تساؤلات
في الجيش الأميركي حول ولاء الجنود
المسلمين
مخاوف
من اختراق «القاعدة» بعد قضية جواسيس
غوانتانامو
3 آلاف أسلموا بعد محاضرات لأئمة
سعوديين عام 1991
الشرق الأوسط
واشنطن:
جون منتز وغريغوري فيستشا*
بعد
فترة قصيرة من نهاية حرب الخليج الأولى
عام 1991، نصبت خيام هائلة الحجم داخل
السعودية، وبالقرب من ثكنات الجيش
الأميركي. وكان الأئمة، الذين أرسلتهم
الحكومة السعودية، يحدثون الجنود عن
الإسلام ويحاولون إقناعهم باعتناقه.
وكان المسؤولون السعوديون قد وعدوا أن
النقاش سيدور فقط حول الثقافة العربية.
ولكن بعد أشهر قليلة اعتنق الإسلام
حوالي 1000 جندي، وفي تقدير آخر يقال أن
العدد كان 3 آلاف، وكانت تلك أكبر موجة
لاعتناق الإسلام في كل تاريخ القوات
المسلحة الأميركية. قال ديفيد
بيترسون، وكان وقتها أكبر مرشد ديني في
المنطقة:
«كانت
هجمة جريئة بحق». وقال إن المرء عندما
ينظر إلى الوراء، يستنتج أنه كانت هناك
أسباب قوية لإثارة المخاوف، لأن دعاة
أجانب صار لهم نفوذ ضخم على القوات
ولكن المسؤولين العسكريين لم يستوعبوا
الأبعاد الكلية لذلك العمل في حينه.
وبعد 12 عاما من ذلك التاريخ، وبعد
القبض على ثلاثة من الأئمة والدعاة
المسلمين في قاعدة غوانتانامو، متهمين
بخرق الضوابط الأمنية، صار المسؤولون
الأميركيون يتساءلون من جديد حول ما
إذا كان مسلكهم يتسم فعلا بالإهمال
تجاه المؤثرات الخارجية التي يتعرض
لها الجنود المسلمون داخل القوات
المسلحة. ولكن ذلك التساؤل نفسه يعتبر
من المسائل الحساسة داخل مؤسسة عرفت
بتسامحها إزاء كل الأديان والمعتقدات.
يعتقد
بعض المسؤولين العسكريين أن القاعدة
تحاول تجنيد بعض العاملين في القوات
المسلحة والمتعهدين الذين يعملون معهم.
وأبدى ضباط آخرون مخاوفهم من أن بعض
الجنود والبحارة والعاملين بسلاح
الطيران، ربما يرفضون في يوم من الأيام
حمل السلاح ضد مسلمين آخرين. وقال
الجنرال بسلاح الطيران، رالف إبرهارت،
رئيس القيادة الأميركية الشمالية، وهي
وحدة الدفاع الأميركية الداخلية، ان
الإرهابيين الذين يحاولون اختراق
القوات الأميركية المسلحة بإثارة
النعرات الدينية أو الهويات الوطنية،
سيفشلون في مسعاهم ذاك. وقال انهم
سيفشلون في ذلك «بنسبة 99.9% ويمكنك أن
تضيف أي عدد من التسعات يروق لك». ولكنه
قال كذلك «لا يوجد لدي أدنى شك في أن
القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية
تحاول كسب ولاء مواطنينا» وقال إن بعض
الناس في القوات المسلحة يمكن
استغفالهم، لأنهم مثل الآخرين « لديهم
ولاءات لمعتقدات أو أمم أخرى».
وأضاف
إبرهارت قائلا: «لدي مخاوف، وأعرف
كثيرين في القوات المسلحة لديهم مخاوف
مماثلة» أن يكون المتطرفون الأجانب هم
الذين دبروا الاختراقات الأمنية في
غوانتانامو، القاعدة التابعة لسلاح
البحرية والتي يحتجز فيها حاليا حوالي
660 من سجناء القاعدة وطالبان. وسيسافر
إلى العراق هذا الشهر، عالم الاجتماع
العسكري، تشارلس موسكوس، ليجري
استطلاعا بين القوات حول الروح
المعنوية والقتالية. وهو يخطط لتوجيه
أسئلة حول مدى استعداد الجنود
المسلمين لمحاربة اخوتهم المسلمين،
وما إذا كان الجنود يثقون بالجنود
المسلمين الذين يوجدون معهم في نفس
الوحدات. وقالت مرشدة دينية، مسيحية
سوداء، تعمل حاليا في العراق، ان
زملاءها يشعرون ببعض «التوتر بسبب
وجود مسلمين في وحداتهم، مع أن أغلب
هؤلاء من السود أيضا». وقالت ان هؤلاء
يتساءلون : «هل يمكننا أن نثق بهم حقا؟»
ولكن مع كل هذه المخاوف فإن المسؤولين
يقولون أنهم لم يشاهدوا أية علامة من
علامات التردد، دع عنك بوادر الخيانة،
في صفوف الجنود المسلمين وسط القوات
المسلحة والذين يتراوح عددهم بين 5
آلاف و10 آلاف، ويعتقدون أن نسبة ضئيلة
جدا يمكن أن تتعرض للاستغلال والتجنيد
من قبل المتطرفين الأجانب. ففي سلاح
البحرية «المارينز» على سبيل المثال
تنازل عن أداء مهام عسكرية أو اوردوا
أسبابا تتعلق بالمعارضة الأخلاقية
لهذه المهام، ثلاثة فقط من المسلمين،
وذلك منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001.
ويقول
بعض المعارضين لسياسة الحكومة حول
الإرهاب، ان وزارة الدفاع الاميركية «البنتاغون
مشغولة بتقوية الروابط الدينية بين
الجنود بحيث أنه لا ينتبه للمشاعر
المعادية لأميركا وسط الجنود المسلمين.
وقال تور روناي، الباحث في شؤون
الإرهاب بمعهد السياسات الأمنية، وهو
مؤسسة محافظة: «للقوات المسلحة مبدأ في
الانتماءات السياسية يقول: «نحن لسنا
في وضع يسمح لنا بالحكم على ديانة أي
شخص». ولكن التساؤلات حول ولاء الجنود
المسلمين اثيرت من جديد عندما قبض على
الثلاثي المشار إليه في قاعدة
غوانتانامو. وقد وجدت بحوزة كل من
هؤلاء وثائق لم يكن مأذونا لأي منهم
بحيازتها حسب تصريحات المسؤولين. وقال
المسؤولون ان أحد هؤلاء وهو النقيب
بالجيش جيمس يي، عبر عن تضامنه مع
المعتقلين وأنه ربما صار مواليا لهم.
وقد اعتنق يي الإسلام بعد محاورات مع
رجال الدين السعوديين عام 1991. وتقول
وثائق المحكمة ان المتهم الثاني، أحمد
حلبي، وهو من سلاح الطيران، وعمل
مترجما، لديه تحفظات حقيقية حول
السياسة الخارجية الأميركية، كما لديه
اعتراضات قوية حول الأوضاع في السجن
بغوانتانامو. أما الثالث، أحمد
مهالبة، وهو مدني يعمل مترجما كذلك،
فقد اعتقل بمطار لوغان الدولي ببوسطن
وهو عائد من زيارة لمصر، ووجدت معه
معلومات سرية في قرص مضغوط واحد على
الأقل. ويحاول المحققون أن يتثبتوا
حاليا مما كان هؤلاء الثلاثة، أو أي
اثنين منهم كانوا ينسقون مع بعضهم
البعض، أو ما إذا كانوا على صلة
بحكومات أو منظمات إرهابية أو غير ذلك
من الجهات التي يمكن أن تستفيد من هذه
المعلومات. ويعتبر هذا أول تحقيق في
نشاطات الدعاة المسلمين منذ اعتناق
عدد كبير من افراد الجيش الإسلام عام
1991.
ورغم
القلق الذي راودهم حول المحاضرات التي
نظمت للجيش وفي حرب الخليج في الخيام،
إلا أن المسؤولين العسكريين
الأميركيين لم يوقفوا هذه الجموع،
تماشيا مع المبدأ الراسخ بعدم التدخل
في ديانات الجنود. وقد صرح أحد الذين
نظموا هذه الدروس من الأئمة السعوديين
وهو بلال فيلبس، لمجلة «المجلة»
السعودية، في أغسطس (اب) الماضي، ان
اجتماعات الخيام كان يشرف عليها «فريق
خاص يتحدث أعضاؤه اللغة الإنجليزية
بطلاقة»، ومن ضمنهم متخصصون في العمل
الإذاعي وعلم النفس. وقد دفع للفريق ـ
وكان حاصلا على تمويل جيد ـ نفقات الحج
للجنود الذين اعتنقوا الإسلام ومول
زيارتهم الى المدن المقدسة، كما قام
بزيارات متابعة لهم حتى بعد عودتهم إلى
بلادهم. وينحدر بلال فيليبس من أصل
جمايكي. ولا يحتفظ المسؤولون
الأميركيون بعدد الذين اعتنقوا
الإسلام، ولكن الإرتفاع الكبير في عدد
الجنود المسلمين لفت أنظار كبارالضباط.
قال هيرمان كيزر، الذي كان وقتها عقيدا
في الجيش، وكان يرأس لجنة المرشدين
الدينيين داخل الجيش: «كانت هناك مخاوف
تتعلق بمقدرة الجنود المسلمين على حمل
السلاح ضد اخوتهم المسلمين. كما كانت
هناك مخاوف كذلك حول أثر الأحداث في
الشرق الأوسط على المسلمين داخل
القوات المسلحة».
وكان
واضحا أن فيليبس ليس مؤيدا لسياسة
الولايات المتحدة. وقال في مقابلة
أجريت معه: «إن صدام الحضارات حقيقة
واقعة. فالحضارة الغربية بقيادة
الولايات المتحدة هي عدوة الإسلام».
وبتشجيع منه قام بعض رفاقه في الجيش
بتدريب مسلمين بالبوسنة في التسعينات.
وحقق معهم مكتب المباحث الفيدرالي في
تهم تتعلق بالإرهاب فيما بعد. وبحلول
أوائل التسعينات كان البنتاغون يبذل
جهودا حثيثة مع الناشطين المسلمين في
الولايات المتحدة بغرض تجنيد أئمة
ومرشدين دينيين لتقديم الخدمات
الدينية للجنود الذين اعتنقوا الإسلام
داخل القوات المسلحة.
وأحد
مهندسي هذا المشروع هو عبد الرحمن
العمودي، الذي وجهت له يوم 23 أكتوبر (تشرين
الاول) تهم تتعلق بغسيل الأموال، إذ
اتهم باستلام مئات الآلاف من
الدولارات من ليبيا. وقد تعامل
المسؤولون الأميركيون مع ذلك باعتباره
إرهابيا مدعوما من قبل الدولة. قال
كيزر، انه بالنظر للوراء كان من
المفروض أن يكون المسؤولون العسكريون
أكثر حذرا تجاه حملات الأسلمة وتجاه
مشروع الأئمة الذي كان على رأسه
العمودي، لأن الأخير كان صاحب تصريحات
علنية بمساندته لمنظمات تصنفها
الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية.
وقال: «لا أعتقد أن الجهات العسكرية
لديها أي وعي بالقضايا العالمية».
ويعترف
المسؤولون كذلك بأنهم كانوا على غفلة
كبيرة فيما يتعلق بالمخاطر الأمنية
الخطيرة التي كان يمثلها المترجمون
الذين وظفوا في إطار الحرب ضد الإرهاب.
فقد كانت ندرة المترجمين العرب، سببا
في تساهل المسؤولين العسكريين إزاء
فحصهم الأمني، وقد حصل كل من حلبي
ومحالبة على تصاريح أمنية سريعة نسبيا.
وقال تشارلس أبيل، المسؤول الكبير
بالبنتاغون، في شهادة أدلى بها أمام
مجلس الشيوخ، ان قضيتي محالبا وحلبي
كانتا نتيجة لهذا التهاون «فقد وجدنا
أنفسنا أمام ثنائي ليس أهلا للثقة
بالصورة التي كنا نأمل فيها».
وقال
كيفين هندزيل، المتحدث باسم رابطة
المترجمين الأميركية، والذي له علاقات
وطيدة مع القوات المسلحة، ان حاجة
المسؤولين العسكريين الماسة
للمترجمين العرب، تجعلهم يوظفونهم مع
وجود مخاوف جدية بأن يكون هؤلاء على
علاقة بالقاعدة. وقال: «القاعدة تعلم
أننا في أمس الحاجة للمترجمين، ولذلك
تكون هذه قناة طبيعية لاختراقنا من
قبلهم».
ولكن
العريف بقوات المارينز، جمال بعداني،
يقول ان كل هذه المخاوف الأمنية لا
أساس لها. والبعداني مؤسس منظمة تسمى:
رابطة الوطنيين الأميركيين العرب
بالقوات المسلحة، وهو يقول ان كثيرين
من المسلمين يضطلعون بمهام حساسة جدا
داخل القوات المسلحة وفي الحرب ضد
الإرهاب. وقال أثناء عطلة قصيرة من
مهمته القتالية في الشرق الأوسط: «هذا
وطننا». وقال انه يكره هذه الإيحاءات
حول عدم ولاء الجنود المسلمين، وقال
إنها إهانة يزيد من ثقل وقعها الإهانات
التي يتعرض لها هؤلاء من المسلمين
الآخرين. وقال إنه وصف بأنه «خائن
وبأنه العم سام» من قبل مسلمين آخرين،
لأنه يعمل في القوات المسلحة.
وقال
عريف المارينز مايك غاتو وهو مسلم
ملتزم إنه لا يعرف أي مسلم في الجيش
عارض القتال في العراق. وأضاف انه «على
العكس من ذلك أنا أعرف العديد من
المسلمين الذين ذهبوا بناء على رغبتهم.
كان على صدام مغادرة الحكم، وسيقول
الكثير من المسلمين نفس الشيء إذا
سئلوا بغض النظر فيما إذا كانوا من
المارينز أم لا».
لكن
بعض حالات عدم الولاء برزت للسطح خلال
السنوات الأخيرة. ففي سنة 2000 أدين محمد
على بتهمة التواطؤ بما يخص تفجير
السفارتين الأميركيتين سنة 1998 في شرق
أفريقيا. وكان هذا العريف في القوات
الخاصة الأميركية عضوا ميدانيا في «القاعدة»
وانتماؤه إلى الجيش من نوع التسلل
لصالح تنظيم «القاعدة».
وفي
الشهر الماضي أدين الجندي الاحتياط
جفري ليون باتل من مدينة بورتلاند
بولاية أوريغون بتهمة التواطؤ لشن
هجوم ضد الولايات المتحدة بعد أن سعى
لعدة أشهر للدخول إلى أفغانستان
لمقاتلة القوات الأميركية. وقال وكلاء
النيابة الأميركيون إنه انتمى إلى
قوات الاحتياط «لكي يكسب تدريبا
يستعمله ضد الولايات المتحدة».
وفي
شهر مارس (اذار) الماضي حينما كانت وحدة
العريف حسن أكبر تتهيأ للدخول إلى
العراق من الكويت قام بقتل اثنين من
الضباط بهجوم بالقنابل. وقال أقرباء
أكبر الذي اعتنق الإسلام إنه وجهت له
عقوبة عسكرية بسبب عدم طاعته لأوامر
مسؤوليه، وهذا ما جعله يشعر أنه موضع
اضطهاد لأنه مسلم، وتجنب حسن أكبر
الخدمة في حرب الخليج الأولى لأنها
تتعارض مع إيمانه الديني حسبما قال
قريبه قرآن بلال.
وكانت
الفئات المتطرفة ضمن الجالية المسلمة
تعتدي من وقت إلى آخر على المسلمين
المنتمين إلى الجيش خصوصا في الفترة
التي كانت الولايات المتحدة تتهيأ
فيها لغزو أفغانستان سنة 2001. وسأل رجل
دين في الجيش طه جابر علواني العالم
الإسلامي البارز من معهد فرجينيا الذي
يدرب رجال الدين المسلمين للجيش
الأميركي لإصدار فتوى دينية حول ما إذا
كانت محاربة المسلمين مسموح بها دينيا.
وما اذا كانت اجابته بالنفي ستخلق أزمة
كبيرة.
ولكتابة
فتواه استشار علواني العديد، من ضمنهم
يوسف قرضاوي وهو رجل دين يقيم في قطر
وله شعبية كبيرة، وكان قد مُنع من دخول
الولايات المتحدة لدعمه القوي للهجمات
الانتحارية ضد الإسرائيليين.لكن
الفتوى في نهاية المطاف تكيفت بشكل
يرضي الطرفين إذ هي من جانب تقول إن
بإمكان المسلمين أن يقاتلوا في
أفغانستان ولكنها من جانب آخر أكدت أن
المسلمين الأميركيين أمامهم خيار رفض
القتال. لكن الجيش عادة لا يسمح لجنوده
باختيار الحروب التي سيقاتلون فيها.
وقال
الناشط مهدي براي من فرجينيا إن الفتوى
مكتوبة بطريقة تقبل أكثر من تفسير، فهي
تسمح للمسلمين أن يخدموا في الجيش
بينما ترضي المتشددين من جانب آخر عن
طريق معارضة الولايات المتحدة في
حربها ضد الإرهاب.
وعلى
الرغم من البراعة في صياغة الفتوى
فإنها «خلقت اضطرابا ضمن الجالية
المسلمة» لأن بعض المتشددين المسلمين
اعتبروها منحازة لموقف الولايات
المتحدة حسبما قال براي. وأضاف «انها
لا ترضي أي شخص» في الجالية المسلمة.
*خدمة
«واشنطن بوست»ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|