حزب
الاتحاد العربي الاشتراكي الديمقراطي:
السير
على الحبل المتأرجح
راما
نجمة
عندما
طلب جمال عبد الناصر من الرئيس شكري
القوتلي أن يصف له السوريين، قال له: (إن
النزعة الفردية عند السوريين طاغية
وإن كل مواطن منهم يعتبر نفسه زعيماً)
ومع ذلك تنازل شكري القوتلي عن منصب
الرئاسة واختار السوريون جمال عبد
الناصر ليكون زعيمهم، والبعض منهم
اختاروه زعيماً أبدياً.
فعندما
حدثت ثورة 23 تموز، لم يمض وقت طويل حتى
ارتبطت باسم عبد الناصر، وما إن أعلنت
عن مبادئها وأفكارها حتى اقترنت به
فكانت الناصرية ورغم قلة سطور هذه
المبادئ إلا أن عشاق عبد الناصر وجدوا
فيها ثقافتهم وبقوا مخلصين لها لتصبح
فكرهم ومبدأهم واتحادهم وحزبهم.
ولعل
حزب الاتحاد العربي الاشتراكي
الديمقراطي هو الحزب الأكثر التصاقاً
بالناصرية في سوريا، اختار أن يسير بكل
ثقة وطمأنينة على خط عبد الناصر حتى
النهاية، وفي مسيرته هذه كان عليه أن
يسير كلاعب سيرك محترف على حبل السياسة
الذي تأرجح تحته كثيراً، إلا أنه
استطاع المتابعة دون أن يقع في الهاوية
التي لا ترحم أحداً.
وإذا
تحدثنا بمنطق الأحزاب فهذا الحزب هو
الحزب الأم في الاتحاد الاشتراكي في
سوريا، انشقاقه الأكبر حدث في 1967 عندما
أصيب في الصميم بانشطاره بين اللواء
محمد الجراح والدكتور جمال الأتاسي،
لكن شق الجراح انحل مع الزمن واختفى أي
شكل تنظيمي له وبقي شق الدكتور جمال
الأتاسي الذي حافظ على وحدته
واستمراريته باستثناء خروج مجموعة
فوزي الكيالي 1973 التي آثرت العمل
الجبهوي متعرضة لعدد كبير من
الانشقاقات والنزاعات.
يقول
الأستاذ المحامي حسن عبد العظيم
الأمين العام لحزب الاتحاد العربي
الاشتراكي الديمقراطي: (الانشقاقات لم
تحدث لدينا، منذ خروجنا من الجبهة لم
يحدث انقسام واحد لا فردي ولا مجموعة،
فهذه الانشقاقات التي تحسب على
الناصريين تحدث عند أناس غير ناصريين
بالمطلق، وهنا لابد أن نميز بين
الانشقاقات الانتهازية والانشقاقات
الفكرية التي حدثت في الستينيات فقط).
ينظر
أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي
الديمقراطي بكثير من الفخر إلى وحدة
حزبهم وعدم انقسامه ـ على غرار بقية
الأحزاب ـ منذ خروجهم من الجبهة،
معتبرين أن المجموعة التي خرجت من
الجبهة 1973 لم تؤثر على جسم الحزب، وكان
الحزب قد قرر في مؤتمره السادس الخروج
من الجبهة الوطنية التقدمية بعد خلاف
حول المادة الثامنة من الدستور (أن حزب
البعث هو قائد جبهة وطنية وقائد للدولة
والمجتمع) ولكن وفي نفس السنة 1973 صدر
بيان عما سمي (القيادة المؤقتة لحزب
الاتحاد الاشتراكي) دان الخروج من
الجبهة ومن ثم عقد هؤلاء مؤتمراً
انتخبوا فيه فوزي كيالي أميناً عاماً.
وهكذا
أصبح هناك حزبان للاتحاد الاشتراكي،
الأول خارج الجبهة والثاني داخل
الجبهة، ومن مفارقات الزمن أن فكرة
الجبهة الوطنية هي فكرة أطلقها حزب
الاتحاد الاشتراكي، وكان جمال الأتاسي
هو من استخلص ضرورة جبهة وطنية بعد 1967
تستجيب للشروط التي يفرضها شعار إزالة
العدوان كي تكون الجبهة الوطنية
طريقاً للحركة العربية الواحدة التي
أرادها عبد الناصر، وعندما حاول جمال
الأتاسي أن يجمع القوى العربية
الوحدوية (الناصرية والبعثية
والماركسية) في ميثاق وطني عام 1967 قامت
السلطات آنذاك باعتقال نشطاء هذه
الحركة ومنهم الدكتور جمال الأتاسي.
لذا،
فما إن قامت الحركة التصحيحية حتى كان
حزب الاتحاد الاشتراكي من أوائل
المرحبين بها واشترك مع بقية الأحزاب
في الجبهة الوطنية التقدمية، لكن عند
بحث ميثاق الجبهة ـ الذي تم التوقيع
عليه بعد إنشاء الجبهة وليس قبلها ـ
ظهرت تباينات واختلافات حول وزن أطراف
الجبهة ودورها في الصيغة الجبهوية،
وإذا كان ميزان القوى قد فرض نفسه في
النهاية، فإن حزب الاتحاد الاشتراكي
وإن لم يكن قادراً على قلب الميزان
فإنه في الوقت نفسه لم يقبل دوراً
تابعاً.
يقول
الأستاذ حسن عبد العظيم: (من بقي بدلاً
عنا في الجبهة بقي كديكور سياسي لم
يستطع أن يتفاعل، هناك مراكز قوى تريد
أن تحكم من خلف الستار ولا تريد حتى
لحزب البعث أن يحكم، لا تريد أن يحدث
تفاعل لأنه بالتفاعل تقوى أحزاب
المجتمع ومؤسساته ونقاباته ويحدث
توازن بين السلطة السياسية والمجتمع).
كان
الاتحاد الاشتراكي ومازال حساساً جداً
تجاه البعث، ليس باعتباره خصماً
سياسياً وإنما نداً يرى فيه أهلاً
لمبارزته، فإذا كان الناصريون لم
ينسوا ـ وبعضهم لم يغفر ـ اشتراك
البعثيين بعملية الانفصال عن مصر، أو
المواجهة الدموية بين البعث
والناصريين 1963 فإنهم في الوقت نفسه
يتذكرون أن الوحدة قامت أساساً نتيجة
اللقاء بين عبد الناصر والبعث في
المشرق إضافة إلى أن كثيراً من
الناصريين أصولهم بعثية أو كانوا
أصدقاء للبعث قبل تأسيس الاتحاد، وإذا
عدنا فإن أهداف البعث لا تختلف عن
أهداف الاتحاد الاشتراكي إلا بترتيب
الكلمات (اشتراكية، حرية، وحدة).
إلا
أن العلاقة بين الطرفين اتسمت دائماً
بالتجاذب والتنافر دون أن تصل إلى
علاقة تناحرية، فحزب الاتحاد
الاشتراكي لم يرفض فقط الانضواء تحت
عباءة الجبهة التي يقودها البعث وإنما
أقام جبهة جديدة بقيادته في أواخر
السبعينيات هي (التجمع الوطني
الديمقراطي) الذي عارض الجبهة الوطنية
التقدمية وترأسه الدكتور جمال الأتاسي
حتى وفاته مؤسساً بذلك لشرعية
المعارضة في سوريا وفي الموقع الذي
أراده الناصريون دوماً: في موازاة
البعث سواء في مواجهته أو الوقوف معه.
وبالمقابل
حظي حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي
بمعاملة مختلفة من السلطة إذا ما قورن
ببعض الأحزاب المعارضة، وفيما يرد ذلك
البعض إلى التقاربات الإيديولوجية بين
الطرفين والأهمية التي ينالها البعد
القومي في فكريهما معاً يفسّر ذلك
آخرون أنه معاملة خاصة للدكتور جمال
الأتاسي البعثي السابق الذي كان من
القلة التي توقع اسمها على مقالاته
المعارضة في نشرة الحزب، ويعتقد
المحللون أن حزب الاتحاد العربي أجاد
ويجيد اللعبة السياسية سواء عبر كثير
من التوازن المدروس أو الدهاء
السياسي، فلا يتكلم أو يقوم بالفعل إلا
في الوقت المناسب، يقول الأستاذ عبد
العظيم: (طبعاً نحن نشعر بتعامل خاص
معنا) ويمزح قائلاً: (هناك نوع من الغزل
بيننا) ويضيف (البعث يشعر بالتقارب
معنا، نحن وهم قوميون وقد تفاعلوا
سابقاً مع الوحدة ولقد وجهوا لنا أكثر
من دعوة للعودة للجبهة، قالوا لنا: نحن
نعرف أنكم أصحاب مبادئ وديمقراطيون
حقيقيون، فأجبناهم: لأننا أصحاب مبادئ
لن نعود للجبهة، ونحن بالنهاية لسنا ضد
البعث وأفكاره نحن ضد الممارسات
والسياسات الخاطئة وضد الانفراد).
ومع
هذا فإننا لا نستطيع تجاهل الحرفية
السياسية والتطور الفكري الذي شهده
الحزب، فمنذ خروجه من الجبهة لم يضع
الحزب نفسه في صف المعارضة بل وضع نفسه
على حافة الجبهة التقدمية و(حرص على
الحوار الإيجابي مع الحكم) ولم يصل إلى
موقع الخصومة أو القطيعة السياسية
وتكرس هذا النهج في طرحه لسياسة مطلبية
وعبر التغيير الديمقراطي وليس التصادم
ولم ينتقل الحزب لموقع الخصم
والمعارضة إلا مع إقامة (التجمع الوطني
الديمقراطي) 1979 في ظرف سياسي بالغ
التوتر واتخذ فيه حزب الاتحاد موقفاً
متوازناً من حيث أدان أي تغيير بطريقة
غير سلمية وطالب في الوقت نفسه بترسيخ
الديمقراطية وإلغاء المحاكم
الاستثنائية إلا أن أعمال العنف التي
قام بها الإخوان المسلمون والاستنفار
الأمني من قبل السلطة لم يترك للحزب
إلا دوراً هامشياً تحت ثقل الظروف
السياسية والأمنية انتقل فيه لسراديب
العمل السري، إلا أنه تعلم الدخول
إليها في اللحظة الحرجة والخروج منه
عندما تسنح الفرصة، ففي عام 1985 تبنى
الحزب مبدأ الديمقراطية وعدل بنيته
التنظيمية ودمقرطتها كلياً وألغى مبدأ
المركزية الديمقراطية فكراً وممارسة
وانتقل من تبني مفهوم (الديمقراطية
الشعبية) إلى مفهوم الديمقراطية بدون
نسبة أو صفة تقيد حدودها كإطار للعمل
السياسي الدستوري، وبذلك قام بثورة
ديمقراطية مثلت قيمتها ببرنامجه
المبكر بالنسبة للوعي السياسي في
الثمانينيات المعادي لأي مفهوم
ليبرالي والذي كان يعتبر المعارضة
نشاطاً ثورياً انقلابياً.
وفي
عام 1989 تبنى حزب الاتحاد خطاً سياسياً
تجنب ممارسة التصعيد والراديكالية
واعتبر الدكتور جمال الأتاسي حرفياً
الاستمرار في تصعيد الأمور بمثابة
انتحار سياسي.
وكان
حزب الاتحاد أيضاً أول من التقط رياح
التغيير في أواخر حكم الرئيس حافظ
الأسد عندما بدأت حملة مكافحة الفساد،
فبادر إلى تنشيط دورته الداخلية في
المؤتمر الثامن واتباع الأسلوب العلني
معتبرين العلنية اختياراً مبدئياً لا
رجعة عنه يلبي حاجة وطنية في بناء
علاقات صريحة ومكشوفة وواضحة في
المجتمع ويتلاءم مع التطورات العالمية
والإقليمية من جهة أخرى، يقول الأستاذ
حسن عبد العظيم عن هذه النقطة (بدأنا
بخيار العلنية بالتدريج منذ 1993 إلى أن
قررنا العمل العلني وكشف أسماء أعضاء
اللجنة المركزية والمكتب السياسي،
ونحن لا نتآمر ولا نمارس العنف، عملنا
تحت الشمس ولن نخفيه).
وكان
الحزب قد دعا الأعضاء المتوارين إلى
الظهور (مساهمة في طي عدد من صفحات
الماضي خصوصاً مرحلة الثمانينيات)
وللمساهمة في توفير المناخ المناسب
لإعادة الروح للحياة السياسية منوهاً
إلى (وجود مؤشرات إيجابية على اقتناع
القوى السياسية بما فيها أطراف من
السلطة بضرورة ذلك).
وبذلك
فتح حزب الاتحاد كوة أمام إمكانية طرح
الإصلاح كعقلية سياسية رغم أن البعض
يجد هذا الطرح مجرد تكتيك أسلوبي
للاستفادة من الممكن والمتاح في
المرحلة الحالية، إلا أن الحزب وفي
بياناته وتصريحاته لا يقدم نفسه
بعقلية البديل وإنما عقلية التعايش
بين السلطة وموقعه كمعارض دون التنازل
عن إطار المبادئ.
وبدا
أنه حدث تجاوب مع السلطة بلقاء السيد
عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية
في مطلع 2001 مع الأستاذ حسن عبد العظيم،
وكان هذا اللقاء أول جلسة حوار تجري
بين الاتحاد الاشتراكي وحزب البعث منذ
1973 وتناول الحوار (الإصلاح والتطوير في
سوريا) واتفق الجانبان على إجراء جولات
حوارية أخرى، لكن للأسف لم يتكرر
اللقاء.
كان
حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي
متفائلاً بإمكانية الحوار بين السلطة
والمعارضة حتى اعتقال العشرة، فارتد
تفاؤله، وله مبرراته في ذلك، يقول
الأمين العام الأستاذ حسن عبد العظيم: (في
خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد
قيل لأول مرة ومن قبل أعلى مسؤول في
الدولة بالقبول بالرأي الآخر والنقد
الموضوعي وأن الإصلاح ليس مسؤولية
السلطة وإنما مسؤولية الجميع، وبُني
على ذلك آمال وتفاؤل واسع، فبعد أن
بدأت المنتديات وملأت البلاد، أوقفت
وأغلقت وكان ذلك جانباً سلبياً في
الإصلاح).
وكانت
المنتديات الثقافية والسياسية قد عمت
معظم المحافظات السورية في عام 2001
ووجدت فيها المعارضة منبراً لها، وإذا
كان حزب الاتحاد لم يعلن تبنيه لها
صراحة على أنها مؤسسات اجتماعية مدنية
يحييها مثقفون، إلا أن البعض في السلطة
اعتبره نوعاً من أسلوب الهيمنة من خلال
تحريك الشارع والمثقفين باعتبار أن
الناصريين امتازوا دائماً بقدرتهم على
إدخال الجماهير في حركة الصراع
السياسي دون زجهم في حزب نخبوي معين،
ومع ذلك فإن المنتدى الوحيد الذي
استُثني من الإغلاق هو منتدى جمال
الأتاسي الذي مازال يعمل حتى الآن،
وكذلك لم يُعط ترخيصاً حتى الآن.
وبرغم
وجود مدرستين في حزب الاتحاد تتجاذبان
الراديكالية والإصلاحية، لكن برنامج
الحزب السياسي الذي طرحه عبّر
بالتأكيد عن المدرسة الإصلاحية
واختيار العمل الديمقراطي العلني كما
أن إقرار برنامج سياسي بحد ذاته يعتبر
خطوة من الحزب باتجاه أخذ دوره في
عملية الإصلاح التي على جميع فئات
المجتمع المشاركة فيها، يقول الأستاذ
حسن عبد العظيم: (نحن في المعارضة
الوطنية قبلنا بإصلاح تدريجي ونحن
نوافق على أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق
بعصا سحرية، لكن مازال المشروع
الإصلاحي يراوح في مكانه، فالعناصر
والقوى الفاسدة في النظام والمستفيدة
تقاوم أي إصلاح حتى لو جاء من رأس
النظام).
وواجه
البرنامج السياسي الذي طرحه حزب
الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي
اعتراضات وانتقادات كونه عمومياً
ومطلبياً ولا يدخل في التفاصيل، وعن
هذه النقطة يجيب الأستاذ حسن عبد
العظيم (هناك خلط بين المطالب
والبرنامج، لقد طرحنا ونطرح باستمرار
وبإلحاح مطالب هي مقدمة للإصلاح وليست
هي برنامج للإصلاح وهي مقدمة لتجاوز
أزمة الثمانينيات التي أوجدت توتراً
وعنفاً في المجتمع وصادرت الحريات
وغيّبت السياسة في المجتمع، نحن نطرح
مطالب مثل إلغاء حالة الطوارئ ومطلب
التعديلات الدستورية كي يكون هناك
أحزاب تحكم وأحزاب تعارض فليس من
الضروري أن يكون الجميع في السلطة لكن
أن تكون هناك حالة من المشاركة في
السلطة التشريعية عبر انتخابات حرة،
كما نطالب بتعديل بعض التعديلات التي
حدثت كي لا تطغى السلطة التنفيذية على
السلطتين التشريعية والقضائية، وأن
يكون هناك توازن بين السلطات، ونطالب
بالإفراج عن المعتقلين لانتهاء ظروف
تلك الأزمة ونطالب بعودة المبعدين
والمنفيين طوعاً أو قسراً وتسوية ملف
المفقودين والتعويض على ذويهم، نطالب
بعقد مؤتمر وطني يضم الجميع، عندما
نطالب بهذه الأمور وهي مطالب مشروعة
لكنها ليست برنامج الحزب وإنما هي
مقدمة لتجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة
وإطلاق حوار موضوعي بين القوى التي
تحكم والقوى التي تعارض، أما بالنسبة
للبرنامج فلدينا برنامج سياسي يتحدث
عن الأوضاع السياسية والاجتماعية
والاقتصادية والحلول التي نراها
مناسبة، وصحيح ليس لدينا برنامج واسع
وكامل لأننا لسنا في السلطة ولا نعرف
كثيراً من التفاصيل لكن لدينا برنامج
واضح يطرح القضايا الأساسية).
هذا
ويمارس الحزب معظم نشاطاته بشكل علني
ويصدر نشراته منذ بضع سنوات، كما أطلق
موقعه على الإنترنيت، وفي 25/7/2003 أقام
الحزب في مدينة دوما في النادي الرياضي
احتفالاً شعبياً حضره حوالي (2000) شخص
بمناسبة الذكرى (51) لثورة 23 تموز
الناصرية والذكرى 39 لتأسيس حزب
الاتحاد الاشتراكي العربي
الديمقراطي، وقد فرض الحزب نفسه على
الساحة السياسية السورية ـ رغم صعوبة
ذلك ـ كمعارضة ديمقراطية استمدت شرعية
حضورها من وضوح برنامجها السياسي
واعتماده النشاط السلمي سواء في
المرحلة السرية أو العلنية، فقد رفض
حزب الاتحاد المعارضة ككلمة فضفاضة
ينزوي تحتها من أراد، كما رفض مفهوم
المشروع الانقلابي الجذري لبناء
نموذجه البديل على أنقاضه، ورغم أنه
اعتبر ما ورد في ميثاق 1962 دليله
الأساسي، لم يتورع عن مراجعته مع رفضه
بشكل دائم لمذهبة العمل السياسي أو
استيراد أية نظرية جاهزة، فاقترب
انتقائياً من الماركسية واقترب من
الإسلام دون أن يجعله قانون الدولة،
وأخيراً شملت المراجعة قضية
الديمقراطية مقترباً من مفهومها
الليبرالي، وبقدر ما يعتبر البعض هذه
المفاهيم مجرد (خلطة) تعطي أساساً
فكرياً لجذب أكبر عدد ممكن من المريدين
ويراها البعض رؤى توفيقية وأفكاراً
نظرية لا تنسجم مع بعضها البعض عندما
توضع على محك التطبيق يجدها الحزب
معادلة جدلية فرضها الواقع والتفكير
المنطقي مع بقاء نقطة الارتكاز
الأساسية على عبد الناصر دون أن يمنع
ذلك نقد تجربته، يقول الأستاذ حسن عبد
العظيم (جمال عبد الناصر ليس مجرد حاكم
حكم مصر 18 سنة وانتهى، جمال صاحب ثورة
سياسية واقتصادية واجتماعية وثورة
إنسانية حركت النضال التحرري لدى شعوب
العالم الثالث، ألغى الملكية وحقق
التأميم وحدد الملكية الزراعية
والإصلاح الزراعي والعدل الاجتماعي
وجعل الحرية الاجتماعية مقدمة عن
الحرية السياسية، حقق الاكتفاء الذاتي
وكان أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز،
ثورة من هذا القبيل لها أخطاؤها فقد
كان هناك تصور في الجانب الديمقراطي،
نحن كناصريين لا نقول إننا سنطبق ما
طبقه عبد الناصر في الستينيات فنحن
نعلم بوجود متغيرات في العصر).
ويؤكد
حزب الاتحاد الاشتراكي العربي
الديمقراطي أن أكثر الناصريين معهم
وأن بقية الأحزاب الناصرية مجرد ظلال
لبسوا قميص الناصرية وأنهم يحاولون
إعادة الناصريين الحقيقيين إليهم، كما
يعملون بين الأجيال الشابة لتعريفهم
بأفكار عبد الناصر، وكما يقولون فإنهم
يجدون تجاوباً معقولاً لدى الجيل
الشاب.
مع
ذلك ينتظر حزب الاتحاد الاشتراكي
الديمقراطي قانون الأحزاب ويطالب به
دائماً، يقول الأستاذ حسن عبد العظيم (إذا
صدر قانون للأحزاب، سيكشف كل مجموعة
إذا كانت حزباً حقاً أم شكلاً سواء كان
هذا الحزب في السلطة و في المعارضة
وللأسف لم يصدر حتى الآن قانون للأحزاب
ينظم وجود الأحزاب، واقتصر الإصلاح
على جانب من الجبهة، لكن كثيراً من
أحزاب الجبهة فقدت مصداقيتها لأنها لم
تمارس أي نقد ولم تقف في صف المجتمع).
أخيراً
لا نستطيع أن نمر على حزب الاتحاد
الاشتراكي العربي الديمقراطي دون
الوقوف عند شخصية أمينه العام السابق
الدكتور المرحوم جمال الأتاسي الذي
استمر أميناً عاماً أكثر من ثلاثين
عاماً وهو من أعطى الاتحاد شكله الحزبي
ووضع أساساً نظرياً اشتراكياً
ديمقراطياً له، وإذا كنا لا نستطيع
الوقوف على مراحل حياته التي لم تترك
بصمتها على حزبه فقط وإنما على تاريخ
سوريا الحديث، فلعلنا نتذكر جنازته
التي استطاعت لأول مرة أن تجمع في مكان
واحد رموز المعارضة ورموز السلطة في
سوريا جنباً إلى جنب وبهدف واحد: تقديم
التعزية لرحيل الدكتور جمال الأتاسي.
نقلاً
عن مجلة أبيض وأسود السورية
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|