معهد
واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
متابعة سياسية رقم 407
13 / 12 / 2002
استراتيجية
إسرائيل في قمع العنف الفلسطيني
أعد
تقرير المنتدى السياسي الخاص هذا دان
فيفرمان. عن محاضرة لجنرال متقاعد في
الجيش الإسرائيلي.
هناك
الكثير من الجدال حول كون حرب إسرائيل
الحالية على الإرهاب الفلسطيني تفتقر
إلى استراتيجية متماسكة. في الحقيقة،
فإن الهدف الواضح لذلك تقليل حجم
الإرهاب والدمار الذي يسببه. لا يمكن
أن يكون محدداً لاتجاه الحرب. إن الهدف
الاستراتيجي الأول لهذه الحرب يجب أن
يكون تغيير عقول القادة العرب الذي
يعتقدون أن إسرائيل يمكن أن تجبر على
تقديم التنازلات. الهدف الاستراتيجي
الثاني يجب أن يكون خلق نوعية جديدة من
القيادة في المجتمع الفلسطيني. إن
الطريقة الوحيدة لتحقيق كلا الهدفين
هي قتال الإرهاب بطريقة لا تلين؛ وهذا
هو واجب الحكومة الإسرائيلية تجاه
مواطنيها.
عبر
هذا النزاع، ينبغي إبقاء قيود معينة في
الذهن. ذلك أنه سيكون على إسرائيل
التفاوض مع الفلسطينيين في نهاية
اليوم. وهو سبب آخر وراء بذل كل الجهود
لكي لا يتضرر المدنيون في الوقت الذي
يحارب فيه الإرهاب.
فوق هذا، يجب على إسرائيل أن تحاول
تحقيق أهدافها بالحد الأدنى من
الاحتكاك والحد الأعلى من الشرعية
الممنوحة من المجتمع الدولي، ولو كان
ذلك دون التضحية بمصالحها الأمنية
الضرورية.
ـ
تغيير عقليات العالم العربي:
عندما
أدرك رئيس السلطة الفلسطينية ياسر
عرفات في أيلول/2000 أنه لن يحصل على ما
يريد، أطلق حرباً إرهابية على إسرائيل.
يشترك الفلسطينيون، وعرب آخرون في
رؤية أن إسرائيل ستنهار تحت موجة من
الإرهاب، ولم يؤد انسحاب إسرائيل من
لبنان في أيار/2000 إلا إلى تعزيز هذا
الاعتقاد. لذلك فإن حرب إسرائيل على
الإرهاب الفلسطيني يجب أن تغير هذه
العقلية في العالم العربي كله (خصوصاً
في المجتمع الفلسطيني)، وأن توضح أنه
لن يكون هناك مفاوضات ولن تقدم تنازلات
تحت إطلاق النار. ويتطلب تحقيق هذا
الهدف ثلاثة عناصر.
أولاً
ـ يجب أن يبقى المجتمع الإسرائيلي
ثابتاً.
ثانياً
ـ يجب أن تتوقف الولايات المتحدة عن
الضغط على إسرائيل لتتخذ إجراءات قد
ترى على أنها استسلام.
ثالثاً
ـ يجب أن تبقى حكومة إسرائيل على
إصرارها على عدم تقديم أي تنازلات
سياسية طالما كانت تحت إطلاق النار.
يجب أن تتم رؤية الإرهاب على أنه وسيلة
غير شرعية وتافهة. إن أول علامات
التغير في المجتمع الفلسطيني آخذة في
أن تصبح مرئية. يقول بعض القادة
الفلسطينيون، إما بشكل سري أو علني، أن
الإرهاب يضر بالقضية الفلسطينية ويجب
أن يتوقف فوراً. عموماً، فإن قلة من
الفلسطينيين يقفون ويطالبون بوضع حد
للعنف.
ـ
انتظار قيادة فلسطينية مسؤولة:
يريد
الإسرائيليون أن يتفاوضوا، وفي
النهاية أن يوقعوا معاهدة سلام مع قادة
فلسطينيين مسؤولين. إن القيادة
الفلسطينية الحالية لا تحقق هذا
المعيار. ويجب أن يظهر قادة جدد، قادة
مستعدون لمحاربة الإرهاب. في نفس
الوقت، فإن إسرائيل تقوم بكل ما هو
ممكن لتضمن عدم تحطم المجتمع
الفلسطيني. مرة أخرى، في نهاية اليوم،
على الإسرائيليين والفلسطينيين أن
يتفاوضوا.
ينبغي
أن تظهر القيادة الفلسطينية أربع
ميزات وذلك لمستلزم مسبق لأي مفاوضات.
أولاً
ـ يجب أن يحاربوا الإرهاب بشكل فعلي،
لا أن يشجبوه فقط.
ثانياً
ـ يجب أن يغيروا الخطاب العام حول
إسرائيل، بحيث يشتمل إنهاء التحريض
واللغة الحماسية التي يستخدمها
الإعلام الفلسطيني والنظام التعليمي.
ثالثاً
ـ يجب أن يظهروا علامات تحرك نحو
المحاسبة، وتقليل الفساد، وبدايات
مجتمع مدني سيصبح يوماً ديمقراطية.
رابعاً
ـ يجب أن يندمجوا بحقيقة أن اتفاقية
سلام نهائية ستتطلب منهم التخلي عن (حق
العودة) لجميع اللاجئين والاعتراف بحق
اليهود في حكمهم الذاتي، وفي الدولة
اليهودية في المنطقة والتي هي إسرائيل
الآن. بغير هذه المستلزمات المسبقة،
فإن أي مفاوضات مستقبلية محكوم عليها
بالفشل.
يجب
أن يلاحظ أيضاً، أنه في أشهر الحرب
الأولى، تركت إسرائيل الأجهزة الأمنية
من السلطة غير ملموسة على أمل أنهم
سيحاربون الإرهاب. بعد فترة، أصبح
واضحاً أن هذه الأجهزة، التي ساعدت
إسرائيل في بنائها وتدريبها أثناء
أوسلو، كانت تشارك بشكل فعلي الإرهاب.
من هنا، بدأت إسرائيل في تدمير منشآت
السلطة الفلسطينية الأمنية وهو تحرك
حصد الكثير من الانتقاد في المجتمع
الدولي.
ـ
التغيرات في المفاهيم الإسرائيلية:
في
النهاية، فإن الحكومة الإسرائيلية هي
المسؤولة الوحيدة في الدفاع عن
مواطنيها، وستقوم بكل ما هو ضروري
لتحقيق هذا الهدف. وينبغي أن يكون هذا
المبدأ الاستراتيجي الثالث الذي يقود
حرب إسرائيل على الإرهاب. قد يفكر
المرء أن هذا المبدأ واضح، بما أنه
الحق الطبيعي لكل دولة أخرى في العالم.
ولكن بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، يبدو
أن إسرائيل قد تخلت عن هذا الحق. إن
جهود إسرائيل الأخيرة لاسترداد هذا
الحق كانت صعبة، ونتج عنها انتقادات من
كثير من الحكومات الأخرى. ومع ذلك، فإن
المفاهيم الإسرائيلية قد تغيرت فعلاً،
وهي حقيقة أقوى ما يبسطها عملية جيش
الدفاع الإسرائيلي الدرع الواقي (آذار
ـ نيسان 2002)، والتي جعلت إسرائيل تدرك
أن الإرهاب يجب أن يقابل بالقوة. ورغم
أن الإرهاب لا يمكن منعه بشكل كامل،
فإن على إسرائيل أن تتبع الإرهابيين
أنفسهم (بمن فيهم المخططون، والمؤيدون
والقادة) في كل مكان وبثبات.
أن
تغيراً مفاهيمياً كهذا قد أثر كذلك على
سياسة إسرائيل في أخذ المبادرة، ورغم
أن إسرائيل كانت تفضل إحضار
الإرهابيين إلى العدالة، فإن هذا يصبح
في بعض الأوقات مستحيلاً. في حالات
كهذه، يجب أن يتم اعتراض سبيل
الإرهابيين مسبقاً، لا كعقوبة أو
انتقام، ولكن لمنعهم من القيام بأعمال
إرهابية في المستقبل. ويستخدم هذا
الاعتراض بشكل منفرد كملجأ أخير،
عندما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة
لمنع هجوم إرهابي. إن اعتقال واستجواب
الإرهابيين أكثر فائدة بكثير لأنه
الطريقة الفضلى للحصول على معلومات
استخبارية عن المنظمات الإرهابية ومنع
الهجمات.
لكي
نحارب الإرهاب فإن السيطرة على الأرض
أساسية، نحن نحتاج إلى هذه السيطرة حتى
تستطيع إسرائيل التخلص قدر الإمكان،
من البنية التحتية للإرهاب. ويعلمنا
التاريخ أنه لا توجد هناك طريقة
لمحاربة الإرهاب بغير السيطرة على
المناطق التي يحدث فيها والتي يعمل
منها. ويمكن رؤية هذه الحقيقة في حالة
بيت لحم: ففي الأشهر التي تبعت انسحاب
إسرائيل من المدينة، تدبرت البنى
التحتية للإرهابيين إعادة نفسها وشنت
هجمات على الإسرائيليين، مما يثبت أن
السيطرة على الأرض أمر حاسم.
ـ
المجتمـع الدولـي:
إسرائيل
دولة صغيرة تحتاج إلى دعم المجتمع
الدولي، فإن هذه الحقيقة تفرض حتمياً
قيوداً على تحركات إسرائيل. لنضمن أن
الضغط الدولي سينصب على الفلسطينيين
بدلاً من إسرائيل، يجب أن تكون الحكومة
الإسرائيلية حذرة جداً في تصرفاتها
وعملياتها. ويصبح هذا معقداً عندما
يستخدم الإرهابيون المدنيين كدرع لهم،
فيجبرون إسرائيل على محاربة الإرهاب
في مناطق كثيفة السكان، في أحيان نادرة
وينتج عن هذه العمليات إصابات في
المدنيين. إن القول أن إسرائيل تستطيع
محاربة الإرهاب فقط، عندما تضمن عدم
مصاحبة دمار، لذلك، يعادل القول (لا
تحارب الإرهاب) تعرض إسرائيل جنودها
للكثير من الخطر لكي تحمي المدنيين
الفلسطينيين. وبقدر أهمية الشرعية
الدولية، فإن
إسرائيل لا تستطيع إيقاف حربها لتضمن
أنها قد حصلت على شرعية كهذه.
فوق
هذا، فإن هجوماً بقيادة الولايات
المتحدة على العراق سيؤثر بشكل أكيد
على القضية الفلسطينية، ولن تتأثر
المنظمات الإرهابية الفردية سواء تغير
النظام أم لم يتغير. إذا خلع صدام حسين،
فإن القيادة الفلسطينية سترى أن
الإصلاح محتم على المدى الطويل، وأن
الطريقة الوحيدة للتفاوض هي الطريقة
التي لا إرهاب فيها. لذلك، فإن التحرك
في العراق سيكون عاملاً مهماً في تغيير
عقليات الفلسطينيين، وربما القادة
العرب الآخرين.
|