معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 726
17 / 3 / 2003
تقرير
الحكومة (لا أحجار دومينو)*
واحتمالات
الدمقرطة في الشرق الأوسط ما بعد صدام
وفقاً
لتقرير سري تمت كتابة مسودة له من قبل
مكتب الاستخبارات والأبحاث التابع
للحكومة وتم تسريبه إلى (لوس أنجلوس
تايمز) في 14/3، فإن عملية الإطاحة بصدام
لن تؤدي إلى موجة من الثورات
الديمقراطية الناجحة ضد
الأوتوقراطيات الشرق أوسطية. لقد وضعت
عدة تفسيرات صحفية التقرير المعنون بـ
(العراق، والشرق الأوسط، والتغيير: لا
أحجار دومينو) على أنه يصب الازدراء
على سياسة حكومة بوش. في الحقيقة، فإن
تقرير مكتب الاستخبارات والبحث ينسجم
مع سياسة الحكومة، المتمثلة في التماس
التحرير من الأنظمة الحالية أولاً،
وتجنب راديكالية مشاريع (الديمقراطية
بين عشية وضحاها).
ـ
ثورة أم إصلاح ؟
لن
تتحقق الديمقراطية في العالم العربي
بعد صدام بالطريقة التي تحققت بها في
أوروبا الشرقية ما بعد الاتحاد
السوفييتي، في موجة مفاجئة كانت ممكنة
بحدث تحويل فردي. لم يدع أي مسؤول في
حكومة بوش أن العالم العربي سيكتسح
بثورات شعبية تطيح بالأنظمة الموجودة.
مع ذلك، فإن التحرير السياسي قد يحدث
في الشرق الأوسط بعد صدام، خصوصاً إذا
ما عززته حكومة الولايات المتحدة بقوة.
سيكون هدف الولايات المتحدة فتح
وتقوية ومن ثم تطوير أصدقاء واشنطن
السلطويين، بدلاً من استبدالهم. إن
مقاربة كهذه تتلاءم بشكل جديد مع مصالح
الولايات المتحدة، وتوازن التقدم تجاه
الديمقراطية مع الحاجة إلى حفظ
الاستقرار. بإمكان واشنطن أن تحتج وأن
تصدق في ذلك، بأن توسيع مجال المشاركة
السياسية في صالح حلفائها العرب غير
الديمقراطيين، فرغم أنهم قد يدفعون
ثمناً قصير الأمد في شكل مزيد من
التعبير المفتوح عن الاستياء. على سبيل
المثال، تقف واشنطن على أرض صلبة في حث
النظام السعودي على إيجاد حكومة أكثر
مسؤولية وشفافية. حكومة تسمح بالتعبير
عن عدم الموافقة ضمن إطار العملية
السياسية، سيكوون البديل هدوءاً
فارغاً، مع قوات راديكالية تزداد قوة
في الخفاء.
إن
مخاطر الراديكالية النابعة من (العجز
الديمقراطي) العربي ليست نظرية. وإذا
تكلمنا بشكل عملي، فإن توجه الولايات
المتحدة إلى تعزيز اللبرلة السياسية
العربية يبدأ من (11/9/2001) عندما دفع
الأمريكيون ثمناً فادحاً جزئياً بسبب
الأنظمة العربية التي رفضت لوقت طويل
تقديم قنوات ذات معنى للاستبداد
الشعبي غير قناة تصدير المتطرفين إلى
الخارج. في هذا اليوم، تخلت واشنطن عن
اعتقادها السابق بأن (الطغاة الودودين)
يستطيعون صنع السلام مع إسرائيل. (على
سبيل المثال، مصر أنور السادات، وأردن
الملك حسين)، وأن الانتخابات الحرة،
التي تعقد قبل الأوان، قد تجلب
الإسلامويين الراديكاليين المعاديين
للغرب إلى السلطة.. وهي قراءة معروفة
لانتخابات 1991 في الجزائر.
إن
الاقتراب التدريجي من الدمقرطة أمر
معقول، ارتكازاً على دروس من التاريخ.
خلال عام 1990، حاولت بعض الدول من
الاتحاد السوفييتي السابق عقد
انتخابات في غياب منشآت المجتمع
المدني القوية (على سبيل المثال،
الصحافة الحرة، الأحزاب السياسية،
النقاش السياسي النشط)، والتي تسببت
فقط في تعزيز قوة الاستبداد. في الشرق
الأوسط سيكون الهدف التأكيد على حاجة
الأنظمة المحلية لتطوير لبنات
الديمقراطية في الوقت الذي يُتجنب فيه
خطأ تجاه تغيير راديكالي. نادراً ما
تأتي الديمقراطية الصحيحة في انقضاض
واحد كاسح. لقد أقرت (ديمقراطية
جيفرسون) التي يفخر بها الأمريكيون،
أقرت العبودية، وحصرت التصويت في
الذكور، ولم تحرز النساء حق التصويت
إلا بعد ما يزيد عن (140) عاماً من إعلان
الاستقلال.
إن
رياح التغيير قد بدأت في الهبوب في
الشرق الأوسط. إن القضية الأكثر أهمية
وامتاعاً هي العربية السعودية. في
كانون الثاني /2003 قام 104 سعوديين معظمهم
مفكرون، وبعضهم محافظون تماماً بإرسال
(وثيقة إصلاح وطني) لولي العهد الأمير
عبد الله تدعو إلى (المزيد من الخطوات
في بناء بلد ذي منشآت دستورية) (على
سبيل المثال، انتخابات برلمانية،
إصلاح اقتصادي) و(تقوية الجبهة
الداخلية، عبر إجراءات مثل تعزيز دور
المرأة وتوسيع حرية الكلام). في
السابق، أدت المساعي التجريبية ذات
نفس الطبيعة إلى هجمات إعلامية
ومضايقات حكومية ضد الموقعين. هذه
المرة، كان رد عبد الله أنه التقى
بأربعة وثلاثين من الموقعين وأصدر بعد
ذلك (ميثاق الإصلاح العربي) الخاص به.
رغم أن هذا قد يعكس محاولة للمشاركة
والتأثير والسيطرة على الإصلاح بقدر
ما هي محاولة لتطويره، إلا أنها رغم
ذلك إشارة على أن الحكام الإقليميين
أصبحوا واعين بالحاجة للتجاوب مع
المطالب الشعبية بالتغيير بشكل مختلف
عن السابق. إضافة إلى هذا، فإن مبادرة
الأمير عبد الله تأتي في وقت مايزال
فيه على واشنطن أن تجعل من التحرير
مظهراً أساسياً من حوارها الثنائي مع
الرياض.
ـ
ما مقدار الإصلاح ؟
سيعتمد
التقدم تجاه اللبرلة في العالم العربي
على التطورات في العراق أكثر من أي
عامل آخر. إن التطورات العراقية الهامة
تجاه حكومة ذات صفة تمثيلية سيؤثر في
العالم العربي بشكل عميق. ومع ذلك،
فإذا أصبح العراق واقعاً في شرك عدم
الاستقرار أو إذا بقيت الولايات
المتحدة هي المسيطرة الحقيقية على
البلاد لفترة طويلة، فإن حديث واشنطن
عن الديمقراطية سيبدو غير صادق. خطر
آخر كبير هو أن الإصلاح السياسي في
المنطقة سيتبع نفس مسار الإصلاح
الاقتصادي في العقود الماضية. واشنطن
تضغط بقوة، لتعلن الحكومات المحلية
بصوت عال إخلاصها لعملية الإصلاح، ولا
يوجد تغير كبير. إذا ما بسط التغيير في
عراق ما بعد صدام بشكل جيد وحكومة أكثر
انفتاحاً وانبثاق مجتمع مدني برعاية
الولايات المتحدة، عندها ستبدأ الكثير
من الحكومات الإدعاء بأنها تتبع هذا
المسار كذلك، حتى وإن لم يكونوا يفعلون
ذلك في الواقع.
ـ
حالة إيران الخاصة:
إيران
مختلفة عن جيرانها العرب جزئياً، لأن
الديمقراطية قريبة من التصور الشعبي
هناك، والحياة الفكرية في إيران تسيطر
عليها النقاشات حول الكيفية التي
ستعمل بها الديمقراطية. (على سبيل
المثال، فيما إذا كان يتوجب أن تكون
علمانية بشكل كامل أو إسلامية بطريقة
ما). الناس مستاءون بشكل كبير من
الجماعة الصغيرة التي تمسك بالسلطة.
رغم أن الخبراء في إيران لا يتوقعون
ثورة هناك في أي وقت قريب، فإن القانون
العام هو أن الخبراء لا يستطيعون
التنبؤ بالثورات، حتى في دولة مثل
إيران، التي لديها تقليد عريق في
الحركات الشعبية الهائلة (على سبيل
المثال، ثورة 1906 ـ 1911 الدستورية، وعهد
مصدق في 1951 ـ 1953، وثورة 1977 ـ 1980
الإسلامية). رغم ذلك، فإن الحالة
العامة في إيران تبدو حالياً غير
سياسية، نظراً لأن معظم الإيرانيين
مشغولون بالحياة اليومية أكثر من
الحرية السياسية، لذلك فإن الخبراء
متشائمون حول إمكانية حدوث تغيير في
المدى القريب في إيران.
ـ
استراتيجية ديمقراطية بوش:
على
عكس المخاوف المسعورة لكثير من النقاد
الذين يخافون من وجود مخطط كبير لإعادة
رسم سياسات الشرق الأوسط، فإن خطط
حكومة بوش التي تم إقرارها لتعزيز
اللبرلة العربية ماتزال متواضعة. في
خطاب 12/ كانون الأول/ 2002، لوزير
الخارجية كولن باول، قام فيه بتقديم
مبادرة التشارك مع الشرق الأوسط،
والتي تتضمن مجموعة من البرامج
الصغيرة ولكنها مفيدة والتي تهدف إلى (ردم
هوة الحرية بمشاريع تدعم المجتمع
المدني، وتوسع المشاركة السياسية،
وترفع من أصوات النساء).
في
الحقيقة، فإن العامل الرئيسي في سياسة
الدمقرطة الأمريكية ستكون على الأرجح
ترحيب الرئيس بالتأكيد للقادة العرب
على أهمية اللبرلة السياسية. لقد كان
خطابه في الموضوع أكثر تواضعاً مما
أشارت إليه الكثير من التقارير
الصحفية. في خطابه في دولة الوحدة في
الـ 2002، تحدث الرئيس عن دعم الولايات
المتحدة (لحكم القانون، ووضع قيود على
سلطة الدولة، واحترام النساء،
والملكية الخاصة، وحرية الكلام،
والعدل والتسامح الديني)، ولكنه لم
يتحدث عن الديمقراطية. في خطابه في 26
شباط/2003، في معهد المشروع الأمريكي،
ذكر التعبير المقيد بأن العراق (قادر
بشكل كامل على التحرك تجاه
الديمقراطية والحياة في حرية). في
الحقيقة يبدو أن البيت الأبيض قد سلم
فعلاً بصحة تقرير مكتب الاستخبارات (لا
أحجار دومينو) مقراً بأن (الديمقراطية
الليبرالية ستكون من الصعب تحقيقها) في
المنطقة والتركيز بدلاً من ذلك على
لبنات بناء الديمقراطية الضرورية.
|