توزيع
المطبوعات في العصر الرقمي
م. محمود عنبر
ما أثر صدور المطبوعات بصيغة
إلكترونية على طرق توزيع المطبوعات،
وهل سيؤدي انتشار المطبوعات بشكلها
الرقمي إلى انحسار دور المطبوعات (
الورقية) ،أم أن لكل منهما دوره، وهل
يجب استمرار الطرق التقليدية في إدارة
عملية توزيع
المطبوعات أم يجب تعديلها بما يتناسب
مع منافسة أوعية المعلومات
الرقمية للأوعية
التقليدية، وما هو الدور الجديد
للمؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات في
العصر الرقمي.
كيف توزع المعلومات في العصر
الرقمي:
لقد انتشرت مواقع الإنترنت
التي تستخدم لإصدار نسخ رقمية من الصحف
والمجلات، وأصبح هناك العديد من
المواقع التي تحولت من مواقع للصحف إلى
وكالات أنباء، إذ أصبحت تحدث أخبارها
على مدار الساعة واعتمد البعض الآخر
على إرسال بريد إلكتروني بكل أو بعض
محتويات صحفه،وغير ذلك من طرق نقل
محتويات النشرة، كما برزت فكرة
الاقتباس من النشرات وإعادة نشرها،
وبالتالي فإن تم توزيع نشرة
إلكترونية على مئة شخص، فكل من
هؤلاء الأشخاص قد يقوم بإعادة إرسالها
دون جهد يذكر إلى ( الأسماء في قائمة
العناوين التي لديه) ، وهكذا دواليك.
يتبين من هذا الواقع الجديد أن
معدل انتشار المعلومات بشكلها الرقمي
قد أصبح قادراً على التفوق على طرق
التوزيع التقليدية بشكل كبير، وإذا
علمنا أن معظم مستخدمي الإنترنت هم
الفئة المثقفة ندرك أهمية المطبوعات
التي يتم تداولها عبر الإنترنت في
تشكيل الرأي العام لدى المثقفين.
أليات توزيع المطبوعات الورقية:
بعكس الحال في المطبوعات
الإلكترونية، فإن كل طبعة ورقية لها
كلفة محددة، وهذا يجعل من كفاءة عملية
التوزيع شديدة الأهمية، ففي مجال
المطبوعات الرقمية تعتبر كلفة إرسال
نسخة إلكترونية إلى عشرة
آلاف مشترك
مماثلة تقريباً لكلفة الإرسال إلى
عشرين ألف مشترك، أما في مجال
المطبوعات الرقمية فإن الكلفة في
الحالة الأولى هي نصف الحالة الثانية،
ومن هنا تبرز ضرورة رفع كفاءة عملية
توزيع المطبوعات الورقية، وذلك للتأكد
من وصول المطبوعة في الوقت المناسب إلى
الموقع الجغرافي المناسب، , وإن عدم
القدرة على تحقيق هذه المعادلة يشكل
هدراً غير مبرر.
المؤسسة العامة لتوزيع
المطبوعات:
من المعلوم أن توزيع المطبوعات
في الجمهورية العربية السورية
يعود للمؤسسة العامة لتوزيع
المطبوعات، وقد بنت هذه المؤسسة
سياستها بناء على واقع كان يختصر
المطبوعات بالمطبوعات الحكومية ،
والتي لاتعمل وفق مبدأ الربح
والخسارة، ولهذا فقد طورت طرق توزيع
تهتم بتغطية المطبوعات لكافة أنحاء
القطر، أكثر من اهتمامها بالجانب
الاقتصادي من عملية توزيع المطبوعات.
مع ازدياد عدد الصحف والمجلات
العربية الداخلة إلى القطر، ومع صدور
بعض الصحف والمجلات الخاصة المطبوعة
محلياً، تحملت هذه المؤسسة عبئ توزيع
هذا العدد المتزايد من المطبوعات، و تم
ذلك خلال فترة قصيرة لم تتمكن خلاله
المؤسسة من تطوير طرق التوزيع لديها،
وسنبين فيما يلي بعضاً من هذه النقاط.
1ـ خطط التوزيع المرنة:
تختلف عملية توزيع المطبوعات
عن توزيع الأغذية أو الأدوية، إذ أن
المنتج يتغير مع كل عدد من المطبوعة،
فعلى سبيل المثال إن صدر عدد يتحدث عن
مدينة حمص مثلاً يفترض أن يزيد حجم
التوزيع في هذه المدينة، وإن صدر تحقيق
في المطبوعة عن واقع التعليم العالي
فيجب أن يزيد التوزيع في الأماكن
القريبة من الجامعات وأماكن سكن
الطلاب، وفي حال نشر تحقيق ذو بعد
اقتصادي فيجب أن يتم توزيعه في أوساط
رجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية،
وهكذا، وكل هذه المواضيع تتطلب القدرة
على تعديل خطط التوزيع ( استناداً
للمحتوى)، وتتطلب قدرة على متابعة
التوزيع جغرافياً، وهذا الأمر غير
ممكن حالياً إذ أن تراخيص بيع الصحف
تصدر لأشخاص وليس لمواقع جغرافية، كما
أن المؤسسة لايمكنها قراءة كل عدد قبل
توزيعه لتحديد خطة التوزيع المناسبة،
ولايمكنها التعديل الفوري لخطط
التوزيع .
2ـ الاستجابة المرنة لواقع
التوزيع:
لا يكفي أن يتم وضع خطط مرنة،
لكن يجب أن يتم تعديل هذه الخطط وفقاً
للوقائع القادمة من السوق، ولهذا لابد
من أن تمتلك المؤسسة القدرة على القياس
الدقيق والفوري ( اليومي) لواقع عملية
التوزيع، وذلك لتتمكن من تعديل خططها
وفقاً لذلك، وهذا يتطلب وجود نظام
معلومات متكامل لديها يربط التخطيط
بالتوزيع بالمستودعات بالمحاسبة،
وهنا لابد أن نشير إلى المعلومات التي
لدينا حول استمرار
التباين الكبير بين نتائج نظامي
المحاسبة والمستودعات الموجودين لدى
المؤسسة مما يضطر الجهات الناشرة
لحساب أرباحها استناداً لأرقام نظام
المحاسبة ومتابعة انتشارها استناداً
لأرقام المستودعات !!
3ـ خطط الإعلان المرنة:
لم يعد من المقبول تحميل
المعلنين كلفة إعلان هم ليسوا بحاجة
له، فعلى سبيل المثال ماجدوى أن تعلن
مدرسة خاصة في دير الزور عن خدماتها
لمواطن مقيم في دمشق، وما جدوى أن تعلن
شركة نقل داخلي تتحرك بين حماه وحلب عن
خدماتها لمواطن مقيم في اللاذقية،
وهكذا، وبغض النظر عن تبعية الإعلانات
للمؤسسة العامة للإعلان والتي قد
تحتاج لمعالجة مستقلة، فإن قدرة أصحاب
المطبوعة على وضع إعلانات مخصصة
لمطبوعات مخصصة ( كما تفعل المطبوعات
اللبنانية في نسختها المخصصة لسوريا)
تلعب عاملاً حاسماً في نجاح وجدوى
عمليات النشر والتوزيع، ولا أعتقد أن
المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات
قادرة على إدارة الدفعات المختلفة من
المطبوعات لتوزيعها وفقاً للإعلانات
الموجودة ضمنها، وبالتالي ستبقى
الإعلانات الصحفية محصورة بالجهات
التي تمتلك خدمات على مستوى القطر،
وهذا يجعل من السوق الإعلانية أصغر مما
هي عليه ويركز الإعلانات على الشبكات
الطرقية المرتبطة تماماً بالموقع
الجغرافي.
العوامل الاقتصادية لحصر عملية
التوزيع
بالرغم من حصر توزيع المطبوعات
بالمؤسسة، إلا أنه يمكن توزيع
المطبوعات مجاناً
بشكل مستقل، وهذا الاستثناء يوضح
الطابع الاقتصادي لحصر عملية التوزيع
و عدم ارتباطه بالمحتوى، ولهذا فمن
المنطقي ( والأكثر جدوى) أن يتم تعديل
عملية الحصر لتتمكن الجهات المعنية من
توزيع مطبوعاتها وفقاً للخطط المرنة
كما بيننا سابقاً، مع احتفاظ المؤسسة
بتوزيع كمية من المطبوعات تتناسب
وقدرتها على التوزيع ومع شبكة التوزيع
التي لديها، والتي قد تكون أكثر تميزاً
في مناطق عنه في مناطق أخرى
إن تحميل المؤسسة العامة
للمطبوعات أكثر من قدرتها على التوزيع
لن ينعكس إيجاباً على تطوير عملية
التوزيع، وبالرغم من أن التوزيع
الإلكتروني يلعب دوراً هاماً في نشر
المطبوعات دون هذه المحدودية، فإن عدد
مشتركي الإنترنت لدينا لايتجاوز 130 ألف
مشترك، ويصل تقدير الأفراد التي لديها
بريد إلكتروني مجاني إلى الـ300 ألف
مواطن تقريباً، مما يجعل من المطبوعات
الورقية الطريقة الأمثل حتى الآن
لملايين المواطنين القادرين على
القراءة، ولهذا سيبقى التوزيع بشكله
الورقي عاملاً هاماً في المستقبل
المنظور،ولهذا فنتوقع أن يتم التعاون
بين الجهات الناشرة والمؤسسة على
تحقيق أفضل خطة توزيعية.
إن حصر التوزيع بالمؤسسة
العامة لتوزيع المطبوعات لأسباب
اقتصادية قد أضعف من قدرتها على
التطوير، وذلك بسبب العمل دون منافسة
من شركات توزيع أخرى، وإن قيامها بهذا
الدور بشكل غير حصري سيؤدي لتحفيز
المؤسسة على تطوير طريق التوزيع لديها
واستخدام نظريات التوزيع الحديثة
والبرمجيات القادرة على إدارة أعمال
التوزيع بكفاءة ومرونة، وهذا سينعكس
إيجابياً على مجمل الواقع الإعلامي في
القطر.
نقلاً
عن مجلة أبيض وأسود السورية
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|