الكنز
المرصود في قواعد التلمود
مقدمة مركز الشرق
العربي
الساميـون
.. نحـن
مع أن الإسلام
الحنيف قد أبطل نظرية التفاضل
الإنساني على أساس من الأعراق
والأجناس. واعتبر الفرد الإنساني (ماهية
ووجوداً) مؤهلاً للتكريم فالتكليف
فالحساب ثم الثواب أو العقاب، وأطلق
قاعدته الأساسية في الخطاب الرباني: (يا
أيها الناس...)
ونسب البشرية
جمعاء إلى أب واحد، وتعبدها إلى رب
واحد، وجعل التقوى التي هي قرين العمل
الصالح أساس التفاضل والخيرية (يا
أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم
واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل
لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أحمر
إلا بالتقوى..)
مع كل هذه
الحقائق، انطلقت في ثنايا الحضارة
الإنسانية في ظروفها المختلفة نظريات
وادعاءات قسمت الناس وصنفتهم فقدمت
وأخرت، وأعلت ووضعت، وادعى كل قوم أنهم
بعنصرهم أو جنسهم المجرد مستحقون
للتكريم، فازدهوا استعلاء على الناس
كبراً: بطراً وغمطاً. ووجدت هذه
النظريات صداها في حياة الأمم،
وبُناها النظرية والعملية؛ فكانت (النازية)
بمفهومها للتفوق العرقي وبتصنيفها
للشعوب على أساس واه من علوم وهمية،
نشأت في خيال إنساني مريض. واستجابت
لهذه الدعوات بأنواع من ردود الفعل
المتطرفة فئات أحبت أن توظف (العاهة
العرقية) في سياق مصالحها، فارتفعت
لوافت العرقية والقومية: موقف رداً على
موقف، وعاهة مقابل عاهة، (آرية) و(سامية)
ثم (نازية) و(لاسامية) تدمغ كل من يقترب
من التاريخ أو من الواقع، ممحصاً أو
ناقضاً أو ناقداً..
ومركز
الشرق العربي إذ يقدم لمتابعيه سفراً
نفيساً من الحقائق التاريخية المحضة
والمجردة، يود التأكيد على الأمور
التالية:
أولاً
ـ إننا نؤمن بكرامة الإنسان (الوجود
والماهية) في إطار الفرد، والمجموع
كرامة تؤهله للتكليف ولحمل الأمانة
الربانية، ولا يخرج من إطار هذه
الكرامة أحد بماهيته أو بوجوده، وإنما
يخرج منها من ارتكس في خلقه أو في موقفه
فارتد إلى أسفل سافلين:
(والتين
والزيتون. وطور سينين. وهذا البلد
الأمين. لقد خلقنا الإنسان في أحسن
تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين. إلا
الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر
غير ممنون. فما يكذبك بعد بالدين. أليس
الله بأحكم الحاكمين).
ثانياً
ـ إذا كان للساميين وجود عرقي أو
تاريخي حقيقي، فإنما نمثلهم نحن أبناء
الأمة العربية وشعوبها حيث أن أبناء
هذه الأمة هم اليوم السواد الأعظم لمن
يشار إليه حسب النظريات التاريخية
بأنه سامي، كما أن اللغة العربية هي
سيدة اللغات السامية المنتشرة في
العالم بلا منازع.
من هذه الحقيقة،
لا يستطيع أحد أن يشهر فوق رؤوسنا شعار
معاداة (السامية)، لأنه لا يصلح للمرء
أن يكون عدواً لنفسه في إطار موقف
تاريخي، أو انتماء عرقي، فإن كان (للساميين)
بالمعنى المتداول ناطق رسمي فأولى
بأبناء أمة العرب أن ينطقوا باسمهم
ويتحدثوا دفاعاً عنهم..
ثالثاً
ـ لقد تركزت الحضارة السامية،
وهي في جوهرها العام عطاء رباني إلهي،
في الآية الأولى في القرآن الكريم: (الحمد
لله رب العالمين) حيث شمل الرب
برحمته وكلاءته ورعايته (العالمين)
ودخل في دارة هذه الحضارة أبناء
الأعراق والأجناس والألوان، دون
استثناء، فكانت الحنيفية التي جاء بها
إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام،
واليهودية التي جاء بها موسى عليه
السلام، والمسيحية التي جاء بها عيسى
بن مريم عليه السلام، والإسلام الذي
جاء به محمد عليه السلام.. قواعدَ
حضارة، وشرائع علاقات إنسانية متقدمة،
لايزال لها أثرها البالغ في صياغة
النفس الإنسانية وتهذيبها والبعد بها
عن مواطن الزيغ والانحلال.
وكل ما نسب إلى
هؤلاء الكرام من رسل الله تعالى، من
انغلاق، وضيق، وتحريض على الشر،
واستهانة بإنسانية الإنسان، وعدوان
على وجوده، إنما هو من صنع الأيدي
الخبيثة السوداء التي استطابت العيش
أسفل سافلين، وأصرت على تشويه كلمات
الله تحريفاً وتبديلاً..
وبالتالي فإن
التصدي لكشف ألاعيب هؤلاء المفترين
المبدلين لكلمات الله، هو جزء من
المعركة الخالدة التي دارت رحاها منذ
أول الخليقة بين الإنسان المخلوق في
أحسن تقويم، وبين الشيطان وأوليائه
الدعاة لارتكاس الإنسان إلى أسفل
سافلين.
رابعاً
ـ لقد نصب لنا القرآن الكريم
معالم الهدى، وميزان الإنصاف، وعلمنا
دائماً (.. ولا يجرمنكم شنئان قوم على
ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.)
وأخبرنا عن أهل الكتاب: (ومن أهل
الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك،
ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك
إلا مادمت عليه قائماً، ذلك بأنهم
قالوا ليس علينا في الأميين سبيل،
ويقولون على الله الكذب وهم يعملون). (ليسوا
سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون
آيات الله آناء الليل وهم يسجدون).
خامساً
ـ لقد نال بنو إسرائيل، وهو
الاسم الذي سيطلق عليهم بعد سيدنا
يعقوب عليه السلام الذي هو (إسرائيل)،
الكرامة والتفضيل من الله سبحانه
وتعالى، فجعل فيهم الأنبياء وجعل فيهم
الملوك، (وإذ اقل موسى لقومه يا قوم
اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم
أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت
أحداً من العالمين) وهي كرامة منحت
لهم لأمر يريده الله تعالى، فكان من
أنبيائهم اسحق ويعقوب ويوسف والأسباط
وداود وسليمان وزكريا ويحيى عليهم
السلام..
ولكن فريقاً
منهم، رفضوا الكرامة، واستهانوا
بكلمات الله، ومردوا على الالتواء
وتعلقوا بالدنيا، وانحازوا إلى أحمرها
وأصفرها، وأَدَلّوا على الله بالكرامة
التي أكرمهم إياها، فزعموا أنه ربهم
دون بقية الناس، وأن باقي البشرية إنما
هم مسخرون لهم، فاستباحوا حرمات
الناس، وسفكوا دماءهم، وأكلوا
أموالهم، وغمطوهم كبراً، واستخفوا بهم
رعونة. فكان شأنهم أن أصبحوا مَثَلَ
السَّوءِ عند من استهانوا به من الناس،
اسمهم سبة والوصف بهم شتيمة.!!
نؤمن أن الكريم
ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم هو
يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم
عليهم السلام. وأن الخطيئة فردية، (ولا
تزر وازرة وزر أخرى). ولكننا نؤكد أنه
إذا كانت أمة أو شعب بحاجة إلى مراجعة
حضارية لتراثها
ومنطلقات فكرها وقواعد وسلوكها،
ومناهج تربيتها وتعليمها، فليسوا هم
المسلمين بالتأكيد، وإنما هم أولئك
الذي سنقدم هذه الوثائق التاريخية
المعبرة عن حالهم، والتي نتمنى، أن
يعلنوا رسمياً في كنسهم وعلى لسان
أحبارهم براءتهم منها..
حقائق
التاريخ ووثائقه تقول:
بأن حضارة
الإسلام كانت دائماً (غيرية) منفتحة،
تقبل الآخر وتكرمه وتستوعبه وتحميه
وتصونه، وشاهدنا هذه الأقليات الدينية
والعرقية التي ماتزال تعيش على هامش
الشعب العربي المسلم منذ ألوف السنين.
وأولئك اليهود الذين لجأوا إلى كنف
الدولة الإسلامية في المغرب من ظلم
محاكم التفتيش!!
أوليس من حقنا أن
نتساءل: أين بقايا المسلمين في
الأندلس، أو في صقلية؟ أو أين قبائل
الهنود في القارة الأمريكية..؟!
أسئلة لا بد أن
تطرح في خضم الحوار الحضاري، ليعود كل
فريق إلى تراثه وماضيه بالنقد أو
بالنقض، ليكون الحاضر قائماً على ما
ينفع الناس.
وهذا السفر
النفيس الذي يتقدم به مركز الشرق
العربي لمتابعيه يعتبر مدخلاً صالحاً
لحوار حضاري بناء، يضع يده على أول
الداء...
|