معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة
سياسية رقم 751
ظهور
المقاومة في العراق
جيفري
وايت: محلل حكومي استخباراتي للولايات
المتحدة متخصص في شؤون الجيش العراقي
والشؤون الأمنية العراقية، وهو زميل
لمعهد واشنطن.
مهما
تكن الاحتمالات طويلة الأمد لعراق
مستقر وديمقراطي، إلا أن هناك
احتمالاً لتطور مقاومة لهذا الهدف. هذه
الإمكانية متجذرة في كل من العوامل
التاريخية (على سبيل المثال، ثقافة
العراق السياسية، والارتياب العراقي
من الولايات المتحدة، والتصورات
الباقية عن الاستعمار) والظروف
الراهنة (على سبيل المثال، انهيار صدام
حسين وما رافقه من تدمير لأنظمة الحكم
والبنية التحتية، وتراث جرائم النظام).
في الحقيقة، فإن الظروف الأخيرة قد
أنشأت بوادر لمقاومة قوات الائتلاف
والحكومة الانتقالية، والحكومة
العراقية.
ـ
مصادر المقاومة:
لقد
ذاب الكثير من مؤيدي النظام ببساطة في
الشعب، لأنه لم يكن هناك استسلام رسمي،
قد تنبثق أسطورة تحد أو مقاومة. إضافة
إلى هذا، فإن لدى العراقيين مجموعة
مكثفة من المظالم التي ماتزال في حاجة
لأن تعالج. لقد تم تدمير بعث العراق،
وبالكاد حصل الحمل بالحكومة الجديدة،
فضلاً عن أن تتم ولادتها. لن يكون جميع
أولئك الذين يتطلعون للنجاح في عراق
جديد راضين، وقد تسببت الحرب في خلق
طبقة جديدة من المحرومين. وهم الحكام
السابقون لذلك، فإن البلاد بيئة خصبة
لنمو القوات السياسية العنيفة.
بالإمكان
تحديد مصادر محتملة للمقاومة بسهولة،
بما في ذلك مسؤولي الحكومة السابقين
وعناصر قبلية، وجماعات إثنية ودينية.
قد تكون بعض هذه الجماعات قد انهمكت في
بدايات المقاومة. في الموصل، على سبيل
المثال، اختفى معظم وجود النظام،
وتلاشى كثير من عناصر الاستخبارات
والعناصر الأمنية، ومقاتلي فدائيي
صدام، والموظفين العسكريين النظاميين
تلاشوا بدلاً من أن يستسلموا، وبقوا في
وضع من لم يتخذ قرار بشأنه. في بعض
الحالات تصادمت قوات الائتلاف مع
معارضة متبقية تتكون من خليط ظاهر من
صامدي النظام ومن السنة المحليين.
في
تكريت، مسقط رأس صدام ومركز مواليي
النظام، لم تحطم تماثيل النظام السابق
عندما وصلت قوات التحالف. لقد كان
الشعب أقل ترحيباً بالائتلاف من
العراقيين الآخرين، وتم تنظيم
المحليين من أجل الدفاع عن النفس في
مواجهة العناصر القبلية المزاحمة. هذا
النوع من التنظيم المحلي الذاتي على
أساس قبلي قد يصبح قاعدة تحرك للمقاومة
المسلحة المنظمة.
بشكل
مبدئي، يبدو أن الشيعة في بغداد وأماكن
أخرى منقسمون وغير واضحين في الكيفية
التي سيتجاوبون بها مع هزيمة صدام.
حالياً، فإن بعض القادة الشيعيين
يدعون إلى مغادرة سريعة لقوات
الائتلاف، وهذه المطالبات قد تعمل
كدعوة للحشد، في الحقيقة، فإن كلاً من
السنة الشيعة شاركوا في مظاهرات في
بغداد في 18 نيسان ضد الاحتلال. إن السنة
معتادون على أن يكونوا في السلطة،
والشيعة معتادون على المقاومة. ولدى كل
منهما تركيب لهيكل القيادة في شكل
شخصيات دينية كبيرة أو مبجلة، والبعض
منهم مادة محفزة لتعبئة واسعة. من هذا
المنظور، فإن المظاهرات الشيعية
الجماهيرية التي جرت مؤخراً في كربلاء
ذات أهمية سياسية واضحة.
ـ
تطور المقاومة:
تنبثق
المقاومة في الغالب كنتيجة لإحدى ثلاث
عمليات.
الأولى،
تنظيم الذات، حيث تظهر أحداث بارزة،
وقادة جدد، وظروف محلية ومظالم، فتشكل
قواعد لمعارضة مكثفة بشكل أكبر.
الثانية،
كنتيجة لعملية صنع قرار واعية يقوم بها
أفراد حركيون أو جماعات.
الثالثة،
اشتعال تلقائي كرد على شيء خاص: اصطدام
عنفي، أو اعتقال لشخصية هامة، أو منح
السلطة لقائد ليس بذي شعبية. قد تكون
واحدة أو أكثر من هذه العمليات فعالة
في العراق، وهذا هو السبب في كون
التطورات (الحادثة) في الموصل، وبغداد،
وكربلاء مقلقة.
تنتشر
المقاومة عادة في مراحل. مبدئياً، قد
تبدي الجماهير قبولاً متجهماً لقوة
عظمى، مع ظهور معارضة محلية فقط. بعد
ذلك، تصبح المعارضة منظمة وموضحة في
تحديات أكثر جدية للسلطة. أخيراً، تبدأ
جماعات منظمة ذات أهداف سياسية
بالمقاومة المسلحة.
هناك
مؤشرات معينة قد تساعد قوات الائتلاف
في التعرف على المقاومة المتزايدة في
العراق. إحدى الإشارات قد تكون ظهور
الأسباب والقادة القادرين على تحريك
العراقيين على المستوى المحلي،
والإقليمي أو الدولي. إشارة أخرى ستكون
ظهور جماعات معارضة علنية. رغم أن
جماعات كهذه قد لا تؤيد المعارضة
العنفية في البداية، إلا أنهم قد
يتحولون ليؤيدوها في النهاية أو قد
يشكلون قاعدة تجنيد لهؤلاء الذي
يؤيدونها. إشارة ثالثة ستكون البدء
بالعنف المنظم، بما في ذلك الهجمات
المسلحة على قوات الائتلاف أو الحكومة
المؤقتة. وسيكون شاهد حدوث تعاون
متزايد بين الجماعات المعارضة للوضع
الجديد إشارة أخرى.
في
أية حال، فلا ينبغي للتحالف أن يرتاح
كثيراً لطبيعة المجتمع العراقي
المشاكسة؛ فالتاريخ يشير إلى أنه حتى
حركات المقاومة المنشقة بشكل كبير
تستطيع التعاون لتحقيق أهداف كبرى (على
سبيل المثال، الفرنسيون تحت الاستعمار
الألماني، المجتمع اليهودي في فلسطين
تحت الاستعمار البريطاني).
قد
تبدأ المقاومة على المستوى المحلي في
الأفراد المتجاورين، والقرى،
والمحافظات والمدن. فإن الأحداث في
الموصل، وتكريت، وبغداد، رغم كونها
مختلفة، إلا أنها قد تكون علامات مبكرة
على ظهور المقاومة. إضافة إلى ذلك، فقد
تتكتل مشاكل على المستوى المحلي لتشكل
تحدياً على المستوى الإقليمي أو
الدولي. ينبغي أن تعمل تقسيمات البلاد
الإثنية، والقبلية والدينية على إعاقة
تشكيل معارضة ذات فعالية على المستوى
الإقليمي، ولكن لا ينبغي الاعتماد على
التقسيمات لمنع حدوث مقاومة كهذه
تماماً. إن الجنوب الشيعي على نحو كبير
مع امتداده إلى بغداد، هو أكثر
المرشحين احتمالاً للقيام بمقاومة
إقليمية منظمة. المقاومة الدولية أي،
المقاومة التي تقوم بها جماعة واحدة أو
اكثر تعمل عبر الحدود بأهداف متماثلة
تبدو أقل احتمالاً من المقاومة
الإقليمية. فقط الوجود الطويل الأمد
لقوات الاحتلال أو عدم الاستقرار
السياسي الممتد سيكون عرضة لخلق بيئة
حيث يمكن أن تصبح المقاومة الدولية
مشكلة حقيقية. رغم ذلك، ينبغي مراقبة
إمكانية حدوث تعاون شيعي ـ سني.
تبدو
وسائط وجود المعارضة في العراق،
ومصادرة قوة الإنسان كثيرة. إن أشخاص
النظام الناجين، سواء الجنود المشاة
والقادة هم فقط أحد مصادر قوة الإنسان
هذه. لقد بقي عدد من المتطوعين غير
العراقيين على نحو واسع في البلاد، وقد
يصل المزيد منهم مع الوقت. لقد تم تسليح
الكثير من العناصر في المجتمع العراقي
وتدريبهم من قبل الحكومة، في حين سلح
آخرون أنفسهم وتدربوا لكي يقاوموا
الحكومة. إضافة إلى ذلك، فإن كمية
سيولة النقد الهائلة في العراق، (بعضها
تلك التي اختفت أثناء عملية النهب)
تشير إلى أن تمويل المقاومة قد لا يكون
مشكلة. البلاد مغمورة بالأسلحة
الصغيرة، وبالأسلحة الخفيفة التي يمكن
استخدامها كأسلحة عصابات مثل مدافع
الهاون، والمتفجرات، الأدوات
المثالية لمقاومة مسلحة.
أخيراً،
فإن جيران العراق بإمكانهم أن يقرروا
تقديم الدعم لجماعات المقاومة. إن لدى
إيران تاريخاً لنشاط كهذا، وقد تختار
كل من تركيا وسورية والسعودية العربية
أن تقوم بهذا كذلك.
ـ
مواجهة المقاومة:
قد
تكون بعض المقاومة محتمة، ولكن من
الممكن أن تتم بسرعة، سيكون مستقبل
العراق أكثر إشراقاً. ستساعد عدة
إجراءات واضحة لدك المعارضة: إصلاح
البنية التحتية العراقية المدمرة،
تأسيس قواعد الحكم الذاتي الثابتة،
وسحب قوات الائتلاف. ورغم أن هذه
الإجراءات موجودة وآخذة في التحرك،
إلا أنها يجب أن تسبق نمو المقاومة. إن
قمع المقاومة في نفس الوقت الذي تتم
فيه إعادة بناء دولة العراق سيتطلب
إجراءات أخرى. أولاً وقبل كل شيء سيكون
هناك إنشاء نظام شرطة فعالة وجهاز
استخبارات لتحديد واجتثاث جماعات
المعارضة الخطرة، بكلمات أخرى، قوة
بوليسية سياسية. ستكون هذه مهمة حساسة
في بلاد كانت مذعورة من أجهزة الشرطة
والأمن لما يزيد عن ثلاثين سنة، لذلك
فعلى الائتلاف أن يستعد للاضطلاع بهذه
المسؤوليات لبعض الوقت. إضافة إلى ذلك،
يتوجب على السلطات العراقية تطوير
قدرة للتدخل بأي قوة، مستلزمة لتمزيق
أو التخلص من المقاومة المسلحة. مرة
أخرى، ولنفس الأسباب على نطاق واسع،
فإن هذه المسؤولية ستقع مبدئياً على
قوات التحالف. ومع ذلك، يجب تمريرها
كذلك إلى العراقيين أنفسهم، فمهما تكن
الحكومة التي ستنشأ في النهاية في
بغداد، فإنها ستحتاج لأن تكون قادرة
على القتال من أجل نفسها.
|