معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 714
24 / 2 / 2003
إعادة
انتشار القوات اللبنانية في الجنوب
فهم
تكتيكات سورية الدفاعية
يورام
يوف: زميل عسكري زائر في معهد واشنطن.
في
الأسابيع الأخيرة، بدأت سورية في
تغيير تكتيكاتها العسكرية في لبنان
كنتيجة مباشرة لسياسة الولايات
المتحدة تجاه العراق. حتى بغير وجود
قوات أمريكية تقوم بإطلاق القذائف ضد
صدام حسين، فإن القادة عبر الشرق
الأوسط قد بدأوا بإعداد أنفسهم
لانتصار أمريكي نهائي وللأصداء التي
ستتبع ذلك النصر.
القلق
المتعلق بعراق ما بعد صدام:
في
الشهر الماضي، امتلأت الصحف اللبنانية
بمناقشة أمر إعادة نشر القوات
اللبنانية المسلحة في الأجزاء
الجنوبية من البلاد وعلى طول الحدود
الإسرائيلية ـ اللبنانية (ماعدا
الجانب اللبناني من مزارع شبعا
المتنازع عليها، حيث ماتزال قوات حزب
الله في مكانها).
وقد
وصف الرئيس اللبناني إميل لحود عملية
إعادة الانتشار كوسائل ضمان (لعدم
تأثير تطورات الأزمة العراقية علينا
في الأمور السياسة والأمنية). إضافة
إلى ذلك، أشارت التقارير إلى إشراف
الرئيس السوري بشار الأسد على
اجتماعات يومية مع القادة اللبنانيين،
بهدف تقوية موقفه
الداخلي عن طريق حل القضايا السياسية
المقترحة، بما فيها عدة شكاوى دينية
وإثنية. على سبيل المثال، قام الأسد
بتقديم تنازلات في قوانين الانتخابات
اللبنانية في محاولة لكسب بعض الشعبية
بين المارونيين الممثلين بعدد من
النواب أقل من أعدادهم. ووفقاً
لصحيفة الحياة العربية اللندنية
المقر، فإن من المتوقع كذلك أن يقابل
البطريرك الماروني قبل رحلة الأخير
إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من
هذا الشهر.
إن
أوضح دليل على تغييرات سورية
التكتيكية يمثل في تغير سلوك حزب الله.
فقبل شهرين فقط، وصف السكرتير العام
لحزب الله، حسن نصر الله، وهو يتحدث من
دمشق، وصف إسرائيل بكونها (مجرد لواء
عسكري في جيش الولايات المتحدة) مما
يشير إلى أن حزب الله سيستهدف أصولاً
أمريكية إلى حد كبير بنفس الطريقة التي
يستهدف بها إسرائيل. ولكن في الأيام
الأخيرة، غير نصر الله من نبرته،
مؤكداً في مقابلة أجرتها معه (أخبار
الدفاع) في 17 شباط أن (حزب الله لن
يستهدف أي مصالح أمريكية حول العالم)
وأنه (لا يريد نسف المنطقة أو قيادة
المنطقة تجاه أي تصعيد).
استراتيجية
بقاء سورية:
هذه
التغيرات مجتمعة تشير إلى استراتيجية
سورية مرتكزة على المبادئ التالية:
أولاً،
لا داعي لاستفزاز الولايات المتحدة
وحليفها المحلي إسرائيل.
ثانياً،
الاستعداد لحالة ما إذا تطور الصراع،
وتم جر سورية أو حليفها المحلي، حزب
الله، إلى النزاع.
بشكل
واضح، فإن مصلحة سورية الرئيسية هي
الصمود في حملة الولايات المتحدة التي
تلوح في الأفق ضد العراق، وتجنب
التأشير عليها باعتبارها الدولة
الثالثة الراعية للإرهاب بعد
أفغانستان والعراق ليتم استهدافها بعد
ذلك من قبل الولايات المتحدة في الحرب
على الإرهاب. إن سورية إحدى الأعضاء
الأساسيين للائحة الأمريكية للدول
الراعية للإرهاب، ويبدو أن القلق في
دمشق من أجندة واشنطن لما بعد الحرب قد
قدح عدة مبادرات بهدف تغيير موقع سورية
لتصبح شيئاً يشبه الحليف، بدلاً من
الخصم، في الحرب على الإرهاب. على سبيل
المثال، فإن السلطات السورية،
بالتعاون مع الولايات المتحدة، قامت
مؤخراً باحتجاز واستجواب المواطن
الألماني السوري المولد محمد زمار
عندما تم إعلامها بأن له روابط بمحمد
عطا أحد المتآمرين في أحداث 11/9. إضافة
إلى ذلك، وفي الأيام الأخيرة، بدأ
الجيش السوري بنقل صغير الحجم للقوات
من مناطق البترون، والكورة، وزغرتا في
إظهار لحسن النوايا تجاه الولايات
المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد
الأوروبي، والذين قام كل منهم بإصدار
رجاء متكرر من أجل الانسحاب السوري.
إن
سورية عازمة كذلك على تجنب المواجهة مع
إسرائيل. ويبدو أن دمشق قد قيمت
السياسة الإسرائيلية بشكل صحيح. أي أن
إسرائيل لن تقوم بتحرك مبادر أثناء
المواجهة الأمريكية العراقية، خوفاً
من أن يضعف ذلك واشنطن، ولكن القوات
الإسرائيلية سترد بالتأكيد على هجوم
يشنه حزب الله. وفي ضبابية الحرب، فإن
رداً كهذا قد يشتمل على ما هو أكثر
بكثير من غارة انتقامية بسيطة، نظراً
لأن إسرائيل قد تقرر أن توجيه هجوم
انتقامي بالضربة القاضية لمنظمة
إرهابية كبرى قد لا يسبب الكثير من
القلق لواشنطن أثناء الحرب.
إضافة
إلى ذلك، ففي عالم ما بعد صدام، فإن
سورية قد تجند لبناناً مطواعاً يستمر
في كونه مؤيداً دولياً ومتسامحاً بغير
معارضة كبيرة للاحتلال السوري. إن
علاقة كهذه قد تكون أساسية للاقتصاد
السوري الذي قد يفقد ما يقدر بـ 2 بليون
دولار من التجارة غير المشروعة، ومن
عائدات النفط في حال حدوث حرب في
العراق. ولكي تصمد في حرب كهذه دون أن
تمس محميتها اللبنانية، فإن على سورية
أن تبقي لبنان هادئاً وحزب الله صامتاً.
إن دمشق لا تريد مفاقمة الصعوبات أمام
أمريكا بقيامها بتذكير واشنطن بأن
سورية صانعة مشاكل إقليمية.
لماذا
إعادة نشر القوات اللبنانية المسلحة ؟
من
الخطأ النظر إلى إعادة انتشار القوات
المسلحة اللبنانية عبر الجنوب على أنه
علامة على تجاوب بيروت مع قرارات مجلس
الأمن التابع للأمم المتحدة بقتال كل
أشكال الإرهاب الموجود ضمن حدودها
المعترف بها دولياً. إن تحركاً لا يعدو
كونه مظهراً آخر لرغبة سورية في الحفاظ
على هدوء المنطقة أثناء أزمة العراق.
باللغة العسكرية، فإن إعادة نشر
الجنود يشكل ما هو أكثر بقليل من تغيير
تجميلي بقصد إعطاء انطباع بأن شيئاً ما
قد تم فعله. في الحقيقة، فقد أمرت سورية
بإعادة نشر مشابه للقوات اللبنانية
المسلحة في إبريل /2002، عندما حذرت
واشنطن من أن فشلاً في اتخاذ إجراءات
صارمة ضد هجمات حزب الله خلال عملية
إسرائيل الدرع الواقي سيستحق عملاً
إسرائيلياً عسكرياً. وقد كان لعملية
إعادة الانتشار هذه تأثير ضعيف على
نشاط حزب الله في المنطقة، وتم سحب
وحدات القوات اللبنانية المسلحة بسرعة
ما إن خمد القلق الإقليمي.
أثناء
إعادة الانتشار الحالي، فقد تجنبت
القوات المسلحة اللبنانية مرة أخرى أي
مواجهة مع حزب الله، ولم تبذل أن جهد
لمنع تحركات حزب الله العسكرية الخاصة
ولم تظهر أي إشارة على نزع سلاح
المنظمة بشكل فعال. حتى الآن، فإن جنود
القوات المسلحة اللبنانية لم تفعل
أكثر من إقامة نقاط تفتيش والقيام
بدوريات حراسة في لبنان الجنوبي.
بعيداً عن مواقع حزب الله الثابتة،
ونقاط مراقبة إسرائيل. لم تسمح بعد
للقوات اللبنانية المسلحة بالاستيلاء
على مواقع حزب الله عبر مزارع شبعا
المتنازع عليها، والأساسي أنها تركت
المنظمة حرة لتشن المزيد من الهجمات ضد
إسرائيل من هذا النطاق.
إن
سعياً صادقاً لمنع الإرهاب سيتطلب
قيام القوات المسلحة اللبنانية بنزع
سلاح كل الخلايا الإرهابية في الجنوب
وتحمل مسؤولية جدية على الحدود، بما في
ذلك تأمين جميع المواقع الثابتة ومع
الانتهاكات عبر الحدود. ورغم ذلك وحتى
الآن، فإن أكثر ما يمكن للمرء أن
يتوقعه من القوات المسلحة اللبنانية
تبطئة نشاطات حزب الله وتبليغ دمشق بما
يفعل.
ورغم
أنه يمكن أن يأتي يوم تشعر فيه سورية
أنها مجبرة على اتخاذ إجراء حاسم ضد
حزب الله وضد نصير المنظمة الإيراني،
فإن هذا الوقت لم يحن بعد.
متضمنات
لسياسية الولايات المتحدة:
بينما
يزداد الضغط الإقليمي ويتركز اهتمام
واشنطن بشكل مفهوم على العراق فإن هناك
على الأقل سببين يجعلان من قضية الحدود
الإسرائيلية اللبنانية تستحق أكثر من
نظرة عابرة.
أولاً،
أنها النقطة التي يمكن أن يتحول معها
النزاع مع بغداد إلى مواجهة عربية
إسرائيلية.
ثانياً،
عقب سقوط صدام، ستكون الولايات
المتحدة في وضع ممتاز تستطيع فيه
استغلال قلق سورية وتضرب ضربة كبرى في
الحرب على الإرهاب بالضغط على دمشق
لتنزع سلاح حزب الله ولتقطع دعمها
للمنظمة. في الحقيقة، فإن إجبار
سورية على الانقلاب على حزب الله
سيعادل الانتصار في حملة معادية
للإرهاب: ضرب منظمة وصفها نائب وزير
الخارجية ريتشارد آرميتاج كجزء من (فريق)
في الإرهاب الدولي وتوجيه هزة قوية
لمناصري حزب الله الإيرانيين، ونقل
سورية من كونها عضواً في المشكلة
الإرهابية الإقليمية لتصبح عضواً في
حلها.
|