معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 736
28 / 3 / 2003
الحرب
في العراق : تقويم أولي
جيفري
وايت: محلل استخبارات حكومي متقاعد
متخصص في الشؤون العراقية والأمنية،
وهو زميل لمعهد واشنطن.
يتعرض
نظام صدام حسين لهجوم قاس، وأيامه باتت
معدودة. كيف ستكون النهاية ومتى، لا
أحد يعلم بدقة ولكن لا شك فيها. بعد
أسبوع من قتال كبير، فمن المعقول تقييم
تقدم هذه الحرب: إنجازات من قبل
الجانبين، مفاجآت ومفاجآت ليست كبيرة،
عناصر، انبثاق نماذج أو اتجاهات،
ومتضمنات لميدان المعركة.
ـ
إنجاز الائتلاف:
لقد
حقق الائتلاف الكثير في وقت قصير، ففي
خضم كمية التقارير المفصلة الكبيرة
والصور التلفزيونية الأصلية المقنعة،
فإن من السهل إضاعة طريق فهم المشروع.
فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية
الثانية، نقوم الولايات المتحدة
وحلفاؤها باجتياح دولة كبيرة وجيدة
التسليح بعزم واضح للإطاحة بالحكومة،
ونزع سلاحها، وإعادة بنائها.
وتشتمل
إنجازات الائتلاف مكاسب عسكرية
وسياسية. العسكرية، تتمثل في طمس
الدفاع الجوي العراقي إلى درجة أنه
يستطيع القيام بمقاومة رمزية وحسب،
وهو إجراء ضروري للسماح بحرية الطيران
فوق العراق. لقد اخترقت قوات الائتلاف
البرية قلب النظام بشكل سريع، وكانوا
خلال أربعة أيام يقومون بتوسيع تهديد
مباشر لعاصمة العدو. لقد تم الحط من
القيادة العراقية وسيطرتها بشكل كبير،
وإن لم تتم إزالتها كلياً. لم يتم إطلاق
صواريخ سكود من العراق الغربي، وقد تم
اعتراض سبيل الصواريخ التي أطلقت على
الكويت وتدميرها دون إحداث أضرار
بأهداف الائتلاف. ما هو أكثر أهمية، أن
القوات الأمريكية والبريطانية قد
انتصرت في جميع المعارك والاشتباكات
باستثناء كمين عند الناصرية، وربما
عملية هيلوكبتر أباتشي ضد قسم المدينة.
إن اجتماع المهارة التكتيكية،
والأسلحة الفتاكة، والتفوق الجوي قد
أعاق كل المحاولات العراقية لإحداث أي
تدمير خطير للحلفاء. سياسياً، استطاع
الائتلاف أن يدير وضعاً معقداً
وخطيراً في الشمال، مما منع التوترات
التركية ـ الكردية من الاندلاع،
والحصول على اتفاقية طيران في الأجواء
التركية، ووضع أرضية عمل لفتح الجبهة
الشمالية.
ـ
المنجزات العراقية:
لم
يكن نظام صدام بالهشاشة التي اعتقدها
الكثيرون في الأصل. فعندما ضرب
الائتلاف الباب الأمامي لم ينهر الصرح
الفاسد. مايزال العراقيون في القتال،
الأمر الذي قد يكون إنجازهم الأعظم حتى
هذا التاريخ. لقد قاوموا الضربة
القاضية وتعافوا من تأثيرات (الصدمة
والترويع). وأداؤهم ليس سيئاً في الحرب
الإعلامية، قد يقول البعض إنهم
ينتصرون على هذه الجبهة. إن الصور
الرائعة لبغداد العاجزة ظاهرياً عن
الدفاع تحت قصف جوي عنيف لا يتم
استقبالها بشكل جيد في العالم العربي
أو في تلك الأجزاء في الغرب حيث الشعور
المعادي للحرب قوي. عسكرياً، يستطيع
العراقيون ادعاء بعض الانتصارات
الصغيرة. إن الكمين الذي أقيم للوحدة
اللوجستية في الناصرية والذي أسفر عن
قتل جنديين أمريكيين وأسرى حرب،
والاستيلاء على طاقم طائرة أباتشي قد
استغل بأقصى حد. لقد استغل العراقيون
كذلك تقيد الائتلاف الملحوظ بهدف
تأجيل العمليات ومتابعة المقاومة في
مناطق عبرتها وحدات القتال الرئيسية.
لقد استطاع النظام الاحتفاظ بالمخلصين
من معظم قواته المسلحة وقسم كبير من
الشعب. لم تكن هناك أي ثورة ضد النظام
من الداخل ولا تمردات من أي نوع حتى
الآن. يبدو أن بعض العراقيين يحاربون
من أجل العراق، إذا لم يكن من أجل
النظام. حتى بعض وحدات الجيش النظامية،
التي لم تقم على أنها مخصصة للنظام، قد
قاتلت.
أخيراً،
فقد احتفظ العراقيون لبعض الوقت
بالقدرة على إطلاق القذائف والصواريخ
على الكويت، مقدمين دليلاً مشهوداً
بشكل كبير على أنهم مايزالون يقاتلون.
ـ
مفاجآت:
المفاجأة
الأولى في هذه الحرب، مرونة النظام.
فصدام وحزب البعث يواجهون أكبر أزمة
شاملة، ولكنهم لم ينهاروا وهم يقاومون
بأساليب خلاقة. لقد نجحت استراتيجيتهم
العسكرية في تعقيد عمليات الائتلاف،
مظهرة أنه نظام شرير بإمكانه أن يكون
كفؤاً وفعالاً.
المفاجأة
الثانية كانت تماسك المقاومة المحلية.
اعتقد معظم المحللين أن القتال
الحقيقي الوحيد سيأتي من الحرس
الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص. في
الحقيقة، لقد حاربت وحدات جيش نظامية
في الناصرية وحول البصرة. الأمر الذي
أثار دهشة أكبر، كانت المقاومة التي
قدمت من قبل قوات مساندة للقوات
العسكرية.. فدائيو صدام، وميليشيا حزب
البعث. لقد اعتبرت هذه المنظمات على
أنها (نازيو النظام) فهم طغاة على
الضعفاء، قادرون على إرهاب المواطنين.
ولكنهم قاتلوا، وليس بإطلاق بضع طلقات
على عناصر مجموعات جنود المؤخرة فقط.
مسلحين بشكل رئيسي ببنادق هجوم،
وقنابل دفع صاروخي، فقد هاجموا وقتل
عدد منهم من قبل عناصر قتال كبرى في
القوات البرية الأمريكية والبريطانية.
من
المدهش كذلك، على الأقل لبعض
المحللين، غياب الأعمال الكارثية التي
تم التنبؤ بها. فصدام لم يهاجم
إسرائيل، ولم يكن هناك استخدام
للأسلحة الكيميائية أو البيولوجية،
ولا فيضانات، ولا دمار للبنية التحتية
أو الاقتصادية. جزئياً فقد يعود هذا
لعمليات الائتلاف العسكرية والنفسية،
ومايزال بإمكان صدام القيام بهذه
الأعمال عندما يصبح يائساً.
ـ
ليس مفاجئاً:
لقد
سارت جوانب عديدة في الصراع كما كان
متوقعاً لها. المرونة الكبيرة،
والمناورة والدقة، وقوة نار قوات
الائتلاف قد أتاحت لهم التجول على نطاق
واسع فوق العراق، والاختراق إلى قلب
البلاد، وتدمير القوات العراقية في
المواجهات. ومع ذلك، فإن مقاومة بعض
العناصر العسكرية المساندة وقرار
العراق أن يحارب من داخل شعبه قد جعل
العمليات أكثر صعوبة. يكاد الائتلاف
يحتوي قدرة القوات العراقية على
المناورة بشكل كامل لقد حدثت معظم
العمليات العراقية على مستوى تكتيكي،
لواء كانت أم أقل، دون محاولات مناورة
عملياتية أو حركة استراتيجية. بإيجاز
لقد انتظر العراقيون أن تأتي قوات
التحالف إليهم.
ـ
الظهور:
يبدو
أن العراقيين يتعلمون كيف يقاتلون،
وأين يقاتلون، ومن يستخدمون في ساحات
القتال. لقد تعلموا معانقة مدنييهم،
دافعين جنود الائتلاف إما إلى المزيد
من المخاطر التكتيكية أو المخاطرة
بإحداث إصابات مدنية. يستخدم
العراقيون كذلك قوات عسكرية مساندة،
كثير منهم في ثياب مدنية للقيام
بالكثير من القتال. تكتيكياً، يستخدم
العراق مشاة مع أسلحة خفيفة مضادة
للدبابات للاشتباك مع قوات الائتلاف
من مكمن في الليل، تحت ظروف جوية
مساعدة، وعندما يكون الوضع التكتيكي
مؤاتياً. في حالة واحدة على الأقل، في
النجف، تم استخدام صواريخ موجهة مضادة
للدبابات ربما الـ (كورونت) الروسية
الحديثة جداً والفعالة. يستخدم الجنود
العراقيون كذلك، الضوء، وأسلحة
أوتوماتيكية مضادة للطائرات في دور
مضادات للمروحيات وضد عناصر برية، وهي
مقدرات كانت فعالة في حروب سابقة. وقد
جوبه تحرك كبير تشنه مروحيات أباتشي (بعاصفة
من الصلب) من مدفعية عراقية مضادة
للطائرات وأسلحة صغيرة، أدت إلى فقدان
مروحية وتدمير عدد آخر، مما دفع
الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم
تكتيكي كما تقول الأنباء.
ـ
خاتمـة:
إن
استنباط نتائج رئيسية من حرب لم تنته
بعد فيه مجازفة، ولكن القليل من
العناصر تستحق التأمل حتى في المراحل
المبكرة من هذا الصراع. النهاية ليس
فيها شك: إن نظاماً شريراً مجرماً
سيهزم بشكل شامل وينتهي. وتقدير وقت
حدوث ذلك بشكل دقيق أكثر صعوبة. سيكون
سقوط بغداد أمراً حاسماً بالنسبة إلى
النظام، ولكنه لن يؤشر بالضرورة على
نهاية كل المقاومة من قبل العناصر
المرتبطة بالنظام. الخسائر النهائية،
خصوصاً الإصابات البشرية، من الصعب
كذلك التنبؤ بها. إذا كانت الإصابات
البشرية هي (عملة المعركة) فإن المعارك
الكبرى في هذه الحرب ضد الحرس الجمهوري
ومن أجل بغداد.. لم تخض بعد.
|