كـامل
الغـزّي
هو كامل بن حسين
بن محمد بن مصطفى البالي، ولد سنة 1853 في
مدينة حلب. والده الشيخ حسين البالي
ولد في مدينة غزة، في أسرة اشتهرت
بالعلم والفضل والوجاهة في ميادين
الزراعة والتجارة، درس في الأزهر
وسافر إلى طرابلس الشام واشتهر بفضله
فيها، ثم دعي للتدريس في مدرسة حلب،
فعالج علوم الشريعة والحديث والمنطق
واللغة والأدب العربي فأحدث نهضة
فكرية وأدبية. واشتهر بالغزي، توفي في
الخامسة والثلاثين من عمره وسن ابنه
كامل لا يتجاوز تسعة أشهر.
نشأ كامل الغزي
في كنف زوج أمه الذي أحسن رعايته، ولما
بلغ سن الدراسة دخل الكتاب وما كاد يتم
العاشرة حتى حفظ القرآن الكريم، ودخل
بعد ذلك (المدرسة القرناصية) فتابع
فيها دروسه الابتدائية والثانوية،
وفيها حفظ أكثر من عشرين ألف بيت منها
ألفية ابن مالك والشاطبية وعقود
الجمان للسيوطي. ثم انتقل بعد ذلك إلى
العلوم العالية فدرس التفسير والحديث
النبوي والفقه على شيوخ وأعلام بلده
مثل الشيخ محمد الحكيل والشيخ مصطفى
الكردي.
اتصل كامل الغزي
بأصدقاء أبيه ومعارفه، وبلغ إلى مجالس
والي حلب آنذاك (محمد رشدي باشا
الشرواني) فأعجب الوالي بذكائه
ومعرفته وقربه إليه، ولما نُقل الوالي
حاكماً للحجاز اصطحبه معه وجعله
إماماً لتلك البلاد، فرأى الديار
المقدسة وعرف بلاداً بعيدة واسعة
فتفتح عقله وتنبه ذهنه، لكن مقامه هناك
لم يطل لأكثر من ثمانية أشهر، لأن
الوفاة أدركت ذلك الوالي الشرواني.
ولما رجع إلى حلب
استأنف دراسته ودخل (المدرسة
العثمانية) وظل فيها حتى سنة 1875، انقطع
خلالها إلى طلب العلوم العقلية
والنقلية، ثم تقلب في وظائف الدولة،
فأصبح ترجماناً لمطبعة الولاية، ثم
عضواً في محكمة التجارة، ثم عضواً في
المجلس البلدي بحلب، وتولى رئاسة لجنة
الآثار ورئاسة تحرير مجلتها، وكما
تولى تحرير جريدة الفرات الرسمية
والأسبوعية بحلب نحو عشرين عاماً.
ملّ الغزي
الوظائف، فاستقال لتعاطي بعض الأعمال
الخاصة وانصرف إلى التأليف، حيث أنشأ
مؤلفاً ضخماً سماّه ( نهر الذهب في
تاريخ حلب) أنفق في سبيل جمعه وتأليفه
سنوات طويلة من عمره. وقد جمع هذا
المؤلف ألوان البحث عن تاريخ حلب في (صنائعها
ومدارسها ومذاهبها وأديانها وعاداتها
وحياتها الاجتماعية في مختلف أحيائها
القديمة والحديثة) رسمها الغزي بريشته
ووقف عليها بنفسه. وقال في مقدمته: (وبعد،
فإني منذ زمن بعيد أعاني جمع هذا
الكتاب، وأصرف على تأليفه من نقد عمري
وجوهر مالي ما يستكثر مثله من أمثالي.
وقد تتبعت من أجله العدد الكثير من
الكتب التاريخية وغيرها، وتصفحت زهاء
مائة مجلد من السجلات المحفوظة في
المحكمة الشرعية، وتكبدت عناء زائداً
في الإطلاع على دفاتر الدوائر
الرسمية، وعلى ما هو مدخر في المكتبات
الخيرية والأهلية من المجاميع والرقاع
الخصوصية التي سطرها ذووها في بعض شؤون
تاريخية ذات أهمية عظيمة في وقتها،
فكنت لا أصل إلى ما يهمني أمره من هذه
المواد إلا بعد عناء شديد ونفقة باهظة.
وكنت في أثناء استقصائي أخبار الآثار
أضطر في بعضها إلى تحمل مشاق الأسفار
لأتمكن من الإطلاع على حقيقة حالها،
وأكتب عنها كتابة تحقيق لا كتابة تقليد
وتلفيق).
كما تلفت الغزي
إلى الشعر العربية القديم، فجمع أشعار
قومه من بلاد الشام وتناولهم
بالدراسة، كما جمع أشعار القدماء،
واجتلب المخطوطات النادرة، فقرأ شروح
المتنبي ودواوين العباسيين، وانتهى
إلى فهم عميق للشعر العربي واللغة
العربية، لذلك اختاره المجمع العلمي
عضواً فيه، ثم رئيساً لفرعه بحلب سنة
1921، وقد جعل هذا الفرع في قلب الأسواق
الداخلية للمدينة، وجمع فيه مكتبة
غنية، فكان الشيخ كامل الغزي يجتمع إلى
إخوانه وأبنائه الطلاب يحلل ويشرح لهم
ما جاء في هذه الكتب، لذا كان فرع
المجمع نواة لتخريج شباب كثيرين بلغوا
مبلغاً عظيماً من العلم والجاه.
كما أحس الشيخ
الغزي حين قرأ التاريخ الإسلامي وذكر
السنين الهجرية فيه بأيامها وشهورها،
ومن حاجة إلى جداول تستهل موازنة
الشهور الغربية بالعربية والسنين
الهجرية يالميلادية، فألف (الروزنامة
الدهرية) والتي استلبت منه وقتاً
طويلاً في حساب الرياضيات ورسم
الأرقام.
اختارته (جمعية
العاديات) بحلب عام 1930 رئيساً لها، وظل
على ذلك حتى آخر أيامه. وكان يرسل فيها
مقالاته عن حلب وآثارها تنشرها مجلة
العاديات معتزة ببحوثه وآرائه.
نظم كامل الغزي
الشعر، وكان يساير روح العصر في شعره،
كما اشتهر عنه شعر العبث بالناس أو
السخرية الجميلة، وسجل في شعره الكثير
من أغراضه الخاصة والعامة. وله قصيدة
عامرة جعلها في مائة وعشرين بيتاً
نظمها بمناسبة ولادة ابنه (حسين فيصل)،
وشرح هذه القصيدة وعلق عليها وجعل فيها
كل الآراء التي يريد لابنه أن يتخذها
وأن يتعلمها، وجعل هذا الشرح في رسالة
بعنوان (القول الصريح في الأدب الصحيح)
وهي لا تقف عند النصائح الجامدة وإنما
تضم معلومات شتى عن الفرق والمذاهب
والقدرية والسلفية والقضاء والقدر،
وما أصاب الأمة الإسلامية من ذلك كله
على مدى التاريخ، كما تضمنت آراء
سياسية واجتماعية شديدة الجرأة في
أيامه دفعت السلطة إلى الغضب من
مؤلفها، واضطرته إلى الهرب إلى حين هدأ
الحال. كما كتب رسائل عدة في الإصلاح،
ومقالات كثيرة نشرها في صحف حلب وبيروت
والقسطنطينية ودمشق حول موضوعات
مختلفة.
في صباح الثاني
عشر من كانون الثاني 1933، توفي الشيخ
كامل الغزي ودفن في حلب، وأقيمت
لتأبينه حفلة عظيمة عدد فيها الخطباء
مزاياه. قال فيه أديب حلب سامي الكيالي:
(شيخ تمثلت فيه طبيعة العلماء، وذوق
الأدباء، ونزعة المجددين، ووداعة
الظرفاء، وجمال الشيخوخة في فتوتها
الباسمة).
من
آثاره:
ـ مؤلف (نهر الذهب
في تاريخ حلب)، طبع منه ثلاث مجلدات من
أصل أربعة.
ـ (جلاء الظلمة في
حقوق أهل الذمة) مخطوط.
ـ (روضة الغناّء
في حقوق النساء)، مخطوط.
ـ (ديوان شعر)،
مخطوط.
وغير ذلك من
رسائل في الصرف والنحو والأدب.
المراجع:
ـ
(مصادر الدراسة الأدبية) يوسف أسعد
داغر، مكتبة لبنان، الطبعة الأولى 2000،
ص(966،967).
ـ
(الأعلام) خير الدين الزركلي، دارالعلم
للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة 1980،
الجزء الخامس، ص(217).
ـ
(قدماء ومعاصرون) د. سامي الدهان، دار
المعارف، مصر، 1961، ص(224ـ 234).
|