الشيخ
محمد الحامد
هو
محمد بن محمود الحامد، ولد عام 1910 في
مدينة حماة، وعاش في بيئة علم ودين
وأدب. أبوه الشيخ محمود الحامد كان
عالماً متصوفاً أديباً، تلقى التصوف
على الشيخ عبد الفتاح العبد فكان شيخ
الطريقة النقشبندية بحماة ومن
الصالحين الجامعين على الله. أما
والدته فهي من بيت اشتهر بالعلم
والشعر، وخاله الشيخ سعيد الجابي من
العلماء المشهورين، وجده لأمه الشيخ
مصطفى الجابي عالم وشاعر.
نشأ
محمد الحامد منذ نعومة أظفاره ميالاً
إلى التدين والأدب، يألف المساجد
ويحضر دروس العلماء. مات أبوه وأمه وهو
لم يتجاوز السادسة من عمره، فعاش سني
طفولته يتيماً يتولى أمره أخوه بدر
الدين الذي أدخله المدرسة الابتدائية،
وأيقظ فيه روح الجد لما كان يرى فيه من
مخايل الذكاء. فأنهى دراسته
الابتدائية بتفوق سنة 1922، ولما شب اتجه
للدراسة في مدرسة دار العلوم الشرعية
في حماة، وفيها تحدد مستقبله العلمي
الشرعي الذي يطمح إليه، وظهرت عملياً
إمكاناته الفكرية الهائلة، وقد تأثر
في هذه المدرسة بخاله الشيخ محمد سعيد
الجابي المدرس العام في حماة، والشيخ
محمد سعيد النعساني مفتى حماة، والشيخ
أحمد المراد أمين الإفتاء والذي صاهره
فيما بعد.
بعد
أن نال محمد الحامد شهادة دار العلوم
الشرعية بدرجة ممتازة عام 1928، قصد حلب
والتحق بكليتها الشرعية التي تدعى (المدرسة
الخسروية)، وكانت تعتبر في ذلك الوقت
أرقى المدارس الشرعية في بلاد الشام،
فالتدريس فيها مناط بنخبة من العلماء
الكبار منهم الشيخ أحمد الزرقا وأحمد
الكردي وعيسى البيانوني وإبراهيم
السلقيني وغيرهم، فضلاً عن المناهج
الواسعة التي كانت تدرس فيها. وفي هذه
المدرسة ظهرت شخصية محمد الحامد
العلمية بين أقرانه وحتى بين شيوخه،
وقد وصفه الشيخ أحمد الشماع ـ وهو أحد
شيوخه في المدرسة ـ قائلاً (بحر علم لا
تنزحه الدلاء) ولم يكن يكتفي بدروس
المدرسة، بل كان يحرص على شهود الدروس
العلمية التي تلقى في مساجد حلب، إذ
كان يداوم على دروس عالم حلب الكبير
الشيخ نجيب سراج الدين، هذا إلى جانب
مطالعته للكثير من المصنفات.
عاد
محمد الحامد إلى حماة عام 1935، بعد
تخرجه من المدرسة الخسروية بتفوق، ولم
تطل فترة استقراره فيها، فقد رحل عنها
سنة 1938 ملتحقاً بالأزهر الشريف، ورغم
قصر مدة إقامته في حماة بعد التخرج من
الخسروية فقد كانت ذات أهمية كبرى في
حياته حيث أثبت مكانته العلمية فجذب
أنظار علماء بلده إليه حتى أنهم حملوه
على استلام بعض المناصب الدينية. لم
ينقطع محمد الحامد عن الدراسة
العلمية، فقد كان دائب المطالعة، يحضر
الحلقات العلمية ويقوم بالتدريس في
جامع الأشقر ومن بعده الجامع الجديد ثم
جامع السلطان الذي كان المركز الرئيسي
لجهوده التعليمية.
في
عام 1938 انتقل محمد الحامد إلى مصر،
وانتسب إلى الأزهر الشريف ليتمم
دراسته العالية فيه، وهناك تعرف على
الشهيد حسن البنا وتحولت هذه المعرفة
إلى علاقة قوية بينهما، كما التقى
بالعالم الكبير زاهد الكوثري والشيخ
مصطفى الحمامي، وكان هؤلاء من خارج
الأزهر استفاد الشيخ محمد الحامد من
الأزهر طريقة تحقيق المسائل وتدقيقها،
والمنهجية العلمية في البحث
والاستنباط وهو أمر ظاهر في آثاره
العلمية وفي أجوبته الفقهية، وكان
زملاؤه في الدراسة يدهشون من كثرة
معلوماته وغزارة محفوظاته، وخاصة في
الأحكام الفقهية، حتى إن الشيخ مصطفى
السباعي وكان زميله في الدراسة كثيراً
ما يقول له: (إنك مدهش، من أين لك معرفة
كل هذه الأحكام).
لما
أنهى الشيخ الحامد دراسته العالية
بتفوق، طُلب منه أن يدخل قسم التخصص (العالمية)،
ولكنه أبى وآثر العودة إلى بلده، لأنه
ملّ الدراسات المقيدة ذات الصبغة
المدرسية المحدودة. وآثر القيام
بواجبه في عملية الدعوة والإصلاح
الديني في بلده.
بعد
عودة الشيخ محمد الحامد إلى حماة عام
1942 بدأ عمله مدرساً في ملاك وزارة
التربية والتعليم لمادة الديانة
والعربية وبقي في عمله هذا دون انقطاع
حتى أجهده المرض.
حين
عاد الشيخ إلى حماة كانت البلاد في
ذروة جهادها الوطني من أجل الحصول على
الاستقلال، فضم صوته إلى أصوات
المطالبين بالاستقلال، وكان يذكي
بخطبه الحماسية جذوة النضال والجهاد
في قلوب المواطنين، داعياً إلى الثورة
المسلحة ضد الفرنسيين.
عندما
استقلت سورية، أدرك الشيخ محمد الحامد
أن الأمة أصبحت على مفترق الطرق، فقد
ظهرت فيها دعوات مختلفة الاتجاهات
تدعو إلى العقائد والأفكار المستوردة،
كما تدعو إلى الميوعة والتحلل من
التكاليف الدينية، ونشر الفساد في
البنية العامة للمجتمع. فوقف الشيخ في
وجه هذه التيارات من أجل الحفاظ على
عقيدة الأمة وذاتيتها المستقلة.
ولما
وقعت مأساة فلسطين عام 1948، دعا الشيخ
محمد الحامد إلى الخروج إلى الجهاد،
وأراد أن يخرج بنفسه، ولكن كبار
العلماء أشاروا عليه بالبقاء لحاجة
المدينة إليه، ولكثرة عدد المجاهدين،
فانضم إلى اللجان المشكلة لأجل مساعدة
اللاجئين ومواساتهم، وجمع المعونات
المادية لهم، وكان يطوف على الناس
بنفسه لهذا الغرض. ولقد استحوذت قضية
فلسطين على اهتمامه فخصص لها الكثير من
خطبه المنبرية، وكتب عنها عدداً من
المقالات في الصحف والمجلات.
وفي
عام 1956 وأثناء الاعتداء الثلاثي على
مصر، انضم الشيخ إلى صفوف المقاومين
الشعبيين، وحمل السلاح بنفسه، وكان
يخرج على رأس إحدى المجموعات إلى حقول
التدريب.
ولما
وقعت نكسة حزيران عام 1967 أخذ الشيخ يشد
من عزيمة الناس ويعمل على تقوية
معنوياتهم ويدعوهم إلى التدريب على
استعمال السلاح، وقد عُين عضواً في
اللجان المشكلة حينئذ لتنظيم الدفاع
عن البلد، كما قام بدعوة لجان من
الأحياء المختلفة بواسطة جمعية
العلماء لمساعدة المحتاجين وأسر
المجاهدين.
وكان
الشيخ في إصلاحه الاجتماعي ومعارضته
السياسية يحرص على السلم والأمن،
ويتجنب إثارة الفتن والفوضى لئلا يؤدي
ذلك إلى فساد أكبر ومنكر أعظم. وكان
كثيراً ما يردد: (نحن عنصر سلام، وأينما
حللنا حل السلام. لا نريد الشر لأحد من
الناس، ونتمنى أن يخلق الله الخير على
يد أي إنسان). كان المسجد وسيلة اتصاله
بالناس، يلتقي بهم كل جمعة في خطبه
المنبرية التي يتناول فيها الموضوعات
المهمة والساخنة. بعضها في العقيدة
وبعضها في عرض مسائل علمية يحتاج الناس
إليها وبعضها في حاضر العالم الإسلامي
وقضاياه.
كان
الشيخ رحمه الله رجل المواقف الصعبة في
حماة، قوالاً للحق صداعاً به لا يخاف
في الله لومة لائم. تشهد له المدينة
وأهلها بل أبناء سورية أجمع بأنه
الجريء بالحق الذي تصدى في أكثر من
موقف في وجه الطغيان والاستبداد
واستنقذ بمواقفه الجريئة تلك الكثير
من أبناء حماة من براثن الطغاة ولم يكن
موقفه يوم قرر بعض العسكريين استباحة
مدينة حماة في أوائل الستينات بسر.
كما
كان الشيخ مع العلم والفقه والحكمة
والجرأة مربياً فذاً يجمع القلوب عليه
ويوحد الكلمة ويقود جماهير المدينة
بعلمه وإرشاده ولا يكاد يمر أسبوع دون
أن يكون في حلقة الشيخ تائب يتوب من
معصية، أو مبتدع يقلع عن بدعته أو صاحب
هوى يلقي بمقاليد قلبه بين يدي الشيخ
الجليل وكان الشيخ بمثابة الأب الحاني
بالنسبة لكل من قصده أو طرق بابه لحاجة
من حوائج الدنيا والآخرة.
الشيخ
محمد الحامد شاعر موهوب، كان للوراثة
والبيئة أثر كبير في تكوينه الشعري،
فكان جده لأمه شاعراً، وكان أخوه بدر
الدين شاعراً قوياً واشتهر بقصائده
الوطنية أيام الاحتلال الفرنسي لسورية.
كما كان للبيئة التي عاش فيها أثر واضح
في شعره، إذ أكسبته المناظر الطبيعية
الجميلة في حماة حساً شعرياً وذوقاً
سليماً، كما أن تغربه للدراسة في حلب
ومصر كان حافزاً لقول الشعر وخاصة في
الحنين، وقد نظم الشيخ الحامد شعره في
أغراض كثيرة... في المديح والاستغفار
والتوسل والتصوف الرفيع وفي الوصف
والحنين والرثاء وفي الدعابة الأدبية.
الشيخ
محمد الحامد كما وصفه عبد الحميد طهماز
أحد تلامذته: (كان حاداً على من خالف
الشرع والأدب، صديقي الرقة، عُمَري
الحدة، يتحرى الصدق في أقواله وأفعاله
وأحواله، كان عليماً بزمانه، ينزل
الناس منازلهم، ويخاطبهم على قدر
عقولهم، شديد الملاحظة في كل شيء. كان
قوي الفراسة، صادق الكشف، يكاد يحدثك
بخبيئة نفسك، يدخل إلى الناس من زوايا
الخير فيهم، وينميها لهم، ولا يقابل
أحداً بما يكره، يقيل عثراتهم ويسارع
في حاجاتهم).
أصيب
الشيخ محمد الحامد وهو في خضم أعماله
بمرض في الكبد لم يمهله طويلاً وتوفي
يوم الاثنين من شهر أيار عام 1969. وكان
يوم وفاته يوماً مشهوداً خرج فيه آلاف
الناس من أبناء سورية لتشييع جثمانه،
وصلي عليه في جامع السلطان ودفن في
حماة.
أما
مؤلفاته فالمطبوع منها من الكتب ما يلي:
ـ
نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام.
ـ
ردود على أباطيل. وهو كتاب ضخم، طبع
الجزء الأول منه وهو مجموعة رسائل
فقهية، بعضها طويل وبعضها متوسط،
ومجموعة أسئلة فقهية وأجوبتها.
ـ
كتاب في تحريم نكاح المتعة في الإسلام.
والمطبوع
من الرسائل:
ـ
حكم الإسلام في الغناء.
ـ
رحمة الإسلام للنساء.
ـ
آدم لم يؤمر باطناً بالأكل من الشجرة.
ـ
القول في المسكرات وتحريمها من
الناحية الفقهية.
ـ
حكم اللحية في الإسلام.
ـ
التدارك المعتبر لبعض ما في كتاب
القضاء والقدر.
ـ
بدعة زيادة التنويرات في المساجد
ليالي رمضان وغيرها.
ـ
لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى
الدينية.
ـ
حكم مصافحة المرأة الأجنبية.
وأما
الذي لم يطبع بعد فهو:
ـ
القسم الثاني والثالث من كتاب الردود.
ـ
تعليقات وحواش على كتاب الهدية
العلائية لم يتمه رحمه الله تعالى.
ـ
تعليقات وحواش على كتاب تبيين الحقائق
شرح كنز الدقائق للزيلعي. لم يتمه
أيضاً.
المراجع:
ـ
(العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد)،
عبد الحميد طهماز، دارالقلم، بيروت،
الطبعة الأولى 1971.
ـ
(معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين)،
أحمد الجدع، دار الضياء، الطبعة
الأولى 1999، ص(49ـ57).
|