مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الإثنين 17 / 02 / 2003م

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

كتـــــب

الكنز المرصود في قواعد التلمود

القسم الثاني

كتاب (شارل لوران)

في حادثة قتل الأب توما، وخادمه إبراهيم عمار

الكتاب الأول

مقتل الأب توما

التحقيقـات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما

وذبحهم إياه لأخذ دمه

(راجع المقدمة)

في يوم الجمعة /4/ من ذي الحجة سنة /1255/ هجرية حضر الخواجه (بودن) ترجمان قنصولاتو دولة فرنسا بدمشق إلى ديوان الوالي العمومي، وقرر أنه في يوم الأربعاء /2/ الجاري سنة 1255 خرج الأب توما بعد العصر على حسب عادته، وتوجه نحو حارة اليهود لأجل أن يلصق على باب الكنيسة إعلاناً يفيد حصول مزاد في منزل أحد الأهالي المسمى (ترانوفا). ولما رأى الخادم أن سيده قد أبطأ ولم يرجع إلى الدير، وعند الغروب، ذهب ليبحث عليه في الحارة المذكورة فلم يرجعه هو أيضاً.

وفي المساء ذهب الخواجه (سانتي) الأجزجي[1] باسبتالية دمشق إلى الدير، وطرق الباب مدة طويلة فلم يفتح له أحد، وكان يريد إذ ذاك أن يرد كتاباً كان أخذه من القسيس المذكور على سبيل العارية. ولما رجع بخفي حنين، عرج على دير (تيرسانت) ليخبر الرهبان الذين هناك بما حصل. ولما سمع هؤلاء الخبر جزموا بأن الأب توما تأخر عند أحد المرضى لأنه كان يتعاطى صناعة الطب ولم يرتابوا في ذلك.

وفي ثاني يوم الذي هو يوم الخميس /3 من ذي الحجة سنة 1255 (الموافق 6 من فبراير سنة /1840) حضر جملة من الأشخاص من الذين لهم عادة أن يحضروا للدير لسماع قداس الأب توما، ورجعوا بدون أن يتمكنوا من الدخول لأنهم رأوا الباب مغلقاً بخلاف العادة. وقد ظن بعضهم أنه حضر قبل الأوان وأن القسيس لم يزل نائماً، وظن البعض الآخر أنه تأخر، وأن القداس انتهى، وقفل القسيس بابه وذهب لأشغاله.

وزاد الترجمان الخواجه (بودن) في تقريره أنه في اليوم ذاته أعني في يوم الخميس، كان الأب توما مدعواً مع باقي الرهبان عند الدكتور (مساري)، وأن الجميع توجهوا ساعة الظهر لأنها الساعة التي كانت محددة لتناول الغداء ما عدا الأب توما، وبعد انتظار هذا الأخير مدة، استولى القلق والانزعاج على الحاضرين، فصاروا إلى قنصلاتو دولة فرنسا لإخطار أولي الأمر بالمسألة، لأن المفقود منتم للدولة المشار إليها. فقام عندئذ جناب القنصل وتوجه إلى الدير، فوجد الشارع مزدحماً بأجناس مختلفة من الأهالي يقولون إن الأب توما توجه أمس لحارة اليهود هو وخادمه، ولا شك في أنهما فقدا هناك.

وعند حضور جناب القنصل أمام الدير أمر أحد الحاضرين أن يتسلق على أحد الجدران بواسطة سلم، فتوصل المذكور بهذه الكيفية إلى الدخول إلى الدير  المذكور، وفتح الباب الذي وجده مغلقاً من الداخل بالسقاطة فقط لا بالكيلون والقفل.

وعند الدخول في المطبخ وجد أكل الأب توما وخادمه بجانب الكانون، واستنتج من هذه المعاينة أنهما كانا يقصدان الرجوع إلى الدير عندما تركاه، وأنهما قتلا خارج الدير، وأن القتل لم يحصل طمعاً في أموالهما. ومما يثبت ذلك هو أن الأشياء تعلقهما التي كانت لهما في الدير وجدت مرتبة كما تركاها ولم يفقد منها شيء ما.

هذا وكانت الشبهة تقوى من وقت إلى آخر، والشهود يؤكدون أنهم نظروا الأب توما، داخلاً حارة اليهود بعد العصر، ثم تبعه خادمه عند غروب الشمس، ولم يرهما أحد خارجين من تلك الجهة. على أن القس كان في دمشق أشهر من نار على علم، لأنه سكن في هذا البلد منذ ثلاثين سنة تقريباً، وكان يجري عملية تطعيم الجدري فيه (فلو خرج من الحارة بعد دخوله لنظره بعض الشهود على الأقل).

أمر جناب قنصل فرنسا بإرسال ذلك التقرير إلى سعادة شريف باشا والي دمشق لأجل أن تجري الحكومة اللازم في التفتيش على الأب توما وخادمه وتنكشف كيفية فقدهما.

وبناء على ذلك أمر سعادة شريف باشا فوراً أن تتخذ الإجراءات اللازمة الموصلة لظهور الحقيقة، وأمر التفتشجي باشا أن يذهب إلى حارة اليهود. وسلمه أمراً بتفتيش جميع المحلات التي يشتبه فيها. ولكن كان ذلك كله لدون فائدة، لأنهم لم يكتشفوا على شيء جديد.

غير أنه في أثناء ذلك حضر شخصان يونانيان يسمى أحدهما (ميخائيل كساب) والآخر (نماح كلام)، وقررا بأنهما مراّ في حارة اليهود في يوم الأربعاء الذي غاب فيه الأب توما، وعند وصولهما إلى أول الحارة بالقرب من شارع (طالح القبة) نظرا قبل غروب الشمس بربع ساعة خادم الأب توما داخلاً في الحارة بغاية السرعة، فسألاه إلى أين تذهب ؟ فأجابهما بأنه يفتش على سيده الذي دخل في حارة اليهود ولم يرجع!

بعد سماع هذه الرواية تأكدت الشبهة في أن الأب توما وخادمه فقدا في حارة اليهود. ولعدم الاستدلال على شيء يذكر بعد تفتيش بعض المنازل. وضبط بعض المتهمين من اليهود، تقرر معاينة الإعلانات التي أخذها الأب توما عند خروجه من الدير، ولصقها في جملة محلات. فثبت من التحقيقات التي حصلت: انه قبل يوم الجمعة لم يكن يوجد شيء منها على باب الكنيس اليهودي، وبعد مضي يومين من ذلك التاريخ وجد أحد الإعلانات ملصقاً على المحل الظاهر من دكان حلاق إسرائيلي يدعى سليمان، وكان ساكناً بالقرب من باب الكنيس فضبط الشخص المذكور لحصر الشبهة فيه، واجتهد الوالي في الحصول على اعتراف صريح من هذا المتهم. ولكن لم يتحصل على أمنيته، لأن الحلاق اقتصر في دفاعه على أن الأب توما وضع الإعلان وذهب. ولما سئل عن كيفية إلصاق هذه الورقة بظاهر دكانه أجاب أنها ملصقة بواسطة برشانات.

وسئل عن لون هذه البرشانات فقال إن أحدهما أحمر، وثانيهما لون الليلك. سئل عن كيفية معرفة تلك الألوان مع أن البرشانات موضوعة تحت الورق، وعن سبب ارتفاع هذا الإعلان عن الأرض ارتفاعاً زائداً. وعن كيفية وصول الأب توما إلى ذلك الارتفاع (لان الإعلان كان مرتفعاً جداً عن الأرض) ؟ فقال أنه كان ينظر المارين يمسون الإعلان ويلعبون به، فخاف عليه من الضياع فأخذه من محله الأصلي ولصقه محل ما وجد. ثم استحضر الإعلان، وبالإطلاع عليه وجد أنه كان حقيقة ملصقاً ببرشانتين إحداهما حمراء والثانية لون الليلك. ثم صار الإطلاع على باقي الإعلانات المعلقة على الكنائس الفرنساوية فوجدت ملصقة بأربع قربانات من القربان المستعمل عند الرهبان، لأنهم كانوا لا يستعملون البرشان الاعتيادي!

فأقوال الحلاق، وعدم مشابهة لون المشابك التي استعملت للصق الإعلانات والفرق الموجود بين كيفية تعليق الإعلان الذي وجد بحارة اليهود وباقي الإعلانات التي وجدت على كنائس الإفرنج، كل ذلك قوّى الشبهة وحصرها في سليمان الحلاق، وتأكد لدى المحقق أنه يعرف الحقيقة ويخفيها. ولذلك أمر بضربه بالكرباج، واستجوب بالكيفية الآتية:

يوم الجمعة /11/ ذي الحجة

سئل الحلاق بإلحاح بعدما كلف بأن يقول الحق، فصمم على الإنكار. فصدر الأمر بضربه بالكرباج، فاعترف بعد الضرب بأنه نظر القسيس المومى إليه مع الحاخامات (موسى بخور يودا)، و(موسى أبي العافية)، و(داود هراري)، وأخويه: (إسحاق وهارون)، و(يوسف لينيوده)، داخلين جميعاً في شارع التلاج بين الظهر والعصر (ما أمكن المتهم أن يعين الوقت بالضبط) في يوم الأربعاء الذي فقد فيه الأب توما، وأن القسيس المذكور كان معهم ـ وأضاف سليمان الحلاق على أقواله ما يأتي:

(يمكن الباشا أن يستحضرهم وأنا مستعد أن أعترف أمامهم. وقد مرّ من هنا (إسحاق بتشوتو)، وسألني هل اعترفت بشي ؟ ولما أجبته سلباً قال لي: إني سأتوسط في خلاصك، وتركني ومضى. ولو كنت أعلم قبل ضربي أن مواعيده مواعيد عرقوبية لكنت اعترفت).

عند ذلك استحضر الأشخاص المذكورون وسئل كل منهم بالانفراد فيما يختص باعتراف الحلاق فقالوا:

ـ يوسف لينيوده ـ كنت في منزلي ولم أخرج إلا يوم الخميس قرب الظهر لأن لي ابنة توفيت من خمسة عشر يوماً، وعادتنا أن لا نخرج من منازلنا مدة سبعة أيام عند وفاة أحد أقاربنا. وبناء على ذلك فإني لا أعلم شيئاً فيما أسأل عنه.

ـ إسحاق هراري ـ ليس لي معلومات البتة في هذه المسألة، وإني تاجر مشغول بتجارتي، وحاشى أن أرتكب فعلاً مثل هذا.

ـ داود هراري ـ لم أنظر الأب توما منذ شهرين أو ثلاثة وليس لي عادة في الاختلاط بهؤلاء الخواجات. واعترف أن منزلي حقيقة في شارع التلاج ولكني أجهل اجتماع هذه الجمعيات هناك من عدمه.

ـ يوسف هراري ـ إن منزلي كائن في شارع التلاج. وبسبب تقدمي في السن لا أخرج إلا قليلاً، ولم أتقابل مع الأب توما منذ ثلاثة شهور، وإني ربيت ما بين المسيحيين، وينامون عندي وأنام عندهم .

ـ الحاخام موسى أبي العافية ـ إني متعود أن أدخل منزلي عند المغرب عند عودتي من السوق بواسطة المرور من شارع (الخزاطلية) وأما الشارع الآخر فإني لا أمر فيه إلا مرة في كل أسبوع ولم أختلط بأفراد هذه الجمعية، وأتذكر أني لم أقابل أحداً منهم من مدة ستة شهور ولكن حيث أن الحلاق يؤكد أنه نظرنا معاً فمن المحتمل أن نكون تقابلنا مرة ثم افترقنا، وكل منا ذهب إلى منزله. غير أني لا أتذكر ذلك والإنسان مطبوع على النسيان. أما من خصوص الأب توما فإني لم أنظره منذ شهر ونصف أو شهرين. وإني أجهل إذا كان باقي المتهمين اجتمعوا عليه أم لا.

ـ هارون هراري ـ إن منزلي مجاور لقنصلاتو إنكلترا، ولا أذهب عند إخوتي إلا نادراً. وقبل هذه الواقعة لم أتقابل مع الحلاق من منذ ثمانية أيام. وإني من الأشخاص ذوي السلوك الحميد، وإني أترك السوق قرب المغرب. ولا يعقل أننا نجتمع نحن السبعة المغرب في جمعية كهذه الجمعية المقول فيها ذلك. وهذه التهمة ملفقة ضدنا. وربما قال الحلاق ذلك مخافة من الضرب. على أنه إذا كان ذلك حصل حقيقة لكنت قلت إني وجدت في هذا الاجتماع، وإني نظرت كيت وكيت، ولكن لم يحصل شيء من ذلك.

ـ الحلاق ـ استحضر الحلاق وصار مواجهته مع باقي المتهمين فصمم على أنه نظرهم بالحالة التي ذكرها.

وعندئذ وجه كل منهم الكلام إليه قائلاً: كيف نظرتنا يا صاحبي، وهل يمكنك أن تصمم على ذلك؟ الأوفق أن تطلب من الله أن ينقذك مما أنت فيه.

ـ يوسف لينيوده ـ عندي ما يثبت وفاة ابنتي، ويشهد بذلك (يسي مكحول ومتى كبرين) اللذان كانا عندي يوم الأربعاء مساء.

ـ باقي المتهمين ـ صمموا على أن أقوال سليمان كاذبة، وأنهم لا يعودون من أشغالهم في الساعة التي قال عنها، ولكن قبل المغرب.

ـ ثم أجاب موسى سلونكلي (الحاخام موسى بخور يودا) على الأسئلة التي توجهت إليه بأنه ليس لديه معلومات بالكلية في هذه المسألة، وأنه لم يوجد مع باقي المتهمين ولا يعلم أنهم اجتمعوا معاً أم لا وأنه لا يعود إلى منزله إلا من الساعة عشرة ونصف إلى الساعة إحدى عشر (عربي)[2]، وأنه لم يقابل الأب توما في اليوم المقول فيه ذلك.

هذا، وحيث أنه لم يظهر من التحقيقات التي حصلت شيء يعول عليه، ولكون التهمة لم تزل محصورة في المتهمين من أقوال الحلاق، تقرر لزوم استمرار حبسهم على ذمة القضية لأجل إظهار الحقيقة.

(يتبـع)


[1] ـ أي الصيدلي الذي يبيع الأدوية، وهي لفظة تركية. والاسبتالية: المستشفى وهي لفظة فرنسية.

[2] ـ أي على أساس أن غروب الشمس يكون دائماً في الثانية عشرة.السابق

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ