أكرم
الحوراني
ولد
أكرم الحوراني في مدينة حماه السورية
عام 1911. والده رشيد محيي الدين
الحوراني، كان تاجراً للأقمشة وملاكا
صغيراً للأراضي ورجلاً ورعاً من وجهاء
حماه، أتقن اللغة العربية والتركية
وخلف مكتبة كبيرة تحوي مختلف كتب علوم
اللغة والأدب والتاريخ والمنطق والطب.
كان على اتصال بالجمعيات السرية (العربية
الفتاة) كما كان على صلات وثيقة مع
العلماء والمثقفين والتجار.
انتخب
كأحد ممثلي المسلمين في مجلس إدارة
حماه، كما كان يدعم الفلاحين والتجار
في تلك الفترة ضد عوائل الملاكين
الكبار، وقد رشح نفسه لعضوية مجلس (المبعوثان)
الذي يمثل حماه وحمص في استانبول لكنه
لم يعين بسبب معارضة الأسر الكبيرة،
توفي خلال الحرب العالمية الأولى بداء
الكوليرا.
تعلم
أكرم الحوراني في مدرسة دار العلم
والتربية مع أبناء الأسر الإقطاعية،
وقد أسس هذه المدرسة الملك فيصل الأول
بن الحسين في قصر العظم في حماه. وقد
تأثر أكرم الحوراني بأستاذه عثمان
الحوراني الذي كان يدرسه مادة
التاريخ، وكان يغذي في طلابه روح
الحرية والاستقلال والمقاومة المسلحة
والفخر بالإرث العربي، وكان هذا
الأستاذ من المشاركين في ثورة 1925، لذا
بدأ وعي أكرم الحوراني السياسي يتكون
على وقع أحداث ثورة سورية الكبرى (1925ـ
1927).
بعد
تخرج الحوراني من معهد العلم والتربية
في حماه، ذهب إلى دمشق وانتسب إلى
مدرسة النخبة الثانوية التابع للدولة (مكتب
عنبر) والتي خرجت عدداً من القادة
الوطنيين، ومنها تخرج الحوراني وكان
من الأوائل، ثم انتسب إلى الجامعة
اليسوعية في بيروت لدراسة الطب، لكنه
عاد بعد سنة إلى دمشق (1931) حيث التحق
بجامعتها لدراسة الحقوق، وسبب تركه
بيروت هو اشتراكه في التخطيط لاغتيال
النائب صبحي بركات. وبعد تخرجه من كلية
الحقوق عمل الحوراني في المحاماة إلى
أن انتخب عام 1943 نائباً في البرلمان.
كان
أول اشتراك للحوراني في العمل السياسي
المنظم في عام 1936 بعد تخرجه من كلية
الحقوق، عندما انتسب إلى الحزب السوري
القومي الاجتماعي منجذباً إلى المبادئ
العلمانية لهذا الحزب (فصل الدين عن
الدولة، القضاء على الإقطاع وتنظيم
الاقتصاد القومي على أساس مصلحة الأمة
والدولة، تكوين جيش قوي...) وبقي في
هذا الحزب كعضو ناشط إلى أن فصل منه سنة
1939.
في
عام 1941، سافر الحوراني وبعض ضباط الجيش
السوري ومتطوعون آخرون
من بقية الطيف السياسي الوطني إلى
بغداد لمؤازرة ثورة رشيد عالي
الكيلاني ضد البريطانيين، وبعد أن
تمكن البريطانيون من قمع الثورة، عاد
الوطنيون الحوراني
ومن معه العراق إلى سورية حيث تم
احتجازهم لفترة من قبل حكومة الانتداب
الفرنسي في دير الزور على الحدود
السورية العراقية. ويُذكر أن اتصالات
الحوراني بالجيش السوري وبعفلق
والبيطار بدأت على إثر هذه الواقعة.
قاد
الحوراني انتفاضة الفلاحين في ريف
حماه ضد الإقطاعيين، فانتخب نائباً عن
حماه سنة 1943، 1947، 1949، كما ساهم في
التحريض على الوجود الفرنسي في مدينة
حماه عام 1945.
وبعد
انتخابه عام 1943، عزز الحوراني صلاته
ببعض الضباط الشباب الذي تخرجوا من
الكلية العسكرية في حمص أمثال عدنان
المالكي وأديب الشيشكلي، وكان
الحوراني ورفاقه عفلق والبيطار ينظرون
إلى الجيش دائماً كأداة للوصول إلى
الحكم، وليس كمؤسسة لحماية البلاد. وقد
جنوا مغبة سياستهم الرعناء هذه (استخدام
الجيش كذراع سلطوي) منذ ظنوا أنهم
نجحوا في الوصول إلى السلطة، إذ سرعان
ما انقلبت العصا التي حاربوا بها، إلى
سوط يلسع ظهورهم، بل يحطم جماجمهم
وجماجم سائر المواطنين. إن كل ما قد
يذكر من حسنات للحوراني ورفاقه لا تغفر
هذه السيئة التي بددت قرناً من العمل
السياسي في تاريخ سورية الحديث وما
تزال تدفع ثمنه حتى اليوم !!
ولقد
بقيت صلة الحوراني بالجيش الركيزة
الأساسية في سياسته والتي أكسبته
نفوذاً كبيراً فقد كان الحوراني
ورفاقه من رواد البعث أكثر السياسيين
تحملاً لمسؤولية تسييس الجيش بعد
الاستقلال، حتى أنه قيل أنه كان لضباط
الأربعينات وبداية الخمسينات واحد من
ثلاثة التزامات: تأييد أحد الحزبين
السوري القومي أو البعث، أو الولاء
لقائد واحد هو أكرم الحوراني الذي كان
يتظاهر بالوقوف إلى جانب حقوق الضباط
والأفراد، في فترة تزايد فيها انتقاد
السياسيين لهذا الجيش. كما كان
الحوراني يلعب اللعبة نفسها مع
الفلاحين والعمال.
في
أول أمره تولى الحوراني وزارة الزراعة
وأحدث فيها بعض ما كان يظنه إصلاحاً.
وفي شهر
كانون أول 1949 تولى أكرم الحوراني وزارة
الدفاع في حكومة خالد العظم، ثم استقال
منها في شهر نيسان، وكانت سياسته في
وزارة الدفاع السيطرة على الجيش، وربط
العلاقات الشخصية، لتوظيفها في مشروعه
السياسي، وقد استفاد من البعثات التي
وزعها على أصدقائه في توكيد هذه
العلاقات. وكان له دور بارز في بناء
جهاز مخابرات الجيش لإحكام السيطرة
عليه.
وقف الحوراني عندما كان
وزيراً للدفاع إلى جانب الشيوعيين في
المجلس البرلماني ضد الأحلاف وضد
الإخوان المسلمين باسم العلمانية
والتحرر متهماً إياهم بالعمالة
للاستعمار.
في
تشرين أول 1950حصل أكرم الحوراني على
ترخيص لتأسيس الحزب العربي الاشتراكي
وجعل مدينة حماه مقره الرئيسي.
نظم
الحوراني أتباعه من الفلاحين في الحزب
العربي الاشتراكي، واستخدمهم ضد
الملاكين الكبار، وبلغت حملة التحريض
أوجها في مؤتمر في حلب (أيلول 1951) حضره
ألوف من الفلاحين، فكان أول مؤتمر من
هذا النوع (الثوري !!) في الوطن
العربي، واشتدت الحملة وتحول التحريض
إلى أعمال عنيفة، فأُحرقت المحاصيل
وأُطلقت النار على بيوت الملاكين.
وعندما
سيطر الشيشكلي حليف الحوراني على
الحكم وأخذ يكمم الأفواه ويُلقي القبض
على معارضيه هرب الحوراني على عادته
عبر الجبال إلى لبنان، وهناك انضم إليه
ميشيل عفلق وصلاح البيطار اللذان هربا
هما أيضاً من اضطهاد الشيشكلي. وفي
منفاهم عام 1952 قرر الثلاثة دمج حزبي (البعث
العربي) و(العربي الاشتراكي) ليصبح (حزب
البعث العربي الاشتراكي). وذلك لتصليب
الجبهة المعارضة للشيشكلي، وكان هذا
الحزب بمثابة تجمع موظفي المدينة
والمعلمين وأشباههم مع الفلاحين.
عندما
تحققت الوحدة بين مصر وسوريا في شهر
شباط عام 1958، وقف الحوراني موقفين
مزدوجين وبالغي التناقض: مرة كمدافع
متحمس إلى الوحدة مع مصر، وهي التي ما
إن تحققت حتى سمي فيها نائباً لرئيس
الجمهورية العربية المتحدة، جمال عبد
الناصر. ومرة حين انقلب على الوحدة
واستقال من مسؤولياتها في 1959، فهرب
الحوراني منذ ذلك التاريخ إلى لبنان
وشرع يشن الهجوم تلو الهجوم على (الاستعمار
المصري !!) وعلى (التواطؤ بين
القاهرة وتل أبيب !!)، وما كاد انقلاب
28 أيلول عام 1961 ينهي حكم الوحدة حتى
انتقل الحوراني إلى دمشق وبات من أركان
(العهد الانفصالي) هو ورفاقه وهم الذين
طالما راوغوا الجماهير
برفع شعار الوحدة. ويقول الذين كانوا
يترددون عليه في أيامه الأخيرة، أن
حقده على عبد الناصر لم يفتر ولم يفقد
شيئاً من زخمه الأول كما لو أن الرجل
يعيش في (1959). ويعزى سبب هذا الحقد إلى
أسباب شخصية نظراً إلى أن وضعه السياسي
قد تضرر تحت حكم عبد الناصر. فقبل
الوحدة كان يظن نفسه صانع الحكام في
سوريا. ثم جاء عبد الناصر وانتزع منه كل
ذلك وأعطاه بالمقابل منصباً شكلياً
فارغاً في حكومة الجمهورية العربية
المتحدة.
وبقيام
انقلاب 8 آذار عام 1963 الذي حمل البعث
إلى السلطة كان الحوراني أحد المغضوب
عليهم الذين بالغوا في الخروج من بيت
الحزب الواحد، وإذا بالضباط الذين
أدخلهم الحوراني إلى الحزب والسياسة
يخرجونه من السياسة ويجردونه من حقوقه
المدنية فضلاً عن اعتقال دام فترة
وجيزة. ثم لم يلبث أن لحق به صاحباه
عفلق والبيطار في شباط 1966.
ومنذ
ذلك الوقت وأكرم الحوراني يتجول في
بلاد الله الواسعة، من بيروت إلى
بغداد، ومن بغداد إلى باريس، ومنها إلى
عماّن، خائب الأمل. مرة يحاول التعويل
على قدامى الرفاق العراقيين، ومرة
يحاول تجميع المعارضين السوريين
فينتبه إلى أن الأمر قد تغير وأن الذي
كان يقود في الخمسينات لا يستطيع أن
يقود في التسعينات، لاسيما أن عقله لم
يتغير كثيراً.
توفي
أكرم الحوراني في عماّن في شباط عام 1996،
وشارك في جنازته بضعة أشخاص ربما لا
يتجاوزن أصابع اليد كان من بينهم بعض
أعدائه من الإخوان المسلمين. ودفن فيها.
هذه
المعلومات أخذت بتصرف عن:-
ـ
مسعود الخوند (الموسوعة التاريخية
الجغرافية، لبنان، 1997، الجزء العاشر ص(188ـ
192)، (84ـ 87)، (90).
ـ
مذكرات أكرم الحوراني ( القاهرة، طبعة
أولى 2000، ص(1021ـ 1033)، (1114ـ 1125)، (1126ـ 1133)،
(1481ـ 1516).
|