فارس
الخوري
ولد فارس الخوري
في قرية الكفير التابعة لقضاء حاصبيا
في لبنان في 20/تشرين ثاني 1873م. والده
يعقوب بن جبور الخوري مسيحي
بروتستانتي، كان نجاراً وله بعض
الأملاك الزراعية في القرية. والدته
حميدة بنت عقيل الفاخوري ابنة رجل قضى
في مذبحة عام 1860 بين الدروز والمسيحيين.
كانت مهتمة بابنها البكر فارس كل
الاهتمام وتخطت كل المصاعب من أجل
تعليمه.
تلقى فارس الخوري
علومه الابتدائية في مدرسة القرية، ثم
بالمدرسة الأمريكية في صيدا، ولما كان
متفوقاً على أقرانه فقد عينه المرسلون
الأمريكان معلماً في مدرستهم
الابتدائية في زحلة.
دخل فارس الكلية
الإنجيلية السورية، والتي سميت بعد
ذلك (الجامعة الأمريكية) ببيروت. ولكن
المرسلين الأمريكيين لم يمكنوه من
الاستمرار، فقد عينوه
من جديد في مدرستهم بقرية مجدل شمس عام
1892، ثم نقلوه إلى صيدا، وفي عام 1894 عاد
للدراسة في الجامعة الأمريكية وحصل
على شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897،
وكانت هذه الشهادة في ذلك الحين شهادة
ثقافية عامة ليس فيها اختصاص في أحد
فروع العلوم والآداب، دعاه رئيس
الجامعة للتدريس في القسم الاستعدادي
كمعلم للرياضيات واللغة العربية.
دعي فارس الخوري
لإدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق،
ولإعطاء بعض الدروس في مدرسة تجهيز
عنبر. ثم عُين ترجماناً للقنصلية
البريطانية (1902ـ 1908) حيث أكسبته وظيفته
الجديدة نوعاً من الحماية ضد استبداد
الحكم العثماني.
لم يترك فارس
الخوري الدرس والتحصيل، بل ظل منكباً
على الدراسة والمطالعة
فدرس اللغتين الفرنسية والتركية
لوحده دون معلم وبرع فيهما، كما أنه
أخذ يطالع الحقوق لنفسه، وامتهن
المحاماة، وتقدم بفحص معادلة الليسانس
بالحقوق فنالها. في عام 1908م انتسب
لجمعية الاتحاد والترقي فكان هذا أول
عهده بالسياسة.
نظم فارس الخوري
الشعر وأولع به، فكان شعره وطنياً
تناول فيه القضايا العربية، وكذلك كان
أديباً حيث ملأت منظوماته الشعرية
وكتاباته الصحف السورية والمصرية. إلا
أن انشغاله في علوم السياسة والاقتصاد
والعمل الوطني والقومي والعلمي جعله
ينصرف عن الشعر ولا يقوله إلا في
المناسبات.
انتخب فارس
الخوري سنة 1914 نائباً عن دمشق في مجلس
المبعوثان العثماني. وفي سنة 1916 سجنه
جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة
العثمانية، لكنه بُرئ ونفي إلى
استانبول، حيث مارس التجارة هناك.
عاد فارس الخوري
إلى دمشق بعد انفصال سوريا عن الحكم
العثماني. وفي عام 1919 عُين عضواً في
مجلس الشورى الذي اقترح على الشريف
فيصل تأسيسه، كما سعى فارس مع عدد من
رفاقه إلى تأسيس معهد الحقوق العربي،
وكان هو أحد أساتذته، كما اشترك في
تأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق.
تولى فارس الخوري
وزارة المالية في الوزارات الثلاث
التي تألفت خلال العهد الفيصلي. وعلى
إثر احتلال الفرنسيين لسوريا عام 1920
انصرف الخوري إلى العمل الحر كمحام. ثم
انتخب نقيباً للمحامين واستمر خمس
سنوات متتاليات، كما عُين حقوقياً
لبلدية دمشق، وعين أستاذاً في معهد
الحقوق العربي لتدريس مادتي أصول
المالية وأصول المحاكمات الحقوقية.
لفارس الخوري ثلاث مؤلفات في القانون
هي: (أصول المحاكمات الحقوقية) و(موجز
في علم المالية) و(صك الجزاء).
أسس فارس الخوري
وعبد الرحمن الشهبندر وعدد من
الوطنيين في سوريا حزب الشعب رداً على
استبداد السلطة الفرنسية... ولما نشأت
الثورة الفرنسية عام 1925 اعتقل فارس
الخوري وآخرون ونفوا إلى معتقل أرواد.
في عام 1926 نفي
فارس الخوري إلى خارج سورية بسبب
استقالته من منصب وزير المعارف في
حكومة الداماد أحمد نامي بك احتجاجاً
على سوء نوايا الفرنسيين.
شارك فارس الخوري
وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة
الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع
القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه
الكتلة قادت حركة المعارضة والمقاومة
ضد الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات
السياسة توفيقاً وفوزاً مدة تقارب
العشرين عاماً.
على أثر الإضراب
الستيني الذي عم سوريا عام 1936 للمطالبة
بإلغاء الانتداب الفرنسي تم الاتفاق
على عقد معاهدة بين سوريا وفرنسا،
ويقوم وفد بالمفاوضة لأجلها في باريس،
فكان فارس الخوري أحد أعضاء هذا الوفد
ونائباً لرئيسه.
انتخب فارس
الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري
عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، كما تولى
رئاسة مجلس الوزراء السوري ووزيراً
للمعارف والداخلية في تشرين أول عام
1944... وكان لتولي فارس الخوري رئاسة
السلطة التنفيذية في البلد السوري
المسلم وهو رجل مسيحي صدى عظيم فقد جاء
في الصحف: (... وأن مجيئه إلى رئاسة
الوزراء وهو مسيحي بروتستانتي يشكل
سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد
السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم،
مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج
القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به
رئيس الدولة من حكمة وجدارة). وقد أعاد
تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي
شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية.
كان فارس الخوري
متجرداً في أحكامه، عميقاً في تفكيره،
صائباً في نظرته، وقد جره هذا الإنصاف
لأن يقول عن (الإسلام) الذي درسه وتعمق
فيه أنه محققاً للعدالة الاجتماعية
بين بني البشر. فمن أقواله في الإسلام:
(.. يمكن تطبيق الإسلام
كنظام دون الحاجة للإعلان عنه أنه
إسلام). ـ (…
لا يمكننا محاربة النظريات الهدامة
التي تهدد كلاّ من المسيحية والإسلام
إلا بالإسلام). ـ (…
لو خيرت بين الإسلام وبين الشيوعية
لاخترت الإسلام). ـ (…
هذا هو إيماني. أنا مؤمن بالإسلام
وبصلاحه لتنظيم أحوال المجتمع العربي
وقوته في الوقوف بوجه كل المبادئ
والنظريات الأجنبية مهما بلغ من
اعتداد القائمين عليها. لقد قلت ولازلت
أقول، لا يمكن مكافحة الشيوعية
والاشتراكية مكافحة جدية إلا
بالإسلام، والإسلام وحده هو القادر
على هدمها ودحرها).
ويؤثر عنه كثير ممن عاشره حبه للإسلام
وتعلقه به عقيدة وشريعة، وكثيراً ما
أسر باعتقاده هذا إلى زائريه ومخلصيه.
في عام 1945 ترأس
فارس الخوري الوفد السوري الذي كُلّف
ببحث قضية جلاء الفرنسيين عن سوريا
أمام منظمة الأمم المتحدة، التي تم
تأسيسها في نفس العام، حيث اشترك
الخوري بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة
نيابة عن سورية كعضو مؤسس.
كما ألقى الخوري
خطبة في المؤتمر المنعقد في دورته
الأولى نالت تقدير العالم وإعجابه. حيث
أبدى فيها استعداد سورية وشقيقاتها
العربيات لتلبية نداء البشرية من أجل
تفاهم متبادل أتم، وتعاون أوثق، كما
تحدث فيها عن خطورة المهمة الملقاة على
عاتق المؤتمر، وأظهر تفاؤله في
إمكانية تحقيق الفكرة السامية التي
تهدف إليها المنظمة العالمية. وبناء
على جهوده فقد منحته جامعة كاليفورنيا
(الدكتوراه الفخرية) في الخدمة
الخارجية اعترافاً بمآثره العظيمة في
حقل العلاقات الدولية.
انتخب
فارس الخوري عضواً في مجلس الأمن
الدولي (1947ـ 1948)، كما أصبح رئيساً له في
آب 1947، وقد اهتم بالقضية الفلسطينية
اهتماماً خاصاً، وأكد رفض الدول
العربية إقامة دولة لليهود فيها. كما
شرح القضية المصرية وطالب بجلاء
الإنجليز عن أراضيها، وأكد على السلام
العالمي وطالب بإنهاء تنافس الدول
الكبرى، وحذر من وقوع حرب ذرية مدمرة.
ولطالما ضجت هيئة الأمم بخطبه
ومناقشاته باللغة الإنجليزية من أجل
نصرة الحق في القضية العربية.
عاد فارس الخوري
إلى بلاده بعد انتهاء عضوية سورية في
مجلس الأمن الدولي، وكان قد انتخب
رئيساً للمجلس النيابي لعام 1947 عندما
كان يمثل سورية في مجلس الأمن. ولكن
عندما حل هذا المجلس على أثر الانقلاب
الذي قام به حسني الزعيم ثابر فارس
الخوري على عمله في الحقل الدولي،
وترأس الوفود السورية إلى هيئة الأمم
متابعاً نضاله ودفاعه عن القضايا
العربية.
في عام 1954 طلب
رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي من فارس
الخوري تشكيل حكومة سورية، لكنها لم
تستمر سوى أشهر معدودة، وكان من أهم
الأمور السياسية أثناء توليه وزارته
الرابعة، الصدى البعيد في المجلس
النيابي، وفي دوائر الحكومة وجماهير
الشعب الذي أحدثه صدور الأحكام
القاسية ضد الإخوان المسلمين في مصر.
مما جعل سائر الحكومات العربية (بما
فيها الحكومة السورية) تتوسط لدى
القاهرة لتخفيف هذه الأحكام، وعرض
الخوري وساطته الشخصية بالإضافة
لوساطة حكومته والشعب السوري برئيس
جمهوريته ومجلسه النيابي وفئاته
وأحزابه، وواضعاً كرامته الشخصية كرجل
يحفظ له المصريون أخلد الذكريات، لقاء
تخفيف هذه الأحكام فلم يجد ذلك نفعاً،
ونفذت أحكام الإعدام في ست من أقطاب
الدعوة الإسلامية في وادي النيل. فكان
لذلك أثر كبير في نفسه لم يزايله بقية
عمره.
اعتكف فارس
الخوري في منزله.. يذهب مرة كل عام إلى
جنيف ليشترك في جلسات لجنة القانون
الدولي التي هو عضو فيها. وأقيمت
الوحدة بين سورية ومصر ولم يكن للأستاذ
فارس الخوري أي رأي بقيامها أو
بانهيارها.
في 22 شباط 1960،
أصيب فارس الخوري بكسر في عنق فخذه
الأيسر بغرفة نومه، وكان يعاني من آلام
المرض الشديد في مستشفى السادات
بدمشق، حينما منح جائزة الدولة
التقديرية في العلوم الاجتماعية من
قبل الرئيس جمال عبد الناصر بناء على
توصية المجلس الأعلى للعلوم والفنون.
وكانت وفاة فارس
الخوري مساء الثلاثاء 2 كانون الثاني
1962، في مستشفى السادات بدمشق.
المراجع:
ـ
(فارس الخوري) محمد الفرحاني، مطبعة
دار الغد، لبنان/ بيروت، 1964).
ـ
(موسوعة رجالات من بلاد العرب) د. صالح
زهر الدين ، المركز العربي للأبحاث
والتوثيق، بيروت، الطبعة الأولى 2001، ص
(592).
|