معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 707
27 / 1 / 2003
تأثير
المواجهة مع العراق على دول الخليج
السياسة
الخارجية والسياسة الداخلية
شفيق
جبرا.
في
15 كانون الثاني 2003، ألقى شفيق جبرا
محاضرة في المنتدى السياسي الخاص
التابع لمعهد واشنطن. الدكتور جبرا
مدير لمركز الدراسات الاستراتيجية
المستقبلية في جامعة الكويت، حيث يعمل
بروفيسوراً في العلوم السياسية.
العراق
بعد صدام:
لقد
عانى العراقيون بشكل كبير تحت الحروب
والعقوبات التي أجبرهم صدام على
تحملها، وهذه الخبرة المشتركة قد تسبب
في ميلاد شعور قوي بالقومية العراقية.
إن عاطفة كهذه قد تقود القادة
العراقيين لرفض فكرة أنهم يجب أن يضحوا
في سبيل العالم العربي الأكبر، أو (الأمة)
لقد تعلم الكثير من العرب، بالطريق
الصعب، وتأكد بأن عمل الأشياء في سبيل
الأمة، على حساب وطن المرء الخاص، قد
تنتهي في بعض الأحيان بتحويل ذلك الوطن
إلى خراب. على أي حال، فإن بإمكان
القومية العراقية بعد صدام أن تأخذ عدة
أشكال، من قومية علمانية موحدة إلى بعض
أنواع القومية الإسلامية الليبرالية.
بشكل
حتمي، سيزداد الشد في عراق ما بعد صدام
بين الحاجة إلى بناء أمة والحاجة إلى
الديمقراطية. ستعتمد حصيلة هذا الشد
على نوعية الحكومة التي ستحل مكان صدام.
هل سيركز النظام الجديد بشكل وحيد على
الأمن، أم أنه سيستخرج أفضل ما في هذا
الشد وسيكافح ليصل إلى توازن قابل
للاستمرار؟ مهما تكن الحال، فإن
العراق بعد صدام سيتمتع بقدر كبير من
التعاطف من الحكومات والشعوب في
المنطقة، ويمكن استغلال هذا التعاطف
لتسهيل عملية إعادة بناء البلاد. ستلعب
الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي
الأخرى دوراً مهماً في أي عملية إعادة
بناء كهذه. في الحقيقة، فإن الكويتيين
يتجادلون منذ الآن حول الكيفية التي
سيتجادلون فيها مع حكومة جديدة في
بغداد. وقد اقترح معظم الليبراليين بأن
الكويت يجب أن تعفو فوراً عن ديون
العراق، وعن التزاماته بإعادة الترميم
بعد حرب الخليج. وذلك في حال تغير
النظام، في حين أن الكويتيين
الإسلاميين هم الأقل حماسة.
تأثير
تغيير النظام على الخليج:
سيكون
هناك شعور قوي لدمج عراق ما بعد صدام في
المنطقة، وسيكون له تأثير كبير على
المنطقة بأسرها، بشكل خاص إذا كان
النظام الجديد يرحب بلعب دور إيجابي
تقدمي والذي سيغرس قيماً جديدة في
الخليج. إن العراق في أعماقه دولة
خليجية بقدر ما هو بلد شرقي. لقد قاتل
في حربين رئيسيتين في الخليج، في حين
أن دوره في الشرق كان ثانوياً فقط. لذلك
فإن إعادة دمج العراق في الخليج سيكون
تحدياً رئيسياً عقب تغيير النظام،
وسيتطلب جهوداً مكثفة تجاه إعادة
البناء، والصداقة، والتعاون.
إن
عراقاً جديداً يستطيع لعب دور هام في
دعم الليبرالية عبر المنطقة، على عكس
الدور الراديكالي الذي لعبته بغداد في
الماضي. من هنا، فإن دولاً مثل إيران
ستتأثر بشكل كبير بتغيير النظام في
العراق. أحد الأسباب، أن إيران على
الأرجح ستحل محل العراق باعتبارها
المسوغ الأساسي لوجود جنود الولايات
المتحدة في الخليج. في الحقيقة، فإن
بعض العناصر في إيران تخشى من وجود
أمريكي متزايد في الخليج وتشعر منذ
الآن بأنها مطوقة ومستهدفة. رغم ذلك،
تنظر عناصر أخرى إلى هذه السيناريوهات
بشكل مختلف في الوقت الحالي فإن إيران
في قلب عملية التغيير إلى مجتمع حداثي،
ما بعد إسلامي، وتغيير النظام في
العراق سيكون له أصداء مهمة على هذه
العملية.
إن تكييفاً
علمانياً للإسلام يبدو أنه آخذ في
البزوغ في إيران، وقد يكون لهذا
الانفتاح الجديد تأثيراً عميقاً على
العالم الإسلامي كله، وقد يقود إلى
علمنته. في الحقيقة، يجد المرء حجة في
كون اللبرلة التدريجية للعالم
الإسلامي قد بدأت بالشيعة، كما يمكن
نسبة الكثير من ردكلة الإسلام والتي
بدأت قبل عقود مضت إلى نفس هذه الفصيلة.
من هنا، فإن الأغلبية الشيعية في
العراق، إلى جانب شيعة إيران معتدلة،
سيكون لهم دور هام ليلعبوه في مستقبل
الإسلام.
ستتأثر الوهابية
أيضاً بالتغيرات التي قد تحدث في
العراق والتي تجري أحداثها
الآن في عالم الشيعة. في الماضي،
لعب الوهابيون وظيفة هامة في توحيد
بلاد مثل السعودية، وعملوا كذلك كمصد
للشيوعية أثناء الحرب الباردة. مع
الوقت، اضطلعت الوهابية بطريقة حياة
خطرة خاصة بها، أدت في النهاية إلى
هجمات 11/9/2001.
بالتالي،
فإن الوهابية تخضع الآن إلى التمحيص،
ويدرك الكثيرون أنها في حاجة إلى (إعادة
التغليف). إن أعضاء متنورين معينين في
العائلة السعودية المالكة مؤهلين
لتشكيل ائتلاف معتدل وإنجاز عمل كهذا. عموماً فشلت
الفصائل الراديكالية الإسلامية سواء
كانت شيعية أم سنية في تقديم حلول
للمشاكل في الشرق الأوسط. بدلاً من
ذلك، فقد خلقوا مشاكل أكثر للمنطقة
ولذلك لم يعد بالإمكان النظر إليهم
كمصدر لشرعية الحكومات. ينبغي البحث عن
الشرعية الآن في مكان آخر، عبر
الانتخابات والإصلاحات إن تغيير
النظام في العراق سيقدم لحكومات
المنطقة مناسبة مثالية للتحرك تجاه
الإصلاح. ويبقى الانتظار لرؤية ما إذا
كانوا سيستغلون هذه الفرصة.
احتمالات
تغيير النظام:
إن
التهديد الذي يمثله الوجود العسكري في
المنطقة هو العامل الوحيد الذي استطاع
أن ينتزع التنازلات من صدام، فيما لو
تم التقليل من ضغط الولايات المتحدة،
فإن بغداد ستعود بسرعة إلى أيامها
القديمة. في الحقيقة، فإن تراخي
الولايات المتحدة ستكون له عدة نتائج
سلبية: فواشنطن ستفقد مصداقيتها في
المنطقة؛ سيتعزز نموذج صدام، سينهار
نظام العقوبات، وستضطر الدول العربية،
حتى الكويت، إلى التصالح مع النظام
الموجود في بغداد.
حالياً،
المنطقة مملوءة بمشاعر القلق فيما
يتعلق بإمكانية الحرب في العراق،
والمواطنون العاديون والنخبة كذلك
مايزالون منقسمين حول القضية. إحدى
المخاوف تتلخص في كون الحرب ستستغرق
وقتاً طويلاً وستنجم عن مئات الآلاف من
اللاجئين. هم آخر يكمن في أن صدام إذا
ضُيق عليه سيستخدم أسلحة الدمار
الشامل ضد جيرانه. ويعتقد الكثيرون
كذلك أن هدف واشنطن الرئيسي هو النفط.
إن قوة هذه الفكرة، إضافة إلى الكثير
من نظريات المؤامرة التي ماتزال تدور
في العالم العربي، ستعتمد على الطريقة
التي ستدير بها الولايات المتحدة
نفسها بعد تغيير النظام. ومهما يكون
الشعور في المنطقة ككل، فإن العراقيين
أنفسهم يتطلعون لإنهاء الوضع الحالي.
من وجهة نظرهم، فقد دمر النظام الحالي
حيواتهم، وأوقعهم في حرب تلو أخرى.
وللحديث
بلغة سياسية، فإن موقف مجلس التعاون
الخليجي الحالي فيما يتعلق بعراق ما
بعد صدام مايزال يفتقر إلى الوضوح. لقد
أخذ أعضاء مجلس التعاون الخليجي مواقف
واضحة في قضايا معينة، مثل المحافظة
على وحدة أراضي العراق ومواجهة الحيرة
العربية الإسرائيلية كجزء من تدبيرات
أمنية إقليمية جديدة بعد تغيير النظام.
حتى الآن يجب أن تضع حكومات مجلس
التعاون الخليجي جهداً أكبر لإقناع
مواطنيها بأن البقاء على نظام صدام ليس
في مصلحتهم وأن هذا التغيير هو بالتالي
تغيير ضروري.
|