أخطاء
بوش وعثراته في العراق أفقدته
مصداقيته
أمام العالم
بقلم:
اوفيه شميت
يرى
المحللون بأنه ليس أمام بوش الآن سوى
ثلاثة خيارات، فإما أن يجد أو يستحدث
مبررات جديدة وهو ما يسعى اليه حالياً
بالتشديد على تحرير العراقيين و جلب
الديمقراطية لهم، اوان يتمسك بمواقفه،
لكن الجميع يرجحون ألا يتم العثور على
أي شيء أوان يقر ويعترف صراحة وبشكل
مباشر بأنه قد أخطأ وبأنه يتحمل كامل
مسؤولية هذا الخطأ لكنه لا يبدو
مستعداً للاعتراف بمثل هذا الخيار
ويفضل بالمقابل قبول أحد الخيارين
الأوليين.
أصبح
الجدل القائم حول عدم العثور على أسلحة
دمار شامل و عدم وجود علاقة بين نظام
صدام حسين السابق و تنظيم القاعدة يشكل
واحداً من العوائق الرئيسية في وجه
الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام سعي
المعارضين الديمقراطيين الى إبراز هذا
الموضوع مع اقتراب انتخابات الرئاسة
الأمريكية.
ويتفق
معظم المحللين السياسيين في القول على
أن المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة
جورج بوش يواجه بالفعل مأزقاً كبيراً،
فهو في وضع من برز الحرب على العراق وهو
الذي تنهار أمامه الآن كل التبريرات
التي أعلنها الواحد تلو الأخرى.
ويرى
هؤلاء المحللون بأنه ليس أمام بوش الآن
سوى ثلاثة خيارات فإما أن يجد أو
يستحدث مبررات جديدة وهو ما يسعى اليه
حالياً بالتشديد على تحرير العراقيين
وجلب الديمقراطية لهم، أو أن يتمسك
بمواقفه لكن الجميع يرجحون ألا يتم
العثور على أي شيء أو أن يقر و يعترف
صراحة وبشكل مباشر بأنه قد اخطأ وبأنه
يتحمل كامل مسؤولية هذا الخطأ لكنه لا
يبدو مستعداً للاعتراف بمثل هذا
الخيار ويفضل قبول احد الخيارين
الاوليين.
الديمقراطيين
في المقابل و بعد أن اتضحت الرؤية الى
مرشحهم الأوفر حظاً الذي سيخوض معركة
الانتخابات الرئاسية ضد المرشح
الجمهوري بوش وهو المرشح المليونير
جون كيري، صعدوا من لهجة هجماتهم وقال
المرشح الديمقراطي كيري و هو يوجه
أصابع الاتهام الى الرئيس بوش " إن
هذا الرئيس قد خان كل الوعود التي
قطعها على نفسه أمام الأمريكيين وشن
حرباً دون أن يحرص على تشكيل ائتلاف
شرعي مساند و مؤيد له في هذه الحرب و لم
يستنفذ احتمالات عمليات التفتيش عن
أسلحة الدمار الشامل ولم يجعل من الحرب
آخر الحلول المطروحة إن مثل هذا الرئيس
الأكبر وأقوى دولة في العالم لا يمكن
اعتباره قائداً جيداً للولايات
المتحدة.
وإزاء
الانتقادات المتزايدة و القوية
والاتهامات التي وجهها الرئيس السابق
لمجموعة المفتشين الأمريكيين في
العراق ديفيد كاي والتي أكد فيها ان
العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل
قبل وأثناء وبعد قرار بوش وحليفه
البريطاني توني بلير بشن الحرب، وأن
وكالة المخابرات المركزية الامريكية (
سي آي ايه ) قد أخطأت داعياً الى فتح
تحقيق مستقل بشأن هذه الأخطاء، فإن
إدارة بوش عارضت في بداية الأمر إجراء
أي تحقيق مستقل بهذا الشأن، بدعوى ان
مجموعة المفتشين الأمريكيين لم تنه
مهمتها بعد، لكنها و تحت الضغط و
الإلحاح من جانب الديمقراطيين عادت و
رضخت لهذه الضغوط غير أنها اشترطت بأن
تنشر نتائج هذا التحقيق بعد الانتهاء
من معركة الانتخابات الرئاسية
القادمة، وقال الرئيس بوش في هذا الصدد
في أكثر من مناسبة بأنه يريد أيضاً
معرفة الحقائق والوقائع وأن يكون
قادراً على مقارنة ما يعثر عليه
المفتشون الأمريكيون في العراق بما
كانت لدى الإدارة من معتقدات قبل غزوها
و احتلالها للعراق.
وبالطبع
يكمن في أحد المخارج المحتمل من هذا
المأزق الذي وجد بوش نفسه في مواجهته
في إلقاء اللوم والمسؤولية على الـ ( سي
آي ايه) والمطالبة بالتالي باستقالة
رئيسها جورج تينت.
غير
أن استاذ العلوم السياسية في جامعة
ماريلاند الأمريكية تريفور باري جيل،
اشار الى أن هناك اتهامات اخرى عديدة
تقول ان نائب الرئيس ديك تشيني هو الذي
يتحمل نصيباً وافراً من هذا المأزق
الذي تواجهه إدارة بوش باعتبار ان
تشيني هو الذي تلاعب بالمعلومات التي
كانت تتوفر لديه من جانب الاستخبارات،
وحتى لو تعثر اثبات ذلك، إلا أنه يضعف
الحجج القائلة ان أجهزة الاستخبارات
ارتكبت هفوة وقعت الإدارة ضحيتها،
وقال ان الألمان والفرنسيين كانت
لديهم نفس المعلومات لكنهم رأوا
جميعاً باستثناء البريطانيين انه
ينبغي التريث والانتظار لمعرفة ما
ستسفر عنه نتائج عمليات التفتيش التي
كانت تقوم بها فرق التفتيش الدولية لكن
الرئيس بوش و من وراءه من أقطاب
الإدارة الذين أصروا وبشكل مطلق على
التحرك باتجاه الحرب.
وفي
ضوء كل هذه الحقائق والتطورات
المتسارعة أصبح من الصعب خوض الجدل
القائم وخاصة وأن بوش يواجه مرشحين
ديمقراطيين أقوياء ومتنفذين من طراز
جون كيري الذي ينظر اليه باعتباره بطل
حرب في فيتنام بالرغم من انه كان قد صوت
في العام 2002 لصالح قرار الكونغرس الذي
أجاز للرئيس استخدام القوة ضد صدام
حسين وهو امر يضعف موقفه بدون شك.
وحتى
الرئيس بوش أصبح يتجنب في الآونة
الاخيرة الخوض في مسألة أسلحة الدمار
الشامل ويفضل بالمقابل عرض حجج جديدة
لتبرير الحرب، وهو في ذلك يضع العراق و
أفغانستان في خانة واحدة ويكرر
التهديد بالتالي بمواصلة الحرب ضد
الإرهابيين في البلدين وهذان البلدان
اختارا الرد بالتحدي وهما بالتالي
بمواصلة الحرب ضد الإرهابيين في
البلدين وهذان البلدان اختارا الرد
بالتحدي وهما بالتالي لم يعودا
موجودين.
ومن
هنا يبدو أن الرئيس بوش قد استوعب
الدرس جيداً وفهم أخيراً انه لا يستطيع
خداع جميع الناس كل الوقت لكن هذا
الفهم وهذا الإدراك قد جاء متأخراً و
بعد فوات الاوان وبعد أن وصلت فرص
اعادة انتخابه حسب أحدث استطلاعات
الرأي الى أقل من النصف خاصة بالنسبة
للناخبين الذين يعارضون وينتقدون
سياساته، وأصبح الرئيس بوش يجر معه في
حملته الانتخابية هذه الأيام الخطأ
الاستراتيجي المتمثل في غزو و احتلال
العراق، هذا الرئيس قام بإطلاق حرب
وقائية بلا مبررات واتخذ قرار الحرب و
هو آخر وأخطر خيار يمكن ان تلجأ اليه
الدول في محاولة لتسوية النزاعات
والأزمات لكنه و مع الإدارة الامريكية
المحافظة الجديدة في البيت الأبيض
أصبح يواجه نتيجة أعماله داخل و خارج
الولايات المتحدة ورفع رصيده من
الاعداء والخصوم وخفض رصيده في
المقابل من الحلفاء والأصدقاء ووجد
نفسه في نهاية المطاف وحيداً و في موقف
ضعيف كونه قد قاد حربه على العراق
استناداً الى مبررين رئيسيين لم يتحقق
أي منهما حتى الآن: المبرر الاول تمثل
في وجود علاقة حقيقية مفترضة وليست
مؤكدة و غير مدعومة بالأدلة والبراهين
و الاثباتات بين نظام صدام حسين وتنظيم
القاعدة بينما تمثل المبرر الثاني في
امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وهو
المبرر الذي أثبتت التطورات المتسارعة
والمتلاحقة بأن كان مفعلاً و لا يستند
الى أية ادلة وإثباتات مما أفقد الرئيس
وأركان إدارته مصداقيته أمام شعبه
وناخبيه اولاً و أمام العالم ثانياً.
فالرأي
العام الامريكي أصبح على قناعة تامة
الآن بأن كل هذه المبررات كانت عبارة
عن أكاذيب ولعل أكبر دليل شعبية بوش
وتصاعد شعبية منافسه الديمقراطي في
انتخابات الرئاسة جون كيري، و ربما كان
العالم قد أعطى أعذاراً للرئيس بوش في
حربه ضد الإرهاب في افغانستان التي
احتضنت في وقت تنظيم القاعدة
وتدريباتها التي كانت سبباً في هجمات
الحادي عشر من أيلول.
وحتى
مع فشل بوش و اخفاقه في إعادة بناء هذا
البلد وعد تحقيق النصر الكامل في حربه
ضد تنظيم القاعدة فإنه وبعد انقضاء
أكثر من عشرة أشهر من غزو واحتلال
العراق فإن الإدارة الأمريكي تبدو
عاجزة عن تحقيق أي من الأهداف المعلقة
بهذا الغزو والتي دأب الأمريكيون على
ترديدها، فالعراق لم يتحول الى واحدة
من الديمقراطية أو الى أرض تزدهر فيها
الحرية وينمو فيه السلام والرخاء.
وعلى
أية حال فإن المبررات الكاذبة التي
استندت اليها الإدارة الأمريكية
لتبرير شن الحرب على العراق قد ارتدت
وكما هو متوقع على من حاول اقناع
العالم بها، وان هذه المبررات لم ينتج
عنها سوى ما هو ضد هذه الإدارة و
توجهاتها ومن أبرز ما أفرزته هذه
المبررات الكاذبة تمرد الأمريكيين
وعدم تصديقهم لقاداتهم في الإدارة
الأمريكية لا الآن ولا مستقبلاً اضافة
الى فقدان المصداقية بالنسبة للطموحات
والمشاريع التي تراها أمريكا مناسبة
لمنطقة الشرق الأوسط.
صحيفة
ديفيلت الألمانية
2/5/2004
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|