معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
الهجمات
الإرهابية في تركية:
لماذا
وكيف ؟
سيمون
رونين: مراسل للشؤون الدولية لأخبار
الإذاعة العالمية. وقد عمل في دبلن،
وبروكسل، وغرب أفريقيا، وقد كتب هذا
التقرير (للسياسة الخارجية تحت الضوء).
لماذا
تركية، ولماذا الآن، ولماذا مرتين ؟
هذه الأسئلة الجوهرية التي أثارتها
أربع هجمات مربعة على معابد يهودية
ومصالح بريطانية في استانبول مؤخراً.
لقد استُهدفت أماكن للعبادة اليهودية
خارج إسرائيل في مواقع مختلفة مثل تونس
والمغرب في السنتين الأخيرتين. حدثت
الهجمات في الأسبوع الذي استضافت فيه
بريطانيا الرئيس جورج دبليو بوش في
زيارة مثيرة للجدل. لذا، وبطريقة تفكير
مرتكبي الهجمات، فإن الهجمات في
استانبول ذات مغزى.. وتوقيت التفجيرات
المعادية لبريطانيا ذات أساس واضح.
ولكن
هناك معابد يهودية في مدن عبر العالم
الإسلامي، ومكاتب ديبلوماسية
بريطانية مشابهة. وهذا يجعل تركية تبدو
هدفاً غير محتمل. ألم تغير تركية
قرارها مؤخراً بإرسال عشرة آلاف جندي
إلى العراق ؟ ولو لم يقوموا بذلك لكان
الحمل العسكري الأمريكي قد خففه جيش
خبير في التمرد ذي المستوى المنخفض.. إن
لدى البريطانيين في العراق خبرة كبيرة
من سنوات في التعامل مع الجيش
الإيرلندي في شمال إيرلندة. وقد قاتل
الأتراك حزب العمال الكردستاني في
الجنوب وفي شرق تركية من عام 1948 ـ 1999.
إذا وضعنا الفوائد العسكرية جانباً،
فسيكون هذا انقلاباً عسكرياً هاماً
لحكومة معبأة مؤيدة للمحافظين الجدد.
في
الربيع الماضي، رفضت تركية السماح
للائتلاف باستخدام أراضيها أو فضاءها
لاجتياح العراق من الشمال، وهو موقف
أصبح أكثر جدارة بالإعجاب بالنظر إلى
الجزرة التي كانت معروضة والمتمثلة في
الـ 24 بليون دولار في شكل قروض
ومساعدات موعودة فيما لو وافقت.
بالتأكيد فإن كل هذا، إضافة إلى معارضة
داخلية تبلغ 90% للحرب ولأي مشاركة
تركية، يعني أن تركية لا ينبغي أن تكون
هدفاً للقاعدة أو لهجوم إسلامي داخلي.
لكن تركية المركز السابق للإمبراطورية
العثمانية، والدولة الإسلامية الأكثر
فاعلية في التاريخ، كانت قد أصبحت
جمهورية علمانية منذ بدايتها. إن
الدولة التي تمتلك ثاني أكبر جيش في
حلف الناتو ترى أن مستقبلها تجاه الغرب
عبر البوسفور بدلاً من أن تراه شرقاً
عبر جبال آرارات. إن عضوية محتملة في
الاتحاد الأوروبي هو الأساس المحرك ـ
وهو أمر قابل للنقاش ـ للسياسات
الداخلية التركية هذه الأيام. وقد وافق
الجيش على القيام بدور مخفض في السياسة
التركية. وقد تم تثبيت حقوق تعليمية
وإذاعية للأكراد، وقد تم تفعيل شفافية
أكبر في حقوق الأقليات عموماً.
ـ
لماذا تركية ؟
حتى
تركية محكومة بحزب العدالة والتنمية،
وهو حزب إسلاموي، تحتفظ بهذه الميول
المؤيدة للغرب ولم تسع إلى تغيير طبيعة
الدولة العلمانية، والمهيمن عليها من
قبل الجيش. إن لدى تركية علاقة
استراتيجية بإسرائيل، قد هوجمت من
قِبل الكثير من الإسلامويين، وهي في
منتصف قيامها بإنشاء حاجز عبر الضفة
الغربية وتثير حرائق الانتفاضة. لقد
تجولت قوات الولايات المتحدة
وبريطانيا في منطقة الحظر في شمال
العراق من القاعدة التركية في انكرليك.
ربما
يكون الأمر الأكثر وضوحاً، أن تركية،
إضافة إلى روسيا والهند وإيران، كانت
مؤيدة للتحالف الشمالي في أفغانستان
في حربها مع الطالبان.. والتي بالطبع
آوت القاعدة قبل إزاحة الطالبان
بقيادة الولايات المتحدة بعد 11/9. بمكن
الافتراض فقط أن تركية تحتفظ بتأثير
لها في كابول، بالنظر إلى ما قبل هيمنة
التحالف الشمالي في إدارة حامد قرضاي.
لا يمكن أن يكون مصادفة أن الطالبان (وعلى
الأرجح عناصر من القاعدة) هم الآن
يستعيدون السيطرة على معظم شرق
أفغانستان في معارضة التحالف الشمالي
الذي تدعمه تركية.
بالنسبة
للقاعدة، فإن هذه لائحة طويلة من
الخيانات تتفاقم وحسب من قبل رئيس
وزراء إسلاموي فيما يبدو وتخون
المبادئ الإسلامية داخلياً ودولياً
بالتالي فإن تركية الآن تدفع ثمن
خطاياها، في الماضي والحاضر وفي
المستقبل، ولا يعوضه ترددها في مساعدة
واشنطن في مأزقها العراقي. إننا ندرك
متأخرين أن من المفاجئ أن تركية لم
تستهدف من قبل.
ـ
انبعاث القاعدة ؟
التوقيت
؟ إن الإجابة على الموجة الثانية من
التفجيرات التي استهدفت المصالح
البريطانية ذات منطق واضح فيما يتعلق
بتوقيتها. إن زيارة الرئيس جورج دبليو
بوش كانت قد تم التخطيط لها منذ عامين.
بالتالي فإن الاحتمالات هي بأن
الهجمات قد تم التخطيط لها منذ بعض
الوقت. إن تحويل الانتباه عن زيارة بوش
تطلب جرأة ودموية، حتى أن هجوماً
واحداً ربما لم يكن ليحققه. إلا أن
إطلاق سلسلتين من الهجمات بنجاح على
أهداف مختلفة، والهجوم عليها في أسبوع
واحد، في دولة إسلامية مؤيدة للغرب، في
مدينة عالمية، حيث يفترض أن الأمن محكم
نوعاً ما بشكل عام، وحيث لم يكن يفترض
أن القاعدة ومقاوليها يشكلون تهديداً،
لن يحتل العناوين الرئيسية فحسب،
بأنهم يقتلون الكفار، (والأتراك
المسلمين)، ولكن يصعدون كذلك حرب
القاعدة.
لكن
التفجيرات الأولى بالتأكيد قد أثارت
تشديدات أمنية صارمة كافية لمنع تكرر
ذلك في وقت قريب لاحق. بعد التفجيرات
التي استهدفت قنصلية المملكة المتحدة
البريطانية وبنك اتش. اس. بي. سي، أعلن
رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان فتح
تحقيق حول الكيفية التي تكررت بها
التفجيرات سريعاً. على الأرجح، فإن
التفجيرات كانت قد خطط لها مقدماً بشكل
جيد. وقد أشير إلى الحاجة إلى التغلب
على التشديد الأمني في أعقاب الهجوم
الأول في التخطيط الجريء لتكرير
الهجوم.
لقد
ادعت القاعدة مسؤوليتها عن الهجمات
وقد كان وجودهم بشكل مباشر أو حتى
بالإنابة في استانبول مفاجئاً لمعظم
المحللين. وأن وجودهم كان كافياً
لارتكاب مذبحة الأسبوع الفائت شكل
صدمة أكبر. لكن إدراك الأمور يخبرنا أن
من المدهش كون تركية قد أضيفت مؤخراً
إلى لائحة أهداف القاعدة. ربما أن ما
تغير فقط هو وسائل المنظمة في مواقع
كانت ينظر إليها على أنها مستثناة.
نظراً لطبيعة تحالفات تركية والدستور
العلماني، ربما كانت القاعدة تنتظر أن
يصبح الهجوم مناسباً. وتعلمنا الحاجة
إلى التخطيط الكامل أن هذه الإمكانية
ظهرت مؤخراً.
تبقى
الهوية الدقيقة لمرتكبي التفجيرات غير
مؤكدة.. على سبيل المثال، ما إذا كانوا
عسكريين أتراكاً مستائين يعملون
بالتحالف مع القاعدة، أم إذا كانوا
متسللين أجانب. إذا ظهر أن القاعدة
تسللت إلى تركية، فبالتأكيد سيتحول
الانتباه إلى الحدود مع العراق.. والتي
يبدو فيها أن ائتلافاً من البعثيين
السابقين، والمحليين المستائين،
والمتسللين الأجانب يقومون بإدارة
التمرد ضد الاحتلال الأجنبي بقيادة
الولايات المتحدة. وإذا أثبتت أن
تسللاً كهذا هو أمر مستحيل، فإن
الانتباه سيتحول عندها إلى دول أخرى
على حدود تركية.. والتي لسرور مؤيدي
المحافظين الجدد ستشتمل على سورية. قد
يكون من الخيال افتراض أن الإرهابيين
الإسلاميين قد عبروا إلى تركية من
العراق عبر سورية، ولكن سورية سلمت ما
يزيد على 22 مواطن تركي على علاقة
بالتفجيرات للسلطات التركية، إن
الرجال الذين كانوا على ارتباط واضح
بالمرتكبين الذين فجروا أنفسهم في
استانبول في 15 و20 تشرين ثاني. على نحو
مشابه، فقد كان من غير القابل للتصديق
قبل الأسبوع الماضي أن تركية يمكن أن
تعاني من الهجمات يومي السبت والخميس
الماضيين، أو أن منظمة كالقاعدة لديها
وجود في دولة مثل تركية.
ـ
المرتكبون:
تحول
الانتباه مبدئياً إلى جماعة صغيرة
معروفة حزب الله الكردي (وهو مختلف عن
سميه اللبناني الأكثر شهرة)، والتي
تدرج قوميتها الكردية في صورة إسلامية
مما يسمح لها على الأرجح بالعمل
كمقاولين باطنيين للقاعدة و ـ أو
للجبهة الإسلامية الدولية. إن الذين تم
اعتقالهم حتى الآن هم مواطنون أتراك..
لذا فإن النظرية القائلة بأن هذه
الهجمات هي عمل ميليشيات إسلامية
محلية مختلفة عن القاعدة ولكنها
متعاطفة معها عموماً (رغم أن مستوى
الاختلاف والدوافع المحلية هي غير
واضحة) هي أفضل نظرية متاحة في الوقت
الراهن. وقد استخدمت فرضيات مشابهة في
تحليل تفجيرات الدار البيضاء والرياض
في وقت سابق من هذه السنة.
في
1 تشرين ثاني، أصدرت الحكومة التركية
تصريحاً يربط فيها المهاجمين بالقاعدة.
أشارت تقارير أخرى في الصحافة التركية
إلى أن اثنين من المشتبه بهم الرئيسيين
حبيب إكتاس، وآزاد إكينسي، وكلاهما
أتراك، كانوا على صلة بأيمن الظواهري،
والذي ينظر إليه على نحو واسع بأنه
ساعد أسامة بن لادن الأيمن.
مهما
تكن المعلومات الدقيقة التي ستُظهر في
الأيام والأسابيع القادمة ما إذا كانت
ستكون ذات أي ارتباط مباشر بالهجمات
المستمرة المعادية للتحالف في العراق.
ما هو واضح أن هجمات من هذا النوع
ستتكرر على الأرجح. يبقى أمر ينتظر
معرفته. باعتباره قد حدث في الأسبوع
الذي سبق موت سبعة عملاء استخبارات
إسبانيين وليس بعد وقت طويل من وفاة
تسعة عشر شرطياً عسكرياً إيطالياً
وموظفين آخرين، فإن كل هذه الهجمات، في
العراق وخارجه، تبدو مشتركة في أمر
واحد. إنها تحذيرات ترسل إلى الحلفاء
الأمريكيين والطبيعة الوحشية
للتحذيرات تعتزم دق إسفين بين هؤلاء
الحلفاء وواشنطن.
وتبقى
معرفة ما إذا كانت هناك علامة جديدة قد
بدأت في سلسلة عمليات القاعدة. ربما
كانت تركية هدفاً محتملاً نظراً
لسياساتها الداخلية والخارجية. لنقل
إن القاعدة قد تركت الآن علامتها على
أوروبة الجغرافية، في دولة تسعى إلى
العضوية في الاتحاد الأوروبي. بالنظر
إلى التعليقات الأخيرة المنسوبة إلى
أسامة بن لادن محذرين اليابان
وأستراليا وبريطانيا، بين دول أخرى..
ربما كان على الأمريكيين فقط أن
يقلقوا، ولكن منذ عام مضى، تضمنت
التصريحات المنسوبة إلى ابن لادن
تهديداً للنرويج، ولم يظهر هذا نفسه
حتى الآن في شكل هجمات على بحر أويلرجز
الشمالي وعمال الإغاثة النرويجيين في
أفغانستان. على كل، فإن تحذيرات كهذه
تحمل رنيناً إضافياً عندما تحدث في وقت
متزامن مع سلسة مزدوجة من التفجيرات
الانتحارية في إحدى أكبر المدن
الأوروبية.
|