مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم السبت 20 / 12 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع |ـكتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحة اللقاء | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

رجال الشرق

الوزير الشاعر الأديب اللغوي أبو الفرج

 محمد فيضي بن المفتي محمد الطاهر أفندي بن المفتي محمد خالد أفندي بن المفتي أبي الفتح أفندي محمد الأتاسي

1317-1402 للهجرة=1899-1982م

علامة جيله من آل الأتاسي ومرجعهم الأول، كان من أساطين اللغة والقلم، ورجال السياسة.

نشأته ودراسته:

هو محمد فيضي بك بن مفتي حمص محمد طاهر أفندي بن مفتي حمص محمد خالد أفندي بن مفتي حمص محمد أبي الفتح أفندي بن مفتي حمص عبدالستار أفندي بن مفتي حمص ابراهيم أفندي بن مفتي حمص علي الصغير الأتاسي.  ولد فيضي الأتاسي عام 1315 للهجرة كما يدل عليه اسمه الكامل بحساب الجمل (أبو الفرج محمد فيضي) والموافق لعام 1898م في الكرك حيث كان والده العلامة محمد طاهر الأتاسي قاضيها، فشب في بيت علم عريق وبيت شرف، فهو من أسرة تولت مناصب الفتوى والقضاء في حمص وغيرها منذ القرن السادس عشر الميلادي (القرن العاشر الهجري)، وكانت قد انتقلت هذه الأسرة قبل حوالي خمسة قرون من اليمن إلى تركية ثم إلى حمص وكانت تعرف أولا بآل العطاسي ثم تحول اللقب إلى الأطاسي ثم أخيرا إلى الأتاسي، واستقرت بحمص وخرجت علماء كثيرين وردت تراجمهم في متون أشهر كتب التاريخ، نعرف منها سبعة عشر مفتيا تولوا الفتوى في حمص وطرابلس، وهي أسرة شريفة النسب تنتمي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما تدل الوثائق القديمة التي بحوزتها.  بذلك شب فيضي الأتاسي على قيم أخلاقية ودينية ثم أرسله والده إلى مدرسة (جَلَط سراي) في اسطنبول، فالتحق بالقسم الفرنسي، وكان يؤم تلك المدرسة آنذاك أولاد الأعيان والحكام في الدولة العثمانية لرقي العلوم ومدرسيها فيها.  ثم أكمل الأتاسي دراسته الثانوية في مدرسة الأباء البيض في القدس، وبعدها سافر إلى جنيف ليصبح طالب حقوق في جامعتها ولم يتجاوز عمره السادسة عشرة، إلا أن الحرب العالمية الأولى سرعان ما اشتعل وطيسها، فاضطر والده طاهر الأتاسي لأن يستدعيه إلى بلاد الشام، وهناك أكمل دراسته في جامعة دمشق، فأخذ دروسه في الحقوق عن الأستاذ فارس الخوري، كما أنه نال إجازة في العلوم السياسية بالإضافة إلى إجازته في الحقوق.  وحضر الأتاسي مجالس أبيه العلمية الأسبوعية، والتي كان يقصدها علماء بلاد الشام أنذاك لتدارس الأمور الشرعية الفقهية واللغة العربية، فكان نتاج ذلك أن خرج منها بعلم وافر في آداب اللغة العربية الأصيلة وعلوم الشريعة والفتوى.  وبعد أن أتقن الفرنسية والعربية والتركية إتقاناً كاملاً أضاف إليهم اللغة الإنجليزية والتي علم نفسه إياها حتى أجادها.

بدايات عمله السياسي:

بدأ الإستعمار الفرنسي بمغادرة الملك فيصل البلاد في 29 تموز 1920م.  وقد أرادت سلطة الإحتلال الفرنسي أن تقسم القطر السوري إلى دول عديدة، مستقلة عن بعضها البعض، بحسب طوائف ساكنيها، باثة بذلك الفرقة في صفوف السوريين وممهدة الطريق إلى انتداب طويل الأمد،  فأقرت حكومات لست دويلات: لبنان الكبير، دويلة دمشق، دويلة حلب، دويلة العلويين، دويلة الدروز، وسنجق الإسكندرونة.  وبدأ الفرنسيون يشيعون في كل دويلة أن سكان الدويلات الأخرى راغبون بالإستقلال بدويلتهم.  وكادت حيلة السلطات هذه تؤدي إلى انقسام مؤبد لو لم يتنبه لها السيد فيضي الأتاسي، فأتى بفكرة انتخاب ممثلين خمسة عن كل دويلة من الثلاث: دمشق، وحلب، والعلويين، يمثلون الشعب، ويشرفون على اقتراع يحدد رغبات المواطنين.  ولم تجد السلطات مفراً من الإذعان إلى هذا المطلب العادل والديمقراطي، فجرى الإنتخاب، وفاز عن دويلة حمص والد فيضي الأتاسي، العلامة طاهر الأتاسي، من ضمن الممثلين الخمسة، وقد استمر انعقاد هذا المجلس التمثيلي من كانون الأول عام 1922 وحتى كانون الثاني عام 1923م.  وتبين أن خيار السوريين على اختلاف طوائفهم كان في اتجاه الوحدة، وبذلك أنقذت فكرة العلامة فيضي الأتاسي سوريا من قسمة محتمة. 

بدأ فيضي الأتاسي عمله السياسي كمتصرف (محافظ) لحماة في منتصف العشرينيات من هذا القرن وأثناء قيام الثورة السورية عام 1925، ولما اندلعت ثورة حماة في أوائل عام 1928م رد الجيش الفرنسي المحتل بقصف المدينة بالمدافع والطائرات، فتقدمت سورية بالشكوى إلى عصبة الأمم في جنيف آنذاك، فما كان من المحتل الفرنسي المنتدب على سورية إلا أن كلف الأستاذ فيضي ليكتب تقريراً ممثلاً الطرف الفرنسي لرفعه لعصبة الأمم، ظناً منه، أي المحتل، أن متصرف حماة الأتاسي، والذي كان من أكثر أبناء البلاد ثقافة ومعرفة باللغة الفرنسية وتاريخها وآدابها، أميل إلى الجانب الفرنسي منه إلى جانب البلاد المنكوبة وأكثر تعاطفاً مع المحتل، فإذا بالتقرير يقرع بالسلطات ويفند مقالاتهم ويصف الغياهب التي ألمت بالمدينة والسكان من جراء القصف، على عكس مظنة السلطات الفرنسية، ولذا عُزل الأتاسي فوراً وصدر القرار بالقبض عليه، إلا أنه استطاع الهرب من حماة إلى حمص بمساعدة المرحوم الشريف نورس أفندي الكيلاني، وتوارى بعد ذلك عن الأنظار لمدة غير قصيرة إلى أن عين رئيساً لديوان المجلس التأسيسي للكتلة الوطنية التي ترأسها عم المترجم، فخامة الرئيس هاشم بك الأتاسي، وذلك في عام 1928. 

الأتاسي والمجلس النيابي:

ولما استقلت سوريا عن الفرنسيين انتخب السيد فيضي الأتاسي نائباً عن مدينة حمص في المجلس النيابي مرات عديدة فمثل أهلها في انتخابات أعوام 1947 و1949 و1954 و1961، فكان سادس النواب الأتاسيين في التاريخ السوري الحديث، وكثيراً ما شارك العلامة أقاربه من آل الأتاسي مقاعد المجلس.  ولما قام مجلس عام 1949 التأسيسي بوضع الدستور الجديد كان الأتاسي أحد المشتركين في ذلك الحدث، ثم انقلب ذلك المجلس التأسيسي مجلساً نيابياً.

ولما انفك حزب الكتلة الوطنية، ذلك الذي تزعمه عمه، كبير الوطنيين، هاشم الأتاسي، شارك العلامة الأتاسي وابن عمه الدكتور عدنان الأتاسي وآخرون من وجهاء الأتاسي في تأسيس حزب الشعب مع السيدين رشدي الكيخيا وناظم القدسي، ووقف هؤلاء في وجه الحزب الوطني بزعامة القوتلي وأصبح الأتاسي من أركان الحزب وزعمائه.  وكان فيضي الأتاسي خير ساعد لعمه هاشم الأتاسي، يعضده ويعينه في سياسته.

وفي تاريخ حياته النيابية اشترك العلامة الأتاسي في كثير من نشاطات المجلس ولجناته، فكان أحد أعضاء لجنة الشؤون السياسية والتي ضمت بالإضافة إليه في وقت من الأوقات عشرين عضواً كان منهم عبداللطيف اليونس وإحسان الجابري (وكان رئيس اللجنة) ومعروف الدواليبي وغيرهم من زعماء المجلس النيابي المرموقين، وشارك في وفود قامت بها اللجنة إلى بلاد عربية كالعراق والأردن لزيارة حكامها وأعضاء مجالس نيابتها.  كما انتمى العلامة الأتاسي للجنة الإقتصاد عندما شغل منصب النائب في الأعوام بين 1961م و1963م، والتي كان يرأسها الأستاذ أسعد الكوراني، وقد تم لهذه اللجنة أن درست مواضيع كثيرة تتعلق باقتصاد البلاد وأن نفذت مشاريع عديدة، وفي المجلس الذي انتخب عام 1961م كذلك انتخب الأتاسي رئيساً للجنة الشؤون الخارجية.

وفي أواخر آذار (مارس) وأوائل نيسان (إبريل) عام 1948م مثّل العلامة الأتاسي بلاده في المؤتمر البرلماني العالمي الذي انعقد في مدينة نيس الفرنسية وقد كان نائباً آنذاك، ثم اختارته بلاده رئيساً للوفد البرلماني السوري ثانية في عام 1962 ليمثلها في اجتماع الدول ذات النظام البرلماني المنعقد في البرازيل من 22 تشرين الأول (أكتوبر) إلى الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، وهناك ألقى على الملأ خطبة بلغة فرنسية عذبة فأعجب لها الحاضرون.      

الأتاسي والمجلس الوزاري:

و قد تولى فيضي الأتاسي وزارات كثيرة في تاريخ حياته السياسي الحافل حتى بلغ عددها خمس عشرة وزارة أنيطت به في إحدى عشرة حكومة، وقد قل أن تمتع غيره بحقائب وزارية بهذا التنوع والكثرة.  إذ أصبح وزيراً للمعارف في إيلول عام 1941م في حكومة حسن الحكيم في عهد الرئيس الشيخ تاج الدين الحسني، ثم عين لنفس الوزارة في نيسان عام 1942م في حكومة حسني البرازي، ثم وزيراً للعدل والمعارف والشؤوون الإجتماعية في 25 آذار 1943م في حكومة السيد عطا الأيوبي والذي ترأس الدولة بالإضافة إلى المجلس الوزاري، ثم وزيراً للمعارف والصحة والشؤون الإجتماعية في 17 نيسان 1949 في حكومة حسني الزعيم والذي كان متولياً لمهام رئاسة الدولة كذلك، ثم وزيراً للإقتصاد الوطني في 15 آب 1949 في حكومة عمه هاشم الأتاسي الإنتقالية والتي تشكلت إثر إنقلاب الحناوي على الزعيم، ثم وزيراً للدفاع والإقتصاد الوطني في 24 كانون الأول 1949 في حكومة السيد ناظم القدسي في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، ثم وزيراً للعدل في 27 كانون الأول من نفس العام في حكومة خالد العظم، ثم سمي وزيراً للداخلية في 23 آذار 1951م في حكومة القدسي، ثم للخارجية في آب 1951م في حكومة حسن الحكيم، ثم وزيراً للخارجية في غرة آذار 1954 في حكومة صبري العسلي في العهد الرئاسي الرابع لهاشم الأتاسي، وأخيراً عُيين وزيراً للخارجية في 29 تشرين الأول 1954 في حكومة فارس الخوري.

وقد كان للعلامة الأتاسي صولة وجولة في المجلس الوزاري، يشهد له معاصروه بقوة أسلوبه وتميزه، فكان يلقي خطباً مفوهة أمام الوزراء والنواب ويدلي بآرائه للصحف فيؤثر في السياسة ويضفي عليها طابعه، وله في ذلك مفارقات ومواقف يذكرها المؤرخون والمعاصرون، ومن ذلك كتاب استقالته الشهير من وزارة خالد العظم، والذي أبى إلا أن يستفرد بالسياسة الخارجية لنفسه دون مشاركة باقي وزرائه فيها.

وقد اشترك العلامة الأتاسي مرات عديدة في وفود إلى بلاد عربية بصفته أحد أعضاء المجلس الوزاري السوري، ففي 23 آذار من عام 1949م كان الأتاسي أحد أعضاء الوفد السوري إلى الجامعة العربية، والذي ضم بالإضافة إليه السيد معروف الدواليبي وخالد العظم، رئيس المجلس آنها. 

ومثل  الأتاسي سوريا بصفته وزير خارجيتها في وفد ترأسه الأستاذ العلامة فارس الخوري، رئيس مجلس الوزراء السوري آنذاك، وكان ذلك في اجتماع لزعماء الدول العربية في القاهرة في 22 كانون الثاني (يناير) عام 1955م، والذي عقد لبحث قضية "حلف بغداد"، وقد توافد إلى العاصمة المصرية الصلح من لبنان، وتوفيق أبو الهدى من الأردن، والأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عن المملكة العربية السعودية.  وفي نهاية الإجتماعات اختير الأتاسي في وفد إلى بغداد ليجتمع بنوري السعيد لنقاش ذلك الحلف، ثم مثل الأتاسي سوريا ثانية في القاهرة في شباط (فبراير) من العام ذاته لمتابعة بحث حلف بغداد.

وبالإضافة إلى تولي الأتاسي هذه الوزارات المختلفة فإنه سُمّي رئيساً للوزراء عام 1949م،  ففي آذارمن ذلك العام قام الزعيم حسني الزعيم بالإنقلاب الأول على الرئيس القوتلي، ثم أصدر الزعيم مرسوماً على إثره في 14 نيسان 1949م بتعيين فيضي الأتاسي رئيساً للمجلس الوزاري، وقبل الأتاسي بمهمة تشكيل الوزارة الجديدة دفعاً للحرج عن البلاد وحتى لا تبق بأيد العسكريين وحدهم يتحكمون بها.  ولكن تشكيل هذه الوزارة لم يتم لأن الأحزاب السياسية كانت متخوفة من العمل مع صاحب الإنقلاب الجديد، وبالأخص أنه كان الإنقلاب الأول من نوعه في تاريخ سوريا الحديث، إذ لم يسبق للجيش أن سيطر على مقاليد السلطة من قبل، ومن جانب آخر توالت طلبات حسني الزعيم على الأتاسي أن يترك له الاستئثار بوزارات الدفاع والداخلية والخارجية، فلما اعترض الأتاسي على ذلك قام حسني الزعيم بتشكيل الوزارة بنفسه.

وبالإضافة إلى ذلك كان الأتاسي من المؤسسين لفرع محافظة حمص من منظمة الهلال الأحمر السوري حينما اجتمع رهط من رجالات حمص عام 1946م لهذا الغرض، وانتخب أول رئيس لفرع حمص ذلك العام وحتى عام 1949م. هذا، وقد ترأس الأتاسي في أواخر الأربعينات وفد الهلال الأحمر السوري إلى افريقيا ممثلاً بلاده في وفد ضم أيضاً الدكتور يحيى الشماع وغيرهما.  وفي عام 2000 أصدرت منظمة الهلال الأحمر بحمص شكراً لعائلة المرحوم فيضي الأتاسي لوضعه اللبنة الأولى لذلك الفرع في إطار إصدارها لكتاب "منظمة الهلال الأحمر العربي السوري فرع حمص: خمسون عاماً من البذل والعطاء"، و كتاب الشكر موجود لدي.

الأتاسي رائداً للأدب السياسي والصحافة الناقدة:

وقد أنشأ الأستاذ فيضي الأتاسي جريدة "السوري الجديد" في حمص بعد أن اشترى حقوقها من الوزير السابق توفيق الشامي عام 1948م، وكانت صحيفة صغيرة فحولها إلى إحدى أكثر الصحف انتشاراً، وتولى هو التعليق على السياسة المعاصرة بأسلوبه البليغ وكلماته النافذة، فكان لهذه الجريدة أن انتشرت انتشاراً شديداً في أنحاء البلاد وخارجها حتى أن نسخها كانت تنفذ في الصباح المبكر من شدة الطلب، وأخذت الجريدة تسرد الأخبار السياسية كما كانت تحدث وتكشف الملابسات التي كانت تقع من صانعي القرار السوري.

ولم تفتر همة العلامة الأتاسي في إصدار جريدته معبراً فيها عن قريحته وحتى بعد وقوع إنقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19 كانون الأول عام 1949م والذي أحكم قبضته على السلطة لاغياً الحياة الديمقراطية والدستورية، ومسكتاً الأصوات المنددة بحكمه الحديدي بالقبض على صاحبيها ومنعهم من إبداء آرائهم.

الأتاسي ومعاناته في سبيل سياسته:

كأسلافه كان للأتاسي حظ من الإعتقال والسجن، وكان ذلك في سبيل الحفاظ على حرية الرأي ودعم حق التعدد السياسي، وقد مر علينا آنفاً قرار السلطات الفرنسية المحتلة القبض عليه لما ندد بتقريره إلى الأمم المتحدة بأفاعيلها عام 1928، إلا أن الأتاسي استطاع تلافي الإعتقال بالإختباء عن الأنظار.  وفي عام 1949 وافق الأتاسي على منصب وزارة المعارف والصحة والشؤون الإجتماعية التي عهد إليه بها صاحب الإنقلاب الأول، حسني الزعيم، إلا أنه لما رأى الزعيم يرنو إلى الإستفراد بالحكم والعمل على تحكيم سيطرة الجيش، وكذلك ابتعاده عن سياسية التقرب من الحكم الهاشمي في العراق استقال الأتاسي معترضاً، فما كان من الزعيم إلا أن اعتقله ومعه ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وميشيل عفلق، ولم يطل الأمر بالزعيم حتى وقع عليه انقلاب الحناوي في آب (أغسطس) فأعدم الزعيم ورئيس وزرائه البرازي، ثم عقد اجتماع في دار الأركان لبحث الموقف وتشكيل الحكومة الجديدة الانتقالية حضره زعماء البلاد كهاشم بك الأتاسي، وفيضي الأتاسي، وفارس الخوري، ومصطفى برمدا، ورشدي الكيخيا، وناظم القدسي، ومنير العجلاني، وصلاح البيطار، وسامي كبارة، وزكي الخطيب، والأمير حسن الأطرش، ومعروف الدواليبي، وأكرم الحوراني، والأمير فاعور، وعبدالقادر الأسود، وهاني السباعي، وحسن الحكيم، وعبدالرحمن العظم، وأحمد قنبر، وعبدالوهاب حومد، وميشيل عفلق، وصبحي العمري، وفهمي المحايري، ومحمود الشقفة، وعيسى السرياني، ومحمد السراج، وفريد أرسلانيان، ومحمد محمود دياب، ومحمد المفلح، ولطيف غنيمة، وتباحث هؤلاء بأمر الدولة، ثم عقدوا أمرهم على تأليف لجنة تتولة دراسة حال البلاد وتضع خطة لإعادة الحكم الدستوري، فاختير هاشم بك الأتاسي، وفيضي الأتاسي، وفارس الخوري، وناظم القدسي، ورشدي الكيخيا، ومصطفى برمدا، وسامي كبارة ونبيه العظمة، وحسن الأطرش، وميشيل عفلق أعضاءً لهذه اللجنة، وقامت اللجنة بالنظر في شؤون الدولة وقررت تكليف هاشم بك الأتاسي بتأليف وزارة مؤقته لإعادة الحياة الدستورية إلى البلاد، دخل فيها المترجم وزيرا للاقتصاد.

ثم وقع انقلاب الشيشكلي بعد انتخاب هاشم بك رئيسا للجمهورية في كانون الأول عام 1949، وفي الرابع من تموز عام 1953م اجتمع المعارضون لحكم الشيشكلي في منزل هاشم الأتاسي، ومن هؤلاء زعماء الحزب الوطني وحزب الشعب وحزب البعث وزعماء جبل العرب وغيرهم، وكان المترجم أحد المؤتمرين، وأحد الموقعين على الميثاق الوطني الذي تقرر فيه عدم الإعتراف بنظام الشيشكلي ومقاطعة انتخاباته.  فأبدى الشيشكلي سياسة القمع وقام باعتقال الأتاسي وغيره من الزعماء والنواب والرؤساء، ومن هؤلاء كان عدنان الأتاسي، ورشدي الكيخيا، وصبري العسلي، والأمير حسن الأطرش، ومنصور الأطرش، وعلي البوظو، وعبدالوهاب حومد، وميشيل عفلق، وصلاح البيطار، وأكرم الحوراني، ومنير العجلاني، ورزق الله الأنطاكي، وغيرهم، فزج الشيشكلي بزعماء سوريا الأحرار هؤلاء السجن المزي في 24 كانون الثاني (يناير) عام 1954م، ولكنه سرعان ما اضطر أن يترك الحكم إثر انقلاب العقيد فيصل الأتاسي في شباط (فبراير) من العام ذاته وقيام ثورة الجبل، وتم الإفراج عن المعتقلين.

وفي أواخر عام 1956م، وقد استتب للعسكريين التحكم بالدولة السورية، اتهم العلامة الأتاسي بالإشتراك بمؤامرة "حلف بغداد" والتي كان قد عقدته مملكة العراق الهاشمية بتدبير رئيس وزرائها، نوري السعيد، مع كل من بريطانيا وأمريكا وتركيا وإيران وباكستان، ودبر له الظالم السفاح عبدالحميد السراج تهمة محاولة الانقلاب، وأصدر العقيد عفيف البزري، وقد كان رئيس المحكمة العسكرية، قراراً باعتقال المترجم وابن عمه عدنان الأتاسي والسيد منير العجلاني وصبحي العمري وسامي كبارة واتهامهم بمحاولتهم ضم سوريا إلى الحلف وإخضاعها لسلطان العرش الهاشمي، وتم محاكمة الأتاسي غيابياً، والذي كان خارج البلاد، ثم برئت ساحته لعدم توفر الأدلة، وعاد الأتاسي إلى بلاده واشترك في التصويت للوحدة مع مصر.  وقد اضطر الأتاسي بعد ذلك إلى أن يلزم بيته وأسرته في حمص وقد ترصد له أعداء الحرية وناصروا الحكم التعسفي ومنعوه من مزاولة مهنته السياسية، وحتى عام 1961 حين تم انتخابه للمجلس النيابي للمرة الرابعة، دالاً على حب مواطنيه له ولسياسته النزيهة وزعامته الشريفة مهما نزلت به النوازل وحاك له المتؤامرون العقبات والإتهامات.

وفي 28 آذار عام 1962م زار الأتاسي سجن المزة مرة ثالثة بعد وقوع الانقلاب الثاني تالياً انقلاب الإنفصال، وقد كان هذا الإنقلاب بقيادة عبدالكريم النحلاوي، قائد الانقلاب الإنفصالي في 28 إيلول 1961م، واللواء عبدالكريم زهر الدين، إلا أن اجتماعاً في حمص لبعض قيادات الجيش في 28 آذار عام 1962م أبعدت الأول وجعلت من الثاني الآمر الناهي.  ولما سيطر العسكريون على زمام الأمور نحوا الرئيس ناظم القدسي وأخذوا يعتقلون السياسيين المدنيين، فوجد الأتاسي نفسه في السجن مع خالد العظم ومعروف الدواليبي ولطفي الحفار وصبري العسلي وأحمد قنبر ومحمد عابدين وعدنان القوتلي وغيرهم من نواب ووزراء، حتى أن رئيس البلاد نفسه، السيد ناظم القدسي، كان قد اعتقل وأودع سجن المزة.  ولكن الضباط سارعوا بالإفراج عن هؤلاء عندما قرروا إعادة القدسي إلى منصبه شرط أن يبدل حكومته بأخرى جديدة، وحصلوا على تواقيع المعتقلين بذلك في 13 نيسان من ذلك العام.

الأتاسي أديباً وشاعراً:

لم يكن الأتاسي يعمل قريحته الأدبية في أمور السياسة فحسب، بل كان من الشعراء الناظمين، له بذلك إقرار من شعراء عصرهم الأعظمين، إذا عُد أدباء البلاد كان فيهم من الصفوة، وفي شعره تمكن وتحكم وقوة.

هذا، وقد عرضت على العلامة الأتاسي فتوى الديار الحمصية بعد وفاة الشيخ توفيق أفندي الأتاسي، وهو منصب أبي المترجم وجده، وكل أسلافه الذين يصلونه بالجد الأعلى لآل الأتاسي، أحمد الأول، إذ كان المترجم قد أخذ علوم الدين والشريعة عن أبيه علامة بلاده الأكبر، طاهر الأتاسي، فأباها الأتاسي لتفرغه للسياسة، وآلت الفتوى الحمصية إلى الشيخ بدر الدين الأتاسي.

اعتزل فيضي بن طاهر الأتاسي السياسة في منتصف الستينات وهو منها متمكن وعليها قادر، وقد كان لترويضها المثال النادر، وعاد إلى حمص فكان بين أسرته وأصدقائه، واستغل خلو الجو ولذة صفائه، فتفرغ لقراءة الكتب، وقد خط بقلمه على القصاصات بيوت شعر، لم يكتب لها أن تُجمع فتُطبع أو تُنشر. وظل الأتاسي في حمص يزور منازل أولاده ومضارب أسباطه وأحفاده، ويتمتع برؤية فلذات أكباده، حتى ذابت ثلوج جباله، وخف عن عيادة مساقط الحياة نفحُ إقباله، وقد أثر فيها بخيرة فِعاله، وتَوّجَها بإكليل نضاله، وأكثر فيها من صادق أعماله وأقواله، فتوفاه الله في تشرين الثاني عام 1982م، رحمه الله وأدخله خالد جنانه.

المصادر:

1)    العطري، عبدالغني-حديث العبقريات-دار البشائر، دمشق-1421 للهجرة (2000م).

2)    سلامة، فائز-أعلام العرب في السياسة والأدب-مطبعة ابن زيدون، دمشق-1935.

3)    قدامة، أحمد-معالم وأعلام، القسم الأول: القطر السوري-مطبعة ألف باء-الأديب، دمشق-1965.

4)    البواب، سليمان سليم-موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين-المنارة-الطبعة الأولى، 1410 (1999-2000م).

5)    فارس، جورج-من هو في سورية 1949-الوكالة العربية للنشر والدعاية في سورية، مطبعة ألف باء، دمشق-1949.

6)    فارس، جورج-من هو في سورية 1951-مكتب الدراسات العربية السورية، مطبعة العلوم والأداب هشامس إخوان، دمشق-1951.

7)    أمين، فوزي-وجوه-جريدة النقاد، دمشق-1950م.

8)    أسعد، منيرالخوري عيسى- تاريخ حمص-مطرانية حمص الأرثوذكسية-الطبعة الأولى، 1984م.

9)    رضا، علي-سوريا من الإستقلال حتى الوحدة المباركة: 1946-1958م-مطبعة شيك بلوك، حلب.

10)    المدني، د. سليمان-هؤلاء حكموا سورية: 1918-1970-دار الأنوار-الطبعة الثالثة، 1998م.

11)    بشور، وديع-سوريا: صنع دولة وولادة أمة-مطبعة اليازجي، دمشق-الطبعة الأولى، 1996م.

12)    اليونس، الدكتور عبداللطيف-مذكرات الدكتور عبداللطيف اليونس-مطابع دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1992م

13)    العظم، خالد محمد فوزي باشا-مذكرات خالد العظم (تحقيق محمد المدني)-الدار المتحدة للنشر، بيروت-الطبعة الثانية، 1973.

14)    أرسلان، الأمير عادل-مذكرات الأمير عادل أرسلان (المستدرك-1948)، تحقيق الدكتور يوسف إيبش-الدار التقدمية للنشر، بيروت-الطبعة الأولى، 1994م.

15)    فنصة، بشير-النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الإنقلابات العسكرية السورية: 1949-1958م-دار يعرب للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق-الطبعة الأولى، 1996م.

16)    الحكيم، يوسف-سوريا والإنتداب الفرنسي-دار النهار للنشر، بيروت-1983م.

17)    بابيل، نصوح-صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين-رياض الريس للكتب والنشر، بيروت لبنان-الطبعة الثانية، 2001.

18)    طلاس، العماد مصطفى-مرآة حياتي-دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق-الطبعة الثانية، 1995م

19)    Whos Who in the Arab World, Les Editions Publitec, Beirut.

20)    Seale, Patrick-The Struggle for Syria: A Study of Post War Arab Politics 1945-1958-Yale University Press-1987.

21)    Al-Akhrass, Safouh-Revolutionary Change and Modernization in The Arab World: A Case Study From Syria-Damascus, Syria

22)    Shimoni, Yaacov-Political Dictionary of The Arab World-MacMillan Publishing Company, New York-1987.

23)    جريدة الخليج

24)    جريدة الأهرام

السابق

 

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |
ـ