معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة
سياسية رقم 778
تعاون
أمريكي تركي عسكري
في
العراق ؟ الخطوة التالية
اجتمعت
قمة مفاجئة منذ أيام في أنقرة اشتملت
على أعضاء من حزب العدالة والتنمية
الحاكم، وهيئة الأركان التركية، ووزير
الخارجية التركي، والاستخبارات
الوطنية التركية ونتج عن الاجتماع
اتفاق من حيث المبدأ على إرسال جنود
أتراك لحفظ الأمن إلى العراق.
حين
سيتم إرسال الجنود الأتراك إلى العراق
فإن ذلك سينهي مرحلة فتور التعاون
الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة التي
بدأت منذ 1 آذار، عندما رفض البرلمان
التركي فتح جبهة شمالية للجنود
الأمريكيين لكي يجتاحوا العراق.
تواجه
هذا الاتفاق عقبات سياسية، فهناك
انقسام في حزب العدالة حول انتشار
الجنود الأتراك في العراق، إلى جانب
معارضة برلمانية حقيقية.
إضافة
إلى ذلك، فإن الدستور التركي يشترط أن
يتم السماح من قبل البرلمان بإرسال
الجنود إلى الخارج تحت مظلة القانون
الدولي (مثل قرار الأمم المتحدة)، أو
صرخة طلب للمساعدة تبرر نشراً كهذا
للجنود، والبرلمان التركي في عطلة حتى
تشرين أول. ولكن حتى قبل أن تقرر حكومة
حزب العدالة والتنمية موقفها في هذه
القضية، فإن هناك حاجزاً كبيراً ينبغي
اجتيازه، فإذا كان الجنود الأمريكيون
والأتراك سيعملون سوية في العراق، فإن
عليهم أولاً القيام ببناء ثقة
متبادلة، والتي بدا أنها قد اجتثت
بسرعة في الأشهر الماضية، مرة واحدة
وبشكل مرعب. فكيف يمكن تحقيق ذلك ؟
ـ
استعادة متانة العلاقات الأمريكية
التركية:
لعقود
عديدة شكلت العلاقات العسكرية أساس
التحالف الأمريكي ـ التركي، بينما
تأرجحت الروابط الاجتماعية،
والاقتصادية، والثقافية بين الولايات
المتحدة وتركيا ضمن الحد الأدنى (على
سبيل المثال، في عام 2002، كانت رتبة
تركيا هي التاسعة والعشرين بين شركاء
أمريكا التجاريين)، وقد ازدهرت كذلك
العلاقات العسكرية. إن علاقة كهذه لم
تعد مقيدة ضمن تعاون دفاعي هام. بدلاً
من ذلك، فإن عنصراً بشرياً قوياً يكمن
في لب الشراكة الأمريكية التركية
العسكرية، فمع كون الضباط الأمريكيين
والأتراك الذي يعملون كزملاء، ويدرسون
في نفس الأكاديميات، ويشاركون في
عمليات عسكرية مشتركة. وكنتيجة لهذه
الاتصال المباشر، طور ضباط الولايات
المتحدة العسكريون ما يمكن أن يكون
وجهة النظر الأكثر دقة وبالتالي
الأكثر تعاطفاً عن تركيا والأتراك،
مما جعل من أنقرة أفضل حليف، وفي
الأوقات الصعبة الحليف الأوحد في
واشنطن.
ومع
ذلك، وكما دلت أحداث 4 تموز في
السليمانية (عندما احتجز الجنود
الأمريكيون قوات العمليات الخاصة
الأتراك على خلفية أنهم كانوا يتآمرون
لاغتيال مسؤولين أكراد منتخبين في
شمال العراق)، فإن الأمور قد تغيرت. إن
لعبة الشطرنج المعقدة التي كانت تجري
بين واشنطن وأنقرة العام الماضي حول
شمال العراق قد سممت العلاقات
الأمريكية التركية إلى مستوى لم يكن من
الممكن تخيله سابقاً.
يعتقد
الكثيرون في الجيش التركي أن الولايات
المتحدة تحاول إنشاء دولة كردية في
شمال العراق، والكثيرون في الجيش
الأمريكي مقتنعون بأن تركيا تهدف إلى
عرقلة الأمور هناك أمام الولايات
المتحدة. بناء على ذلك، فإن هناك ثقة
ضعيفة اليوم بين الجنود الأمريكيين
والأتراك، خصوصاً أولئك المتموضعين في
العراق. وهكذا، وبينما تتفاوض أمريكا
وتركيا على نشر جنود حفظ السلام
الأتراك في العراق، فإن شرطاً مسبقاً
لتعاون فعال سيكون إجراءات بناء الثقة
بين القوتين المسلحتين.
الخطوة
الأولى ـ تنقية الجو:
في
المدى القصير، فإن هناك أمرين هامين،
إذا تم تعميمهما بشكل جيد، قد يساعدان
الجيش الأمريكي والتركي للبدء في رؤية
بعضهما البعض بطريقة أكثر إيجابية.
تركيا:
سيكون
من المساعد للجيش التركي التأكيد على
أنه رغم سقطة الشهور الماضية، فإن
الولايات المتحدة قد تصرفت بطريقة
تنسجم مع اهتمام تركيا الرئيسي في شمال
العراق، أي تجريد حزب العمال
الكردستاني المنشق من صفته العسكرية،
وإغلاقه. والحزب موضوع على لائحة
الحكومات للمنظمات الإرهابية
الأجنبية. (باستطاعة الشكوكيين الذين
يرتابون في إخلاص أمريكا أن يذكروا
جيداً بأنه ومن غير مساعدة الولايات
المتحدة، فلربما لم تتمكن تركيا من
اعتقال زعيم الحزب الكردستاني عبد
الله أوجلان في شباط 1999).
الولايات
المتحدة:
رغم
أن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تفتح
جبهة شمالية في حرب العراق، فإن تركيا
قد ساهمت في الحملة، ربما أكثر من أي
حليف ناتو آخر باستثناء المملكة
المتحدة. على سبيل المثال، فقد طارت
الطائرات الأمريكية في أكثر من 400 غارة
فوق تركيا إلى العراق، ومنحت أنقرة
إذناً للطائرات الأمريكية في حالة
المحنة لاستخدام القواعد التركية مثل
باتمان. لقد كان هناك كذلك الكثير من
المساعدة التي لم تذكرها التقارير. على
سبيل المثال، في بداية الحملة على
العراق في 27 آذار، سمحت تركيا بمرور (204)
مركبة إلى شمال العراق لدعم القوات
الأمريكية بينما قامت بالإنزال على
الجبهة الأمامية. في المحصلة، فرغم أن
الدعم التركي لعملية العراق لم تكن ما
طلبته واشنطن في الأصل، إلا أن تركيا
قد قدمت للولايات المتحدة مساعدة
أساسية لوجيستية معينة.
الخطوة
الثانية ـ بناء شفافية متبادلة:
سيكون
التشارك في المعلومات الاستخباراتية
حول النشاطات الخاصة بأوضاع العراق
عامة الخطوة الثانية في بناء ثقة
متبادلة. عندها تستطيع واشنطن وأنقرة
طمأنة بعضهما بعد وجود أجندات تقوض
فيها إحداهما الأخرى في شمال العراق.
بهذا الصدد، قد تمعن تركيا النظر في
توصيل رؤيتها وخططها بعيدة المدى
لشمال العراق إلى واشنطن، في حين أن
واشنطن قد تجد من المساعد توصيل رؤيتها
الخاصة وخططها إلى أنقرة فيما يتعلق
بإعادة بناء العراق السياسية وقد تشمل
بعض إجراءات الشفافية الأخرى.
ـ
روابط معلومات مباشرة لرقابة الوقت
الفعلي. خلال عملية (بروفايد
كمفورت) (توفير الرخاء) في عقد
التسعينات، تعاونت تركيا والولايات
المتحدة في معلومات الوقت الفعلي (الفورية)
وأكدتا بشكل متبادل على إخلاص كل منهما
للآخر. إن تأسيس قنوات إمداد
بالمعلومات في الوقت الفعلي للتخطيط
والعمليات وكذلك آلية الإعلام المسبق
لحركات الجنود، قد تساعد على إعادة
بناء الثقة خصوصاً على مستوى القيادة.
ـ
الاستفادة بشكل أفضل من علاقات الضباط
المتبادلة. اعتباراً من الآن
تقوم تركيا بوضع ضباط ذوي علاقات مع
وحدات أمريكية مختلفة في شمال العراق،
ولكن ليس في باقي البلاد. سيكون من
المساعد لواشنطن دعوة المراقبين
الأتراك إلى مكاتب السلطة الائتلاف
الإقليمية في بغداد، وفي أماكن أخرى في
حين أنه بإمكان أنقرة إنشاء مواقع
للأمريكيين لإنشاء روابط متبادلة مع
الأتراك في شمال العراق.
الخطوة
الثالثة ـ روح الفريق:
قد
تساعد الخطوات التالية على زيادة
الثقة بشكل أكبر بين الجيشين الأمريكي
والتركي بتقديم الفرصة لأعضاء من كلا
الجيشين لأن يصبحوا زملاء مرة أخرى:
ـ
العمل المشترك في الحقل:
ضمن
جهد مبذول لزيادة الصداقة في العراق،
فإن الجيشين قد يدرسان أمر إدارة
عمليات مشتركة في شمال العراق، سواء
كانت هذه العمليات تجريد حزب العمال
الكردستاني من صفته العسكرية أو بناء
مدارس ومستشفيات. في الحالة اللاحقة،
يكون الجنود الأتراك مرتبطين بمراكز
العمليات الأمريكية ـ المدنية ـ
العسكرية في بغداد وفي أماكن أخرى في
العراق، وكذلك بوحدات الشؤون المدنية
في الحقل، والتي تتحمل مهمة إعادة بناء
البنية التحتية العراقية المدنية.
ـ
الديبلوماسية العسكرية في الوطن:
إن
الزيارات رفيعة المستوى، وكذلك
التبادلات العسكرية بين المخططين
السياسيين، والأكاديميين والمفكرين
قد تساعد الجيشين الأمريكي والتركي
على المشاركة مرة أخرى في تطوير سياسية
تعاونية. إن خطوات كهذه قد تساعد كذلك
على إعادة إنشاء علاقات بين موظفي
الجيش ذوي الرتب، والتي كانت أساس
علاقات جيدة في الماضي.
ـ
أن نجعل من تركيا شريكاً في العراق:
بالنسبة
للولايات المتحدة وتركيا، فإن التحرك
قدماً جنباً إلى جنب في العراق، سيصل
بالبلدين في النهاية إلى التعاون في
مسائل غير عسكرية كذلك. في هذه الحال،
سيكون من المساعد لتركيا أن تكون قادرة
على الاشتراك في التخطيط في مراكز سلطة
الائتلاف القومية في بغداد. (إن تركيا
التي شاركت في شمال العراق بما يقرب من
عقدين نظراً لصراعها ضد حزب العمال
الكردستاني، ربما تعرف المنطقة بشكل
أفضل من أي بلد آخر. في هذا الصدد، فإن
المدخلات التركية في شمال العراق، بما
في ذلك الاختراق الإيراني هناك، سيكون
مصدر قوة هام).
لقد
استجابت واشنطن فعلاً بشكل إيجابي
لقسم من عرض تركيا في 17 حزيران لأن
تساعد في إعادة بناء العراق. وبينما
تصبح إعادة البناء أمراً ملحاً، فقد
يساعد أن تزيد واشنطن من دور تركية في
هذه العملية. إن تركيا هي الاقتصاد
الأكبر في الشرق الأوسط وتستطيع أن
تكون مصدراً مباشراً للبضائع والخدمات
التي يحتاجها العراق بشكل ملح. إضافة
إلى ذلك، فإن شرط مهارات العمل
للرأسماليين الأتراك (والتي قد تسهل
إيجاد حلول مؤقتة قصيرة الأمد لمشاكل
بنية العراق التحتية الآخذة في الظهور
عن طريق تطوير مشاريع كبيرة) قد تساعد
في إعادة تشغيل الاقتصاد العراقي. إن
وجوداً كهذا قد يساعد في جعل تركيا
شريكاً في إعادة بناء
البنية التحتية في العراق، في نفس
الوقت الذي تعبد فيه الطريق إلى
التعاون العسكري بل وربما السياسي
الأمريكي التركي باتجاه عراق جديد
ناجح.
|