معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 728
19 / 3 / 2003
سياسة
الولايات المتحدة في عراق ما بعد صدام:
دروس
من التجربة البريطانية
في
13/3/2003، قام كل من الزميل الكبير في معهد
واشنطن ميشيل ايزنستاوت، والزميل في
القوات العسكرية الجوية إيرك ماثيوسن،
وبروفيسور الأبحاث في (الدراسات
الوطنية الاستراتيجية) جوديث ياف
بالتعريف بمنشور المعهد القادم، سياسة
الولايات المتحدة في عراق ما بعد صدام:
دروس من التجربة البريطانية. فيما يلي
تلخيص موجز عن ملاحظاتهم.
إنه
أول يوم في الحرب العراقية، والأمة
العراقية في حالة فوضى. في المساجد يتم
إصدار فتاوى ضد الغربيين الغزاة،
والأكراد يتمردون. في الوطن، محتجين
معادين للحرب يتظاهرون في الشوارع: هل
هدف هذه الحرب هو الاستقرار الإقليمي،
والتغيير السياسي، أو النفط ؟
لقد
كانت هذه بعض التحديات التي واجهت
بريطانيا عندما دخلت قواتها العراق.
الذي كان في ذلك الوقت جزءاً من
الإمبراطورية العثمانية. خلال الحرب
العالمية الأولى، مفتتحة الحكم
البريطاني الذي استمر حتى عام 1932،
وتأثيراً بريطانياً قوياً استمر حتى
1958. إن التجربة البريطانية أثناء الحرب
العالمية الأولى وأصداءها ترن اليوم
في التوقعات حول حرب خليج جديدة. لأن
الاحتلال البريطاني وإدارة العراق قد
تكون المرجع التاريخي للعراقيين
أنفسهم، لذلك سيكون من الجيد أن تنصح
الولايات المتحدة وحلفاؤها للتعلم من
هذا التاريخ.
ـ
لا نتوقع أبداً وقتاً سهلاً:
في
الحرب العالمية الأولى، استغرق الأمر
الجيش البريطاني ثلاث سنوات للتحرك من
البصرة إلى بغداد. وبعكس التوقعات لم
يتم الترحيب بالجنود كمحررين. ونظر إلى
وصولهم إلى بغداد بلا مبالاة، واضطراب
قبلي، واقتصادي.
خلال
السنوات الأولى من الاحتلال، كانت
القوات البريطانية والتجهيزات
مشدودة، لأن الإمبراطورية كانت تحارب
على جبهات متعددة في الحرب العالمية.
لقد فرضوا العمالة الإجبارية على
عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين،
وفشلوا في تقديم الطعام للقرى الجائعة.
لقد أزال البريطانيون العبودية
العثمانية، ولكنهم استبدلوها بعبودية
فرضوها هم. هذه العجرفة الإمبريالية لم
تزد على أن زرعت مشاعر جياشة معادية
للغرب بين الجماعات المختلفة في دولة
العراق الحديثة. لقد زاد أمر حكم
الأراضي الجديدة تعقيداً اختلاف
الآراء في الحكومة البريطانية حول
الأهداف والوسائل. لقد نفرت هذه
الاختلافات القادة العراقيين
المستقبليين، وتسببت بتطور أنظمة
سياسية مغالية. لقد قام الجيش
البريطاني مبدئياً بسد فراغ عدم وجود
قرار حول كيفية حكم الأراضي الجديدة،
حتى تولى مكتب الهند البريطاني في
النهاية أمر إدارة العراق. تحت انتداب
من عصبة الأمم بدأ في عام 1920، بدأت
بريطانيا في إنشاء المؤسسات الرسمية
للديمقراطية في شكل ملكية دستورية،
لكن هذه الشكليات افتقرت إلى محتوى
ديمقراطي. فبدلاً من نظام أصيل في
الحكم، كان البريطانيون يوظفون آلية
مرنة في السيطرة مع جذور ديمقراطية
قليلة.
ـ
احذر العواقب غير المقصودة والتفاخر
المفرط:
اتساقاً
مع خطاب رئيس الولايات المتحدة الرئيس
ويلسون حول استقلال الأراضي العثمانية
الإضافية، صور البريطانيون أنفسهم على
أنهم محررون للعراق، ووعدوا
باستبدال الحكم العثماني بالاستقلال.
وعندما لم تمنح بريطانيا الاستقلال
بشكل سريع للعراق، واختارت بدلاً من
ذلك انتداب عصبة الأمم، تحول الخلاف
المبدئي حول الحكم البريطاني إلى
معارضة مغالية وغالباً ما كانت عنيفة،
تغذيها القومية والعداء لحكم غير
المسلمين. في عام 1920، واجه البريطانيون
تمرداً كبيراً، تم قمعه بثمن كبير،
وتواصل الشعور المعادي للبريطانيين
على مدى الانهماك البريطاني الطويل في
العراق. لذلك، فإن الملكية الدستورية
التي أنشأها البريطانيون لم تحقق
أبداً الشرعية الضرورية لضمان وجود
طويل الأمد، وتم الإطاحة بها في انقلاب
قومي في عام 1958.
تحت
الانتداب، تم تشكيل الجيش العراقي،
وحافظ عليه البريطانيون صغيراً،
ولكنها وجهت اهتماماً قليلاً
للقوميين، وللحس المعادي لبريطانيا
الذي كان يغرس في فيالق الضباط الجدد.
وبعد أن حصلت الملكية الدستورية في
العراق على الاستقلال عام 1932، سرعان ما
فرض الجيش نفسه. بادئاً بانقلاب 1936،
فقط بعد ثلاث سنوات من موت الملك فيصل،
بدأت قوات الجيش العراقي بفرض السيطرة
على المنشآت الحكومية. وشكل الضباط
العسكريون على الأقل ثلاثة أرباع
البرلمان العراقي خلال هذه الفترة،
وأصبح حارس بوابة السلطة. في عام 1941،
عندما كانت بريطانيا في أضعف نقاطها في
الحرب العالمية الثانية، أحاط الجيش
العراقي بقاعدة جوية بريطانية حيوية
في العراق، وكان على بريطانيا إعادة
احتلال البلاد.
ـ
تعقب أجندة التحويل:
لم
يعمل نظام الحكم الذي أنشأه
البريطانيون في العراق على المدى
الطويل، وانهارت واجهته الديمقراطية
فوراً بعد الاستقلال، ولم يتم ربط
البلاد ببعضها نهائياً. إضافة إلى ذلك،
فإن ردة فعل القوميين على الملكية ذات
الهيمنة البريطانية، قادت إلى حكم
أسوأ تحت سيطرة حزب البعث. في السياق
الحالي، فإن العراق سيكون مستقراً
وناجحاً فقط إذا تابعت الولايات
المتحدة الأجندة التحويلية:
*
إرخاء قبضة الدولة العراقية القوية.
لقد
ركز البريطانيون السلطة في بغداد، وهي
ظاهرة لم تزدد إلا قوة مع الأيام. سيكون
من المهم تشجيع لا مركزية السلطة
والحكومة في العراق من البداية. ينبغي
أن يبني الائتلاف الذي تقوده الولايات
المتحدة الإدارة هناك في المقاطعات.
وعليها كذلك أن تمنع التركيز المكثف
للقوة في أيدي المنفذين وأن تنشئ
مجالاً سياسياً للسياسات المشاركة في
الحكومة المركزية.
*
التحرك تجاه مشاركة الحكومة:
لقد
أكدت السياسة البريطانية، من أجل
النفعية على نحو كبير، على احتكار
السلطة من قبل قلة عربية سنية. لقد نفرت
هذه السياسة معظم الشعب العراقي من
الدولة الجديدة، فساهم بذلك في
الثورات ضد كل من الحكومة
والبريطانيين. اليوم، مايزال بناء
السلطة العراقية متمركزاً حول الأقلية
السنية، يتوجب على الولايات المتحدة
أن تكافح لتأسيس حكومة ذات صفة تمثيلية
واسعة القاعدة بحيث يكون لكل عراقي حصة
فيها.
*
السماح للعراقيين بإيجاد قيادة جديدة:
لقد
اختارت بريطانيا ملك العراق الجديد،
ولذلك نظر إلى فيصل على أنه أداة
بريطانية رغم أوراق اعتماده المعصومة (كونه
سليل النبي محمد، صلى الله عليه وسلم،
وعضو في العائلة التي حكمت مكة لقرون،
وكان قائداً للثورة العربية ضد الحكم
العثماني).
ينبغي
أن يسمح الائتلاف للعراقيين أن
يختاروا قيادتهم. وينبغي أن يعمل
النظراء الأمريكيون والبريطانيون مع
القادة العراقيين الجدد، ولكن عن بعد
معين. ينبغي كذلك أن يكون هناك خطوط
واضحة بين الجيش والسياسة دون تداخل في
القيادة. يتوجب على الولايات المتحدة
أن تساعد في إنشاء فريق ضباط عراقي
سياسي.
*
تكييف القومية العراقية:
لقد
تجذرت الوطنية بشكل عميق في المجتمع
العراقي، تغذيها التجربة مع
البريطانيين. والخيانة الأمريكية
المحسوسة للشعب العراقي في عام 1991، أي
الفشل في دعم الثورات الشعبية بعد حرب
الخليج، قد أدت كذلك إلى تأثير طويل
الأمد على الطريقة التي يرى بها
العراقيون الولايات المتحدة والغرب.
سيكون من الحاسم للقوات الغربية أن
يكونوا واضحين حول أهدافهم وأن يقلصوا
تأثيرهم على المجتمع العراقي. وينبغي
أن ينسحب الجنود حال انتهاء مهمتهم.
تراث
صدام حسين:
عندما
تحرر قوات الائتلاف العراق، سيكون
صدام حسين قد ترك آثار أقدام يبلغ
عمرها (24) سنة على الأمة العراقية
والنفس العراقية، وهذا أمر مختلف لا
يمكن دراسته ضمن سياق التجربة
البريطانية. ففي حين أن معظم هذا
التراث يستحق الرفض، إلا أنه بالإمكان
الاستفادة من بعض العناصر. على سبيل
المثال، الشجاعة حتى الإخلاص للقبيلة
من الممكن استدعاؤه في عملية إعادة
بناء وترميم نظام البلاد.
ستكون
عملية إعادة بناء العراق عملية طويلة
الأمد، ولن يتم إنجازها في تسعين يوماً
ولا حتى خلال عام. ولكن من الممكن أن
تكون أكثر سهولة إذا أخذت الولايات
المتحدة دروساً من التجربة البريطانية
في أوائل القرن العشرين في تشكيل مسار
تحركها الخاص.
|