صلاح
جديد
ولد
صلاح جديد في قرية (دوير بعبدا) القريبة
من مدينة جبلة الساحلية، عام 1926م،
وينتمي إلى أسرة متوسطة من عشيرة
الحدادين، التي هي من أكبر العشائر
العلوية، تخرج من الكلية العسكرية في
حمص سنة 1951م.
انتسب
جديد في أول الأمر إلى الحزب القومي
السوري، ثم أبدل موقعه وانضم إلى حزب
البعث العربي الاشتراكي عندما كان
ملازماً ثانياً في الخمسينات... تاركاً
شقيقه غسان جديد في الحزب القومي
السوري وهذا يؤكد البعد الطائفي في
المراهنة على الحزبين (القومي السوري ـ
البعث)
إباّن
الوحدة السورية المصرية كان صلاح جديد
برتبة رائد في سرب للطيران الليلي، وقد
نقل هذا السرب أواخر عام 1959م إلى مصر.
وكان قد أصاب جديد وأربعة من رفاقه
شعور بالصدمة والسخط ضد عفلق
والبيطار، مؤسسي حزب البعث، اللذين
اتخذا قرار حل الحزب سنة 1958م، وقرر
جديد ورفاقه (محمد عمران ـ حافظ الأسد ـ
عبد الكريم الجندي ثلاثة علويون وواحد
إسماعيلي ويقال أن أحمد المير كان من
مؤسسي اللجنة) أن يقيموا تنظيماً سرياً
أطلقوا عليه اسم (اللجنة العسكرية)،
وكانت أهدافهم الظاهرة هي: إعادة بناء
حزبهم المشتت، ووصول حزب البعث إلى
السلطة، ومن ثم النظر في أمر الوحدة
العربية.
بعد
الانفصال (28 أيلول 1961) أودع صلاح جديد
وزملاؤه السجن في مصر، ثم أطلق سراحهم
في عملية مبادلة مع مجموعة من الضباط
المصريين المحتجزين في سورية، وصرفتهم
القيادة العليا الجديدة ومجموعة من
الضباط البعثيين من الجيش، فراح جديد
ورفاقه يعملون بشكل جدي على توسيع
التنظيم السري الذي بدأوه في القاهرة،
وجرت اتصالات بينهم وبين عفلق مؤسس حزب
البعث، إذ حصلوا منه على تعهد بدعمهم
للقيام بانقلاب على حكومة الانفصال.
ساهم
صلاح جديد بصفته واحداً من ضباط اللجنة
العسكرية في انقلاب 8 آذار 1963م،
واستطاع ورفاقه البعثيون الوصول إلى
الحكم، والقضاء على كل مقاومة منظمة
لحكمهم.
ورقي
جديد إلى رتبة لواء في الجيش، وفي عام
1964م استقال منه وانضم إلى الجناح
المدني، وأطلق عليه اسم الرفيق صلاح
جديد، وفي مؤتمر حزب البعث في نيسان 1964م
انتخب أميناً مساعداً للحزب، وكانت
هذه أول مرة يصعد فيها بعثيون عسكريون
إلى القيادة.
كان
الرفيق جديد يمثل اليسار الماركسي
المتطرف في قيادة الحزب، ويطلق
الشعارات اليسارية المتطرفة، وقد مهد
لصدور قرار التأميم عام 1965م، واستطاع
أن يقلب معركة الحزب بين الجناحين
العسكري والمدني، ولكن تحت شعار
الصراع بين اليسار واليمين، وبذلك
استطاع كسب المعركة لمصلحته، وبدأ
يفرض إرادته على الحكم ضمن شرعية حزب
البعث ونظامه الداخلي، وكان ينادي
بالاشتراكية العلمية والحزب القائد
والجيش العقائدي.
في
الطريق إلى السيطرة على الحزب
والسلطة، تمت خطوات عديدة بترتيب
مباشر من صلاح
جديد؛ منها: تقديم زكي الأرسوزي (علوي)،
لأسباب طائفية، على أنه صاحب الفكرة
الأولى لتأسيس حزب البعث العربي ليحل
محلّ ميشيل عفلق (مسيحي) الذي تم التخلص
منه بقرار حزبي، وتم فصل صلاح البيطار
من الحزب في مؤتمر نيسان 1964م.
كما تم
بترتيبه قصف مدينة حماة، عقب اضطرابات
اتّهم بها الأخوان المسلمون، وكذا
اجتياح المسجد الأموي في دمشق
بالدبابات، وقتل الكثير من المصلين
فيه.
كذلك
تم بإشرافه حركة تأميمات واسعة، طالت
مؤسسات فردية، وورشات صناعية محدودة،
بطريقة مثيرة للسخرية في كثير من
الأحيان.
في كل
أيام سيطرته على الحكم كان صلاح جديد
يعمل من وراء ستار سني، أمين الحافظ في
البداية، ثم نور الدين الأتاسي بعد
انقلاب شباط 1966.
لقد
أقصي أمين الحافظ، الذي سمي رئيساً
لمجلس الرئاسة والأمين العام للقيادة
القطرية والقائد العام للجيش ورئيس
الوزراء، بعد أن انحاز هذا إلى عفلق
وتخلى عن اللجنة العسكرية، في لعبة
الصراع على السلطة، وهي خطوة وضعته
فوراً على طريق المجابهة مع صلاح جديد،
الذي كان سيد القرار في الشؤون السورية
منذ أواخر صيف 1965م، حيث استطاع أن يبني
لنفسه قاعدة شخصية هامة، عندما قام
بمراقبة الجهاز الحكومي من خلال صديقه
(يوسف زعين) الذي عينه رئيساً للوزراء،
وكذلك التنقلات والترفيعات العسكرية
بواسطة وزير الدفاع حمد عبيد، وأخيراً
من خلال رفيقه في اللجنة العسكرية حافظ
الأسد وجهازه الحزبي في القوات
المسلحة. كان جديد مطمئناً إلى ولاء
هذه القوات. وهكذا كان جديد يحكم الجيش
باسم الحزب ويتسلط على الحزب باسم
الجيش.
بتاريخ
23 شباط 1966م قام صلاح جديد ورفاقه
بالانقلاب على أمين الحافظ، فأمسك
جديد بالسلطة وبات الجميع في الحزب
والجيش والجهاز الحاكم من جماعته،
علماً بأنه ظل محتفظاً بمنصبه الحزبي (الأمين
العام القطري المساعد)، أماّ الواجهة
الجديدة فكان رئيس الدولة نور الدين
الأتاسي.
استطاع
صلاح جديد بمهارته أن يخفي هويته
الطائفية عن طريق استغلاله لجميع
الخلافات القيادية، سواء العسكرية أو
المدنية في حزب البعث، ليوظف كل ذلك في
مصلحته، مع جميع الحزبيين كلٌ حسب
طاقته وهوايته.
وهو
رجل غامض قليل الكلام ولا يتحدث إلاّ
نادراً، وكان دوماً في صفوف المستمعين
كي لا يخوض في النقاشات، إلاّ أنه كان
يزن كلام الآخرين بعصبية هادئة، وهو
يحرك اللعبة بالخفاء ويوجه الأمور
لمصالحه الشخصية والطائفية لأنه يعرف
ما يريد وما لا يريد، وكان سلاحه
الهدوء والسكينة، ولا يظهر على وجهه أي
انفعال.
ليس
لصلاح جديد أية مؤلفات أو أفكار حزبية
مطبوعة أو أبعاد سياسية متداولة، وهو
لم يقابل طوال فترة سيطرته على مقاليد
الحكم أي صحفي، إذ كان يحاول تجنب
الكتّاب والصحفيين والأدباء، حتى لا
تطرح عليه أسئلة توضح حقيقة آرائه
وأفكاره، لذلك عُرف بالشخصية البعثية
الصامتة.
في
فترة (1966ـ 1970) بدأ الكلام عن الحرب
الشعبية الطويلة الأمد، والتهيئة
لإلغاء دور الجيش النظامي، ومنح
الحرية المطلقة للمقاومة، فأخذت سورية
تعيش كابوساً أمنياً لا يرحم، وأخذت
ترقية الضباط العلويين وتيرة متعاظمة،
وبلا حسيب فيما سرِّح غير العلويين أو
أحيلوا على مهام إدارية لا قيمة لها.
وتوالت
التأميمات حتى كادت سورية أن تفرغ من
كل ما يمكن تأميمه، واستشرت حملة لا
سابق لها على العائلات وأبناء
العائلات، فيما وجد الموظفون دخولهم
تتآكل من دون أن تتوقف مطالبتهم
بالتقشف عند حد. وفي ذلك العهد انفجرت
موجة الهجرة من الأرياف إلى المدن بكل
مضاعفاتها الاقتصادية والديموغرافية،
وكل حساسيتها الاجتماعية والطائفية،
ولم يبق هناك حليف للنظام في ظل
القطيعة شبه التامة مع غالبية الأنظمة
في المنطقة، كذلك ضياع الجولان في حرب 5
حزيران 1967م، وكانت أصابع الاتهام تشير
إلى وزير الدفاع حافظ الأسد عضو اللجنة
العسكرية، مما أثار في نفسه شعوراً
ملحاّ مادام سيتلقى اللوم فليكن له صنع
القرارات، فعقد العزم على أن يصبح سيد
سوريا.
جاء
المؤتمر القطري الرابع في أيلول 1968م
ليعلن على الملأ ازدواجية السلطة
وصراع القائدين رفيقي الأمس: صلاح جديد
وحافظ الأسد، الذي لم يتباطأ في اتخاذ
الإجراءات المناسبة ضد أنصار جديد،
مما جعل صلاح جديد يصبح في موقف دفاعي.
وجاءت
الخطوة القاتلة مع انفجار الحرب
الأهلية في الأردن، وبقي التدخل
العسكري البري للقوات السورية،
المدعوم من صلاح جديد، مكشوفاً بلا
غطاء جوي، مما أوقعه تحت سطوة النيران
الأردنية. فدعا صلاح جديد إلى مؤتمر
طارئ للقيادة القومية في 30 تشرين الأول
لمحاسبة الأسد وزير الدفاع، وما أن
انتهى المؤتمر الذي أكد خط صلاح جديد
ونهجه حتى عاجل الأسد في 16 تشرين
الثاني 1970م بـ(الحركة التصحيحية)
واعتقل خصومه، فأرسل جديد إلى سجن
المزة وظل محتجزاً فيه إلى أن توفي في
19/8/1993م.
اعتبر
صلاح جديد لفترة طويلة مهندس التحرك
الطائفي في سورية، وينظر إليه
الكثيرون على أنه الأكثر حنكة والأبعد
نظراً، من رفيقه الذي استولى على حصاده
حافظ الأسد. كما أن صلاح جديد يتمتع
بقدر من الولاء العشائري والعائلي ضمن
الطائفة، يتفوق على ما تمتع به حافظ
الأسد. وكذلك فإن لصلاح جديد قاعدة من
المؤيدين العسكريين من ضباط الجيش
ماتزال تكتم إخلاصها له. كما تحافظ على
الولاء له ثلة من السياسيين يقيمون
خارج سورية ويعتبرون أنفسهم الورثة
الشرعيين لصلاح جديد وللنهج الذي سار
عليه.
هذه
المعلومات أخذت بتصرف عن كتاب:
ـ
(الصراع على الشرق الأوسط) باتريك سيل.
ـ
(الموسوعة التاريخية الجغرافية) مسعود
الخوند، لبنان، 1997، الجزء العاشر، ص(201ـ
205)، ص(219 ـ 220) .
ـ
[ ذاكرة عربية للقرن (1900ـ 2000) حسن السبع،
المركز العربي للمعلومات، بيروت، 2000،
ص(105) ] .
ـ
(موسوعة السياسة) عبد الوهاب الكيالي
وآخرون، المؤسسة العربية للدراسات
والنشر ببيروت، الطبعة الأولى، 1983،
الجزء الثالث ص(639) .
ـ
(دولة البعث وإسلام عفلق) مطيع النونو،
الطبعة الأولى، 1994 ص(215ـ 219) (227ـ 236) .
|