يصادف
اليوم الحادي والعشرين من تموز ذكرى
اغتيال صلاح البيطار الزعيم السياسي
بنفس العصا التي شارك في إعدادها يوماً
لتنال من مواطنيه منذ الثامن من آذار
1963. ومركز الشرق العربي إذ يتقدم بهذه
الترجمة في هذه المناسبة ليرجو أن يكون
في البيطار البداية والنهاية عظة
وعبرة لكل الذين يستقوون على أوطانهم
وعلى شعوبهم مهما تكن الذرائع
والشعارات.
لقد
أفضى صلاح البيطار إلى ما قدم ويبقى له
جهده وأثره في التاريخ الوطني، وقد
أخذنا على أنفسنا في هذه التراجم أن لا
ننحاز مع أو ضد وإنما نكتفي بتقديم
حقائق التاريخ كما تتراءى لنا.
صلاح
البيطار
هو صلاح خير سليم
البيطار، ولد عام 1912 في حي الميدان في
دمشق لأسرة عريقة ملتزمة بالعقيدة
الإسلامية، جده الشيخ سليم البيطار
الملقب بالفرضي، وقد أنجب أربعة ذكور
وهم: الشيخ خير والد صلاح البيطار،
والشيخ محمد وكان يشغل منصب أمين عام
الفتوى في دمشق، والشيخ عبد الغني
ويسمى الشافعي الصغير، والرابع الشيخ
عبد الرزاق مؤلف كتاب حلية البشر في
تاريخ القرن الثالث عشر الهجري.
درس صلاح البيطار
في مدارس دمشق، وعندما أنهى المرحلة
الثانوية اتجه إلى فرنسا لإكمال
تعليمه الجامعي في جامعة السوربون
تخصص فيزياء، وهناك التقى ميشيل عفلق
وانجرف في التيار الشيوعي، الذي
اختاره عفلق فجمعتهما المبادئ
الاشتراكية الفرنسية، وبدأت بينهما
صداقة وثيقة، مدعومة بالمبادئ الغربية
التي اعتنقاها.
في عام 1934 عاد
البيطار إلى دمشق بعد إنهاء دراسته،
فعين مع ميشيل عفلق في مدرسة التجهيز
الكبرى، فدرّس علم الفلك والفيزياء
بينما درّس عفلق مادة التاريخ، وقد
استغل كل منهما أعمال التدريس للدعاية
للفكر الاشتراكي، فقامت ضدهما ضجة
كبيرة، من قبل الطلاب، وانتقلت إلى
صفوف علماء الدين، ومع تصاعد ردود
الفعل منعت الجهات الحكومية أي نشاط
لهما وبذلك سدت الأبواب في وجهيهما
فعمدا إلى تقديم استقالتيهما من
التدريس.
بعد أن قدم صلاح
البيطار وعفلق استقالتيهما، اختارا أن
يكون مقرهما في مقهى الطاحونة
الحمراء، القريبة من مدرسة التجهيز
ليتسنى لهما الالتقاء بالطلاب كل يوم
بعد ساعات التدريس لتطعيمهم بالأفكار
الاشتراكية، كما أسسا مجلة أسمياها (الطليعة)
لنشر مبادئهما.
في عام 1939 أسس
البيطار وعفلق منظمة سرية كانت تحمل
اسم (الإحياء العربي) وتحولت فيما بعد
إلى حزب البعث العربي، واستمرت تعمل
بالخفاء حتى عام 1946م حيث أصبح حزب
البعث حقيقة قائمة، وأصدر المؤسسان
صحيفة خاصة باسم البعث، وعقد الحزب أول
مؤتمراته في عام 1947، حيث تم انتخاب
صلاح البيطار عضواً في القيادة
القومية باعتباره المؤسس الثاني لحزب
البعث بعد ميشيل عفلق عميد الحزب. وفي
عام 1948م سجن صلاح البيطار خارج مدينة
دمشق، بسبب معارضته تجديد رئاسة شكري
القوتلي للجمهورية السورية. وفي عام 1949
اعتقله الرئيس حسني الزعيم مع باقي
أعضاء القيادة القومية للحزب، بسبب
معارضتهم لبعض سياساته، وفي عام 1952م
أصدر أديب الشيشكلي أمرا باعتقال صلاح
البيطار مع رفيقه عفلق وأكرم الحوراني
بسبب تحريضهم للطلاب الجامعيين على
مناهضة حكمه، لكنهم استطاعوا مغادرة
دمشق سراّ إلى بيروت ثم توجهوا منها
إلى روما.
في 14/6/1956م في عهد
شكري القوتلي عُيّن صلاح البيطار
وزيراً للخارجية في حكومتي صبري
العسلي الثالثة والرابعة، وبعد قيام
الوحدة في 22/2/1958م بين سوريا ومصر عُيّن
البيطار نائباً لرئيس الجمهورية
العربية المتحدة جمال عبد الناصر،
وكان من الموقعين على وثيقة الانفصال
عام 1961م مشاركة منه في الحكم السوري
الجديد، لكنه ما لبث أن تراجع عنها
لأنها ضد وحدة النضال في الوطن العربي.
بعد وصول البعث
إلى الحكم في 8 آذار 1963، تولى صلاح
البيطار رئاسة الوزراء أربع مرات،
وإثر قيام حركة 23/2/1966 التي قام بها صلاح
جديد اعتقل البيطار لكنه استطاع
الفرار إلى لبنان، فصدر حكم غيابي
بإعدامه عام 1969، وبعد الحركة
التصحيحية التي قام بها الأسد عام 1970م
عفي عن البيطار فعاد إلى سورية لفترة
قصيرة، ثم ما لبث أن سافر إلى فرنسا حيث
استقر في باريس.
في كانون الثاني
1978 استدعاه الأسد الذي كان يأمل في أن
يستقر البيطار في دمشق كثقل مضاد لعفلق
المؤسس الأول لحزب البعث والذي استقر
في بغداد، لكن خمس ساعات من المحادثات
فشلت في رأب الصدع بينهما، فعاد
البيطار إلى باريس وأنشأ مجلة دورية
أطلق عليها اسم (الإحياء العربي)، وهو
الاسم القديم الذي بدأ به، شن في
أعمدتها حملات للمطالبة بالحريات
العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان في
سورية.
بعد ذلك أُشيع أن
صلاح البيطار كان يضغط على السعوديين
ليقطعوا المعونة عن سورية، والأسوأ من
ذلك ما قيل بأن البيطار قد اتصل بأعداء
الأسد في بغداد، وبغيرهم من أصحاب
الأسماء ذات الماضي والتي كان بريقها
يخبو، بحيث أصبح نقطة جذب لأنواع
مختلفة من المعارضة السورية، وقد بدا
في إحدى اللحظات أن البيطار يمكن أن
يشكل خطراً حقيقياً على النظام في
سورية، مما دفع السلطات الأمنية في
سورية إلى اغتياله بمسدس كاتم للصوت في
باريس في 21تموز1980.
وبعد موته نَقلت
زوجته جثمانه ليدفن في بغداد، حيث بحثت
عن ملجأ وسط أعداء حافظ الأسد الألداء.
وعلى الرغم من
مكانته الحزبية لم يترك البيطار
تراثاً فكرياً كما فعل صديقه عفلق،
الذي اعتبر بحق الأب الفكري لحزب البعث
على نزاع على هذا الموقع بينه وبين زكي
الأرسوزي، ولقد أدرك صلاح البيطار
متأخراً جداً المأزق الذي شارك في دفع
القطر العربي السوري إليه، بتفكيره
المثالي خارج إطار التاريخ والجغرافيا.
وظل عداء البيطار للإسلام على الرغم من
خلفيته الأسرية ملمحاً عاماً من ملامح
شخصيته فمع أن اسمه الحقيقي الذي سماه
به أبوه هو صلاح الدين البيطار إلا أنه
كان يؤثر أن يسمي نفسه صلاح البيطار
متخففاً من السمة الدينية في اسمه؛ على
عكس زميله عفلق الذي تكنى بأبي محمد،
وسمى ابنه باسم الرسول الكريم، ناهيك
عما يقال عن إسلامه في آخر عمره.
هذه
المعلومات أخذت بتصرف عن كتاب:-
ـ
(دولة البعث وإسلام عفلق)، مطيع
النونو، الطبعة الأولى 1994، ص (66ـ 99).
ـ
(الموسوعة التاريخية الجغرافية)،
مسعود الخوند، لبنان، 1997، الجزء
العاشر، ص(220،221).
ـ
(ذاكرة عربية للقرن(1900ـ 2000))، حسن
السبع، المركز العربي للمعلومات،
بيروت، 2000، ص (105).
|