هل
ودّع الاقتصاد السوري التطور؟
مشروعات
استراتيجية بلا دراسة جدوى
والرهان
على المستقبل في خطر!
أيهم
أسد
ما
اجتمع ثلاثة اقتصاديين إلا وتمخض عنهم
أربعة آراء، فالرأي الرابع هو الرأي
المشترك بينهم، فأين الرأي الرابع في
الاقتصاد السوري؟
كلٌ
يغني على ليلاه، وزارة الصناعة، مكتب
الاستثمار، القطاع الخاص.. والمواطن
يبتلع النتائج مهما كانت!
نركض
وراء القروض ورأس المال الأجنبي
لإقامة مشاريع ثقيلة ومتطورة بينما
يلهث رأسمالنا المحلي وراء مشاريع
استهلاكية خفيفة.
ومع
مرور الزمن أُتخم الاقتصاد بالمشاريع
المتشابهة والمكررة والمتواضعة
وافتقد إلى صيغة المشاريع الاقتصادية
الحقيقية والنتيجة هي اقتصاد نسيج
وخدمات وتجميع أجهزة وتسويق خضار و..
والحبل على الجرار..!!
بعد
اثني عشر عاماً ماذا حصل؟!
لم
يساهم القانون رقم (10) للاستثمار منذ
عام 1991 وحتى هذا العام بتغيير بنية
الاقتصاد السوري وتحويله إلى اقتصاد
صناعي برغم عدم إمكانية إسناد هذا
الدور للقطاع الخاص وحده، إلا أنه
طالما أن الحكومة السورية آنذاك قد
اتخذت قراراً اقتصادياً علنياً يسمح
بدخول القطاع الخاص والعمل في
الاقتصاد مطلقة له اليد في شتى
المجالات الاقتصادية ومقدمة له
تسهيلات ما كان ليحلم بها يوماً، طالما
اتخذت الحكومة ذلك القرار كان من
الممكن إدارة القرار بالشكل الاقتصادي
السليم والصحيح وقراءة أبعاده
الاجتماعية الاقتصادية بدقة متناهية
لتحديد مفعول قرارها الحقيقي لا أن
تكتفي بإصداره فقط، وبعد أربع حكومات
متتالية على سوريا وتعديل لبعض مواد
القانون لم نحصل على شيء جديد إنما
حصلنا على مشاريع فردية عديمة
الترابطات الاقتصادية ومكررة نفسها في
كل المحافظات وكل القطاعات، وكانت
الكارثة الكبرى أن قطاع النقل قد حاز
حصة الأسد من هذه المشاريع وكأن
صناعتنا متطورة بالشكل الكافي واللائق
ومتقدمة تكنولوجياً ولسنا بحاجة لأي
إضافات عليها، حتى الصناعات التي
أدخلها هذا القانون لم تكن صناعات
تكنولوجية متقدمة بقدر ما هي صناعات
بسيطة واستهلاكية، ومازال البعض يصر
على أن هذا القانون قد حرّك الصناعة
السورية وأدار عجلتها، ويمكن لنا أن
نذكر على هامش حديثنا أنه في إحدى
جلسات المجلس الأعلى للاستثمار في عام
2003 تم عرض (26) مشروعاً صناعياً وزراعياً
وافق المجلس على (14) مشروعاً منها بكلفة
استثمارية إجمالية لها بقيمة (4.05)
مليار ليرة، وفي نفس الجلسة عرض على
المجلس حوالي (29) مشروعاً للنقل فتمت
الموافقة عليها جميعاً، لكن كلفتها
الاستثمارية لم تتجاوز الـ(427.96) مليون
ليرة سورية، وبحساب بسيط نجد أن
التكاليف الاستثمارية لـ(14) مشروعاً
صناعياً تزيد بمقدار (10) مرات تقريباً
عن التكاليف الاستثمارية لـ(29) مشروع
نقل.
والسؤال
المشروع الآن: ألا يكفي الاقتصاد
السوري (1950) مشروع نقل بري وبحري حتى
نهاية عام 2002 لنضيف إليهم كل عام عشرات
جديدة منها؟ وبنفس الوقت هل يكفي وجود
(985) مشروعاً صناعياً (رغم تواضعها
ونوعية صناعاتها) لنحرم الاقتصاد من
مشاريع صناعية جديدة؟ وكيف تحولت
مشاريع النقل إلى مشاريع اقتصادية تجب
إضافتها للاقتصاد وإعطاؤها التراخيص
بشكل مستمر ولدينا مشروعات صناعية
حديثة متطورة لم نستطع حتى الآن
امتلاكها، وقد نبقى نحلم بامتلاكها في
ظل هذه البيئة القانونية والتشريعية
والاقتصادية لدينا؟ فحتى نهاية عام 2003
لم يتقدم أحد من القطاع الخاص بعرض
مشاريع تكنولوجية متطورة أو مشاريع
برمجية حاسوبية مثلاً ترافق ذلك مع عدم
محاولة الحكومة في الاستثمار في مثل
هذه المشاريع وكانت النتيجة أننا
مازلنا وربما سنبقى نستورد كل ما يتعلق
بالتقانة الحديثة بدءاً من التقانة
الصناعية وانتهاء بأقراص الـ(CD).
دراسات
الجدوى المتوفرة:
لم
تستطع الإدارة الاقتصادية السورية عبر
عقود من سياستها أن تؤمن انتقال
الاقتصاد المحلي إلى مصاف الاقتصادات
المتطورة، ولم يستطع القطاع الخاص
بدوره والذي (دللته) الحكومة كثيراً أن
يقوم بنفس المهمة أو حتى بجزء بسيط
منها، وانتهى بنا الأمر إلى الوقوع في
حلقة اقتصادية مفرغة، فالحكومة فقدت
زمام التطور التكنولوجي الاستراتيجي
والقطاع الخاص يتحاشى المخاطرة ،
وكانت النتيجة أنه حتى عام 2004 فإن
دراسات الجدوى الاقتصادية المتوفرة في
سوريا كانت غالبيتها للمشاريع
التقليدية جداً سواءً صناعية أم
زراعية أم أي مشاريع أخرى، في حين
افتقد الاقتصاد إلى دراسات للجدوى
الاقتصادية وبالتالي إلى مجرد التفكير
بإقامة بعض الصناعات المتطورة
والحديثة، وفيما يلي نخصص بعض
القطاعات التي توافر لمشاريعها دراسات
جدوى اقتصادية .
قطاع
الزراعة اختصر إلى الخضار والفواكه:
هذه
حزمة من المشاريع التي يفكر بها
الاقتصاد السوري ويسمح القائمون عليه
بتنفيذها في قطاع الزراعة ومنها مزرعة
أبقار، معمل ألبان، معمل أجبان، تبريد
وتجميد الخضار والفواكه، مشروع
للتدريج وتعبئة الخضار والفواكه،
مشروع لفرز وتوضيب الخضار والفواكه،
مشروع وحدات تسويق وتجهيز الخضار
والفواكه، مشروع تطوير إنتاج وتسويق
وتصنيع الحليب في المنطقة الساحلية،
مشروع تطوير إنتاج الحليب في منطقة
الغاب، مشروع إنتاج أسماك في بحيرة
الأسد، وأخيراً مشروع إنتاج مستلزمات
الري وأدوات الري المتطورة، ويضاف إلى
ذلك أن المنظمة العربية للتنمية
الزراعية قد أعدت دراسات جدوى للقطاع
الزراعي السوري لم تكن أحسن حالاً من
دراساتنا، فقد أعدت هذه المنظمة
دراسات عن مشروع لحفظ وتبريد الخضار
والفواكه ومشروع لإنتاج الزهور
ونباتات الزينة ومشروع إنتاج الخضر
ونظام الزراعة المحمية ومشروع لإنشاء
مجمع صناعي للألبان، وأخيراً دراسة
لمصنع إنتاج الأعلاف المتكاملة، وهذا
حول القطاع الزراعي بأكمله إلى قطاع
خضر وفواكه وألبان؟ وأن ذلك القطاع لم
يشهد دراسة واحدة عن إمكانية تصنيع
آلات زراعية ومعدات حديثة بدلاً من
الاستمرار في استيرادها من الخارج؟
وأنه لم يشهد أي مشروع أو فكرة حول
إقامة مصنع لتصنيع تكنولوجيا زراعية
لتحسين نوعية المحاصيل أو الأرض أو حتى
لاكتشاف أنواع جديدة من الزراعة؟ ففي
حين حصل العالم على نتائج اقتصادية
متقدمة وطور الموروثات المعدلة
زراعياً وأنشأ حقوق ملكية زراعية
مازلنا نحن نحلم بإنشاء مصنع للألبان
وآخر لتبريد الخضار والفواكه، فلماذا؟
الصناعة
الغذائية نحو مزيد من الإخفاق:
تشهد
الصناعة الغذائية السورية خسائر
متزايدة عاماً بعد عام، فأكثر من نصف
المنشآت التابعة للمؤسسة العامة
للصناعات الغذائية خاسرة ومثل قطاع
الزراعة سابقاً، وتحولت الصناعات
الغذائية إلى مشاريع لرب البندورة
والجبنة والزيوت والعصائر، ولم يشهد
هذا القطاع توافر دراسات جدوى
اقتصادياً فبقي على وضعه الحالي دون
حراك في حين لم تقدم أي دراسة اقتصادية
لإنتاج وتطوير معدات التصنيع ذاتها أو
لإدخال تكنولوجيا إنتاجية جديدة
مثلاً، وبالتالي بقيت هذه الصناعات
تنتج صناعياً وبشكل أتوماتيكي
داخلياً، وتستهلك تكنولوجيا من الخارج
بسبب اعتمادها على استيراد آلاتها
وتجهيزاتها، ومن دراسات الجدوى
الاقتصادية المقدمة في قطاع الصناعة
الغذائية نذكر دراسة الجدوى لمشروع
إنتاج رب البندورة وتعبئته ودراسة
جدوى لمجمع تصنيع النشاء ومشتقاته
ودراسة الجدوى لإقامة خط جديد لإنتاج
الجبنة القشقوان في معمل ألبان حلب
ودراسة جدوى لمشروع إنتاج حمض الليمون
ودراسة الجدوى الاقتصادية والفنية لخط
إنتاج بيرة جديد، ودراسة الجدوى
الاقتصادية والفنية لخط التعبئة الآلي
لشركة حمص لتصنيع العنب.
الصناعات
النسيجية.. خيوط وأقمشة فقط:
ركزت
دراسات الجدوى الاقتصادية في قطاع
النسيج على العمليات الإنتاجية
النهائية وعلى المنتج تحديداً وابتعدت
عن الدراسات التطويرية والتكنولوجية،
وبالطبع فإن دراسات الجدوى للمشاريع
التالية والتي فيها إقامة مصنع كذا أو
كذا فإن تجهيزات هذا المصنع مستوردة من
الخارج مئة بالمئة، ونذكر من هذه
الدراسات، ملخص إنتاج خيوط غزل
البوليستر ودراسة أولية لإقامة مشروع
لإنتاج الخيوط التركيبية المتنوعة
ودراسة أولية للجدوى الاقتصادية
والفنية لمشروع النسيج الصوفي ومشروع
إنتاج الغزول والأقمشة الممزوجة
ومشروع لإنتاج مختلف أنواع الأقمشة
القطنية وأخيراً مشروع إنتاج الغزول
والأقمشة الممزوجة.
ما
نحتاج إليه مفقود، هل نقول وداعاً
للتطور؟
في
القطاعات الثلاثة السابقة كرست دراسات
الجدوى الاقتصادية المتوفرة في
الاقتصاد السوري الوضع الاقتصادي
المتردي، ولم تستطع أن تقدم أكثر من
نسخ جديدة لمشاريع قائمة وتجاهلت كافة
الدراسات الحاجة إلى ضرورة توافر
التكنولوجيا والمعلوماتية، فمن
المؤسف أن يكون هناك عشرات المشاريع
لإنتاج الخضار والفواكه ولا يكون هناك
مشروع واحد لإنتاج التكنولوجيا، ولكن
من المؤسف أكثر أن مجرد التفكير بمثل
هذه المشاريع مازال بعيداً عن القطاع
الخاص وعن الحكومة في الوقت ذاته،
وبالتالي بقيت العديد من الأفكار
المهمة والعصرية والمتطورة محرومة حتى
من التفكير بها اقتصادياً رغم أهميتها
وشكلها الاقتصادي، وبالتالي بقي
الاقتصاد بعيداً كل البعد عن إنتاج
قوته الفعلية وعن إنتاج وسائل إنتاجه
ذاتها، وهنا نورد أهم المشاريع
الاستراتيجية والعصرية والتي نحن بأمس
الحاجة إليها، ولكن لا تتوفر لها أي
دراسات اقتصادية حقيقية في سوريا، ومن
هذه المشاريع والصناعات نذكر صناعة
المولدات والمحركات الكهربائية،
صناعة القطع التبديلية للآلات
بأنواعها، صناعة الآلات والمعدات
المستخدمة في صناعة الغزل والنسيج،
صناعة وحدات التحكم الإلكتروني للآلات
والمعدات، صناعة الحاسبات
الإلكترونية ومستلزماتها ومتمماتها،
صناعة آلات التعبئة والتغليف، صناعة
أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية،
إنشاء مركز علمي متطور لإنتاج
البرمجيات، صناعة الشعيرات المستخدمة
في إنتاج الخيوط الصنعية وصناعة الصوف
الصخري من البازلت والصناعات
البتروكيميائية المعتمدة على منتجات
النفط الخام مباشرة.
خسائر
مزدوجة للاقتصاد والمواطن:
ربما
تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد
استهلاكي بالكامل ولو أنه تجري فيه بعض
العمليات الإنتاجية المتواضعة إلا أن
أدوات إنتاج هذه المنتجات ليست من صنع
الاقتصاد نفسه وبالتالي فإن اقتصاداً
لا ينتج وسائل إنتاجه الاجتماعية هو
اقتصاد مهزوز وتابع بدرجة أو بأخرى،
ومن ناحية ثانية وفي الوقت الحديث فإن
اقتصاداً يبتعد عن الإنتاج الاقتصادي
الفكري والمعلوماتي والبرمجي هو
اقتصاد متخلف معرفياً بعد تخلفه
تقليدياً وعرضة للابتزاز الدولي
والسوق الدولية، فهل انتبهنا إلى ما
يدور حولنا وأمسكنا السلسلة من المكان
الصحيح.
عن
مجلة أبيض وأسود ـ العدد 70
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها |
|