الجذور
الإسلامية وتطورات العراق والمماطلة
الأوروبية
ما
وراء تقارب القادة الجدد في أنقرة مع
جيرانهم في إيران وسورية؟
ترتسم
في المشهد الإقليمي في غربي آسيا
مؤشرات على تقارب تركي إيراني سوري،
انعكس على زيارات متبادلة قام بها كبار
المسؤولين في الدول الثلاثة. ولم يأت
هذا التقارب من فراغ، بل انطلاقاً من
إدراك صانعي القرار التركي أساساً
للمتغيرات المحيطة بهم.
فقد
قام وزير الخارجية التركي عبد الله غول
بزيارة رسمية إلى طهران في العاشر من
كانون ثاني (يناير) 2004. وجاءت هذه
الزيارة في أعقاب زيارة الرئيس السوري
بشار الأسد إلى تركيا، وهي أول زيارة
يقوم بها رئيس دولة سوري إلى أنقرة على
الإطلاق، والتي رحبت بها وسائل
الإعلام التركية.
وكانت
العلاقات الإيرانية التركية قد تحسنت
بشكل ملموس في سنة 2003، والتي تمت
خلالها أربع زيارات رفيعة المستوى من
تركيا إلى إيران، اثنتان منهما قام
بهما غول، وست زيارات من إيران إلى
تركية، بما فيها زيارة قام بها وزير
الخارجية الإيراني كمال خرازي.
وقد
أعلنت طهران في غضون ذلك أنها تقوم
بتشديد الخناق على عناصر من حزب العمال
الكردستاني متواجدين في أراضيها،
بينما قطع التعاون الثقافي والأكاديمي
بين تركيا وإيران شوطاً مشجعاً.
وبالمقابل؛
فقد تميزت العلاقات بين أنقرة ودمشق
بمستوى رفيع من الزيارات، والتي تحسنت
في سنة 2003 كذلك. لقد زار غول دمشق في
نيسان (إبريل) منها، وقام نظيره السوري
فاروق الشرع بزيارة إلى تركيا في كانون
ثاني (يناير) 2004، بينما قام رئيس
الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو
بزيارة أنقرة في تموز (يوليو) 2003.
لكن
الزيارة الأكثر أهمية كانت رحلة
الرئيس بشار الأسد الأخيرة، والتي قام
خلالها بتجنب القضايا الخلافية بحذر.
وقد تضمنت الزيارة مباحثات عكست رغبة
الطرفين في التقارب وتهدئة الخلاف
بشأن الملفات المزمنة بين الجانبين،
من قبيل لواء الإسكندرونة المقتطع من
سورية والخاضع للسيطرة التركية،
والقلق التركي من وجود فلول لحزب
العمال الكردستاني في سورية.
ويعزو
المراقبون التحسّن الذي تشهده
العلاقات التركية الإيرانية،
ونظيرتها التركية السورية؛ في الآونة
الأخيرة إلى ثلاثة تطورات هامة، تتمثل
في إمساك حزب العدالة والتنمية بزمام
الحكم في تركيا، والحرب التي قادتها
الولايات المتحدة ضد العراق والتي
أسفرت عن احتلاله، ومماطلة الاتحاد
الأوروبي في قبول تركيا عضواً فيه.
إذ
إنّ حزب العدالة والتنمية، ذا الجذور
الإسلامية، الذي صعد إلى الحكم في
تركيا مع نهاية عام 2002؛ يبدي إدراكاً
لأهمية التواصل مع العمق الإسلامي
لتركيا، وقد انعكس ذلك على التقارب مع
طهران ودمشق.
أما
احتلال العراق فقد حمل معه خلطاً
للأوراق في المنطقة، لتصبح الولايات
المتحدة لاعباً مباشراً على حساب نفوذ
القوى الإقليمية وتوازناتها. ومن جانب
آخر؛ فإنّ الحرب في العراق قد أثارت
المخاوف في أنقرة من احتمال قيام كيان
كردي مستقل في العراق، وهو ما يكفي
لإطلاق صفارات الإنذار في الأوساط
العليا التركية. وتدرك تركيا أنّ تنسيق
الموقف الإقليمي هو خطوة لا مناص منها
للتعامل مع هذه القضية، عبر المصلحة
المشتركة التي تجمعها مع كل من إيران
وسورية، الحريصتين أيضاً على وحدتهما
الترابية.
وزيادة
على ذلك؛ فإنّ تركيا تدرك أنّ عليها
ألا تحصر خياراتها في الانضمام إلى
الاتحاد الأوروبي، الذي ما زال يماطل
في هذا الانضمام، متجاهلة حاجتها إلى
تعميق تعاونها مع جيرانها الجنوبيين.
ويدرك صانعو القرار التركي أنّ تعزيز
روابطهم مع دول الجوار غير الأوروبي
يمنح بلادهم ثقلاً أكبر في عيون
الأوروبيين الذين سينظرون إلى أنقرة
بوصفها مفتاحاً للمنطقة الاستراتيجية
الهامة.
وإذا
كان الأمر يتعلق بحالة من الوئام بين
تركيا وجارتيها لتنحسر أجواء فقدان
الثقة بين الجانبين؛ فإنّ التساؤلات
تبقى بشأن المدى الزمني الذي سيصمد
خلاله هذا التقارب النادر بينهما، وفي
ما إذا كان سيتطور قدماً، أم أنه مجرد
حالة عارضة أملتها ظروف مربكة لا أكثر.
دمشق
- خدمة قدس برس (23/04/04)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|