أحمد
مريود
هو
أحمد بن موسى بن حيدر مريود، ولد ونشأ
في قرية جباتا الخشب، من قرى القنيطرة
في هضبة الجولان في سوريا سنة 1886م،
وينتمي إلى قبيلة المهيدات التي كانت
تقبض على إمارة وزعامة البلقاء في
الأردن، وتعود الجذور التاريخية
لقبيلة المهيدات إلى قبيلة بني سلام من
نسل العدنانية.
عاش
أحمد مريود في كنف والديه مع خمسة من
إخوانه الذكور وسبع من أخواته الإناث،
بالإضافة إلى خاليه أحمد ومحمد الخطيب
وهما من قرية شبعا التابعة لمنطقة
العرقوب في لبنان، وذلك بعد وفاة
والدهما الشيخ على الخطيب زعيم قرية
شبعا.كان موسى مريود كثير الحرص على
تعليم أفراد أسرته من الذكور والإناث..
فاستدعى إلى بيته أساتذة لتعليمهم
أصول الكتابة والقراءة وحفظ القرآن
الكريم، بالإضافة إلى عنايته الخاصة
حيث غرس في ذاكرة أبنائه حب العلم
والتعلم وذكرهم بأن الدين ليس عبادة
فحسب بل هو معاملة وأخلاق، وعلمهم روح
العصامية والاعتماد على الذات.
أحب
أحمد مريود الدراسة فتلقى الدراسة
الابتدائية في مدارس القنيطرة، ثم أتم
مرحلة التعليم الإعدادي في دمشق، ثم
أتم دراسته الثانوية في مكتب عنبر في
دمشق وتخرج منها.
أولع
مريود بقراءة التاريخ، وكان شديد
الشغف بمطالعة تاريخ العرب في عصورهم
الزاهرة، تراود نفسه الآمال في
استعادة أمجادهم الضائعة. وقد أكد هذه
الميزة صديقه الشيخ تركي العبيدات
بقوله: (أحمد مريود تحدث في التاريخ
العربي وكأنه الطبري أو المقريزي).
أسس
مريود جريدة (الجولان) الأسبوعية التي
تصدر من القنيطرة، فكانت صوت الحق
العربي، يرأس تحريرها ويشرف على
موادها، ويكتب زواياها التاريخية
والسياسية. إلا أنها توقفت بسبب ظروف
صاحبها، وكثرة ترحاله عن أرض الوطن
وظروفه العائلية بعد وفاة والده بحيث
أصبح سيد ورب الأسرة من بعده.
دخل
أحمد مريود في جمعية (العربية الفتاة)،
وكان أثناء دراسته في دمشق قد اتصل
بعدد من الشبان العرب النابهين،
ونسّبهم فيما بعد في التنظيم السري
التابع لجمعية العربية الفتاة، كما
دأب مريود خلال الحرب العالمية الأولى
على تجهيز الفارين من مظالم
الاتحاديين الأتراك للحاق بثورة
الشريف حسين بن علي في الحجاز
واصطحابهم بمن يرشدهم إلى بلوغ
البادية.
لما
منعت الحكومة العثمانية تصدير الحبوب (الحنطة
وأشباهها) من ولاية سورية إلى لبنان،
مما أدى إلى انتشار الجوع هناك، كان
أحمد مريود يحمل ما استطاع من القمح
على خيله ويمضي به خلسة إلى القرى
اللبنانية القريبة منه، فيبيعه بسعر
الكلفة، وبهذا أنقد عائلات كثيرة كانت
معرضة للموت جوعاً.
قُبض
على مريود وأودع سجن عالية في لبنان
بسبب مساعدته على الفرار للكثير من
الرجال الذين كانت مشانق جمال باشا
تنتظرهم، وبقي مسجوناً إلى حين انتهاء
الحرب العالمية الأولى بقليل.
بعد
دخول الجيش العربي إلى دمشق وانتهاء
الحكم العثماني، كان أحمد مريود شخصية
وطنية قيادية في العهد الفيصلي،
وعضواً بارزاً في المؤتمر السوري الذي
أعلن استقلال سورية الطبيعية. وعندما
ترامت أنباء تقسيم الأراضي العربية
بين الحلفاء، ترك أحمد مريود دمشق وقرر
أن يهب الجولان بقيادته إلى المقاومة،
فقد كان يتمتع بنفوذ كبير لتنظيم وسائل
الدفاع في تلك المنطقة مع رفاق له
مخلصين وأوفياء، فأعلن الثورة في
تشرين أول سنة 1919 ضد المحتل الفرنسي.
تحققت
أهداف ثورة 1919 برد الغزو الفرنسي
لسوريا عن طريق بوابة مرجعيون، وتحققت
أيضاً بوجود المجاهدين الأردنيين
والفلسطينيين واللبنانيين من جبل عامل
وخوضهم معارك هذه الحرب ببسالة،
واكتسابهم كل الخبرات استعداداً
لملاقاة الاستعمار الغربي بشقيه
الفرنسي والبريطاني في المقبل من
التحديات، وتحققت أهداف هذه الثورة
بقيادة المجاهد أحمد مريود عندما تعمد
السلاح العربي بوحدة ثوابت الأمة في
الوحدة والتحرير، وبوجود المجاهدين من
كل أطراف سوريا الداخلية والجنوب حتى
ما وراء صور وفلسطين والأردن، كما
تحققت أهداف هذه الثورة باستمرارية
الحماس الثوري واللياقة العسكرية
والجاهزية القتالية التي أثبتت
مصداقيتها النضالية والقتالية عندما
انتقل زعيم الثورة بحشودها إلى الأردن.
لما
وصل الإنذار الفرنسي باحتلال سورية
للملك فيصل الذي توج ملكا على سورية في
8/3/1920م، هبت على البلاد عاصفة شديدة من
الحماسة، وأقبل الناس على التطوع،
فغصت بهم الثكنات العسكرية في كل مكان،
وشهدت منطقة القنيطرة وقرى جبل الشيخ
أروع معاني التلاحم النضالي، فلبى
أهلها نداء الزعيم أحمد مريود، وأصبحت
جباتا الخشب قبلة يتوجه إليها الثوار،
فنظم مريود صفوفهم استعداداً لمواجهة
الفرنسيين المحتلين.
رفض
أحمد مريود الإنذار باسم الشعب السوري
فقد كان عضواً في المؤتمر السوري،
وانسحب المجاهد أحمد مريود ورجاله إلى
الأردن واتخذ من بلدة كفرسوم قاعدة
مركزية لكفاحه وجهاده، ومنها وبدعم من
أهلها بدأت مرحلة جديدة من النضال
والكفاح المسلح ضد المحتل الفرنسي،
فخاض المجاهدون مئات المعارك والمواقع
البطولية كان أشدها المشاركة في معركة
ميسلون على أثر دخول الفرنسيين البلاد
ولما دخل الفرنسيون سوريا كان اسم أحمد
مريود من بين المحكوم عليهم بالإعدام.
كان
المجاهد أحمد مريود عضواً بارزاً في
حزب الاستقلال المنبثق عن الجمعيات
الوطنية، والذي تأسس عام 1919، وكان يرى
أن الوضع الخاص في شرقي الأردن سيكون
عظيم الفائدة لأحرار سوريا، وذلك برسم
استراتيجية سياسية قومية بإعادة تنظيم
حزب الاستقلال، وخطة عسكرية لشن حرب
استنزاف على القوات الفرنسية في سوريا
انطلاقاً من الأردن، وكانت هذه القوات
تتخوف من ظاهرة النشاط السري التي
يديرها ويخطط لها أحمد مريود بهدف
إحكام الضغط على المحتل.
وفي
ظل المناخ السياسي الشعبي المتحمس في
الأردن، قرر مريود اغتيال الجنرال
غورو، وبالفعل هوجم موكب غورو المتوجه
إلى بلدة القنيطرة، مما زاد من حقد
الفرنسيين على مريود لتأكدهم من
تدبيره حادثة الاغتيال. وقد أعطت
السلطة الفرنسية هذه الحادثة أهميتها
الحقيقية.
وبعد
محاولة اغتيال الجنرال الفرنسي غورو،
ازدادت شكاوي الفرنسيين والإنجليز
معاً ضد حزب الاستقلال، وبخاصة ضد أحمد
مريود. مما اضطره إلى مغادرة الأردن
إلى الحجاز.
وفي
الحجاز، استقبله ورفاقه الشريف حسين
بن علي ودعاهم ليحلوا في ضيافته، ولم
يمض على وجودهم ثلاثة أسابيع إلى وقوع
الهجوم السعودي على الطائف في عام 1924،
فأسرع الكثيرون يبارحون مكة إلى جدة،
وظل أحمد مريود في مكة مع الشريف حسين
حتى قرر الشريف حسين مغادرتها، فتوجه
مريود إلى العراق بناء على دعوة رفاقه
في حزب الاستقلال، واتخذ من خانقين دار
إقامة له.
في
العراق بدأ أحمد مريود نشاطاته
السياسية والإعلامية، والتف حوله
مجموعة من المجاهدين والمفكرين العرب.
وعندما اندلعت الثورة السورية سنة 1925،
قرر أحمد مريود العودة إلى أرض الوطن،
فغادر العراق عبر البادية الأردنية
باتجاه جبل العرب، فلما وصل كان في
استقباله المجاهد سلطان الأطرش القائد
العام للثورة السورية وعدد من الزعماء
الثوار. فشارك مريود في الثورة.
كان
المجاهد أحمد مريود ينطلق من حرصه على
تقوية روح الثورة المتجددة، فبدأ
بالاتصال بمعظم القوى والشخصيات
الوطنية، فعن طريق شكري القوتلي اتصل
بأطراف الكتلة الوطنية، وعن طريق
الدكتور عبد الرحمن الشهبندر رئيس حزب
الشعب اتصل بشخصيات هذا الحزب، كما
اتصل بالشخصيات الوطنية المستقلة،
وكانت جميع هذه الأطراف ترى فيه الشخص
المؤهل لقيادة العمل الكفاحي، وكانت
اتصالات ولقاءات واجتماعات أحمد مريود
تتم في سرية تامة، وقد تمت جميعها
بنجاح، كما تم انتقال الثوار من دمشق
إلى منطقة الغوطة أيضاً بنجاح.
وفي
الغوطة اندلعت الثورة وأبلى المجاهدون
وعلى رأسهم أحمد مريود بلاء حسناً إلا
أن السلطة الفرنسية والتي جهزت أكبر
حملة عسكرية، هاجمت موقع الثوار في كل
قرى الغوطة وأجبرتهم على الانسحاب بعد
أن كبدت الثوار عشرات القتلى فانسحبوا
إلى الجولان.
ومن
الجولان قرر أحمد مريود الانتقال إلى
مركز ثورته جباتا الخشب، وهناك فاجأ
الفرنسيون أحمد مريود في بيته فـي
جباتا الخشب في 30 أيار1926، فثبت لهم
وقاتلهم مع عدد من الثوار وابنه البكر
حسين الذي كان أصغر المجاهدين، لم
يتجاوز عمره الـ16 سنة.
استمات
أحمد مريود في القتال حتى استشهد، ولما
انسحبت القوات الفرنسية من المعركة
أخذت معها جثمان الشهيد أحمد مريود
ومجموعة من رفاقه الشهداء إلى دمشق،
حيث عرضت جثثهم في ساحة المرجة (ساحة
الشهداء) على سبيل التشفي، وتركت الجثث
تحت أشعة الشمس، فلما خشي سكان دمشق أن
يصيب الجثث التعفن ولم تكن السلطات قد
سمحت بسحبها، هرع أهالي دمشق وجمعوا
الزهور ونثروها على جثث الشهداء. ولما
تقرر نقل الجثث إلى المدافن، رفض أهل
دمشق وقادة الأحياء الشعبية بأن يقوم
آل مريود بنقل جثمان الشهيد إلى جباتا
الخشب، وأصروا على دفنه في احتفال ديني
وطني شعبي في مقبرة (قبر عاتكة)
إحدى المقابر الدمشقية العريقة،
وأُقيم له ولرفاقه مأتم شعبي كبير.
المراجع:
ـ
(موسوعة رجالات من بلاد العرب)، د. صالح
زهر الدين، المركز العربي للأبحاث
والتوثيق، بيروت، طبعة أولى 2001، ص (60ـ
69).
ـ
(الأعلام)، خير الدين الزركلي، دار
العلم للملايين، بيروت، طبعة خامسة 1980،
الجزء الأول، ص (262).
ـ
(أحمد مريود قائد ثورة الجولان وجنوب
لبنان وشرق الأردن)، محمود عبيدات،
رياض الريس للكتب والنشر، بيروت،
طبعة أولى 1997.
|