معهد
واشنطن لسياسية الشرق الأدنى
رونالد
بروس
12/3/2004
لقد
حان الوقت لإشراك سورية لا لعزلها
إن
القانون الجديد الصادر بخصوص محاسبة
سورية وإعادة السيادة اللبنانية هو
مذكر محزن بدروس لم يتم تعلمها. عبر
ثلاث سنوات من الحرب على الإرهاب
تقريباً. يدعو القانون الرئيس بوش إلى
فرض عقوبات ديبلوماسية وتجارية على
سورية حتى يتم الوفاء بشروط معينة.
ويتضمن هذا إنهاء دعم الإرهاب،
وانسحاب القوات السورية من لبنان،
وتجميداً لتطوير أسلحة الدمار الشامل.
مذكراً بقانون عقوبات إيران وليبيا في
عام 1996، فإن الطبعة السورية من هذا
القانون هي خطوة إلى الوراء تجاه
المستقبل.
لا
جدال في أن سورية تحتاج إلى تقويم
الكثير من سياساتها. والتي تتضمن دعم
الجماعات الفلسطينية واللبنانية
المقاتلة، مثل حماس، وحزب الله،
والجهاد الإسلامي، والفصائل المعادية
لإسرائيل التي تضعها واشنطن على لائحة
المنظمات الإرهابية. كما أن عليها كذلك
أن تنهي احتلالها للبنان والذي بدأ في
عام 1976، وتتبع النموذج الليبي وتتخلى
عن برنامجها للأسلحة غير التقليدية.
تحتاج
سورية كذلك إلى الانفتاح في نظامها
الاقتصادي والسياسي، كما تظهر
المظاهرات الأخيرة في الشوارع في دمشق.
ولكن من غير المقيد هنا النظر إلى
إصلاحي سورية الذين يرون سياسات إدارة
بوش المتشددة على أنهم غير ذي نفع. إنهم
يشجبون ضغط الولايات المتحدة، إضافة
إلى وجودها في العراق ودعمها
لإسرائيل، ويجادلون في بطئ إمكانيات
التغيير في الوطن. لقد أخبر المتحدثون
باسم المتظاهرين قناة الجزيرة بأن
حملة الإصلاح هي قضية داخلية تماماً في
سورية.
لقد
أمسك الرئيس بشار الأسد بزمام السلطة
في أواسط عام 2000 وسط توقعات كبيرة
بتغير اقتصادي وسياسي كبير بعد سنوات
من القمع والجمود، وقد تم تقليص
إجراءات التحرير المبكر المعروفة
بربيع دمشق بعد أن أكدت سياسات حرس
سورية القديم نفسها. السؤال اليوم هو
كيفية تشجيع حكومة الأسد على إعادة
البدء بالإصلاحات الداخلية ولعب دور
دولي أكثر إيجابية.
ـ
تعلم دروس من ليبيا وفيتنام:
تشير
الأحداث في ليبيا وفيتنام إلى الطريق.
إن العقوبات الأمريكية المفروضة على
ليبيا في أواسط عقد السبعينات، وتم
تشديدها بعد عام 1986. ثم أضيف إليها
عقوبات من قبل دول متعددة الجنسيات بعد
عام 1992. ويجادل المناصرون في إدارة بوش
بأن العقوبات كانت سبباً رئيسياً
لتغيير سياسي في ليبيا، ولكن القضية هي
أكثر تعقيداً بكثير. لقد استخدم
القذافي أنظمة العقوبات لتقوية موقفه
السياسي الداخلي في أواسط عقد
التسعينات وثم التمس الدعم الأوروبي
والإفريقي بمهارة بعد ذلك خلال العقد.
عندما تحدث المسؤولون الأمريكيون عن (إجهاد
العقوبات) في نهاية عقد التسعينات،
فإنهم قرروا إضعاف الدعم الدولي
للعقوبات على ليبيا.
إن
ادعاء إدارة بوش بأن الحرب على العراق
كانت السبب في أن القذافي تخلى عن
أسلحة الدمار الشامل خارج الدلالة
كذلك. فإن توقيت وسرعة المفاوضات لا
تدعم هذا الادعاء. لقد بدأت ليبيا
حواراً ذا ثلاث مسارات مع المسؤولين
الأمريكيين والبريطانيين عبر السنوات
الثلاث الماضية، بعد هجمات 11/9. لقد
بدأت المحادثات المتعلقة بأسلحة
الدمار الشامل قبل احتلال الولايات
المتحدة للعراق. وقد وافق القذافي على
تسليم الأسلحة المحظورة قبل القبض على
صدام حسين. على العكس من ذلك، على
الأرجح فإن السياسات الحربية للرئيس
بوش قد عوقت العملية. لقد وجدت واشنطن
من الصعب الإقرار بالمحاولات الليبية
ومكافأتها للخروج من حالة الفتور لأن
سلوك طرابلس لا يلائم نموذج الدولة
المارقة. من المرجح، أن بيان بوش فيما
يتعلق بالحرب على الإرهاب، واحتلال
العراق كانت اعتبارات ثانوية في
المعادلة الليبية.
تعد
فيتنام مثالاً معاصراً آخر على منافع
سياسية التعاهد. بعد سقوط سايغون في
عام 1975، فرضت الولايات المتحدة نظام
عقوبات قاسية على فيتنام. وقد استغرقنا
تقريباً عقدين من الزمن لإعادة إقامة
علاقات ديبلوماسية. اليوم، فإننا نحصد
ثمار هذه السياسة.
ماثيو
ديلي، نائب مساعد الوزير في مكتب
الشؤون الشرق آسيوية والمحيط الهادئ،
شهد لصالح هذه الحقيقة أمام لجنة
النواب للعلاقات الخارجية في أواسط
شباط 2004، مؤكداً على أن (العلاقات بين
فيتنام والولايات المتحدة قد توسعت
بشكل مثير في السنوات الأخيرة). وقال إن
(فيتنام تصبح أقل صلابة وأن الجمعية
الوطنية لم تعد مجرد خاتم مطاطي، وأن
الشفافية آخذة في التحسن)، وأنها حقاً
تقوم بإضافة الكثير من الأمور التي
ينبغي عملها لتطوير حقوق الإنسان
وحرية التعبير والدين، وجادل بأن
فيتنام هي الآن أقل قمعاً مما كانت
عليه قبل عشر سنوات أو حتى قبل خمس
سنوات. ويستمر ديلي في القول (بأن
الاندماج في المجتمع الدولي عن طريق
التجارة، والتفاعل المتبادل،
والزيارات عالية المستوى، وقنوات أخرى..
قد عززت هذه الاتجاهات الإيجابية
وستستمر في فعل ذلك). في ذات الوقت فقد
حذر من أي جهد (لإعادة عزل) فيتنام أو (لمعاقبتها)
بعقوبات جديدة سيكون ذا أثر ضار بمصالح
للولايات المتحدة. ويتوصل إلى أن (تعميق
الاقتصاد والتجارة، والعلاقة
المساعدة مع فيتنام سيعزز المجتمع
المدني، وسيشجع الإصلاح الاقتصادي،
وسيعزز مصالح العمال الأمريكيين،
والمستهلكين، والمزارعين، ورجال
الأعمال).
تكرير
سياسات الماضي الفاشلة؟
الكثير
من القضايا التي نواجهها اليوم في
سورية مشابهة لتلك التي واجهناها في
ليبيا وفيتنام عبر العقود الثلاثة
الماضية. في نفس الوقت، فإن سورية تبقى
مركزية لعملية السلام في الشرق الأوسط
ولتعزيز الإصلاح الديمقراطي في
المنطقة. بالتالي، فليس هناك أي معنى
في عزل دمشق، بتطبيق السياسات الفاشلة
في الماضي.
إن
موقف الولايات المتحدة الصارم يتباين
مع موقف الاتحاد الأوروبي، والذي أعلن
في أواسط كانون أول 2003 توصله إلى تقدم
كبير خلال ست سنوات من المحادثات
الطويلة مع سورية، الأمر الذي أدى إلى
اتفاق تعاون اقتصادي وسياسي جديد. وقد
قال المسؤولون الأوروبيون إن
الاتفاقية قد سمحت باستمرارية الحوار
مع سورية حول أسلحة الدمار الشامل،
والإصلاح الاقتصادي، والإرهاب، وحقوق
الإنسان.
قبل
نهاية الحرب الفعلية في العراق في
نيسان 2003، كان المثقفون وصناع السياسة
يناقشون القيام بتحرك مشابه ضد سورية،
والذي يدعى بالتحرك شمالاً، وحيث
يناصر الاستراتيجيون بشكل منفتح
التحرك من بغداد إلى دمشق. تقوم إدارة
بوش الآن بزيادة الضغط على سورية في
مسعى انتخابي لتحويل الانتباه عن
السياسات العراقية الفاشلة. إن تأييد
الرئيس بوش لقانون محاسبة سورية،
إضافة إلى حديث في البيت الأبيض حول
تطبيق العقوبات على سورية، تلقي الضوء
على العودة إلى سياسة نظامه المتغيرة.
والمشكلة هي أن الإدارة تقوم مرة أخرى
بالسير في طرق خاطئة، وكأن الفشل في
العراق لم يحدث أبداً.
عوضاً
عن عزل سورية دولياً، فإن الخبرات
الليبية والفيتنامية تخبرنا أن إدارة
بوش عليها أن تفعل العكس تماماً.
فواشنطن ينبغي أن تربط دمشق بسياسة
احتواء، وأن تشجع التنازلات بالمكافآت.
إن إرسال الديبلوماسية المحنكة
مارغريت سكوبي كسفيرة أمريكية جديدة
في سورية، بعد خمسة أشهر من ترحيل
سلفها، هي خطوة إيجابية. إن إقرار
سورية بإطلاق سراح مئة وثلاثين سجين
سياسي في شباط 2004، هي حركة إيجابية
أخرى.
لقد
استجابت سورية لصليل سيوف واشنطن
بهجوم معاكس باتجاه السلام، وهي
مبادرة مدعومة من قبل الأمم المتحدة.
والتي تم صدها من قبل إسرائيل
والولايات المتحدة، إن إحياء
المحادثات الإسرائيلية السورية
مدعومة من قبل لاعبين أساسيين
إقليميين مثل فرنسا والولايات
المتحدة، ماتزال تعتبر مبادرة واعدة
وينبغي دراستها بدقة. إن حواراً صريحاً
بناء يستهدف السياسات الشرعية ذات
الأهمية، هو المسار الأمثل للإصلاحات
الضرورية في سورية.
|