إعداد
قسم الترجمة والمتابعة
خطاب
بوش وبعثة باول
تقييم
ازدواجية واشنطن والتنافس
في
سياسات الشرق الأوسط
روبرت
ساتلوف: مدير تنفيذي في معهد واشنطن.
فيما يلي نسخة
محررة من محاضرة المنتدى السياسي التي
ألقاها الدكتور روبرت ساتلوف في 12/4/2002.
إن الطريقة
الفضلى لرؤية الوضع الحالي هو عن طريق
الانتباه إلى أن هناك في الحقيقة ستة
حروب تحدث متزامنة: 1) الحرب
الإسرائيلية الفلسطينية المتزامنة؛ 2)
الحرب ضد الإرهاب؛ 3) الحرب ضد صدام
حسين ومحور الشر، 4) الحرب في العالم
العربي بين الحكام والمحكومين؛ 5)
الحرب بين الإسرائيليين لتحديد مستقبل
إسرائيل، واستراتيجية طويلة الأمد
للدولة؛ و6) الحرب من أجل التفاني في
سياسة حكومة بوش في الشرق الأوسط. قد
تتداخل هذه الحروب، وتتقاطع، وتتلاقى
في نقاط مشتركة، ولكنها ليست متماثلة.
فإحداها تؤثر في الأخرى بطرق سلبية
عادة.
سياسات
واشنطن المزدوجة:
هناك في الوقت
الحالي أربعة اتجاهات واضحة تتصارع
على جوهر سياسة الولايات المتحدة تجاه
الصراع العربي الإسرائيلي:
فعلى أحد نهايات
الرؤية، هناك اتجاه (الفرص) الذي يقول
أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن
تتدخل بقوة، وتفرض السلام. ويتوضح هذا
بعدة طرق، من عمود افتتاحية
بريجنسكي إلى دعوة توماس فريدمان
لإرسال جنود من الولايات المتحدة أو من
حزب الناتو إلى اعتماد الحكومة الجديد
على مجلس الأمن كلاعب مساعد. هذا اتجاه
مغلق، ومع ذلك فهو يتزايد بسرعة.
على النهاية
الأخرى من الطيف، هناك الاتجاه
التقليدي لدعم إسرائيل طالما أنها
تخوض حربها دفاعاً عن النفس، وله
مؤيدون من مثل ويليام بينيت وويليام
كريستول. في الحكومة، وينعكس في بيانات
وزير الدفاع رونالد رامسفيلد الذي
يركز على العراق وإيران وسورية
باعتبارهم التهديدات الحقيقية
للاستقرار الإقليمي. هناك تعاطف كبير
مع هذا الاتجاه في البيت الأبيض، ولكن
ليس التعاطف الذي يمكن تسميته (بالتعاطف
العملي).
في الوسط، توجد
هناك استراتيجيتان متناقضتان لا يمكن
التسوية بينهما جنباً إلى جنب وتشكلان
التناقض الأساسي في خطاب الرئيس وفي
بعثة باول. إحداهما استراتيجية لما بعد
عرفات، والأخرى مركزية عرفات.
إن الفكرة
الأساسية في خطاب الرئيس في 4 نيسان، هي
فكرة ثورية: إرجاع الساعة إلى الخلف
على الأقل بجيل واحد، عندما لم يكن
الصراع صراع ما بعد الـ1967 بين
الإسرائيليين والفلسطينيين ولكن كان
صراع ما قبل الـ1967 بين إسرائيل والدول
العربية. إن الفكرة هي جعل عرفات غير ذي
صفة، واللجوء إلى دول عربية وإذا أمكن،
فلسطينيين كبديل ليقدموا القيادة
البناءة التي لم يقدمها عرفات. ومغزى
الفكرة تحويل عرفات إلى نسخة عصرية من
مفتي القدس، الذي قام (وبشكل مخز)
بقيادة الفلسطينيين في عقد الثلاثينات
والأربعينات، فقط ليموت منسياً ،
وتحتل قيادة أخرى مكانه.
ويوضح هذا الفهم
السبب في أن الرئيس جورج.دبليو.بوش دعا
الدول العربية والشعب الفلسطيني، ولكن
لم يدع عرفات، لإظهار قيادة جديدة.
على الصعيد
النظري هذه فكرة عظيمة، ولكن كتطبيق
فإن هذه الفكرة ستفشل لأن الإدارة لم
تفعل شيئاً تقريباً لإنجاحها. بدلا من
ذلك فإن سياسية الحكومة العملية كانت
السماح لقادة العرب أن يقولوا لوزير
الخارجية كولن باول (اذهب وتحدث مع
عرفات، واجبر إسرائيل على الانسحاب ثم
سنرى) بذلك يعود عرفات إلى اللعبة
وتتحول الاستراتيجية إلى مزق. ما يؤسف
أن هذا البديل (مركزية.عرفات) يبدو
مقيماً في الحكومة. ولا يعود هذا إلى
دوافع ماكرة ولكن يعود إلى كون
الكثيرين في الحكومة لديهم تقدير
مبالغ فيه، من المخاوف التي عبر عنها
القادة العرب، واعتقاداً مبالغاً فيه
في إمكانية نجاح صيغ قديمة بعد أن فشلت
مرات عديدة سابقاً.
استراتيجيتان
جنباً إلى جنب:
لتوضيح هاتين
الطريقتين، لنلقي نظرة قريبة على خطاب
بوش في 4/ نيسان وبيان مدريد الرباعي
الذي قرأه كوفي عنان الأمين العام للأم
المتحدة نيابة عن الولايات المتحدة،
والاتحاد الأوروبي، وروسيا والأمم
المتحدة. ويفترض أن يعكس كلا الخطابين
سياسة الولايات المتحدة:
ـ لماذا القتال؟
أعطى الرئيس عرضاً واضحاً لأسباب
العملية العسكرية الإسرائيلية: محاربة
الإرهاب، مبدأ يؤيده. أما البيان
الرباعي فقد دعا القتال الأخير قتالاً
(غير ذي معنى).
عرفات
قائداً!
في خطابه، أشار الرئيس إلى عرفات
مرة واحدة، وفي سياق قيادته الفاشلة.
منذ ذلك الوقت، لم يذكره باسمه نهائياً.
على العكس من هذا، اشتمل البيان
الرباعي على ثلاث إشارات محددة إلى
عرفات، تضمنت تأكيداً على قيادته
الشخصية المتمركزة على كونه (القائد
المنتخب المعترف به من قبل الشعب
الفلسطيني). وهذا يقلب سياسة الولايات
المتحدة رأساً على عقب. بعد كل شيء، فإن
السبب الوحيد لوجود علاقة بين
الولايات المتحدة ومنظمة التحرير
الفلسطينية وعرفات كان وجود اعتقاد في
1993 بأنه سيفي بشروط الولايات المتحدة
للحوار بشجبه للإرهاب. ولا توجد أية
علاقة للولايات المتحدة بعرفات تتمركز
على الانتخابات الفلسطينية في 1996.
ـ ما الذي نطلبه
من الأطراف المعنية؟ وفقاً للرئيس،
فإن بعثة باول كانت لتحقيق (وقف فوري
ومفيد لإطلاق النار؛ ونهاية للإرهاب،
والعنف، والتحريض، وانسحاب للجنود
الإسرائيليين؛ وتطبيق لخطط تنت
وميتشيل المتفق عليها، والتي ستقود
إلى تسوية سياسية)، ويبدو أن هذه
السلسلة المتعاقبة منطقية. رغم ذلك،
فإن السلسلة المتعاقبة نفسها والتي
أعاد البيان الرباعي المطالبة بها،
دعت إلى وقف للعمليات الإسرائيلية (وهو
شيء لم يطلبه الرئيس أبداً) بدلاً من
وقف إطلاق النار كمطلب أولي للعمل.
أيضاً، عاد البيان الرباعي إلى الصيغة
القديمة للطلب من الفلسطينيين لبذل (أقصى
الجهود الممكنة) لإيقاف الإرهاب، مما
تضمنه جهداً بديلاً لتركيز الرئيس على
النتائج.
ثم تأتي الفقرة
ذات التشويه المنطقي الأكبر في البيان
الرباعي. فقد دعا في جمل متتابعة إلى (تطبيق
كامل) لخطط تنت وميتشيل ثم دعا (البيان)
إلى امتثال فوري وحركة سريعة باتجاه
تقدم سياسي ملموس على المدى القريب. إن
أي شخص قد قرأ تقريري تنت وميتشيل يعلم
أن كلا الجملتين متناقضتين لبعضهما،
وأن البيان الرباعي كان يلعب لعبة خفة
ديبلوماسية. في الواقع، فإن غاية تنت
الكلية (وهي خطة أمن تشمل على عملية
تحقق ورقابة) وميتشيل (خطة لبناء الثقة
وتؤدي إلى المفاوضات السياسية) إنهما
يتطلبان وقتاً لإثبات حسن نوايا
الأطراف ولإعادة بناء الثقة في
إمكانية التفاوض. إن تطبيق هذه البنود
كما طلب البيان الرباعي لهو استحالة
منطقية. في الحقيقة، فقد كان سيئاً بما
فيه الكفاية أنه، في حين دعا وزير
الخارجية باول في القاهرة يوم
الثلاثاء إلى تحرك (فوري) من تقرير تنت
إلى ميتشيل لمحادثات السلام؛ كان
الأسوأ اختفاء أي معنى للتتابع كلية
يوم الأربعاء.
كان سيكون معيباً
بشكل أقل لو أن البيان الرباعي كان
شريفاً وحاول توضيح كون الوضع الذي
اتفق فيه على تقريري تنت وميتشيل لم
يعد موجوداً. وأن عمق الإرهاب ومدى رد
الفعل العسكري الإسرائيلي قد غيرا
الوضع على الأرض، وداعياً إلى صيغ
جديدة. ولكن وبدلاً من أن يكون صريحاً
ومستقيماً، اختار البيان الرباعي أن
يكتب ثانية اتفاقيات متفاوض عليها
سابقاً مع الإسرائيليين والفلسطينيين.
بهذه العملية، فإنهم يكونون قد كرروا
ما قاله الرئيس قبل ستة أيام فقط.
دور
الدول العربية:
الأمر المحزن، أن
البيان في هذا المجال كان أبعد ما يكون
عن خطاب الرئيس. ففي خطابه، دعا الرئيس
العالم العربي لتوجيه ضربة
للإرهابيين، وإيقاف التحريض، والتصرف
ضد كتائب الأقصى، وحزب الله، وحماس،
والجهاد الإسلامي، والمضي قدماً ليرى
العالم أن الدول العربية هي حقاً إلى
جانب السلام. ما يؤسف له، أنه في البيان
الرباعي، كانت المهمة الوحيدة للدول
العربية (الحفظ، والتقوية، ومساعدة
السلطة الفلسطينية، بما في ذلك
قدراتها الأمنية..) أي على وجه الدقة،
أولئك الأعضاء في الاستخبارات والأمن
والذين أثبتوا أنفسهم كجزء من المشكلة
في المنطقة، لا كجزء من الحل.
إنه من المستحيل
التوفيق بين خطاب الرئيس والبيان
الرباعي المصدق عليه من قبل وزارة
الخارجية. إنهما يعكسان طريقتين
مختلفتين في الفهم للوضع الحالي وللحل.
وهؤلاء الذين يحاولون أن يكون الرئيس
نفسه لديه تكييفات متبدلة تجاه
المقاربات البديلة ينبغي أن يقرؤوا
تعليمات الناطق باسمه في الصحافة في 11/
نيسان. بشكل فعلي وفي كل نقطة، كان يعيد
التأكيد على المقصد واللغة الأصلية
لخطاب الرئيس في 4/ نيسان، لا في البيان
الرباعي.
يمثل هذان
البيانان جوهر معركة سياسة الحكومة في
الشرق الأوسط. وفي حين أن كل التركيز
موجه إلى وزير الخارجية باول، فإن
الامتحان الحقيقي ستتم مواجهته من قبل
الرئيس عندما يعود الوزير إما
بإنجازات قليلة جداً أو بلا شيء على
الإطلاق. عندها سيواجه الرئيس خياراً: أن
يكون صارماً مع القادة العرب لفشلهم في
أن يكونوا على مستوى القيادة؛ وأن يكون
في النهاية صارماً مع عرفات ويقطع
العلاقات معه؛ وأن يلتمس دعماً
سياسياً كاملاً من إسرائيل لإظهار
الوجه الإيجابي لقطع العلاقات مع
عرفات؛ أو أن يكون صارماً مع
الإسرائيليين لفشلهم في توفير الحوافز
للعرب لقدح شرارة هذه الطريقة الجديدة.
طبعاً، قد يختار الرئيس عناصر من هذه
الخيارات الثلاثة مجتمعة. وينبغي أن
يتذكر المرء، أن خياره سيؤثر في جميع
الحروب الأخرى التي تأخذ طريقها الآن:
ضد الإرهاب، ضد محور الشر في العالم
العربي وفي إسرائيل نفسها.
|