قسم الترجمة
متابعة
تقييم خطة الأمير
عبد
الله ولي العهد السعودي للتطبيع
في 17 شباط 2002
استشهد كاتب عمود في صحيفة النيويورك
تايمز (توماس د.فريدمان) بقول ولي العهد
السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز
أنه قد أعد مسودة خطاب جاهز ليتم
إلقاؤه أمام القمة العربية التالية،
ويعرض فيه فكرة للتطبيع الكامل في
العلاقات مع إسرائيل في مقابل (انسحاب
كامل من جميع الأراضي المحتلة، وفقاً
لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك ما
يتعلق بأمر القدس). ونظراً لأن عمود
فريدمان كان معلناً عنه في عنوان
رئيسي، فقد كانت تلك إشارة آسرة من
الوريث السعودي. فهل هي إشارة هامة
أيضاً؟
ـ خلفية:
هذه التعليقات من
قبل عبد الله، والذي سيتم عامه التاسع
والسبعين هذه السنة، لا تشكل المرة
الأولى التي يكسر فيها القادة
السعوديون ما يبدو أنه أرضية جديدة في
النقاشات العربية المتبادلة حول صياغة
مواقف ديبلوماسية في مواجهة إسرائيل.
وليست هذه هي المرة الأولى كذلك التي
يستخدم فيها القادة السعوديون مقابلات
إعلامية لإرسال بالونات اختبار
ديبلوماسية. في 7 آب 1981، قام ولي العهد
السعودي السابق (والملك الحالي) بإجراء
مقابلات مع وكالة الصحافة السعودية
والتي انتقد فيها لائماً (فشل) و(عدم
جدوى) اتفاقيات كامب ديفيد
الإسرائيلية المصرية وقدم عرضاً
بديلاً مأسساً على تضمين منظمة
التحرير الفلسطينية في عملية السلام.
وقدم بعد ذلك أسساً ليمكن أخذها كنقاط
موجهة لمعاملة سلام مستقبلية. وتتضمن
هذه انسحاباً كاملاً إلى حدود الـ 1967 (بما
في ذلك القدس)، إزالة جميع المستوطنات
الإسرائيلية، والتأكيد على حق
الفلسطينيين (بالعودة أو التعويض).
ولكن النقطة السابعة هي النقطة
المثيرة: (أن جميع الدول في المنطقة
ينبغي أن تكون قادرة على الحياة بسلام).
رغم أنه لم يذكر
إسرائيل، فإن ملاحظات (فهد) أرسلت
موجات ذهول في المنطقة لأنها تضمنت
دعماً سعودياً للمبدأ المتضمن في قرار
مجلس الأمن 242، أي أنه (كل دولة في
المنطقة) لديها (الحق لأن تحيا بسلام
ضمن حدود آمنة ومعترف بها ومتحررة من
التهديدات وأعمال العنف). لقد كان غضب
راديكاليي المنطقة، وخصوصاً سورية
والعراق شديداً؛ وحتى اللجنة
التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
رفضته، وكانت النتيجة أن خطة فهد في آب
1981 تم إنعاشها عندما صدق عليها أخيراً
من قبل القمة العربية التي انعقدت في
1982.
في هذا البيان
قرر (المبدأ السابع الجديد) أن مجلس
الأمن التابع للأمم المتحدة أي ليس
بالضرورة تلك الدول الموقعة على
البيان.. (ستكفل السلام لجميع الدول في
المنطقة). لقد قدمت العربية السعودية
تعبيراً تستطيع الراديكاليات في
المنطقة أن تبتلعه.
تفصيل آخر يقدم
سياقاً مفيداً لبيان عبد الله الأخير
أنه قد لعب دوراً رئيسياً في مبادرة 82 ـ 1981 أيضاً. بعد مقابلة
فهد الأولية، وقد تركز التضارب حول
فيما إذا كان البيان قد وعد أم لم يعد
باعتراف سعودي بإسرائيل. (على سبيل
المثال، قال مندوب سعودي في الأمم
المتحدة نعم، ولكنه أنكر من قبل مصدر
سعودي كبير خلال أربع وعشرين ساعة). ولم
يبت في المشكلة في النهاية أحد غير عبد
الله، والذي كان وقتها كما هو الآن
نائب رئيس الوزراء وقائد الحرس الوطني
السعودي. في مقابلة مثيرة للاهتمام في
مجلة التايمز في 9 تشرين الثاني 1981، وضح
بغير غموض أن البند التاسع في مقترحات
فهد يعني اعترافاً نهائياً بإسرائيل.
وبكلمات أخرى، ووفقاً لعبد الله نفسه،
فإن اعترافاً ديبلوماسياً ثنائياً قد
قدم لإسرائيل في 1981.
ـ تفسير مقابلة
فريدمان:
في مقابلة
النيويورك تايمز فإن جانب الطلب في عرض
عبد الله لم يتغير عن خطة فهد الأصلية..
أعني انسحاباً كاملاً إلى حدود الـ 1967
وهذا المطلب يذهب إلى أبعد مما طلب
المفاوضون الفلسطينيون (وحتى أبعد مما
قبلوا به) في محادثات كامب ديفيد ـ طابا.
على سبيل المثال، فهو يقترح عودة إلى
ما قبل الوضع الراهن في القدس (أي إلى
مدينة مقسمة) بدلاً من صيغة (حي يهودي
لإسرائيل، وحي عربي لفلسطين) والتي
وجهت المحادثات الإسرائيلية ـ
الفلسطينية.
وهي أيضاً لا
تتصور وجود مجموعة مستوطنات والتي
اتفق على مخطط لها من حيث المبدأ من قبل
المفاوضين. بالتضمين، فإن المطالبة
بحدود الـ 1967 يعني أيضاً أن الجانب
العربي لن يضغط أكثر من أجل رباط أرضي
بين الضفة الغربية وغزة، الأمر الذي
كان أولوية فلسطينية رئيسية عبر
مفاوضات أوسلو.
ما يثير الاهتمام
أن الأمير عبد الله كان صامتاً في
نقطتين رئيسيتين: حق الفلسطينيين في
العودة، والقبول بإسرائيل كدولة
يهودية. الأول مطلب عربي منذ وقت طويل،
وقد تمت إعادة المطالبة به آخر مرة في
مقالة ياسر عرفات في النيويورك تايمز
في 3 شباط. والثاني نقطة حرجة تولدت عن
محادثات كامب ديفيد في تموز 2000، عندما
شكك المفاوضون الفلسطينيون لا فقط في
دعاوى اليهود بل حتى في وجود صلة بين
اليهود والقدس؛ وعندما أشار وزير
الخارجية كولن باول إلى الحاجة إلى
الاعتراف بـ (إسرائيل كدولة يهودية) في
خطابه في 19/12 في لوسي فيل فإن ذلك كان
على أساس من ثقل الولايات المتحدة
الديبلوماسي.
لم تحظ أي من هذه
النقاط بالكثير من الأخبار. الأمر الذي
حصد العناوين كان إشارة عبد الله إلى (تطبيع
كامل للعلاقات)، فهذه كلمات الشيفرة (التطبيع
الكامل) مصطلح يشير عموماً إلى أقوى
صيغة استخدمت للروابط الثنائية:
السياسية، والديبلوماسية،
والاقتصادية، والثقافية، والنقل،
والسياحة، الخ (علاقات سلمية طبيعية)
هو التركيب المصري ـ الإسرائيلي،
والذي تبناه حافظ الأسد الرئيس السابق
في محادثات السلام السورية
الإسرائيلية، والذي يقترح نوعية علاقة
(سلام بارد) مقيد بشكل أكبر.
إذا كان الخطاب
في درج الأمير عبد الله الخطاب الذي لم
يلق بعد.. سيستخدم مصطلح (تطبيع كامل) (بالعربية،
تطبيع)، فهو يشير إذن إلى ابتكار ترحيب
من البيانات السعودية السابقة.
ومع ذلك فهل هو
مهم؟
رغم كونه آسراً
وخطيراً، فإن البيان السعودي الذي يعد
(بتطبيع كامل) في مقابل المطالب التي
وضعها عبد الله هو بالتأكيد غير ذي
علاقة بالسياق الجغرافي السياسي اليوم.
ما يؤسف له، أنها جاءت متأخرة تسعة عشر
شهراً على الأقل.. وربما بعد ست أو سبع
سنوات عن الوقت الذي ربما استطاعت أن
تحدث فرقاً في ديبلوماسية السلام. في
الحقيقة فإن ما قاله وزير الخارجية
السعودي بصياغة أخرى بأن العربية
السعودية ستقدم عرضاً (بتطبيع كامل)
اليوم بعد التفريط في فرض ذهبية عندما
كان من الممكن أن يحدث ذلك فرقاً في
المفاوضات (قد يدفع المرء العاقل إلى
الجنون).
لقد كان هناك وقت..
أعني، عبر حكومة رابين ـ بيريز (1992 ـ
1996).. عندما قدمت إسرائيل مفهوماً لصنع
السلام مرتكزاً على فكرة السلام مع
حلقة الدول الإقليمية الداخلية،
المنشأ على أساس التسوية على الأراضي
مع الفلسطينيين، لبناء سور واق ضد
النوايا العدوانية من سور الدول
الإقليمية الخارجي، أي العراق وإيران.
ووفقاً لهذا التفكير، الذي تشكل
أحياناً في مفهوم (شرق أوسط جديد)، كانت
الصفقة الأساسية بالنسبة لإسرائيل
إعطاء الأرض للفلسطينيين في مقابل
الحصول على الاعتراف والقبول من قبل
الدول العربية الغير راديكالية.
إن مشاركة العديد
من الدول العربية جنباً إلى جنب مع
إسرائيل في عملية السلام المتعددة
الجوانب، عملية كازبلانكا للقمم
الاقتصادية الإقليمية كانت إشارات على
الاندماج الإقليمي الموعود الذي
سيرافق السلام الكامل الأخير.
وفي حين كان هناك
بعض الخطوات السعودية المتواضعة لدعم
هذا النموذج.. فإن الأمر الذي كان
ملحوظاً بشكل أكبر تأجيل المقاطعة
الثانوية ضد إسرائيل.. لقد صورت الرياض
دائماً كلاعب معارض في هذه العملية.
ففي حين أن دولاً عربية أخرى مثل
المغرب وقطر وتونس وحتى عمان قبلت بشكل
كلي أو جزئي بالديناميكا الإقليمية،
إلا أن السعودية العربية بقيت في معزل
فلم تستضف أبداً جماعة مؤتمر متعدد
الجنسيات أو وفداً إسرائيلياً زائراً،
هذا في الصعيد العلني. إن تصريحاً
بتطبيع كامل خلال هذه المدة كان سيغير
فعلاً من الهندسة الإقليمية للمنطقة؛
وربما كان الصلة الرئيسية المفقودة
التي تحفظ كلاً من عملية متعددة الوجوه
من التمييع وتلجم الشكوكية
الإسرائيلية حول العملية بأكملها.
فرصة ضائعة أخرى
كانت في كامب ديفيد في تموز 2000 خلال
القمة، عندما كان عرفات يبحث بشكل واضح
عن إشارات من مراكز الثقل الإقليمية
حول حكمة المفاوضات.. وعندما كانت
إسرائيل نفسها تفكر في مقدار التسوية
التي كانت ترحب بتقديمها، نصحته
السعودية العربية وآخرون بالحذر لا
بالإقدام. إن تصريحاً سعودياً عن
التطبيع الكامل في ذلك الوقت ربما كان
سيشكل دافعاً كبيراً للمفاوضين،
دافعاً ربما كان سار بالمحادثات أو
المفاوضات اللاحقة إلى نتيجة مختلفة.
أما اليوم، فقد
تغيرت الديناميكا جذرياً بعد سبعة عشر
شهراً من الانتفاضة مع حرب العصابات،
فمن الصعب تخيل أن الإسرائيليين
سيفكرون في تقديم المزيد من التنازلات
في الأرض للفلسطينيين بسبب جاذبية (التطبيع)
مع العربية السعودية. وفي القيام
بتصريح جديد مستحيل لإنجاز المطالب
التي توصلوا إليها بأنفسهم في مفاوضات
فلسطينية ـ إسرائيلية سابقة. والعرض
السعودي المرئي يفشل كذلك في أن يعكس
الواقعية السياسية على الأرض لكل من
الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن
الجدير بالملاحظة أن عبد الله لم يخبر
فريدمان بشكل واضح أنه سيقبل أي
اتفاقية تقوم بها القيادة الفلسطينية
مع إسرائيل. في هذا الصدد، فإن الخطة
السعودية للـ 2002 تعيد أصداء سابقتها في
عام 1981 بطريقة هامة: فكما كانت الأولى
مصممة لتقديم بديل للديبلوماسية
الثنائية بقيادة السادات والتي أدت
إلى كامب ديفيد، فربما كانت هذه
المبادرة مصممة لتوسيع الديبلوماسية
مرة أخرى تكون على نطاق الإقليم بدلاً
من كونها تنازلات يفكر فيها
الفلسطينيون ولكنهم يقبلون بها بشكل
كامل في كامب ديفيد وطابا.
النتيجة:
إن حديثاً
سعودياً عن التطبيع مع إسرائيل وبأي
درجة كانت هو خبر جيد. إن تصريح ولي
العهد عبد الله هو تصريح مرحب به، ومن
وجهة نظر العالم السعودي، فهو أمر
تجديدي حتى. وينبغي أن يتم تحريض
الأمير لكي يلقي الخطاب الفعلي، والذي
سيثير نقاشاً عربياً حول كيف سيصنع
السلام مع إسرائيل. ومع ذلك، فإنه في
عالم السياسة الديبلوماسية الحقيقي،
فإن ملاحظات عبد الله تعادل كونها
أمراً جذاباً إلا أنه غير ذي صلة..
ضئيلاً جداً، ومتأخراً جداً. بعيداً عن
جعل رزمة التعويض لانسحاب إسرائيلي
كامل أكثر جاذبية، فإن عرضاً عربياً
للتوصل إلى تسوية في القضايا الرئيسية
تحت المفاوضات.. قضايا الأرض واللاجئين
والقدس.. ستصنع فرقاً حقيقياً في
المعادلة العربية الإسرائيلية.
|