عارف
الشهابي
هو
عارف بن محمد سعيد بن جهجاه بن حسين، من
أمراء الأسرة الشهابية. ولد عام 1889 في
حاصبيا (جنوب لبنان)، نشأ وتعلم في دمشق
وانتظم في حلقة دمشق الصغرى التي أسسها
عدد من طلاب الفصول النهائية في مدرسة
عنبر ـ المدرسة الثانوية الوحيدة في
سوريا ـ وهؤلاء الطلبة كانوا يترددون
على حلقة الشيخ طاهر الجزائري لحضور
الاجتماعات والدروس والندوات، فتم
الاتفاق بينهم على إنشاء حلقة سياسية
في دمشق عام 1903.
وقد
اقتصر هؤلاء في دعوتهم السرية على
برنامج سياسي محدود، وهو: مطالبة
الدولة العثمانية باتخاذ نظام لا
مركزي يضمن للعرب حقوقهم في الحكم،
ويجعل في الولايات العربية لغة رسمية
في مدارس الحكومة ودواوينها ومحاكمها.
وعندما انتقل الشهابي مع عدد من رفاقه
للدراسة في استانبول تحولت هذه الحلقة
إلى جمعية سياسية قومية، هي جمعية
النهضة العربية وكان الشهابي من أوائل
أعضائها.
كما
شارك الشهابي في تأسيس المنتدى
الأدبي، وحصل من الأستانة على شهادتي
الحقوق والملكية. وعاد إلى سورية فمارس
بعض الأعمال الكتابية والإدارية منها:
مأمور معية في ولاية دمشق. وعندما رأى
أمور التعليم متردية وأن اللغة
العربية بدأت تضعف في المدارس تطوع
للتدريس مجاناً في المدرسة العثمانية
التي أسسها الشيخ كامل القصاب، يبث في
نفوس تلاميذها المبادئ القومية من
خلال التاريخ العربي، كما اتجه إلى فن
التمثيل في المدرسة من أجل تحريك
الشعور الوطني في النفوس، فألف فرقة
للتمثيل من بعض الشبان المتنورين
الذين يحملون التوجه ذاته، وأوقف ريع
هذا المشروع المتطور آنذاك لإعانة
الجمعيات الخيرية. كما كان عضواً
عاملاً ونشيطاً في البعثات العلمية
لإرسال الطلبة الأذكياء لتلقي العلم
والمعرفة في أوروبا من أجل إنهاض الوطن
وتقدمه.
انتخب
عارف الشهابي كاتباً خاصاً لوالي
بيروت أدهم بك في عهد الوزارة
الائتلافية، فقام في أثناء عمله بخدمة
عظيمة لبلاده واستطاع أن يقنع الوالي
بعدالة مطالب البيروتيين الإصلاحية،
والتي تتلخص في هدف واحد: هو تحقيق
الإصلاح على أساس اللامركزية، وأن يتم
تخفيض الخدمة العسكرية إلى سنتين على
أن تقضى الخدمة أيام السلم في الولاية،
وأن تكون العربية اللغة الرسمية في
جميع المعاملات داخل الولاية وتكون
لغة رسمية كاللغة التركية في مجلس
الأعيان والنواب.
تولى
عارف الشهابي قائم مقامية النبك من
أعمال ولاية الشام، فأعاد النظر في
أكثر القضايا والأمور التي كانت
مطروحة إذ كان الأمن فيها مختلاً
والفوضى شائعة والنظام معتلاً
والمعارف اسم بلا مسمى، فأخذ يعيد
الأمن إلى نصابه، فاستتبت الأمور
وازدهرت المعارف، وانتظمت شؤون تلك
الجهات.
عندما
دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية
الأولى عام 1914، قامت جمعية العربية
الفتاة بتحرك واسع، إذ كانت من أكثر
الجمعيات والأحزاب العربية قدرة
وتنظيماً، والشهابي كان من أبرز
أعضائها، فانتخب في مجلس الشورى
الجديد استعداداً لمواجهة المرحلة
التي افتتحتها الحرب، فبادرت الجمعية
إلى تأييد الدولة ضد أعدائها وتناست
الصراعات الماضية. وكان الشهابي ينتقد
الحكومة فكف عن انتقادها وهب لنصرتها
بقلمه جاعلاً المصلحة العامة قبل كل
شيء وفوق كل مصلحة إيماناً منه أن
الظروف تحتم عليه المساعدة مادامت
الدولة في حالة حرب.
وعندما
شكل الاتحاديون الحكومة وقاموا بتعطيل
الجمعيات الإصلاحية وإغلاق
المنتديات، استقال الشهابي من وظيفته
واحترف المحاماة وأنشأ له مكتباً
خاصاً في دمشق ذاع صيته في المنطقة
كلها، وأخذ يراسل جريدة المفيد التي
كانت تصدر في بيروت تحت عنوان "ماذا
في دمشق" وكان لهذه المقالات وقع
كبير على قلوب المستبدين من الحكام
والولاة مما جلب له المضايقات
والعراقيل.
وفي
بداية عام 1914دخل شريكاً في جريدة "فتى
العرب" بعد تعرضها لضيق مالي بسبب
اضطهاد الحكومة الاتحادية لصاحبها عبد
الغني العرّيسي. فجاء الشهابي بيروت
وتولى إدارة سياسة الجريدة، ونقل مكتب
المحاماة إلى بيروت واشتغل بالمهنتين،
وكانت مقالاته في هذه الفترة تعكس مدى
إحساسه العميق تجاه القضية المصيرية،
ومطالبه بضرورة إصلاح الدولة وتحديث
أجهزتها ورجالاتها، وعدم استئثار
الاتحاديين بالسيطرة على التعليم
العالي. كما طالب برفع مستوى الوعي
العام للولايات العربية في سورية
اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، ونشر
الحركة التعليمية في جميع أنحاء
البلاد، وأكد أنه من حق أبناء البلاد
أن يطلعوا على ما يدور حولهم من آراء
وأفكار وتنظيمات وحركات وجمعيات تفتح
أذهانهم بصورة عامة، وتواكب هذه
المنطقة التقدم العلمي الذي وصلت إليه
الدول المتقدمة، كما أنه نبه إلى
النفوذ الأجنبي في البلاد العربية
وخطره في المستقبل، وكان مبدؤه
السياسي العرب والعثمانيين معاً.
واستطاع في فترة وجيزة أن يكوّن وعياً
عاماً من خلال ما ينشره في المفيد من
آراء وأفكار.
وعندما
بدأت الاعتقالات تستهدف شباب العرب
شعر الشهابي ورفيقه عبد الغني
العريّسي بالخطر فتواريا عن الأنظار،
وقصد الجوف ولجأ إلى الأمير نواف
الشعلان أمير منطقة الجوف لأنه من
أعضاء جمعية العربية الفتاة، فأعطاهم
هجناً وأرسل معهم أحد رجاله مزوداً
بكتاب إلى شهاب الفقير شيخ عشيرة
الفقراء التي كانت تقطن بين تبوك
ومدائن صالح، يوصيه بهم ويطلب منه
إيصاله إلى المدينة. ويبدو أن شهاب طمع
بالهجن فخوفهم من الطريق ورغب لهم
الذهاب إلى المدينة بالقطار فقبلوا
ذلك. ولما وصل القطار إلى محطة مدائن
صالح أطل العريّسي والأمير الشهابي من
نافذة المركبة وصادف وجود الدكتور
أحمد حلمي الترك في المحطة وهو تركي
الأصل من أطباء الخط الحجازي، فلما
رآهما عرف الأمير عارف الشهابي لأنه
رفيقه في مكتب عنبر (التجهيزية)، وتعرف
على العريّسي، وكان معه في المحطة ضابط
في الجيش فأخبره بالأمر، ثم أخبر مدير
الناحية هناك وتم القبض عليهما،
وأُخبر جمال باشا بذلك وسيقوا مخفورين
إلى الديوان العرفي بجبل عالي في لبنان.
وبتاريخ
(6 أيار 1916) كان الأمير عارف الشهابي مع
القافلة الثانية من الشهداء التي
أُعدمت في ساحة البرج ببيروت، وكان
أفرادها قد نقلوا من عالية إلى بيروت
وهم ينشدون الأناشيد الوطنية الحماسية
معتزين ومتغنين بالقومية العربية.
الأمير
عارف الشهابي كان محامياً وكاتباً
ومترجماً وقاصاً وصحفياً ومؤلفاً
وشاعراً.
المراجع:
ـ
(موسوعة الأعلام)، خير الدين الزركلي،
دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة
العاشرة 1992، الجزء الثالث، ص(246).
ـ
(شهداء النهضة العربية)، فوزي الخطبا،
مطبعة الصفدي، عماّن 1998، ص(179، 192).
|