المشهد
المعلوماتي في سوريا
م.
محمود عنبر
manbar@scs-net.org
هل
تحققت القفزات التي كنا نأمل بها في
مجال المعلوماتية؟ وإلى أي مدى تمكنّا
من ردم الفجوة الرقمية بيننا وبين
الدول الأخرى؟ وما هي أهم التحولات
التي حصلت في العام المنصرم؟
الاستراتيجية
المعلوماتية:
لقد
كان صدور المسودة النهائية
لاستراتيجية تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات واحدة من أهم الأحداث
المعلوماتية في العام المنصرم، فقد
أحدثت هذه الاستراتيجية اهتزازاً في
الواقع، وذلك ليس على المستوى
المعلوماتي فقط، إذ إنها أثارت
استفسارات عن سبب عدم وجود
استراتيجيات في المحاور الأخرى، وما
قد يعنيه ذلك من طرق عمل وتمويل حكومية
جديدة.
بالرغم
من أن الاستراتيجية لم تعالج كما يجب
البعد الاستراتيجي لقطاع الاتصالات
وضرورات تحريره، فقد كانت في باقي
المحاور واقعية وحملت رؤية واضحة
للتطوير المطلوب. وبانتظار إقرار هذه
الاستراتيجية بشكل نهائي، فإننا
نستطيع القول أننا أمام خطة عمل
معلوماتي واضحة، وخاصة فيما يتعلق
بالجزء الحكومي من العمل، أما فيما
يتعلق بالجزء غير الحكومي فأعتقد أنه
بحاجة للبحث عن آليات لضخ استثمارات من
القطاع الخاص (وليس من المستثمر
النهائي)، وهذا ما يمكن لتحرير قطاع
الاتصالات أن يؤمنه.
صناعة
البرمجيات:
بالرغم
من الطاقة الكامنة في سوريا لصناعة
برمجيات متقدمة، فإنها حتى الآن لا
تلقى التشجيع المناسب من أي جهة،
ويترافق ذلك مع اشتداد المنافسة غير
العادلة (حتى على المستوى المحلي)،
وذلك بسبب دخول شركات من الأردن ومصر
ولبنان للعمل في تقديم أعمال وخدمات
برمجية لمؤسسات القطاع العام. لأجل ذلك
تم تحت رعاية الجمعية العلمية السورية
للمعلوماتية إنشاء منتدى صناعة
البرمجيات الدمشقي، والذي يضم 19 شركة
مؤسسة، والذي سيحاول الارتقاء بالمهنة
وتهيئة البيئة المناسبة لنموها
وازدهارها بالتعاون مع الجهات المعنية.
برمجيات
المصادر المفتوحة:
لقد
ظهر اتجاه محلي للترويج لبرمجيات
المصادر المفتوحة كحل استراتيجي
لاحتكار الشركات الكبرى لصناعة
البرمجيات، وبالرغم من أنني أرى أنه من
المبكر الحديث عن حل استراتيجي لصناعة
غير موجودة لدينا أصلاً، وغير معترف
بها، فإنني أرى أنه هناك بعض الجوانب
الإيجابية في برمجيات المصادر
المفتوحة، طالما أنها لم تستخدم كمنصة
لإحلال إجراءات غير تنافسية في مجال
التوريدات الحكومية.
المنظمات
غير الحكومية:
الجمعية
العلمية السورية للمعلوماتية:
لقد
امتازت الجمعية المعلوماتية بالإرث
الذي لديها من العمل في مجال
المعلوماتية في سوريا، كما امتازت
بالقدرة على التكيف مع المستجدات،
وبالفعل فإن إحداث وزارة للاتصالات
والتقانة، وغياب عدد هام من مؤسسي
الجمعية، بسبب تفرغهم لمهام مختلفة،
قد أدى لتغييرات واسعة ضمن الجمعية،
إلا أن هذا حسب اعتقادي وإن كان قد أحدث
بعض البطء في الفترة السابقة، فهو ناجم
عن عملية إعادة التنظيم، وأعتقد أن
الجمعية قد اقتربت من تحديد معالم
دورها الجديد مع هذه المتغيرات، والذي
كما أراه لعب دور الموازن ما بين
الجهات الحكومية وجهات الأعمال من
جهة، وتقديم الدعم الفكري للتحديات
المعلوماتية التي تواجهها سوريا
اليوم، والتي تختلف عن دور الجمعية
المعلوماتية في المرحلة السابقة، حيث
كان هدفها نشر الوعي المعلوماتي بين
المواطنين، والآن أعتقد أن دورها هو
تحفيز تحقيق اختراقات نوعية في الواقع
المعلوماتي، وإلى ملء الفراغ الذي بدأ
يظهر عبر وجود لاعبين غير سوريين قد
يهتمون بضخ التكنولوجيا أكثر من
اهتمامهم بجدوى ذلك (شركات ومؤسسات
استشارية عربية وأجنبية)، وأعتقد أن
الجمعية ستتمكن من لعب هذا الدور إن
أتيح لها ذلك.
نوستيا:
بالرغم
من الطبيعة غير التخصصية لنوستيا (شبكة
العلماء والتقنيين والمبتكرين
السوريين)، حيث يفترض أن تربط بين
الاختصاصات العلمية المختلفة في سوريا
والمغترب، إلا أنه يبدو أنها، وربما
بسبب طبيعة منتسبيها تقترب كثيراً من
العمل في مجال تقانات المعلومات
والاتصالات، وعلى أية حال فإن تجربة
نوستيا المحدودة جداً وخاصة في الواقع
السوري، هي ما قد يشفع لها عن غياب
نشاطاتها في الفترة السابقة، وعن ضعف
النشاطات المعلوماتية التي قامت بها،
وأعني تجربتي ورشة المصادر المفتوحة
والمؤتمر الدولي الأول للاتصالات
والمعلوماتية، وكليهما كما أعتقد قد
عاني من عدم فهم للواقع و احتياجاته،
فجاءت هذه الندوات بفائدة محدودة
للواقع المحلي، إلا أننا نتوقع أنه
وبمرور السنوات ستكتسب نوستيا الخبرة
المطلوبة في فهم الواقع ومتطلباته
وطرق التعامل معه، وستدرك أن رغبتها
باستقلالية القرار (وهذا حقها) لا
يفترض بالضرورة عدم التعاون مع الجهات
الحكومية المحلية والمنظمات المحلية
غير الحكومية المعنية بكل تخصص، خاصة
وأن ما سمعناه في الاجتماع التأسيسي
لنوستيا منذ ثلاث سنوات هو الرغبة في
مد الجسور مع المتخصصين في الوطن الأم،
وليس اقتراح نفسها كبديل عنهم، وهنا
أعتقد أن نوستيا بحاجة لتذكر ما وعدت
بتحقيقه، وعليها أن تقف في منطقة
متوسطة بين الأعمال والجهات الحكومية،
وأن تكون أكثر قرباً للجهات غير
الحكومية (باختصاصاتها المختلفة).
أتمتة
المؤسسات الحكومية:
لم
يتغير واقع أتمتة المؤسسات الحكومية
هذا العام عن الأعوام السابقة، وقد بقي
التخبط وضياع الرؤيا الاستراتيجية سيد
الموقف، ولا أستطيع أن أرى استثناءات
تذكر، إلا بعض المشروعات المحدودة
كمشروع السجل المدني وبعض مشاريع
وزارة الدفاع، وربما مشروع المؤسسة
العامة للاتصالات (الممول من الاتحاد
الأوربي)، وبشكل عام أعتقد أن وزارة
الاتصالات والتقانة يجب أن تلعب دوراً
أكبر في هذا المجال، وأن تضع قواعد
تمنع هذا التخبط الاستراتيجي على
مستوى أتمتة المؤسسات الحكومية، بما
فيها بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة
بالحكومة الإلكترونية، وأسس تقديم
الخدمات إلكترونياً.
الاتصالات
والإنترنت:
لم
يحدث تغييرات تذكر في واقع الاتصالات
والإنترنت، إلا أن أسعار خطوط الهاتف
الثابت قد انخفضت نسبياً، وهناك اتجاه
لتخفيض أجور المكالمات الدولية
والقطرية، ومن ناحية أخرى فخدمة
المستهلك لم تتحسن حتى الآن، ومازلنا
بانتظار أن تسلم المؤسسة ما وعدت به من
خدمات أفضل للزبائن، وخاصة موضوع
الدفع الإلكتروني، وتسليم الهاتف في
اليوم التالي لطلبه (دون قائمة انتظار،
كما ذكر مديرها السابق).
أما
ما يتعلق بالهاتف المحمول، فالأوضاع
مازالت على ما هي، من حيث الفواتير
المرتفعة التي أصبحت تشكل أزمة على
المستوى الاقتصادي، فزيادة عدد
المشتركين إلى 2.2 مليون
أدى لفاتورة شهرية حوالي 3 مليار ليرة
منها ما لا يقل عن الثلث دون تقديم أي
خدمة (الجزء الناجم عن الرسم الشهري في
البطاقات لاحقة الدفع وعن زيادة كلفة
الاتصال في البطاقات مسبقة الدفع)،
وهذا يعني خروج مالا يقل عن 15 مليار
ليرة سنوياً من الدورة الاقتصادية.
في
مجال الإنترنت، هناك العديد من
التساؤلات حول أسباب تأخر إنشاء
البنية التحتية (منذ إنجاز المشروع
التجريبي للإنترنت)، كما أنه هناك نقاط
استفهام حول التشريعات التي ستحكم
استثمار البنية التحتية للإنترنت
ثانياً، وأثر ذلك على مزودي الخدمة
المفترضين من القطاع الخاص، وعلى
الحفاظ على الوضع التنافسي في السوق،
وأعتقد أن هذه المنطقة مازالت غامضة
وبحاجة لتوضيح من المعنيين.
التدريب
والتأهيل:
في
مجال التدريب، وبالرغم من عدم وجود
تراخيص لمعاهد خاصة بالمعلوماتية حتى
الآن، فهناك العديد من المعاهد التي
تعمل تحت تراخيص شتى، ومؤخراً تم
افتتاح مركز نيو هورايزن الذي أتوقع
أنه سيحدث نقلة نوعية في التدريب
والتأهيل المعلوماتي، وذلك بسبب
المعايير التي سيلتزم بها، كما نتوقع
من ناحية أخرى أن تصدر وزارة الاتصالات
والتقانة معايير خاصة بالمعاهد التي
ستتبع لها، وذلك كجزء من مبادرة مراكز
النفاذ المعرفية.
بشكل
إجمالي نستطيع اعتبار السنة الماضية
هي سنة ترقب وتحضير (من جهة)، وبلورة
لمجتمع مازال قيد النشوء والبناء، وإن
كنا نشجع أن يتم الإسراع في بناء هذا
الصرح الرقمي، إلا أننا نرى أن صوت
المستهلك الرقمي مازال غائباً، لذا
نقترح أن تقوم وزارة الاتصالات
والتقانة بتعديل أولويات برامجها لتضع
قانون حماية المستهلك الرقمي كبند أول
على جدول أعمالها، فعلينا أن نتذكر أن
كل ما نفعله يجب أن يكون هدفه جعل حياة
المواطن أكثر راحة، وذلك لتفريغه
وتمكينه من المساهمة في مسيرة التنمية.
مجلة
أبيض وأسود السورية
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|