معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 715
25 / 2 / 2003
ما
مدى عمق التواطؤ في العراق
جيفري
وايت: مساعد في معهد واشنطن متخصص في
الجيش العراقي والشؤون الأمنية.
بينما
يزداد شن الحرب على العراق قرباً، فإن
أسئلة ما بعد الحرب تجتذب اهتماماً
متزايداً. لقد تعرض مسؤولو دفاع رفيعو
المستوى لهذه القضايا بشكل مستمر، وقد
أعطى البيت الأبيض معلومات للصحافة
بالأمس عن (إعادة البناء الإنساني) في
العراق.
إحدى
هذه القضايا تتعلق بالأفراد الذين
شاركوا في جرائم صدام حسين. ووفقاً
للواشنطن بوست، فإن الولايات
المتحدة تنوي إدارة برنامج (تقليص
البعثوية) في العراق مشابه إلى حد ما
لبرنامج (تقليص النازية) الذي تم
تطبيقه في ألمانيا في أعقاب الحرب
العالمية الثانية. ورغم أن تفاصيل
هذا البرنامج تنتظر أن يتم العمل
عليها، إلا أن واشنطن بوست أشارت إلى
أن الاشتراك في جرائم (حقوق الإنسان
وإساءة استخدام الأسلحة) ستكون
المعيار الرئيسي في تحديد المسؤولين
العراقيين الذين سيسمح لهم بالاحتفاظ
بأعمالهم.
نطاق
التواطؤ:
من
البداية، يجب أن يقر المرء بأن التواطؤ
في جرائم النظام ليست مقصورة على
المسؤولين الكبار، ولكنه يمتد عميقاً
في الجهاز الممتد للحكومة. ولكن ما مدى
عمقه أو انتشاره لا يعلمه أحد بشكل
مؤكد. ستكتشف الولايات المتحدة
وحلفاؤها نطاق هذه الممارسات الخاطئة
فقط بعد أن يتم الإطاحة بالنظام وبعد
أن يتم إنشاء آليات لتحديد ومعالجة
هؤلاء المشتبه في تواطئهم. ومع ذلك،
فإن من الممكن وصف صورة التواطؤ وتطوير
إحساس عام بامتداد المشكلة؛ أي أين
تستطيع القوات المتحالفة البحث عن
شركاء النظام.
في
العراق ينظر إلى المشاركة الفعالة في
النشاطات التي لها صلة بالنظام على
أنها عنصر أساسي للإخلاص لحكام البلاد.
إن طبيعة الوجود في كل مكان التي يتصف
بها النظام، واختراقه لكل جوانب
المجتمع العراقي، مسؤول بشكل جزئي عن
هذا التوجه الفكري. إن النظام ليس
مقصوراً على نخبة حاكمة ضيقة، فقد يقرر
المسؤولون الكبار السياسة في العراق،
ولكن أفراداً عديدين ذوي مكانة أقل في
أجهزة الأمن، والجيش، والحزب،
والحكومة، وصفوف القبائل ينفذونها
هؤلاء الذين قاموا بدور فعال متعاونين
وحسب، إنهم متواطؤون. فبعد حوالي خمس
وثلاثين سنة من حكم البعث وأربع وعشرين
سنة تحت حكم صدام، فإن الكثير من
العراقيين معرضين للشبهة بشكل كبير،
فقد نفذوا مقاصد وخطط النظام وكوفئوا
على ذلك.
التواطؤ
الأمني والعسكري:
وفقاً
للملف البريطاني الصادر في تشرين
الثاني 2002 عن انتهاكات حقوق الإنسان في
العراق، فإن عدة أوامر صادرة عن "
مجلس قيادة الثورة " تمنح الوكالات
الأمنية السلطات الكاملة لقمع
المنشقين مع الحصانة. في الحقيقة،
فإن تحت المستوى الأعلى للسلطة في
العراق، عدة منظمات استخباراتية
وأمنية داخلية تشكل الشبكة المسؤولة
الأكثر أهمية (الأمن الخاص)، (الأمن
العام)، (الاستخبارات العامة)، (الاستخبارات
العسكرية)، وأجهزة الأمن العسكرية
كلها لديها نفس المهمات الرئيسية:
حماية وقمع المنشقين الداخليين. توجه
هذه الأنظمة عمليات الرقابة، واغتيال
معارضي النظام، وتحطيم جماعات
المعارضة، وإفشال الانقلابات وإدارة
نظام سجون مكثف حيث يتم استجواب
المعتقلين وتعذيبهم. تتطلب نشاطات
كهذه مشاركة الكثير من العراقيين، حتى
أولئك الذين هم في المستوى الأكثر
انخفاضاً، كثيراً ما يحدث وأن يلعبوا
دوراً ما (كمخبرين على سبيل المثال).
المشاركة
العسكرية في قمع الاضطرابات والمعارضة
هو شكل آخر من أشكال التواطؤ في تعسف
النظام. وكما تشمل هذه الأشكال كذلك
وحدات الجيش النظامية التي شاركت في
نشاطات من مثل إعادة التوطين الإجباري
للفلاحين الأكراد والعمليات المختلفة
ضد الشيعة في العراق الجنوبي. على سبيل
المثال، ووفقاً لمقررات الأمم المتحدة
الخاصة في 14/تشرين أول/1999 تقرير حقوق
الإنسان في العراق: (في أواخر آذار 1999،
قام الفصيل المدرع (6)، وحدة جيش
نظامية، بتنفيذ عمليات تطويق وقصف
بالقنابل لعدد
من المناطق السكنية لبعض القبائل التي
تعيش في محافظة البصرة). ومن تقرير مقرر
عام 1994: (بعد القصف بالقنابل، تقوم
القوات المؤلفة من الحرس الجمهوري،
والقوات الخاصة بالتقدم مع عرباتهم
المسلحة، بما فيها الدبابات والمدفعية
الثقيلة، وتطوق قرى المنطقة، وسيدخل
الجنود إلى القرى، ويقومون بعمليات
اعتقال بغير تمييز ويوجهون عمليات
تفتيش من بيت إلى بيت قبل أن يحرقوا
القصب ويدمروا المنازل). بعض هذه
الوحدات قد تكون تتبع الأوامر وحسب،
ولكنهم بقدر طاعتهم مسؤولون عما حدث
أثناء هذه العمليات.
التواطؤ
المدني:
لقد أتاحت العضوية في حزب
البعث للعراقيين الذين ليسوا أعضاء في
الجيش أو في المنظمات الأمنية أن
يصبحوا مشاركين في انتهاكات حقوق
الإنسان.
فكما يشير تقرير الأمم المتحدة في
تشرين ثاني/1999، فإن أعضاء الحزب
يشاركون في القمع العنيف للاضطرابات
والمعارضة، ومليشيا الحزب هي واحدة من
آليات شرطة النظام الرئيسية. وفقاً
للملف البريطاني في تشرين ثاني/2002، فإن
أمراً من مجلس قيادة الثورة في 21 كانون
أول 1991 يضمن الحصانة لأعضاء حزب
البعث الذين يتسببون بتدمير ممتلكات،
أو في أذى جسدي، وحتى الموت، أثناء
مطاردة أعداء النظام.
لقد
ساهمت بيروقراطية الحكومة نفسها في
تعسفات النظام، على سبيل المثال، لاحظ
تقرير الأمم المتحدة في تشرين أول/1999،
التواطؤ بين شخصيات النظام الكبيرة،
وبيروقراطيي الحكومة، ومسؤولي حزب
البعث. كانت أحكام الإعدام تنفذ كما
تقول التقارير من قبل أعضاء من القوات
الأمنية تحت الإشراف المباشر لسلطات
الحكومة العليا، أي علي حسن المجيد،
الذي كان في ذلك الوقت محافظ المنطقة
الجنوبية وابن عم الرئيس صدام حسين،
وأحمد إبراهيم حماش محافظ البصرة،
وعبد الباقي السعدون عضو بارز في حزب
البعث.
وتشكل
العناصر القبلية جزءاً آخر من جهاز
السيطرة التابع للحكومة. فالقبائل
المخلصة للنظام تساعد في الدفاع عنه
وتتم مكافأتها بالأسلحة ومنافع أخرى.
وبقدر مشاركتهم في العمليات الأمنية،
بقدر ما هم متواطئون في جرائم النظام
كذلك.
إن
المجتمع العلمي والصناعي العراقي يجب
أن يتحمل المسؤولية كذلك. فقد تم توظيف
الأسلحة الكيميائية بشكل مكثف ضد
الأكراد العراقيين في عملية (الأنفال)
في 1987 ـ 1988. إضافة إلى هذا، فإن الملف
البريطاني الصادر في تشرين ثاني 2002
يوضح أنه وفي عام 1998، أعاق العراق
مفتشي الأمم المتحدة الذين يحاولون
التحقيق في الادعاءات باستخدام
السجناء العراقيين كمادة تجارب
للأسلحة البيولوجية. إن العلماء
العراقيين الذين ساهموا في تطوير
الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية،
إلى جانب المؤسسات الصناعية التي
أنتجتهم، يتحملون قدراً من ذنب
استخدام النظام لهذه الأسلحة ضد
المدنيين العراقيين والسجناء.
خاتمة:
تشير
كل هذه العوامل إلى أن تغيير النظام في
العراق سيكون أكثر من مسألة إزالة
الطبقة العليا من المسؤولين العراقيين.
منذ البداية، سيحتاج الائتلاف الذي
تقوده الولايات المتحدة إلى المساعدة
العراقية في إدارة البلاد، في حين أن
القوات العسكرية والأمنية الفعالة
ستكون ضرورية للعملية طويلة الأمد
التي يتم فيها تسليم زمام الحكم
للعراقيين. ومع ذلك، فإن إيجاد أفراد
غير ملوثين، أو حتى مذعنين وحسب، لتولي
هذه الأدوار قد يثبت أنه مهمة صعبة،
معرضة للخطأ وطويلة الأمد. لذلك من
الواضح أنه على الولايات المتحدة
وحلفائها الشروع أو المسارعة في
الإعدادات للفحص المكثف لقواد الجيش
العراقي وأن يقوموا باجتزاز للمسؤولين
الذي هم على صلة بالنظام. إن الكثيرين
من المتواطئين في جرائم النظام
سيحاولون على الأرجح الهرب من البلاد
أو الذوبان في الشعب خلال فوضى ما بعد
صدام، ويتوجب على الائتلاف منعهم من
الهرب. إن امتصاص عراقيين ملوثين في
الحكومة المؤقتة سيكون خطأ كبيراً،
ينبغي على الائتلاف بناء قاعدة معرفة
مفصلة عن الأمن العراقي، والجيش،
والبعث، والعناصر القبلية، وأن يوثق
تاريخ مشاركتهم في جرائم حقوق الإنسان.
في الحقيقة، فإنه ينبغي أن يكون هناك
سعي نظامي يتحرك الآن من قبل أجهزة
الاستخبارات المتحالفة، وينبغي أن
ينظر إلى السيطرة على الشعب وعلى
السجلات ذات الأهمية على أنه جزء هام
من العمليات العسكرية.
|