معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة
سياسية رقم 825
التقارب
التركي
مع
دول الشرق الأوسط المارقة
سونير
كاجابتي: منسق لبرنامج الأبحاث التركي
في معهد واشنطن.
قام
وزير الخارجية التركي عبد الله غول
بزيارة رسمية إلى طهران في 10 كانون
ثاني 2004. وجاءت هذه الزيارة في أعقاب
زيارة الرئيس بشار الأسد إلى تركية..
وهي أول زيارة يقوم بها رئيس دولة سوري
على الإطلاق، والتي أمطر الرئيس الأسد
خلالها بالثناء في الإعلام التركي.
لماذا أصبحت تركية فجأة مرتاحة تجاه
دمشق وطهران ؟ لقد تسببت كلتا الدولتين
بمشاكل لتركية بدعمهما لناشطي حزب
العمال الكردستاني، وبإيوائهما لحزب
الله التركي وللجماعات الإرهابية
الإسلاموية الأخرى.
خلفيـة:
ـ
إيران: لقد تحسنت العلاقات بين تركية
وإيران بشكل ملموس في سنة 2003، والتي تم
خلالهما أربع زيارات عالية المستوى من
تركية إلى إيران اثنتان قام بهما غول،
وستة زيارات من إيران إلى تركية فيما
فيها زيارة قام بها وزير الخارجية كمال
خرازي. خلال عام 2003 ادعت إيران أنها
كانت تقوم باتخاذ إجراءات صارمة ضد
إرهابيي حزب العمال الكردستاني
الموجودين على أراضيها، وهو ما كان
القلق الأكبر لتركية في مواجهة إيراين.
لقد كانت هناك تقدمات أيضاً في الإطار
الثقافي، فقد اشترطت معاهدة تم
توقيعها في كانون أول 2003 في التعاون
الاقتصادي بين تركية وإيران وتجهيز
كيفيات يقوم عبرها الطلبة الأتراك
بالدراسة في إيران، وتعبيد الطريق بين
البلدين للتشارك في المنهج التعليمي (وهي
محاولة صعبة، بالنظر إلى أن نظام تعليم
تركية علماني، وإيراني ليس لديها هذا
النظام)، وتقديم منح متبادلة.
ـ
سورية: لقد تميزت العلاقات بين أنقرة
ودمشق كذلك بمستوى عال من الزيارات،
والتي تحسنت في سنة 2003 كذلك. لقد زار
غول دمشق في نيسان، وقام نظيره السوري
فاروق الشرع بزيارة إلى تركية في كانون
ثاني، وذهب رئيس الوزراء السوري محمد
مصطفى ميرو بزيارة أنقرة في تموز. إن
الزيارة الأكثر أهمية في السنة كانت
رحلة الأسد الأخيرة، والتي قام خلالها
الزعيم السوري بتجنب القضايا الخلافية
بحذر. لقد كانت إحدى النقاط الثنائية
المؤلمة هاتاي (لواء اسكندرونة).. وهو
إقليم قام الفرنسيون بنقله إلى تركية
في عام 1938، ولكن سورية ماتزال تدعي أنه
لها على خرائطها الرسمية. وقد وصف
الأسد قضية هاتاي (لواء اسكندرونة) على
أنها ببساطة (مشكلة تحتاج إلى حل)، وهو
أسلوب منخفض النبرة بالنسبة لأكثر
التصريحات السورية القوية المتعلقة
بالقضية. فيما يتعلق بالدعم السوري
لحزب العمال الكردستاني، فقد أخبر
الأسد الـ (سي.إن.إن) التركية، فرع للـ(سي.إن.إن):
(إن حزب العمال الكردستاني ليس له وجود
أو نشاط في سورية). وقد بدت ملاحظات
الأسد مكملة لتعليق غول بأن (السوريين
أصبحوا متعاونين بشكل كبير في تعقب
الإرهابيين). وقبل مغادرته لأنقرة، لخص
الأسد رحلته الناجحة للـ (سي.إن.إن)
التركية: (لقد تحركنا معاً من مناخ من
عدم الثقة إلى مناخ من الثقة).
ـ
لماذا التقارب ؟ ولماذا الآن ؟
إن
التحسينات الأخيرة في العلاقات
التركية الإيرانية والتركية السورية
تبدو متجذرة في ثلاث تطورات هامة حدثت
في تركية في العام الفائت. فيما يلي
تحليل لهذه الأحداث وكيف تؤثر في سياسة
تركية تجاه إيران وسورية.
1ـ
هيمنة حكومة حزب العدالة والتنمية: رغم
أن حزب العدالة والتنمية والذي تسلم
السلطة في نهاية 2002، ادعى أنه قد انسلخ
من ماضيه الإسلاموي ووصف نفسه على أنه
حركة ديمقراطية إسلامية محافظة. إن أصل
حزب العدالة والتنمية الإسلاموي يقوم
بشكل واضح بغزو سياسة تركية الخارجية.
إن الكثير من نواب الحزب يتعهدون
تعاطفاً ثقافياً ودينياً عميقاً تجاه
المسلمين في الشرق الأوسط، وهذا يفسر
مقاومة حزب العدالة والتنمية العنيدة
للحرب في العراق.. وهو موقف كانت حصيلته
رفض البرلمان التركي في آذار 2003 الدعم
الكامل للحملة الأمريكية، وكذلك في
القدر ذي التغيير من معاداة الأمركة في
الصحافة المؤيدة لحزب العدالة
والتنمية.
قد
يعتبر البعض أن محافظي وإسلاميي اليوم
في أنقرة كانوا شجعاناً في تعاطفهم مع
المسلمين في الشرق الأوسط. في الحقيقة،
فإن بعضهم أقرب سياسياً إلى سورية
وإيران منهم إلى أي بلد آخر.
2ـ
الحرب في العراق وتأثيراتها التدريجية:
إن احتمالية قيام كيان كردي في العراق
قد غذى قلق القوميين في تركية
والمرتابين في دوافع الولايات
المتحدة، وغذت الاعتبار بأن عملية
العراق بأكملها كانت، بعد كل شيء، حول
إنشاء دولة كردية في شمال العراق.
ما
هو مثير للاهتمام، أن القوميين على
اليمين واليسار، بمن فيهم
الديمقراطيون الاجتماعيون، والذين
تسببت حملة أسلوب عقد السبعينات في
إيقاظ معاداة الأمركة لديهم متفقون هم
في هذه النقطة. كذلك، فإن الكثيرين في
أنقرة ينظرون إلى سورية وإيران، وهي
دول لديها تجمعات كردية كبيرة، على
أنهم حلفاء محتملون في الوقوف ضد حكومة
كردية في العراق. ولقد لعب الأسد على
هذا الشعور أثناء زيارته إلى أنقرة،
موضحاً أن دولة كردية في العراق ستكون (خطاً
أحمر، ليس فقط لسورية وتركية، بقدر ما
هو لجميع الدول في المنطقة).
3ـ
الإبطاء الحادث مؤخراً في قبول تركية
في الاتحاد الأوروبي. لقد تغيرت
ديناميكيات السياسات التركية منذ أن
تلقت تركية وعداً في كانون أول 2002 بأن
الاتحاد الأوروبي سيتخذ قراراً بشأن
تقدم تركية بطلب العضوية في كانون أول
2004. إن الاحتمال المفاجئ والمحتمل
لقبول الاتحاد الأوروبي جعل من
المستحيل، ممكناً بالنسبة لأنقرة.
ولتحقيق هذه الغاية، تبنت الدولة
إصلاحات سياسية مثيرة لإرضاء معيار
الاتحاد الأوروبي في الموافقة (انظر
متابعة سياسية رقم 781) إن الوعد بموافقة
الاتحاد الأوروبي ربما تكون كذلك
مغيرة لسياسة تركية الخارجية. فقد
اعتبر الاتحاد الأوروبي معارضة أنقرة
للحرب في العراق ميزة لتركية في القضية
(مطالبة بالحاجة إلى إجماع دولي قبل
الحرب)، إن الموقف التركي من إيران
وسورية يبدو متأثراً كذلك ببروكسل. مع
التفكير في موافقة، أرادت تركية أن
تتعامل مع جيرانها الشرق أوسطيين
كالأوروبيين مشاركة وحواراً، بدلاً من
المواجهة والمقاومة، (هي الأفكار
المهيمنة). ينبغي أن يلاحظ أن هذا
الموقف يذكر أيضاً بموقف تركية
التقليدي تجاه سورية وإيران قبل قضية
حزب العمال الكردستاني والمشاكل
الأخرى التي جعلت الوضع يصعب إبقاؤه في
عقد التسعينات.
في
المعسكر المؤيد لأوروبا، فإن هناك
ليبراليين يفكرون بتركية وجيرانها
الشرق أوسطيين كمنطقة عابرة للحدود
بالمعنى الأوروبي.. منطقة ذات اقتصاد
متطور وروابط اجتماعية عبر الحدود،
على المدى الطويل مثل سهل الروز
الألماني، وألزاس لورين، ومنطقة بنلكس
السفلى. إذا أخذنا هذا بالاعتبار، فإن
موقف أنقرة الجديد تجاه الشرق الأوسط
هو أن تركية ستكون جيدة مع جيرانها
طالما كان جيرانها جيدين معها.
ـ
هل ستبقى ديناميكيات السياسة الخارجية
الجديدة ؟
ليس
هناك بالطبع شيء خاطئ في وجود علاقات
جيدة بين تركية وجيرانها. ولكن السؤال
يبقى: هل تشكل سورية وإيران جيراناً
جيدين لتركية ؟ بعد تفجيرات تشرين
الثاني الانتحارية المزدوجة في
استانبول، استشهدت الصحيفة التركية
اليومية (مليت) بقول مسؤول في الشرطة
وضح أن العقلين المدبرين اللذين كانا
وراء التفجيرات، آزاد إيكينكي وحبيب
آكتاس كانا يختبآن في سورية وجورجيا أو
في إيران على التوالي.
اليوم،
يبدو أن القوى الثلاث القوية ذات
القرار في السياسة التركية، أي
المحافظين والإسلامويين، وقوميي جناح
اليمين واليسار، والليبراليين
المؤيدين للاتحاد الأوروبي
والتحرريين، أصبحوا يجتمعون سوية على
أجندة سياسية خارجية جديدة فيما يتعلق
بإيران وسورية. هذا التقارب البالغ
الأهمية، والذي هو غير قابل للتصديق مع
ذلك، يواجه الآن تحدياً كبيراً: فتح
أبواب الاتحاد الأوروبي أمام تركية،
والذي يدعمه المحافظون الإسلاميون
بغالبيتهم ويعارضه القوميون
بغالبيتهم. بهذا الصدد، فإن مشكلة
السياسة الخارجية الكبرى في تركية هذا
العام ستكون قبرص، والتي يجعلها قرار
بروكسل شرطاً لقبول تركية في الاتحاد
الأوروبي. مع كون الليبراليين
والإسلامويين يدفعون باتجاه حل سريع
والقوميين يعارضون، فإن حصيلة هذا
سيكون خلافاً قد يقرر كذلك فيما إذا
كان إجماع السياسة التركية الخارجية
في قضيتي إيران وسورية سيستمر خلال الـ
2004.
|