معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة
سياسية رقم 787
الكيفية
التي يرى بها العراقيون
دور
الولايات المتحدة أساسية لتقويم
الوضع
في العراق
باتريك
كلاوسون: نائب مدير معهد واشنطن.
حتماً
تحتل التقارير حول ضحايا الولايات
المتحدة العناوين الرئيسية في التغطية
الإعلامية لعراق ما بعد الحرب. مع ذلك،
فإن تحديد الكيفية التي ينظر بها
العراقيون أنفسهم إلى الوضع الحالي،
ذو وأهمية مماثلة (لتقارير الضحايا)
لتقويم الوضع في العراق. لقد قدم
استفتاءان عامان حديثان بعض المعلومات
المنظمة عن الرؤى العراقية، وتكمل هذه
المعلومات بدورها الدليل القصصي
المتصاعد فيما يتعلق بالحياة اليومية
في عراق ما بعد صدام.
الاستفتاءات:
التفاؤل المتنامي، الشكوك المستمرة
تظهر
استفتاءات غالب والزغبي الدولية
الأخيرة نتائج متوافقة: معظم
العراقيين متفائلون، ولكنهم لا يرحبون
بدور أمريكي طويل الأمد في العراق،
استطلع (غالب) رأي 1.178 من ساكني بغداد في
أواخر آب وأوائل أيلول. وقد سأل فيما
إذا كان عزل صدام حسين يستحق المشقات
التي عانوا منها منذ تدخل الائتلاف،
وقد أجاب 62% بنعم، و30% بلا. من بين
المليون ساكن لمدينة الصدر، المنطقة
الشيعية الفقيرة في العاصمة، فإن 78% من
المجيبين أجابوا بنعم، وهو رقم يعطي
رؤية لحسابات الهيجان المعادي لأمريكا
في المنطقة من قبل الراديكاليين
الشيعة الإسلامويين (على سبيل المثال،
رجل الدين المثير للفتن مقتدى الصدر).
على العكس من ذلك، فإن المجيبين من
منطقة الكرخ، ذات الطائفة المختلطة
الغنية نسبياً، فقد انقسموا بالتساوي
إلى 47 % أجابوا بنعم، و47 أجابوا بلا. وقد
ظهرت اختلافات مشابهة عندما سئل هؤلاء
الذين تم استفتاؤهم فيما إذا كانت سلطة
الائتلاف المؤقتة (C P A)
تقوم بعمل جيد، فقد أجاب ساكنو مدينة
الصدر على نحو واسع بنعم (37% أجابوا
بنعم، و13% أجابوا بلا) في حين أن سكان
مدينة الكرخ أجابوا على نحو واسع بلا
(38% بلا، و20% بنعم). المجيبون المتبقون
كانوا حياديين.
في
آب، أجرى (الزغبي) الدولي استفتاء على
(598) من سكان البصرة، والموصل، وكركوك،
والرمادي، والأخير مركز للمقاومة
العربية السنية لقوات الائتلاف.
لم
يسأل الاستفتاء فيما إذا كانت الإطاحة
بصدام تستحق. بل سأل عن المدة التي
ينبغي أن تبقى فيها قوات الائتلاف في
العراق، وقد أجاب 25% من الذين تم
استفتاؤهم بسنتين أو أكثر، مقارنة بـ
32% قالوا إن قوات الائتلاف ينبغي أن
تغادر في غضون ستة أشهر. وقد تضمنت
المجموعة الثانية بعض الأشخاص الذي مع
كونهم أصدقاء للولايات المتحدة، (على
سبيل المثال، أحمد الشلبي)، فإنهم
متفائلون بأن العراقيين يستطيعون أن
يتولوا إدارة بلادهم خلال فترة قصيرة.
وتشير
جميع هذه الاستفتاءات إلى أن
العراقيين متفائلون بالمستقبل وفقاً
لـ 67% من البغداديين و96% من هؤلاء
الموجودين في المدن الأربعة الإقليمية
فإن العراق سيكون أحسن حالاً خلال خمس
سنوات، بالمقارنة بـ 8% و20% على التوالي
الذين يظنون أن أحوال البلاد ستكون
أسوأ. وعندما سئل المستفتون عما إذا
كانت سلطة الائتلاف المؤقتة تعمل بشكل
أفضل مما كانت عليه قبل شهرين، أجاب 50%
من البغداديين بنعم، وفقط 17% بلا، ولم
ير 33% أي اختلاف. إضافة إلى ذلك، فقد عبر
61% من البغداديين الذين تم استفتاؤهم
عن رؤى مشجعة للمجلس العراقي الحاكم،
مقارنة بـ 13% فقط كانوا ذوي رؤى سلبية.
رغم
أنهم متفائلون حول ما يتعلق بالإصلاح،
فإن لدى البغداديين رؤى مختلطة حول
المستقبل. وعندما سئلوا عما إذا كان
العراق قد أصبح أحسن حالاً أو أسوأ
حالاً عما كان عليه قبل الاجتياح، أجاب
29% بأنه قد أصبح أفضل نوعاً ما، في حين
أجاب 32% بأنه أصبح أسوأ نوعاً ما، و15%
قالوا إنه أصبح أسوأ بكثير، وفقط 4%
أجابوا بأفضل بكثير. والمستفتون
الباقون كانوا حياديين. هذه المواقف
تعود بغير شك إلى حقيقة أن 94% من
المستفتين يشعرون بأن العاصمة أخطر
بكثير مما كانت عليه قبل الاجتياح.
إحدى
المشاكل المستمرة هي تشككات العراقيين
حيال الولايات المتحدة. فبين
البغداديين عبر 44% عن رؤى سلبية
للولايات المتحدة مقارنة بـ 29% فقط
الذين قدموا رؤى مشجعة. في المدن
الإقليمية الأربع، اعتقد 50% أن
الولايات المتحدة ستلحق ضرراً بالعراق
في السنوات الخمس التالية، في حين
اعتقد 35% أن الولايات المتحدة ستقدم
المساعدة. من بين العرب السنيين في
عينة (الزغبي)، كان الانقسام إلى 70%
يعتقدون أنها ستلحق ضرراً، و13% يعتقدون
أنها ستساعد (ويشكل العرب السنيون 37%
تقريباً من عينة الزغبي. رغم أن نتائج
الاستفتاء لا تحصر العرب السنيين بشكل
منفرد، إلا أنهم يفرقون بين السنة
والأكراد، فإن فصل الأكراد عن السنيين
ينشئ عنه تقريب جيد للعرب السنيين).
لقد
سأل استفتاء الزغبي كذلك الذين تم
استفتاؤهم فيما إذا كان ينبغي أن تكون
حكومة العراق نظاماً إسلامياً أو
حكومة تسمح للمدنيين بممارسة دينهم
الخاص. بشكل إجمالي، استحسن 33% حكومة
إسلامية. إلا أن 62% من العرب السنيين
الذين تم استفتاؤهم طالبوا بحكومة
إسلامية، مقارنة بـ 27% فقط من
المستفتين الشيعة. إن هذه النتيجة تمنح
رؤية لتقارير التأييد الشيعي لطراز
الحكم الإيراني الديني.
الدليل
القصصي: تستمر الحياة اليومية رغم
المشاكل
إن
بيانات الاستفتاء أعلاه متوافقة
تماماً مع الملاحظات القصصية فيما
يتعلق بطبيعة الحياة في العراق بعد
صدام، يظهر بعضها في العديد من
التقارير الصحفية والبعض الآخر جمعها
الكاتب أثناء رحلته الأخيرة ذات الـ 700
ميل عبر العراق الجنوبي والمركزي في
التكسيات والسيارات البالية المتنوعة.
وقد أظهرت هذه الملاحظات أن الحياة
اليومية تستمر مع وجود تقلبات تعود إلى
فترة ما قبل الحرب.
أحد
التطورات الملفتة للنظر كان إلغاء
سلطة الائتلاف المؤقتة للضرائب. لقد
أصبح العراق منطقة واحدة ضخمة معفاة من
الضرائب، بفيضان من السلع المستوردة
بأسعار أقل بكثير من الماضي. على سبيل
المثال، فإن سيارة شيفروليه مستعملة
والتي كان سعرها 18 مليون دينار (9.000
دولار) قبل الحرب أصبحت الآن تباع ب 8
مليون دينار. نتيجة لذلك، فإن قرابة
أعلاأعلاهأعلاتتنتنتنتنت300.000
سيارة مستوردة قد بيعت كما تقول
التقارير في العراق منذ الحرب، مع
اختفاء السيارات المستعملة ذات السعر
المتوسط من بين سيارات الكثير من
البلاد التي تبعد مسافة تشبه الإمارات
العربية المتحدة. على نحو مشابه، فإن
الأسواق مليئة بالملابس الرخيصة من
جنوب آسيا، بينما تتكوم على الأرصفة
أمام المحلات بكل نوع من البضائع
الطويلة الأمد وخصوصاً المكيفات،
والمجمدات، وآلات الغسيل،
والتلفزيونات. يتحدث المستودرون
الرئيسيون عن مبيعات ممتازة، في حين
يتذمر أصحاب المصانع بشكل كبير من
فيضان ما يدعون أنه واردات غير عادلة،
والتي تدفعهم إلى إغلاق مصانعهم، لقد
هيأ صدام وعقوبات الأمم المتحدة
ظروفاً تشبه ظروف البيت الحراري
للمصانع، والتي تواجه الآن هبوباً
بارداً بسبب الواردات.
من
الصعب الحكم على مستويات الدخل
الحالية. المعلمون سعيدون بدون شك،
فرغم أنهم لم يتلقوا كل شيكاتهم في
الوقت، إلا إن رواتبهم قد ارتفعت من 5 ـ
7 دولارات في الشهر إلى 20 دولاراً في
الشهر. لقد ارتفعت البطالة بشكل مفاجئ،
لكن بالرغم من النمو في القطاع التجاري
غير الرسمي (التجار الصغار ومسؤولي
الخدمات يتزايدون) وإنشاء سلطة
الائتلاف المؤقتة لفرق عديدة لتنظيف
الشوارع وقناة الري، تقوم هي (سلطة
الائتلاف) على تمويلها. أما بالنسبة
لما تقوله التقارير عن السخط
الاقتصادي بين القبائل السنية، فإن
بعض الأفراد الذين كانوا قريبين من
نظام صدام قالوا إن هذه القبائل تصرفت
بطريقة مشابهة في الماضي عندما لم
يحصلوا على المبالغ النقدية التي
طلبوها.
بقي
أمر الأمن مقلقاً، ولكن العراقيين
أكثر قلقاً من اللصوص منهم من المقاومة
المعادية للائتلاف. من رجال الأعمال
إلى سائقي التكسي، فإن الخوف الرئيسي
في بغداد هو أن يتم اختطافهم أو سرقتهم
أثناء عملية سرقة، خصوصاً، باعتبار
حقيقة أن صدام قد أطلق سراح جميع
المجرمين من السجن قبل سقوط نظامه. إن
المزيد من القوات أو ائتلافاً أكبر لن
يحل هذه المشكلة بالضرورة. في الواضع،
فإن كثيراً من العراقيين علقوا
مستحسنين على تواري قوات الائتلاف عن
الأنظار. وقد تم اعتراض كاتب هذه
السطور أثناء رحلته ذات الـ 700 ميل من
قبل خمس نقاط تفتيش فقط، كلها تدار من
قبل العراقيين. لقد بدأت الشرطة
العراقية في إثبات وجودها. فللمرة
الأولى على الإطلاق، أخذوا يتجولون في
سيارات شرطة صدام ويجلسون ببساطة في
مراكز الشرطة، وضباط المرور في بغداد
يساعدون بشكل متقطع في أكثر التقاطعات
تأزماً. أما خارج العاصمة، فقد تحسن
الوضع الأمني إلى حد كبير. على سبيل
المثال، في إحدى ليالي الخميس في
البصرة، يمكن رؤية الرجال والنساء وهم
يتمشون داخل وخارج أفخم فندق دون وجود
قوى أمن على مرمى البصر.
لقد
كان هناك تقدم ملحوظ في مشاكل أخرى
كذلك، فمحطات الجازولين في المناطق
المدنية المركزية لديها خطوط قصيرة
فقط، بينما لم يكن لدى هؤلاء في
الضواحي والقرى أي خطوط. إضافة إلى
تشجيع التفتيش على عمليات التهريب، إن
سعر الجازولين المنخفض (7 سنتات/ جالون)
يخفض تكلفة إدارة المولدات الموجودة
مما جعل محطة الكهرباء أفضل بكثير مما
اقترحته البيانات على ناتج المولد
المركزي (يستطيع العراقيون شراء مولد
كهربائي ذي قدرة 1.200 واط قادر على إدارة
تلفزيون وأنوار عديدة في مقابل 90 دولار).
النتيجة:
إن
الحياة في عراق ما بعد صدام ليست
فوضوية ولا كارثية ؛ بل هي إلى حد ما
مزيج من الإيجابيات والسلبيات. تشير
بيانات الاستفتاء إلى أن العراقيين
متفائلون بتوازن. وطالما بقي هذا
الوضع، فإن لدى الولايات المتحدة ظروف
واعدة بشكل معقول لمهمة نقل السلطة إلى
حكومة إدارة عراقية جديدة، والتي هي
مهمة صعبة. إضافة إلى ذلك، فإن كلاً من
استفتاءات الزغبي وغالب تشير إلى أن
الشيعة هم أكثر انحيازاً لموقف
الولايات المتحدة من العرب السنة. يشكل
الشيعة والأكراد الذين لم يتم تمثيلهم
بشكل جيد في كلا الاستفتاءين.. يشكلان
75% من السكان. طالما بقي هؤلاء متعاطفين
مع أهداف الولايات المتحدة سيكون من
الصعب على عناصر المقاومة أن تصبح نشطة
في معظم البلاد.
|