معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 681
25 / 11 / 2002
تصور
الجيش العراقي ما بعد صدام
في
19 تشرين الثاني 2002، قام كل من ميشيل
ايزنستاوت وكينيث بولاك بإلقاء محاضرة
في المنتدى السياسي الخاص التابع
لمعهد واشنطن. ايزنستاوت زميل كبير في
المعهد متخصص في الشؤون العسكرية
والأمنية، وتتضمن مؤلفاته مثل العنقاء
من الرماد، مستقبل قوة الجيش العراقي (معهد
واشنطن 1993).
بولاك،
زميل كبير ومدير للأبحاث في مركز سابان
لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنجر.
وقد طبع مؤخراً كتابه: إنذار العاصفة :
علة اجتياح العراق (دار راندوم، 2002).
فيما يلي تقرير موجز عن ملاحظاتهما.
إن
إعادة تدريب وتنظيم الجيش العراقي
وإزالة أسلحة الدمار الشامل ستكون
مهمات ضرورية عقب أي اجتياح للعراق
تقوده الولايات المتحدة ومع ذلك،
سيبقى التغيير السياسي مطلباً سابقاً
على التغيير العسكري، وتجاهل الأولى
قد يتسبب في نتائج كارثية على الثاني.
بشكل
محدد، فإن على الولايات المتحدة أن
تساعد في إنشاء جيش عراقي مُسيس نظامي،
بشكل مشترك مع حكومة عراقية تعددية
اتحادية، ويشرف عليها المدنيون ذوو
الجذور الأصلية. في النهاية فإن هذه
الجهود ستساعد في استقرار العراق بشكل
داخلي وإزاء جيرانه.
ميشيل
ايزنستاوت
إن
الجوانب السياسية والاقتصادية،
والعسكرية لعراق ما بعد صدام مترابطة
بعضها ببعض. إن استبدال صدام حسين
بأتوقراطية أخرى لن يخدم مصالح
الولايات المتحدة. إن حكومة تمثيلية
عريضة القاعدة، تعكس المجتمع العراقي
بشكل أفضل هي شرط مسبق لإصلاح ناجح
للجيش. سيستلزم هذا إنشاء فيالق ضباط
لهم تمثيل أكبر في الجيش وإصلاح
الأجهزة الأمنية والمسلحة، وإعادة
تنظيم الجيش على طول الخطوط الدفاعية.
إضافة إلى هذا، فإن حكومة منظمة على
شكل فيدرالية ستعتمد على قوة القانون
المحلي للأمن الداخلي، ستقلل من
الحاجة إلى جيش كبير أو جهاز أمني. إن
تغييرات كهذه قد ترعى عراقاً أقل
عدوانية، عراقاً لا يحتمل أن يسعى
لفرض دور قيادي له في العالم العربي.
ينبغي
على الولايات المتحدة والقوات
المتحالفة إعادة بناء قوات العراق
المسلحة في عدة خطوط. أولاً، لا يمكن
السماح لتأثير صدام أن يبقى في الأجهزة
الأمنية والمسلحة. فنظراً لتاريخهم
القمعي، فإن مجموعة الاستخبارات
العراقية والمنظمات الأمنية ينبغي أن
يتم تفتيتها، في حين أن هؤلاء الذين
لا يمكن إصلاحهم يجب أن يتم تطهيرهم.
رغم ذلك، قد تخلق هذه الإصلاحات مشاكل
سياسية وأمنية. فإذا تكلمنا بشكل
سياسي فإن على الولايات المتحدة أن
تطمئن المجتمع العربي السني الأوسع
بأن هذه التغيرات لن تشكل ثأراً ضدهم؛
ولهذا الهدف عليها أن تعزز القبائل
والأفراد السنيين الذين وقفوا بعيداً
عن نظام صدام. من وجهة نظر أمنية، فإن
الأشخاص الذين تم تطهيرهم من الجيش
سيحتاجون إعادة تدريب ومراقبة حتى
يستطيعوا المشاركة في الاقتصاد
المشروع بدلاً من الجريمة المنظمة أو
النشاطات المخربة ضد الحكومة الجديدة.
رغم
أن جيش العراق ينبغي أن يكون قادراً
على دعم حاجات البلاد الدفاعية
الحقيقة، إلا أنه ينبغي أن يكون كذلك
غير قادر على تشكيل تهديد لجيران
العراق الأكبر. الولايات المتحدة هي
التي ستؤمن استقرار المنطقة وتشكل
عنصر موازنة لإيران. إن الحروب
السابقة والعقوبات قد قللت بشكل درامي
من معدات العراق العسكرية ومن قدراته
الهجومية. ونظراً لإعادة البناء
الحتمي ما بعد الحرب، والديون،
والتعهدات بالإصلاح، فإن نظاماً
عراقياً جديداً سيفتقر إلى التمويلات
الضرورية لمواصلة إعادة التسليح على
نطاق واسع. في هذا السياق، فإن القوات
التي تقودها الولايات المتحدة يجب أن
تقلص من قدرة العراق على التحرك
الاستراتيجي ومن اعتماده على القوات
القائمة، ويجب استبدالها في النهاية
بنظام بديل.
حتى
بعد أن تتم الإطاحة بصدام، فإن أسلحة
الدمار الشامل ستبقى تشكل أكبر تحد
للولايات المتحدة. لتدبر أمر هذا
التهديد، على الولايات المتحدة تبني
عدة من الإجراءات: إيجاد عمل لعلماء
الأسلحة السابقين في اقتصاد العراق
الجديد، تعزيز دفاعات العراق ضد
الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل، ودمج
البلاد في برنامج دفاعي مشترك على غرار
ما هو حاصل بين دول مجلس التعاون
الخليجي، وتقديم ضمانات أمن أمريكية
للعراق كبديل لقدرات أسلحة الدمار
الشامل المستقلة.
كينيث
بولاك
في
الفترة المباشرة ما بعد صدام، ستكون
احتياجات الجيش العراقي قليلة جداً.
سيكون وجود جنود الولايات المتحدة
كبيراً وطويل الأمد (ربما خمس إلى سبع
سنوات) ويجب أن يكون فعالاً ليواجه
التحديات أمام وحدة أراضي العراق.
إضافة إلى ذلك، ستساعد ثلاثة تدابير
إقليمية أمنية على رعاية الاستقرار.
أولاً، تحالف أمريكي عراقي ثنائي قد
يقوي العراق داخلياً ويكفل التماسك
الداخلي. ثانياً، أمن مشترك يتألف من
العراق، وإيران، ودول مجلس التعاون
الخليجي، والولايات المتحدة، والبلدان
الأخرى قد يؤدي إلى اتفاق على سلسلة من
عمليات تقليل الأسلحة وإجراءات بناء
الثقة. ثالثاً، يستطيع المجتمع الدولي
تشجيع اتفاقية أمنية في المنطقة مع
ضمانات أمنية للعراق، والتي ستجنبه
الحاجة إلى برنامج أسلحة الدمار
الشامل وتؤدي إلى خلق منافع اقتصادية
إقليمية.
إن
أهداف الولايات المتحدة لا تشمل غزو
العراق، وإدارة البلاد. من هنا، فإنه
سيكون من المفيد إشراك الأمم المتحدة
في أي تغييرات سياسية وعسكرية في
العراق، وإن يكن مع وجود الولايات
المتحدة في قلب أي قوة متعددة الجنسيات,
بالنظر إلى كمية وطبيعة قرارات الأمم
المتحدة المتعلقة بالعراق، والتي فرضت
أصلاً قيوداً مشددة فيما يتعلق بإنتاج
أسلحة الدمار الشامل والقوات
العسكرية، فإن النموذج الملائم لإعادة
بناء البلاد سيكون ممثلاً خاصاً
للأمين العام (تعينه الأمم المتحدة
بدلاً من الإدارة العسكرية للولايات
المتحدة) إضافة إلى هذا، ففي أعقاب
الحرب ينبغي أن يمنح جميع العراقيين
فرصاً متساوية في تأسيس النظام الجديد.
إن العراقيين الموهوبين المشتتين
ينبغي أن تتم دعوتهم كذلك للمشاركة في
عملية إعادة البناء. مع ذلك، فإن على
الولايات المتحدة أن لا تمنح امتيازات
لأي جماعة بعينها أو أشخاص وذلك
بتصنيفهم كحكومة مؤقتة أو كقادة
مستقبليين للعراق. على العراقيين أن
يشكلوا حكومة جديدة تستقي شرعيتها من
المواطنة.
إن
احتمالات الديمقراطية في العراق أفضل
منها في أي بلد شرق أوسطي آخر. فالعراق
لازال لديه طبقة وسطى ومجتمع حضري (وإن
يكن يعاني من قمع صدام ومن الكوارث
الاقتصادية اللاحقة) بإمكانه أن يضمن
إمكانية الديمقراطية. إن كثيراً من
المشاكل الاجتماعية الثقافية التي قد
تعوق الديمقراطية هي مشاكل مبالغ فيها.
ومع ذلك، فإن الدمقرطة ليست عملية
لحظية. أحد المكونات الأساسية برنامج
إعادة تعليم وطني يتيح للعراقيين
الاندماج في منافع إعادة البناء.
مناقشة
عامة:
طالما
بقيت الأجهزة الأمنية سليمة (أي، الحرس
الجمهوري، والحرس الجمهوري الخاص)،
فإن الانقلاب على صدام سيتم إخماده.
فإذا ما حدث انقلاب أثناء التحضير
للاجتياح الأمريكي، فقد تضطر واشنطن
إلى تأجيل خططها للعمل العسكري، مع
التأكيد بأن النظام الجديد ينوي
التعاون مع طلبات الولايات المتحدة
والأمم المتحدة (أي إنهاء عملية إنتاج
أسلحة الدمار الشامل، وإنهاء القمع
الداخلي). بشكل بديل، فإذا ما حدث
انقلاب أثناء الاجتياح، فإن الولايات
المتحدة ستواصل مساعيها على الأرجح،
على الأخص إذا كان الزخم العملياتي قد
أوصل قوات الولايات المتحدة قريباً من
بغداد. في وضع كهذا، فإن على واشنطن
تقدير إذا كانت ستعتبر الحكومة
الجديدة المؤقتة أو استبدالها بنظام
انتقالي أكثر ديمقراطية. على أي حال،
فما إن يتم خلع صدام، فإن الحرس
الجمهوري سيفقد نفوذه، وسيكون على
القوات التي تقودها الولايات المتحدة
تعرية بنيته التحتية ومنع ضباطه من
المشاركة في الحياة العامة.
أخيراً،
فإن إعادة بناء النظام السياسي
العراقي ما بعد صدام سيكون حاسماً
للتماسك الداخلي والاستقرار الإقليمي
والدولي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمكن
تحقيقه عبر فرض أجنبي. على العراقيين
أن ينشئوا نظامهم الخاص لكي يغرسوا
القيم الديمقراطية ولكي يبنوا
مستقبلاً أفضل.
|