قسم
الترجمة والمتابعة
الشرق
الأوسط والبنك الدولي
في
أعقاب أحداث 11 سبتمبر
جين
ـ لويس ساربب
في 28 شباط 2002، قام
جين ـ لويس ساربب رئيس البنك الدولي
للشرق الأوسط وشمال أفريقيا،
بالمحاضرة في المنتدى السياسي التابع
لمعهد واشنطن. عمل الدكتور ساربب في
وزارة الصناعة الفرنسية، ودرّس في
جامعات بنسلفانيا وشمال كارولينا قبل
أن يلتحق بالبنك في 1980. فيما يلي تقرير
موجز عن ملاحظاته.
حتى قبل 11/9/2001،
أكد البنك الدولي على الروابط بين
التطور الاقتصادي، واليأس
والإحباط، وأعمال الإرهاب.
بالتأكيد لا توجد هناك علاقة شرطية بين
الفقر والإرهاب، ولكن بالتأكيد أيضاً،
فإن الفقر يغذي اليأس، الذي سيخلق بعد
ذلك بيئة ينمو فيها الإرهاب، كونهم
يعيشون في مجتمع يائس بهذا الشكل، فإن
بإمكان الإرهابيين أن يقدموا أنفسهم،
وأن ينظر إليهم كأنصار للفقراء. إن
الأحداث التي ارتكبت في 11/9 أثبتت أن
بناء سور حول رخاء منطقة مخصوصة من
العالم هو ببساطة عمل فاشل. فالعالم
أصبح معولماً موحداً حقيقة؛ ولم تعد
الأحداث والمشاكل فيه تعرف الحدود.
الأداء
الاقتصادي الراكد:
لقد أبرزت أحداث
11/9 بعض المشاكل في الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا بشكل أكثر حدة. فالمنطقة تعاني
من نمو ديموغرافي سريع وركود اقتصادي
متنام. في النصف الأخير من عقد
التسعينات، عندما كان اقتصاد العالم
ينمو بنشاط، كان في الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا ينمو بشكل بطيء. في الوقت
الحالي، فإن دول المنطقة غير المصدرة
للنفط هي أقل من تلك الواقعة في فنلاند.
إذا ما أخرجنا النفط من الصورة، فإن
اندماج المنطقة في الاقتصاد العالمي
يأخذ الحد الأدنى. إذا أخذنا بالاعتبار
الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يعد
مؤشراً على الطريقة التي ينظر بها
المستثمرون إلى المحيط الاقتصادي.
يبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر
بمجموعه في الشرق الأوسط نسبة 1% فقط من
الإنتاج الإجمالي الداخلي للمنطقة.
وتعد هذه أقل نسبة في العالم، وهي أقل
حتى من النسبة في منطقة ما (دون الصحراء
الأفريقية) حيث يؤلف الاستثمار
الأجنبي المباشر ما نسبته 1.6 من الناتج
الداخلي.
أثناء عقد
السبعينات وعقد الثمانينات، اعتمدت
دول الشرق الأوسط على النفط وعلى
الأموال ذات الصفة (الجغرا سياسية)
لبناء قطاعات عامة ضخمة. وقد تم الحفاظ
على التماسك الاجتماعي بتوسيع الوظائف
العامة، واستغلت النزاعات في المنطقة
كعذر للمسؤولين لعدم قيامهم بإصلاحات
داخلية. إن هذه الديناميكية لقطاع عام
ضخم يدفع له عن طريق أموال النفط
والأموال الجغراستراتيجية ليست قابلة
للاستمرار خصوصاً مع التضخم السكاني.
إن مشكلة البطالة
في الشرق الأوسط معقدة تماماً. فمعدل
البطالة في كثير من البلدان في المنطقة
يقدر بحوالي 15 ـ 20% كما تقول التقارير.
وكثيراً ما تخفف هذه الأرقام من حقيقة
الوضع، وذلك بسبب وجود أعداد كبيرة من
النساء تريد العمل، ولكنها ليست
متضمنة في هذه البيانات. يعاني الشرق
الأوسط من كونه أقل منطقة في العالم في
نسبة المساهمة النسائية في القوة
العاملة، حتى بين النساء اللاتي يؤلفن
غالبية حاملات الشهادات الجامعية. إن
مستويات البطالة العالية هو أحد أسباب
التطوع في المنظمات الإرهابية، والتي
كثيراً ما تستغل أولئك الذين فقدوا
الأمل في تطوير وضعهم الاقتصادي
بطريقة ما. ومع ذلك فإن معدل البطالة في
الشرق الأوسط قد يصبح أكثر سوءاً؛
فكثيراً من الشباب الذين ينضمون إلى
القوة العاملة لا يمكن استيعابهم بشكل
كامل، ومعدل نمو قوة العمالة يفوق معدل
النمو الاقتصادي بكثير.
إن اجتماع النمو
الديموغرافي والركود الاقتصادي، قد
رفعا نسبة الفقر بطريقتين هامتين:
انخفاض معدل الدخل.. (يحيا ثمانون مليون
شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أي
ما يبلغ مقداره 30% من السكان في فقر
مدقع، على أقل من دولارين في اليوم).
كما يتصاعد أيضاً الفقر في المشاركة،
فمعظم البلدان الشرق أوسطية وشمال
أفريقيا لا تسمح لمواطنيها بالمشاركة
في تقرير مستقبلهم الاقتصادي
والاجتماعي.
إضافة إلى هذا،
فإن القطاع العام قطاع غير فعال، حتى
عندما يتم تمويله بسخاء، إن إطارات
العمل المنتظمة، والقطاع المالي،
والأنظمة القانونية والقضائية نادراً
ما تعمل بشكل سلس. في كثير من البلدان
الشرق أوسطية، فإن النفقات المخصصة
للخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم
هي عالية تماماً بالمعايير الدولية،
ومع ذلك فالنتائج ليست إيجابية.
الحاجة
إلى الإصلاح:
إن الإصلاحات
الاقتصادية والاجتماعية هي حاجات ملحة
لمعالجة المشاكل في الشرق الأوسط.
ينبغي أن تبتعد اقتصاديات المنطقة عن
استيراد البدائل والقبول بالنمو
الناتج عن التصدير. لقد فاقت هجمات 11/9
طبعاً جميع التحديات الاقتصادية
والاجتماعية المذكورة أعلاه. وقد شهدت
دول مثل مصر والأردن، اللتين يعتمد
اقتصادهما على السياحة، هبوطاً حاداً
في العائدات. وقد كان لهذا الأمر تأثير
سلبي مباشر على توازن المبيعات، وعلى
سعر صرف الجنيه المصري. ومن غير المرجح
أن تزداد الاستثمارات الأجنبية
المباشرة الضعيفة أصلاً في الظروف
الحالية. لذلك، فإن البنك الدولي يتنبأ
بانخفاض النمو في المنطقة بأسرها في
المستقبل القريب.
لقد
كان لأحداث 11/9 بعض الآثار الإيجابية
كذلك. فقد تزايد النقاش حول التعليم
والديمقراطية ودور الدين في كل من
الشرق الأوسط وواشنطن. وكان باستطاعة
البنك الدولي مناقشة قضايا كان من
الصعب مناقشتها قبلاً، مثل نوعية
التعليم ودور التعصب الديني.
لقد استقطب الشرق الأوسط اهتماماً
أكبر من بقية دول العالم؛ على سبيل
المثال، فقد أظهرت الولايات المتحدة
اهتماماً أكبر لفهم المنطقة خارج نطاق
الأفكار المسبقة، وفي النظر بحذر إلى
طبيعة أنظمة الشرق الأوسط الموالية
لأمريكا. فقد أظهر القادة كذلك
انتباهاً جديداً تجاه الحاجة إلى خلق
فرص عمل وتسهيل النمو الاقتصادي.
ينبغي كذلك إعادة
بناء الأنظمة التعليمية في بعض بلدان
المنطقة. في كثير من هذه البلدان كانت
المدارس بمثابة ساحة معركة بين
المحافظين والمعتدلين. ينبغي أن يتركز
الإصلاح لا على المناهج التعليمية
وحسب، بل على طريقة تدريب الأساتذة. إن
خطوات كهذه أصبح ينظر إليها بشكل
متزايد كنموذج لتغييرات التطوير.
إن ما ينقص
المنطقة ليس التمويل، بل على الأحرى
طريقة بديلة في النظر إلى الوضع
الاقتصادي والحلول الممكنة. منذ سنوات
مضت كان هناك اقتراح بإنشاء بنك للشرق
الأوسط وشمال أفريقيا، وقد فشل
المقترح في معظمه لعدم تأييد اسبانيا
له. والآن ومع كون اسبانيا تترأس
الاتحاد الأوروبي، فإنها تقدم نفس
الاقتراح، ربما كجزء من بنك استثماري
أوروبي، إن الجهد لإنشاء بنك استثماري
أوروبي متخصص في بلدان البحر المتوسط
هو جهد من المرجح نجاحه، حتى وإن كانت
هناك بعض الأدلة على احتياج المنطقة
إلى المزيد من التمويل.
لقد شهد الشرق
الأوسط الكثير من العواقب السياسية
والثقافية لهجمات 11/9 على الولايات
المتحدة، ومع ذلك فإن تمركز الصراع
الإسرائيلي الفلسطيني والطريقة التي
نظر بها المثقفون والصحافة والشعب
إليه.. لا يمكن فهمها. بسبب هذا الصراع
أصبح الكثيرون في الشرق الأوسط يظهرون
انتقائية تجاه النصائح الآتية من
الغرب. حتى تجاه نصائح البنك الدولي،
فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية
أصبحت تُسمع عبر آذان تتعمد التقليل من
أهمية أي نصيحة تنشأ في واشنطن. في
السياق الحالي، ليس هناك أي صانع قرار
متحمس لإخراج الناس من أعمالهم
وإلقائهم في الشارع باسم الإصلاح،
الأمر الذي سيجعل منهم متطوعين
محتملين في الحركات الراديكالية.
|