستحرر دمشق
فعلياً من ضغط كل من واشنطن وأوروبا،
وهذه أكثر احتمالاً لسورية من أن تتخلى
عن الأسلحة الكيميائية. مع ذلك، فإن من
الممكن أن يطلب من سورية القيام بخطوات
أخرى لحظر انتشار الأسلحة، مثل توقيع
بروتوكول آخر، يقر بما في معاهدة
الأسلحة البيولوجية ومعاهدة الحظر
الشامل لاختبارات الأسلحة، ويشارك
مدونة (هاجو كوندكت ضد نشر الصواريخ
الباليستية).
خطوة
مفيدة أخرى لسورية ستكون بحملها على
الموافقة على الانضمام إلى حوار
إقليمي أمني في الشرق الأوسط والذي
كانت كل من أوروبا والولايات المتحدة
مهتمان مؤخراً بإعادة تفعيله. لم تشارك
سورية قط في العملية المتعددة الأطراف
للحد من أسلحة الدمار الشامل وعملية
الأمن الإقليمي، والتي بدأت بعد مؤتمر
مدريد للسلام في عام 1991 وانهارت في
أواسط عقد التسعينات. إن الانكشاف
المتزايد الذي تستشعره سورية، إضافة
إلى التحركات الأخيرة التي قامت بها كل
من إيران وليبيا، يشكلان فرصة فريدة
لتأسيس تجمع إقليمي أمني جديد سيخاطب
المخاوف الأمنية للمنطقة بأسرها بما
في ذلك المصادر التحتية للصراع
الإقليمي.. والتي يؤمل أن تتضمن هذه
المرة البلدان الثلاثة التي بقيت خارج
عملية الحد من انتشار الأسلحة والأمن
الإقليمي. إن حواراً إقليمياً أمنياً
قد يساعد في تسهيل اتفاقية سلام
إقليمية، والتي تعد شرطاً مسبقاً لكل
من سورية وإسرائيل لتتخليا عن أسلحة
الدمار الشامل.
إن
حواراً إقليمياً كهذا لن يعيق استمرار
الجهود الأمريكية والأوروبية في الضغط
على الدول المعنية في وضع قواعد فيما
يتعلق بمقدراتها من أسلحة الدمار
الشامل، خصوصاً إذا ما أشارت معلومات
الاستخبارات المشتركة إلى وجود
تهديدات وانتهاكات واضحة ومتزايدة
للالتزامات الدولية، كما كان الحال مع
إيران. ولكن في كلا المسارين.. الثنائي
والمتعدد الأطراف، فإن التحرك المركز
والمقاربة المنسقة من الولايات
المتحدة وأوروبا يرجح أن تكون أكثر
فعالية من استمرار الخلافات حول ما
حققه استخدام القوة في العراق.
|