كم
من أكياس الجثث نحتاج
حتى
يتراجع بوش عن سياسته الضالة !
روبرت
شير ـ لوس أنجلوس تايمز
لوس
أنجلوس ـ 4 تشرين الثاني ـ قتل تسعة
عشرة شاباً أمريكياً جديداً يوم الأحد
في العراق خدمة لكبرياء
رئيس أمريكي خانهم بأسلوب يرثى له
إضافة إلى أنه ليست لديه فكرة عن
المكان الذي ستوصل سياساته البلاد
إليها.
ذاك
هو الرئيس الذي بات واضحاً الآن أنه
كان يكذب بانتظام على القوات والأمة
حول الأسباب التي دفعته لخوض الحرب،
وشوه الاثباتات ليتمكن من الإدعاء بأن
الولايات المتحدة مهددة من أسلحة
الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين
ومحاولاً ربط العراق بهجمات الحادي
عشر من أيلول الإرهابية.
وبعد
أن زج بالبلاد رغماً عنها، بدافع من
مشورة سيئة، للاستيلاء على السلطة في
الشرق الأوسط يواجه بوش الآن ورطة
فظيعة: ماذا نفعل الآن ؟ علينا أولاً
مقاومة منطق نبوءة الاكتفاء الذاتي:
ادعى بوش أن العراق مركز الإرهاب
الدولي، ولم يكن كذلك، وهو يقول الآن
أن الإرهابيين يتسللون عبر الحدود
العراقية ليقتنصوا الأمريكيين، وأن
علينا البقاء هناك ومحاربتهم.
قال
بوش (لن نهرب) مستثنياً بشجاعة حياة
أولئك الجنود الشباب ومفترضاً أن هناك
عدداً محدوداً من المتطرفين الذين
يمكن أن يستخدمهم للمرة الأولى
والأخيرة.
الاحتلال
الأمريكي في واقع الأمر لمركز تاريخي
في العالم العربي قد وفر للقاعدة
ولجماعات متشابهة فكرياً أفضل وسيلة
استقطاب لملتحقين جدد في صفوفهم، ونحن نقاتلهم
بشروطهم وعلى أرضهم.
في
هذه الأثناء، تسدد هجمات من مختلف
المناطق العراقية، أولئك الذين حظوا
بعطف صدام حسين، وأولئك الذين ربما
سعدوا بقدوم القوات الأمريكية وهي
تطيح بالطاغية، لكنهم منذ ذلك الحين
شعروا بالنفور بسبب احتلال يثير بكل
تأكيد المعارضة الوطنية والدينية.
لم
لا نتعظ من تاريخنا في فيتنام ومن
تجارب الفرنسيين في الجزائر
والإسرائيليين في الضفة الغربية وغزة،
بأن الاحتلال الذي يقوم به جيش (آخر) لا
يلقى الترحيب أبداً ؟
في الأسبوع
الماضي، أصدر رئيس الأركان الإسرائيلي
تحذيراً حول محدودية القوى المحتلة في
تحقيق الأهداف عن طريق ممارسة القوة
العسكرية (إنها تزيد من مشاعر الكره
لإسرائيل وتقوي المنظمات الإرهابية)،
قال موشيه يالون للصحفيين
الإسرائيليين مضيفاً: (من حيث تكتيك
مصالحنا، ما نقوم به يأتي على نقيض
مصالحنا الاستراتيجية).
بعض
النقاد والسياسيين، حتى أولئك الذي
كانوا متشككين حول الحرب، بدأوا الآن
بالقول إن علينا (إنهاء المهمة) حتى وإن
اضطررنا للالتزام بترك قواتنا الحاكمة
في العراق فيه إلى ما لا نهاية.
هذا
هو تماماً نوع العناد والتفكير المشوش
الذي قادنا نحو الهاوية في حرب فيتنام
وأدى إلى مقتل 58 ألف جندي أمريكي وأكثر
من مليوني فيتنامي وكمبودي. لقد أخفق
احتلال العراق ولن ينجح، فالعراقيون
يرون ثقافتنا معيبة، وأسلوبنا في
التعامل فظاً وقاسياً. وكما قال أحد
السياسيين العراقيين الذي تمولهم
أمريكا أحمد الجلبي بعد هجوم
الميليشيات الأخير (الأمريكيون
بأساليبهم، وعملياتهم وإجراءاتهم، كل
منها على حدة غير ملائمين للتعامل مع
هذا النوع من المشاكل).
أما
النوايا الأمريكية في العراق فهي أبعد
ما تكون عن الوضوح على الرغم من
إثارتها لأصداء مفاهيم (عبء الرجل
الأبيض) الذي يسعى لتصدير (الحضارة) وإن
كانت أهدافه مثيرة للتشكك وتظللها
الغيوم، ويقلل من شأنها حقيقة أن
واشنطن ستضع لا محالة أولوية أعلى لجعل
العراق الجديد يخدم حاجات القوى
الأمريكية العظمى، النفط، والتجارة،
والقوى العسكرية ـ بدل أن تسعى أمريكا
لتلبية الاحتياجات العادية للعراقيين.
ما لم نكن مرحبين
بالتضحية بأرواح القوات الأمريكية
والعراقية لتحقيق هوسنا في إقامة
الإمبراطورية، علينا أن ننهي ذلك
الاحتلال فوراً.
وبإمكان
الولايات المتحدة إعطاء الجلبي وزمرته
الأموال التي يحتاجونها على المدى
القصير للعمل، وتقديم المساعدة كذلك
للشيعة الأكثر تواجداً، بإمكانها
أيضاً التوسل لمجلس الأمن التابع
للأمم المتحدة لاستلام هذه الفوضى،
بدعم مالي من الولايات المتحدة،
وبانتقال ميسر للقوى كفيل بجعل بوش
ينقذ ماء وجهه بأن يعلن أن مهمته انتهت
بالنصر.
تحويل
حكيم كهذا للنهج الذي تتبناه الإدارة
الأمريكية قد يساعد في إعادة انتخاب
بوش. فأرقام الاستفتاءات حول العراق في
انخفاض كبير. إذا تمكن بوش من الرجوع عن
حافة الجرف الذي أوصلتنا إليه سياسته
الخارجية بالغة العدوانية، قد يقنع
الشعب بمنحه فترة رئاسية أخرى. أما أنا
شخصياً، فأعتقد أنه يوجه له اتهام بسوء
التصرف بسبب أكاذيبه، لكن لعل الأهم،
هو أن ينقذ نفسه بنفسه ويعود إلى عقله
وينهي هذه المجازر وعدم الاستقرار
المستعرة في العراق وفي العالم.
|