من
أين سنأتي بـ22 مليار دولار؟
بلغ
حجم إجمالي الدين الخارجي على سوريا 21
ملياراً و466 مليون دولار في نهاية عام
2002 حسب مصادر البنك الدولي، وبزيادة
قدرها 163 مليون دولار عن عام 2001، وإذا
افترضنا أن عدد سكان سوريا كان 19
مليوناً و500 ألف نسمة في نهاية العام
نفسه، وسعر صرف الدولار وسطياً بحدود 52ل.س
للدولار، فهذا يعني أن كل مواطن سوري،
سواءً كان رضيعاً أم كهلاً، هو مديون
بأكثر من 57 ألف ل.س، وبالعملة الصعبة
لدول ومؤسسات مالية مختلفة معظمنا لا
يعرف من هي! هذا عدا الديون الإضافية
التي تراكمت منذ ذلك الحين والتي
مازلنا نتغنى بها في وسائل إعلامنا.
سوريا
دولة (شديدة المديونية):
يمثل
حجم الدين هذا ما نسبته 98% من حجم
الناتج المحلي الإجمالي (الذي يمثل
قيمة كل السلع والخدمات التي يتم
إنتاجها باستخدام كل الوسائل والمصادر
الموجودة في دولة ما، حتى لو كانت هذه
الوسائل والمصادر ملك لأشخاص من خارج
تلك الدولة (مثل شركات النفط الأجنبية)
كما يتضمن القيمة الإجمالية للصادرات
مطروحاً منها قيمة البضائع المستوردة،
هذا الناتج المقدر بـ21 ملياراً و900
مليون دولار للعام 2002، كما يمثل حجم
الدين أيضاً ما نسبته 275% من حجم
الصادرات البالغ 7 مليارات و785 مليون
دولار لنفس العام، وعلى أساس هاتين
النسبتين تعتبر سوريا من الدول (شديدة
المديونية) في العالم، إذ يكفي أن
تخترق هذه النسب إما حاجز 80% للأولى أو
220% للثانية كي تخضع الدولة للتصنيف
المذكور، وهو أعلى فئة لمديونية الدول
حسب المؤسسات المالية العالمية.
والجدير
بالذكر أن حجم الدين الخارجي كان يمثل
في نهاية عام 1992 ما نسبته 144% من حجم
الناتج المحلي الإجمالي، و438% من حجم
الصادرات، إلا أن ارتفاع أسعار النفط
في السنوات الأخيرة كان له الأثر
الأكبر على انخفاض هذه النسب رغم
ارتفاع حجم الدين بنسبة 12% خلال نفس
الفترة 1993-2002.
لماذا
ومتى وكيف؟
ازداد
حجم الدين الخارجي بقيمة 13 مليار دولار
تقريباً خلال فترة عشر سنوات من 1983-1992،
أي بمعدل وسطي قدره مليار وثلاثمائة
مليون دولار سنوياً، وتمثل هذه القيمة
61% من إجمالي حجم الدين الخارجي في
نهاية 2002!
ويرجح
أن معظم هذه القروض تعود للاتحاد
السوفييتي (السابق) ودول المنظومة
الاشتراكية أو دول حلف وارسو (سابقاً)،
إذ يقدّر حجم القروض لروسيا الاتحادية
ودول الاتحاد السوفييتي السابق من 10-12
مليار دولار حين انهيار الاتحاد في عام
1991، وأتت روسيا الاتحادية (كوريث
للاتحاد المنهار) لتطالب الدول
بمستحقاتها، ومنها سوريا، الأمر الذي
عبّرت عنه سوريا بأنها مدينة لدولة لم
تعد موجودة، ورغم ذلك كانت محاولة
إعادة جزء من هذه القروض في بداية
التسعينيات من القرن الماضي على شكل
بضائع، لكن (شطارة) التجّار السوريين
أجهضت المحاولة لدرجة انتشرت فيها
عبارة (احذروا البضائع السورية) على
واجهات المحال التجارية في تلك
البلدان.
وإذا
نظرنا إلى تركيبة الدين الخارجي في
نهاية عام 2002 حسب مصادر البنك الدولي
نجد أن 14 ملياراً و248 مليون دولار من
هذه الديون (أكثر من 66%) تقع في خانة
الديون الثنائية (أي باتفاقات ثنائية
بين سوريا ودول أخرى كل على حدة).
أرقام
أخرى:
بلغ
حجم خدمة الدين (الفوائد) 258 مليون
دولار عام 2002، و266 مليون دولار عام 2001،
أي أن كلاً منا كمواطنين يدفع وسطياً
ما يقارب 700ل.س سنوياً خدمة لهذا الدين.
أما
نسبة خدمة الدين إلى إجمالي حجم الدين
تقارب 1%، وهذا مؤشر إلى أننا لا ندفع عن
كل هذه الديون، بل جزء منها، وإلا كانت
قيمة خدمة الدين أضعاف هذا المبلغ حسب
النسب العالمية، ومقابل هذه الديون
وكلفتها نجد أن سوريا تحتل موقعاً لا
تُحسد عليه بين الدول الأقل دخلاً في
العالم على مستوى الفرد (وذلك بتقسيم
إجمالي الدخل الوطني على عدد السكان)،
فحسب التصنيف العالمي نجد:
ـ
متوسط (منخفض): 736-2935
ـ
متوسط (مرتفع): 2936-9075
ـ
مرتفع: أكثر من 9075
وكون
دخل الفرد في سوريا حسب هذا المعيار
كان 1130 دولاراً في السنة في العام 2002،
نجد أن سوريا هي أقرب أن تكون من الدول
ذات الدخل المنخفض منها إلى أي شيء آخر!
والسؤال
الذي يطرح نفسه: من أين سنأتي بكل هذه
المبالغ، خاصة إذا عرفنا أن 5 مليارات و617
مليون دولار من إجمالي هذه الديون (أكثر
من 26%) هي ديون (قصيرة الأجل)؟!
عن
مجلة أبيض وأسود ـ العدد 83 / 31-05-2004
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها |
|