الشيخ
عز الدين القسام
ولد
عز الدين القسام في بلدة (جبلة) التابعة
لقضاء اللاذقية في سورية عام 1882، نشأ
في أسرة ريفية عرفت بالعلم والتقوى،
أبوه الشيخ عبد القادر مصطفى القسام من
المشتغلين بعلوم الشريعة الإسلامية،
وأمه حليمة قصاب من عائلة علم ودين.
كان
أبوه من المهتمين بنشر العلم، حيث درّس
في كُتّاب القرية القرآن الكريم
والعربية والخط والحساب وبث روح
الجهاد بتعليم الأناشيد الدينية
والحماسية، ثم عمل لفترة مستنطقاً في
المحكمة الشرعية.
تعلم
عز الدين في كتاب البلدة القراءة
والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وتميز
بنبوغه وتفوقه على أقرانه وامتاز
بميله للتأمل وطول التفكير.
بعد
تفوقه في دراسته في الكتاب، التحق عز
الدين للدراسة في الأزهر في مصر، فقد
كان الأزهر في ذلك الوقت منارة كبرى
لنشر علوم الشريعة والعربية، فحضر
دروس الشيخ محمد عبده، وارتوت نفسه من
علمه وفهمه. كما تتلمذ على معظم حلقات
الأزهر، واعتكف في أروقة مكتباته،
وكان يرافق اهتمامه بدروس العلم
اهتمام آخر بحركات التحرر التي كان
يغذيها رجال الأزهر، ففهم عز الدين أن
الإسلام دين عز وقوة وتحرر وجهاد.
تعرف
القسام في مصر على الاستعمار الغربي
وجهاً لوجه، حيث كانت مصر خاضعة
للاحتلال البريطاني المباشر بعد ثورة
عرابي عام 1882، وكان فيها تيار المقاومة
الإسلامي للاحتلال قوياً، كما رأى
القسام هجوم المفكرين المتغربين على
الإسلام فكراً وحضارة وتاريخاً، وعايش
بنفسه الصراع الدائر بين هؤلاء وبين
المفكرين الإسلاميين، كما تعرف في مصر
على المشروع الصهيوني بأبعاده، وأدرك
خطره على الأمة الإسلامية، وأنه وليد
الاستعمار الغربي، وسمع عن تطلعات
الصهاينة وأطماعهم في فلسطين. وبين مدرسة الشيخ محمد
عبده ومدرسة الشيخ رشيد رضا الشامي
المقيم في مصر اتضح أمام عيني الشيخ عز
الدين القسام الجهاد وسيلة للدفاع عن
حقوق الأمة وللعودة بها إلى سابق مجدها.
عاد
القسام إلى جبلة عام 1906 بعد أن قضى عشر
سنوات في الدراسة في الأزهر، بعدها حصل
على شهادة الأهلية، ومن ثم قام برحلة
إلى تركيا للإطلاع على طرق التدريس في
جوامعها، وبعد عودته عكف على التدريس
في زاوية والده، في جامع السلطان بن
أدهم قطب الزاهدين. كما أخذ القسام دور
والده في تدريس أطفال البلدة قواعد
القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن
الكريم، وبعض العلوم الحديثة، وتولى
خطبة الجمعة في مسجد المنصوري الذي
يتوسط البلدة، وغدا بخطبه ودروسه
وسلوكه موضع احترام الناس، وامتدت
شهرته وسمعته الحسنة إلى المناطق
المجاورة فقدم الإسلام بفهمه الواسع
الطلق، وربطته بكثير من المواطنين
صداقات متينة، فكثر أتباعه، وعظم
شأنه، وذاع صيته.
لماّ
دخلت القوات الإيطالية طرابلس الغرب (ليبيا)
عام 1911، قاد القسام مظاهرة طافت شوارع
جبلة تأييداً للمسلمين هناك، ودعا
الناس إلى التطوع لقتال الطليان،
وجَمع التبرعات للأسر المنكوبة، إلا
أن السلطات التركية منعته ورفاقه
المتطوعين من السفر إلى ليبيا، فعادوا
بعد أربعين يوماً من الانتظار، وبنوا
مدرسة بمال المتبرعين لتعليم الأمّيين.
وعندما دخلت
القوات الفرنسية سورية عام 1920، رفع
القسام راية المقاومة ضد المستعمرين
الفرنسيين في الساحل الشمالي لسورية،
وكان في طليعة المجاهدين الذين حملوا
السلاح في الثورة (1919ـ 1920) مع المرحوم
عمر البيطار، فقد ترك قريته على
الساحل، وباع بيته ـ وهو كل ما يملك ـ
واشترى أربعاً وعشرين بندقية، وانتقل
بأسرته إلى قرية جبلية ذات موقع حصين.
حاول
الفرنسيون إقناع الشيخ القسام بترك
الثورة والرجوع إلى بيته وإغرائه
بالمناصب، إلاّ أنه رفض عرضهم، ونتيجة
لإصراره على خط الجهاد حكم عليه
الديوان العرفي الفرنسي في اللاذقية
وعلى مجموعة من أتباعه بالإعدام،
وطارده الفرنسيون فقصد دمشق ومنها إلى
فلسطين.
عاش
القسام ورفاقه في حيفا، ونزلت
عائلاتهم في بيت واحد في الحي القديم
من المدينة، وهو الحي الذي يجمع فقراء
الفلاحين النازحين من قراهم بعد
الاستيلاء عليها وتوطين اليهود
المهاجرين إلى فلسطين.
أبدى
القسام اهتماماً حقيقياً بتحسين أحوال
معيشة هؤلاء الفلاحين، وبدأ يكافح
الأمية في صفوفهم من خلال إعطاء دروس
ليلية، وسرعان ما أصبح فلاحو المنطقة
الشمالية وعمالها يكنون له المودة
والاحترام بفضل زياراته المتكررة لهم
وبما يتسم به من أصالة في الخلق
والتقوى.
عمل
القسام مدرساً في المدرسة الإسلامية
بحيفا، وكان يحرص على لفت أنظار الطلاب
إلى الدور المستقبلي الذي ينتظرهم في
ظل وجود الاستعمار، ثم عمل إماماً
وخطيباً في جامع الاستقلال بموافقة من
مفتي القدس وزعيم الحركة الوطنية
الحاج محمد أمين الحسيني، واتجه
القسام في أسلوبه إلى توعية الشعب
الفلسطيني بالأخطار الماثلة أمامه،
وكان يكثر من القول: (بأن اليهود
ينتظرون الفرصة
لإفناء شعب فلسطين، والسيطرة على
البلد وتأسيس دولتهم)
كما
كان للشيخ القسام دروس في المسجد تقام
عادة بين الصلوات المفروضة، وقد جعل
منها وسيلة لإعداد المجاهدين وصقل
نفوسهم وتهيئتها للقتال، معتمداً
اختيار الكيفية دون الكمية.
عمل
على تأسيس جمعية الشبان المسلمين
عندما استفحل الخطر البريطاني في
فلسطين وانتشرت الجمعيات التبشيرية
التي تدعو إلى تنصير المسلمين، وقام
القسام من خلال نشاطه في الجمعية
بتربية جيل من الشباب المسلم، الذين
أنقذهم من دائرة الانحراف والضياع
بسبب قسوة الظروف الاقتصادية
والسياسية، وأدخلهم في دائرة العمل
الجاد لصالح الوطن... كما أنه وثق
اتصالاته بقيادات المدن الفلسطينية
الأخرى، وكسب عدداً من شباب المناطق
المختلفة للانضمام إلى تنظيم الجهاد.
وقد واظب القسام خلال وجوده في الجمعية
على إعطاء محاضرة دينية مساء كل يوم
جمعة، وكان يذهب كل أسبوع بمجموعة من
الأعضاء إلى القرى، ينصح ويرشد ويعود
إلى مقره. وقد تمكن من إنشاء عدة فروع
للجمعية في أكثر قرى اللواء الشمالي من
فلسطين، وكانت الفرصة للّقاء
بالقرويين وإعدادهم للدفاع عن أراضيهم.
عمل
القسام مأذوناً شرعياً لدى محكمة حيفا
الشرعية سنة 1930، وقد كانت هذه الوظيفة
للقسام وسيلة من الوسائل التي اتصل عن
طريقها بمختلف فئات المواطنين من شباب
وشيوخ، وعمال وفلاحين، وطلاب وموظفين،
وتجار وحرفيين، وتحدث إليهم وأقام
معهم علاقات قوية كان لها أثر كبير في
اتساع دائرة حركته الجهادية.
يعتبر
القسام صاحب دعوة مستقلة وأسلوب متميز
وحركة جهادية رائدة سبقت جميع
الاتجاهات في ميدان الجهاد المعاصر في
فلسطين.
ويتلخص
هذا الأسلوب في تربية جيل من
المجاهدين، فكان يعقد اجتماعات سرية
مكتومة في بيته وفي بيوت بعض أصدقائه،
يحضرها عدد من الأشخاص المغمورين (غير
البارزين أو المعروفين في ميدان
الحركة الوطنية)، وكان يختارهم من
الذين يحضرون دروسه ومواعظه، ويقوم
بتهيئتهم وإعدادهم للجهاد، ويكوّن
منهم خلايا جهادية، تقتصر عضويتها على
نفر من المؤمنين الصادقين الذين لديهم
الاستعداد الكامل للتضحية والفداء.
وعندما
تم إنشاء القوة المجاهدة بشكل متكامل،
كانت مقسمة إلى وحدات مختلفة المهام،
حيث لكل وحدة دور خاص بها تتولاه، وهذه
الوحدات هي:
الأولى:
وحدة خاصة بشراء السلاح.
الثانية:
وحدة خاصة للاستخبارات ومراقبة تحركات
العدو البريطاني واليهودي.
الثالثة:
وحدة خاصة بالتدريب العسكري.
الرابعة:
وحدة خاصة للدعاية في المساجد
والمجتمعات، وأبرز أعمالها الدعوة إلى
الجهاد.
الخامسة:
وحدة العمل الجماهيري والاتصالات
السياسية.
السادسة:
وحدة جمع المال من الأعضاء والأنصار،
ورعاية أسر المعتقلين والشهداء.
ولماّ
قطعت الحركة شوطاً من الإعداد تم فيه
تهيئة المقاتلين للجهاد، ابتدأ رجال
القسام بتنفيذ عمليات فدائية ضد
المستوطنات اليهودية عن طريق إعداد
كمائن والهجوم على أفراد محددين
ومستوطنات معينة، بهدف دفع اليهود في
الخارج إلى وقف الهجرة إلى فلسطين.
ولم
تكن أعمال القسام مهاجمة المستعمرات
فحسب وإنما قاموا بمجموعة أعمال أخرى
ذكرها الأستاذ أميل الغوري في كتابه (فلسطين
عبر ستين عاماً) فقال: (أماّ الأعمال
التي قام بها القساميون فكانت من أروع
ما قام به المجاهد في فلسطين، وعلى
الرغم من كثرتها وتعدد أشكالها
ومظاهرها، فإنها ظلت محاطة بالسرية
والكتمان إلى مدى كان معه أكثر الناس
يجهلون مصدر هذه الأعمال، بل كانوا لا
يعرفون إطلاقاً بوجود حركة القساميين،
وكان من هذه الأعمال: ملاحقة وتأديب
الذين يخرجون عن الشعب ومصالحه، مثل
التعاون مع الحكومة ضد الحركة
الوطنية، والتجسس لحساب المخابرات
البريطانية، أو بيع الأراضي لليهود أو
السمسرة عليها للأعداء. وكان من أعمال
القساميين العديدة الواسعة النطاق،
التصدي لدوريات الجيش والشرطة، وقطع
طرق المواصلات والإغارة على ثكنات
الجيش ومراكز الشرطة، ومهاجمة حرس
المستعمرات اليهودية، وزرع الألغام
والمتفجرات فيها).
وفي
الوقت الذي اعتبرت فيه أعمال القسام
بمثابة الروح التي سرت في أوصال الأمة،
فحركت الهمم وشدت العزائم، وحفزت
الناس إلى العمل، كانت الحكومة
البريطانية تعلن عن مكافآت ضخمة لمن
يدلي بأية معلومات عن منفذي هذه
الأعمال، لأنها فعلاً ألقت الرعب في
قلوب اليهود الذين رأوا ولأول مرة
عملاً جديداً من حديد ونار، وهذه لم
يتعود عليها اليهود في فلسطين...
وازدادت الحكومة البريطانية واليهود
ذعراً وبثوا الأرصاد، ونشروا الجواسيس
في الليل والنهار، وصار الاعتقال
لمجرد الشبهة.
لذا
أصبحت تحركات جماعة القسام تلاقي
صعوبة شديدة، إذ استطاعت الشرطة
الإنجليزية الحصول على معلومات بشأن
عدد أفراد الجماعة وأسمائهم وأسلحتهم،
نتيجة التحقيقات المكثفة التي قامت
بها، وكذلك استطاعت الحصول على
معلومات تساعدهم أكثر وأكثر على تحديد
مكانهم.
وأخيراً
وفي أحراش يعبد في منطقة جنين يوم 20
تشرين ثاني عام 1935، حددت الشرطة
البريطانية مكانهم وهاجمتهم بقوات
عسكرية كبيرة ودارت معركة رهيبة بين
المجاهدين والشرطة، صمد فيها رجال
القسام، وقاتل شيخهم قتال الأبطال،
وظل يكافح حتى خر صريعاً في ميدان
الجهاد شهيداً كريماً في سبيل إعلاء
كلمة الله فوق أرض فلسطين، واستشهد معه
بعض إخوانه المجاهدين، وجرح آخرون وتم
أسرهم.
نقل
الشهداء إلى حيفا، وتمت الصلاة عليهم
في جامع الاستقلال، وشيعت جثامينهم
الطاهرة بتظاهرة وطنية كبرى نادت
بسقوط الإنجليز ورفض الوطن القومي
اليهودي.
كان
لاستشهاد القسام أعمق الأثر في شباب
فلسطين في الثلاثينات والأربعينات،
كما أصبح القسام رمزاً للتضحية
والفداء، مما جعل بعض المؤرخين
يعتبرونه بحق شيخ ثوّار فلسطين.
هذه
المعلومات أخذت بتصرف عن:
ـ
(الشيخ عزالدين القسام قائد حركة وشهيد
قضية)، حسني جرّار، (دار الضياء للنشر
والتوزيع، عمان، طبعة أولى، 1989)
ـ
(موسوعة السياسة)، د.عبد الوهاب
الكيالي وآخرون، المؤسسة العربية
للدراسات والنشر، بيروت، طبعة ثانية،1990
ج4 ص(101ـ 103).
|