قسم
الترجمة
مصطفى
طلاس
وزير
الدفاع السوري
ولد
مصطفى بن عبد القادر طلاس، في قرية
الرستن قرب حمص سنة 1932. كان والده يعمل
في تهريب السلاح في العهد العثماني.
في
سنة(1974) التحق مصطفى بحزب البعث
مدفوعاً بنزعة لا دينية حيث عرف عنه من
بداية حياته بعده عن الشعائر
الإسلامية.. رغم أن والده كان فلاحاً
سنياً بسيطاً.
في
سنة (1947)، التحق طلاس بالكلية الحربية
في حمص حيث تعرف على مجموعات من الضباط
البعثيين، كان من بينهم صلاح جديد
وحافظ الأسد. تخرج مصطفى طلاس من
الكلية في(1954)، وأصبح ضابطا في الجيش
السوري.
وفي
عهد الوحدة مع مصر (1958ـ1961)، نقل طلاس مع
مجموعة من الضباط منهم حافظ الأسد،
ومحمد عمران، وصلاح جديد إلى القاهرة.
وهناك توطدت العلاقة بين حافظ الأسد
ومصطفى طلاس بشكل خاص. وعندما حدث
الانفصال.. اعتقل حافظ الأسد في
القاهرة، بينما عاد مصطفى طلاس إلى
سورية مصطحباً زوجة الأسد وابنته بشرى..
وفي
عهد (الانفصال) توطدت العلاقة من خلال
حزب البعث بين مصطفى طلاس، وبين مجموعة
الضباط البعثيين، وقد بدا على طلاس في
تلك الفترة حبه لأخذ دور المراقب،
وتجنب المغامرة، وإيثاره الالتحاق
بشخص قوي يتحرك في ظله.. ويبدو أنه وجد
في الضباط العلويين ضالته المنشودة
فبدأ التنسيق عن بعد مع اللجنة
العسكرية (جديد –عمران – الأسد) ثم حط
رحاله في ظل شخصية الأسد بعد أن ترجح
انتصاره في الـ (1970).
مع
بداية حكم البعث في الـ (1963) كوفئ طلاس
على إخلاصه لا على نشاطه، حيث لم تكن له
أي مشاركة في انقلاب الثامن من آذار،
بقيادة فرقة عسكرية صغيرة.
وفي
سنة الـ (1964) حصلت مواجهة دامية بين
الشعب والسلطة في حماة، وامتدت إلى
أكثر مدن القطر على شكل إضرابات
واحتجاجات عامة، قامت السلطة أولاً
بقمع المعارضة بعنف..اقتحمت المحال
التجارية المغلقة ونهبت محتوياتها،
واعتقل الكثير من المواطنين، وقصف
مسجد السلطان في حماة الذي لجأ إليه
المطاردون، وقتل سبعة عشر رجلاً من
أبناء المدينة، وكان كل ذلك بتوجيه
القيادة القطرية، وبقرار مباشر من
أمين الحافظ رئيس الجمهورية..
وشكلت
محكمة عرفية عين مصطفى طلاس رئيساً
لها، وأصدر أحكاماً بالإعدام على
علماء مدينة حماة.. وكانت هذه الأحكام
بمثابة وسام على صدره، أثبت من خلالها
أن ولاءه لطموحاته اكبر من ولائه لأهله
وعشيرته، ـ هو سني من نفس الطائفة التي
حكم على أبنائها بالإعدام- وببراعة غير
معهودة منه، التف أمين حافظ على هذه
الأحكام، والتقى بشيخ المدينة الكبير
الشيخ محمد الحامد، وقام بعملية تهدئة
للخواطر، وأصدر عفواً عن جميع
المحكومين في القضية.
وللتاريخ
كان أمين الحافظ قد ارتكب مجزرة مماثلة
في (18 تموز 1963)، عندما كان حاكماً
عرفياً في سورية حين أصدر الكثير من
أحكام الإعدام بحق ثلة من الضباط
الناصرييـن – السنيين – وكانت تلك
الضربة هي التي فرغت الجيش السوري من
آخر ركائزه السنية، ليطاح به ـ أي أمين
الحافظ ـ على أيدي ضباط علويين فيما
بعد…
لم
تكن العلاقة بين طلاس وأمين الحافظ على
ما يرام، فبينما كان طلاس وسيبقى
محركاً من قبل صديقه الحميم حافظ الأسد
ذي الميول الطائفية الحادة. كان أمين
الحافظ يتعامل مع القضية الطائفية
بعفوية زائدة، أو قل بسذاجة، وبالتالي
فقد كان يحس أحياناً بالتصرفات
الغريبة (لطلاس)، دون أن يفكر فيمن
وراءه، وفي سنة (1965) أُمر طلاس من قبل
أمين الحافظ، بالإقامة في مدينة حمص،
ثم فقد موقعه العسكري، لأنه اشترك
مدفوعاً من صديقيه حافظ الأسد وصلاح
جديد في تسريح عدد من ضباط السنة.
في
(23 شباط 1966) تحرك ما يعرف على المستوى
الحزبي با(الشباطيين) وهم ثلة من
الضباط العلويين (جديد-عمران-الأسد)فأطاحوا
بالرئيس أمين حافظ، وبمؤسسي حزب البعث
(عفلق) و(البيطار) وكل القادة السياسيين.
وتسلم صلاح جديد على إثر ذلك منصب نائب
الأمين العام لحزب البعث، الذي ظل
لافتة مرفوعة، رغم مطاردة كل قياداته
السياسية التقليدية وعين حافظ أسد
وزيراً للدفاع، وعاد طلاس إلى مكانة
الحظوة، ليعيش في ظل الأسد من جديد.
وفي
سنة (1967) حدث ما يعرف في تاريخ العرب
الحديث (بالنكسة)، وهي الهزيمة النكراء
التي ألحقها الجيش الصهيوني بالأنظمة
العربية، والتي جاءت نتيجة لخواء المد
الثوري العلماني، الذي قاد الأمة
بعيداً عن مرتكزاتها...
كان
نور الدين الأتاسي رئيساً للجمهورية
في سورية، ولم يكن أكثر من دمية تحركه
الأيدي العسكرية، وكان يوسف زعين
رئيساً للوزراء.. أما حكام سورية
الحقيقيون فقد كانوا: صلاح جديد نائب
الأمين العام للحزب وحافظ الأسد وزير
الدفاع، وأحمد سويداني رئيس الأركان..
أما
أحمد سويداني فقد هرب من الجبهة
السورية على حمار، كما تقول الأنباء،
وحاول الأسد أن يحمله مسؤولية الهزيمة
النكراء بوصفه رئيسًا للأركان، بينما
ألقى صلاح جديد اللائمة على الأسد
بوصفه وزيراً للدفاع... وبدأ الخلاف
يتفاعل بين الصديقين الحميمين (حافظ) و(جديد)
لينتهي في (13 تشرين الثاني 1970) حيث حاول
صلاح جديد أن يستصدر قراراً من القيادة
القومية بإقالة (حافظ أسد) وصديقه (مصطفى
طلاس) الذي عين نائباً لوزيـر الدفاع...
إلا
أن الأسد سبقه إلى هذا، فنزل بدباباته
إلى الشارع واعتقل (جديد) وأعضاء
القيادة القومية وكل المواليين لجديد...
أُعتقل
الأتاسي رئيس الجمهورية، وبقي في سجنه
إلى أن خرج للموت سنة (1992) ومات جديد في
سجنه في الـ (1993).
استلم
الأسد الحكم مباشرة بعد حركته
التصحيحة، وهي المرة الأولى التي
يتسلم فيها رئيس علوي الحكم في سوريا (العلويون
طائفة تمثل 10% من سكان سوريا).وكان على
طلاس أن يمثل الواجهة السنية في
التركيبة الحاكمة، لكنه لم يستطيع
بحال أن يرقى إلى مثل هذا الموقع، فعلى
الرغم من أنه أعطي /رتبة عماد/ وهي رتبة
فصلت خصيصاً له لتميزه عن بقية الضباط،
وأسندت إليه أيضاً وزارة الدفاع طيلة
فترة حكم الأسد، ونيابة رئيس مجلس
الوزراء.. وعرف طلاس لدى أهل السنة بأنه
ضابط غير ذي قيمة.
عندما
تسلم الأسد الحكم سنة 1970 كانت أحداث
أيلول الدامية مستعرة على أرض الأردن،
وكانت القيادة القومية لحزب البعث
صلاح جديد، ومن معه قد قرروا التدخل في
الشأن الأردني لمساندة الفلسطينيين..
وقد جرى تحرك حقيقي على الصعيد
العسكري، ولكن استلام حافظ أسد
للسلطة، أوقف فوراً عملية التدخل هذه،
وجعل من مصطفى طلاس وسيطاً بين منظمة
التحرير والقيادة الأردنية، حيث يقال
أنه حصل على ملجأ للفلسطينيين على
الأرض الأردنية، مطل على وادي الأردن،
ولكن الفلسطينيين رفضوا العرض،
وغادروا إلى لبنان. حيث سيكون لهم دور
في أحداثه الدامية سنة (1975) وسيكون
لحافظ أسد دوره في إخراجهم من لبنان
أيضا!
شارك
طلاس في وضع خطط حرب (1973) ضد الكيان
الصهيوني وكان له دور مع الجانب المصري
لإدارة هذه الحرب.. وعلى الرغم من أن
الجيش السوري قد حصد بكفاءة عالية
نتيجة عنصر المفاجأة الذي وصلت فيه
القوات السورية، إلى شواطئ طبرية.. إلا
أن عجز القيادة العسكرية السورية عن
دعم المهاجمين، وتطوير الهجوم،
والتشبث بما تحقق من انتصار، قلب النصر
إلى هزيمة، وجعل القوات السورية تخسر
كل ما حققته إضافة إلى20 قرية نزح أهلها
إلى دمشق لتضرب لهم خيام (الوافدين) على
جنبات العاصمة السورية.
ومن
خلال ترأسه لوزارة الدفاع سنين طويلة،
أقام مصطفى طلاس علاقات حميمة مع
القادة الروس، ولاسيما ليونيد
برجينيف، الذي أصبح صديقاً شخصياً له،
بينما يقال أن حكمت الشهابي رئيس أركان
الجيش السوري كان رجل أمريكا بشكل خاص.
بعد
خروج مصر من المعركة العسكرية، ورفع
الأسد شعار التوازن الاستراتيجي،
لمواجهة الكيان الصهيوني استطاع مصطفى
طلاس بالتعاون مع الروس أن يطور الجيش
السوري تطويراً كمياً..
فأصبحت
القوى البشرية أربعمائة ألف في سنة (1986)،
بينما كانت مائتان وخمسة وعشرون ألفاً
فقط في سنة (1984)، وتملك الجيش السوري
ألف ومائتي دبابة إضافية في الفترة
نفسـها أي من (3200إلى4400) كما تملك ما
يزيد عن مائتي طائرة إضافية...
ولعل
الدور العسكري الأبرز الذي لعبه طلاس
على الساحة السياسية، هو مشاركته لبعض
الضباط الآخرين في حماية بنية النظام
إبان حالة الغيبوبة التي دخل فيها
الرئيس الأسد سنة (1984).
حيث
حاول رفعت الأسد (شقيق الرئيس) أن يسيطر
على مقاليد الأمور عبر /سرايا الدفاع/
وهو جيش خاص أسسه حافظ لأخيه الأصغر
ليقوم بحمايته (حماية الثورة) وعندما
برئ الأسد من مرضه، قام بإبعاد أخيه
أولاً، ودفع مصطفى طلاس بوصفه وزيراً
للدفاع إلى مهاجمة الضابط الصغير.. ثم
عاد الأسد إلى محاولة استرضاء أخيه
فعين ثلاثة نواب له:
1-عبد
الحليم خدام نائب أول..
2-
رفعت الأسد نائب الرئيس للشؤون
الأمنية
3-
زهير مشارقة نائب الرئيس للشؤون
الحزبية
إلا
أن هذا التعيين لم يرض رفعت الأسد،
الذي آثر أن يحدد طريقه بعيداً عن
أخيه، وربما سر مصطفى طلاس لهذا
كثيرا،ً حيث كان يستغل المناسبة تلو
الأخرى، للنيل من رفعت الأسد،
والتشهير به، ويقال بأن سر هذا الموقف
أن رفعت الأسد قد سبق له ووجه إهانات
عنيفة، لكثير من قيادات الجيش بوصفه
شقيق الرئيس الأصغر(المدلل)..
لم
يأخذ أحد من أبناء الشعب السوري. ولا
حتى الرئيس الأسد نفسه، شخصية طلاس
العسكرية مأخذ الجد.عندما يذكر
السنيون بأن طلاس يمثلهم في تركيبة
النظام يظهرون تبرئاً غير محدود،
ويروون عنه في هذا الصدد روايات لا
تليق..
ولا
يهتم طلاس ـ عندما يفتح النار على
خصومه ـ بالمستوى الاجتماعي الذي يجب
أن يحافظ عليه من هو في مقامه،
فتنديداته برفعت الأسد، وبالرئيس
الفلسطيني ياسر عرفات، كانت دائماً
سوقية ومبتذلة بل ربما يترفع عنها كثير
من عامة الناس في تهاتراتهم في الأسواق..
زواج
طلاس من /لمياء الجابري/ التي تنتمي إلى
أسرة أرستقراطية إقطاعية حلبية اكتسبت
شهرتها من مركزها الإقطاعي ومن دور أحد
أبنائها (سعد الله الجابري) في الحركة
الوطنية، جعل من شهرة طلاس (زوج ابنة
الجابري)، تتفوق على شهرته الرسمية،
وقد حاول طلاس أن يتغلغل من خلال هذا
الزواج إلى ردهات المجتمع المخملي
محاولاً أن ينسى مفاهيم الثوريين عن
الإقطاع والفلاحين..
ونظراً
لكون عمل طلاس وزيراً للدفاع ترك في
حياته فراغاً كبيراً ؟! توجه إلى إعداد
الكثير من الدراسات التاريخية
والأدبية والفنية.. فقد أسس أولاً دارا
للنشر سماها باسمه وأصدر من خلالها
العديد من المؤلفات من أبرزها:
(مرآة
حياتي) مذكرات خاصة
(تاريخ
الثورة العربية الكبرى)
(الرسول
العربي)
(تأبين
نزار قباني). ولعل أشهر كتبه وأكثرها
رواجاً كتابه (فن الطبخ) !!
كما
أُشتهر طلاس بكونه راعياً للفنون فهو
على علاقة وثيقة مع مشاهير الفنانات
والراقصات في العالم..
هذا
الدور المحدود الذي لعبه مصطفى طلاس في
السنوات الأخيرة من حياة الأسد، تعاظم
بعد وفاته حيث تأكدت مكانة مصطفى طلاس
إلى جانب الرئيس الجديد (بشار الأسد)،
ويبدو أن طلاس هو الآخر آثر أن يجد
خلفاً له في تركيبة النظام وذلك في
ترشيح ابنه مناف ليخلفه كما خلف بشار
أباه..
ويبقى
أن نقول أن مصطفى طلاس خلال سني عمره
عاش حياة أرادها ناعمة مترفة..عاش
لنفسه في ظل رجل قوي، دون أن يكلف نفسه
أي عناء، ونجا بأعجوبة أو بتدبير من
الخيوط التي التفت على عنقه مثل محمود
الزعبي..
وعندما
يموت طلاس، ربما سيتمنى الشعب السوري
لولده أن تجري في عروقه دفقه من دم خاله
الأول سعد الله الجابري.
|