وزارة
التربية واستراتيجية انتظار الكارثة
م.
محمود عنبر
manbar@scs-net.org
بينما
تقدَّم تصنيف الأردن وفق مؤشر التنمية
البشرية من المرتبة 99 إلى المرتبة 90،
فقد انخفض تصنيف سوريا من المرتبة 108
إلى المرتبة 110، وقد ترافق ذلك مع
ارتفاع مؤشر التعليم في الأردن من 78 %
إلى 86 % وانخفاض المؤشر نفسه بالنسبة
لسوريا من 71 % إلى 70%.
لقد
حاولت أن أقتصر على المقارنة مع دولة
مجاورة، وذلك للتخلص من العبارات التي
يعاجلنا بها المدراء في الوزارة منذ
سنوات حول الواقعية والظروف الصعبة
وشح الموارد وإعداد الاستراتيجية
وأولوية البادية، وغير ذلك من الأجوبة
الجاهزة لدى المدراء في الوزارة
ومديرياتها، والتي إن استمرت ستقودنا
لكارثة التربع على عرش الدول الأقل
تنمية خلال بضع سنوات.
هل
نعلم الأجيال؟
بلاشك
فإن نظامنا التعليمي يعاني من مشكلات
كبيرة، وذلك بالرغم من أن الإنفاق
الحكومي على التعليم يشكل 13% من مجمل
الإنفاق الحكومي (وفق تقرير التنمية
البشرية)، ولذلك فعلى المعنيين التوقف
عن تحميل المشكلات لمحدودية الموارد
والبحث عن كيفية وقف هدر الموارد.
لقد
بين التقرير نفسه أن نسبة الأمية (لمن
تتجاوز أعمارهم 15 سنة) تصل إلى 25% في
سوريا، وهذه النسبة مخجلة في القرن
الحادي والعشرين (النسبة تبلغ 9% في
الأردن)، وبعيداً عن مناقشة مستوى
التعليم فمن هو المسؤول عن هذه النسبة
المرتفعة من الأمية لدينا (عدا عن
التسرب)؟ ولماذا لفظ نظامنا التعليمي
رغم مجانيته ربع المواطنين في السنوات
الماضية؟ والسؤال الأهم لو لم تستمر
وزارة التربية بتعنتها في منع الترخيص
للمدارس الخاصة (باستثناء مدارس الخمس
نجوم)، ولو بذل المسؤولون عن المناهج
بعض الجهد الجدي في تطويرها بدلاً من
الاكتفاء بالحديث عن التطوير، ألم يكن
ممكناً تخفيض هذه النسبة؟ وهل من
المقبول أن تؤدي الممارسات الخاطئة
إلى مواجهة تحديات القرن الجديد
بمجتمع ربعه أمي وثلاثة أرباعه آلات
تسجيل بشرية؟
كيف
نعلم الأجيال؟
إذا
تجاوزنا مشكلة الفشل الكمي لنظامنا
التعليمي والمتمثل في لفظه لربع
مواطنيه، فماذا عن الكيف؟ هل يمكننا
اعتبار ثلاثة أرباع مواطنينا غير
أميين (كما تعتقد الجهات واضعة التقرير)؟
لقد
عرّفت الجهة واضعة التقرير محو الأمية
بما يلي:
(القدرة
على فهم واستخدام المعلومات المطبوعة
في الأعمال اليومية في المنزل والعمل
والمجتمع)، لاحظوا أن التعريف لا يتضمن
القدرة على حفظ وتسميع المعلومات، وهو
ما يتقنه طلابنا بامتياز (عدا بعض (الفاشلين)
الذين يهتمون بالفعل بفهم واستخدام
المعلومات دون حفظها صماً).
ماذا
نعلم الأجيال؟
شدد
تقرير التنمية البشرية على ضرورة
ترابط غايات التعليم بمتطلبات العصر
حيث وردت العبارة التالية:
لابد
من أن تشتق غايات العمل التربوي من
الرؤى الكونية لتربية القرن الحادي
والعشرين، فيجب أن تصل التربية العرب
بالعصر الذي سيعيشون فيه، وهو عصر
محكوم بمبادئ علمية، مثل مبدأ النظام
ومبدأ الطريقة السليمة التي تؤدي إلى
فهم سياقات السبب والنتيجة في تحليل
وقوع الظواهر الطبيعية والاجتماعية.
وهنا
لابد من التوقف قليلاً للنظر إلى
المناهج التي لم تتغير منذ عشرات
السنين، فهذه المناهج قد كانت متعة
لآبائنا كونها كانت تقدم مواضيع جديدة
مفيدة للتحديات التي سيواجهونها،
وتملكهم المهارات الضرورية للحياة،
بينما تعامل جيلنا معها بفتور، وذلك
كونها لم تقدم جديداً يذكر يمكن
الاطلاع عليه من وسائل الإعلام أو من
خبرات الأهل والجوار، وأعتقد أن الجيل
الجديد ينظر إلى هذه المناهج بازدراء
كونها تمثل حقبة ماضية لا علاقة لها
بما يطلع عليه في وسائل الإعلام أو
بالتحديات التي تواجهه في حياته
اليومية أو التي ستواجهه في مستقبله،
ومن المعيب أن يُقدّم فيلم وثائقي أو
برنامج حواري أو موقع على الإنترنت
معلومات تفيد الجيل الجديد أكثر من
المعلومات الموجودة في مناهجهم، إن
هذا الموضوع خطير جداً، فهو يؤدي
لتهميش تدريجي للنظام التعليمي ولدوره
في بناء المهارات التي يحتاج لها
الإنسان.
إن
المناهج في البلدان العربية، بدءاً من
المرحلة الابتدائية، أوحتى ماقبلها،
تبدو تجسيداً لمفهوم يعتبر عملية
التعليم كما لو أنها عملية إنتاج صناعي
تلعب فيها المناهج وتفريعاتها
والمضامين المشتقة منها دور القوالب
المفترض أن تنصب فيها عقول الناشئة. (تقرير
التنمية البشرية)
أعتقد
أن هذا الموضوع يجب أن يكون مثاراً
لمراجعة شاملة تجعل من النظام
التعليمي نافذة على المهارات التي
تحتاجها الأجيال في عصر المعرفة، وأن
تتكون قناعة لدى التلاميذ بذلك، فعلى
سبيل المثال كيف سنقنع التلميذ بأهمية
أن يتعلم كيف يخلط البن غالي الثمن مع
البن رخيص الثمن (ألا يعتبر هذا غش)،
وأين سيستخدم المهارات في ضرب ثلاثة
أعداد كل منها بثلاثة أرقام بعد
الفاصلة، أليس معيباً أن يستخدم بائعو
الخضار الآلات الحاسبة وتمنع في
مدارسنا؟ ألا تكفي المرحلة الابتدائية
لتعليم التلاميذ العمليات الأربع
يدوياً، وهل يجب أن نمتحنهم سنوياً في
كيفية تنفيذ العمليات الروتينية إلى
حين دخولهم إلى الجامعة. لا أدري ما سبب
الإصرار على تعليم التلاميذ ميكانيكية
حساب الجذر التربيعي، علماً أنه حتى
المبرمجين لا يحتاجون حين كتابة
برامجهم لهذه المهارات، وذلك كون هذه
التوابع معروفة مسبقاً.
أعتقد
أنه من غير المبرر استمرار منع استخدام
الآلات الحاسبة في المرحلة الإعدادية،
وتكرار حذف بحث الآلات الحاسبة دوماً
من المنهاج، خاصة وأن سعر الآلة
الحاسبة التي تقوم بالعمليات الأربع
والجذر والتربيع لا يتجاوز سعر الدفتر
الورقي، وبالتالي لا يشكل اقتناؤها
للتلاميذ صعوبة مالية.
كارثة
المعلوماتية:
لقد
كنت منذ البداية من معارضي تدريس
المعلوماتية كمادة مستقلة، بل من
مشجعي استخدامها كجزء من العملية
التعليمية، وبما أنها قد أصبحت الآن
أمراً واقعاً فعلينا أن نتعايش معه
للخروج بأقل الخسائر، فقد شاءت الصدف
أن أطلع على ورقة امتحان لمادة
المعلوماتية، وكانت الأسئلة طريفة
جداً وتناسب مادة التاريخ أكثر مما
تناسب المعلوماتية، فكلها عبارة عن
تعداد وتعريف، وغير ذلك من النقاط
الحفظية (هل هذا سيجعل الأجيال أكثر
قدرة على التعامل مع مفاهيم العصر
الرقمي؟)، إنه لأمر مؤسف وأتمنى أن يتم
تدارك ذلك عبر إلغاء الامتحانات
النظرية للمعلوماتية والاقتصار على
الامتحانات العملية، وعلينا أن نتذكر
ماذا كان هدفنا من تدريس المعلوماتية
للأجيال الجديدة؟ بالتأكيد لم يكن
الهدف تشويه نظرتهم للمعلوماتية!!.
استراتيجية
ماذا:
إذا
كان هذا هو حال المواد العلمية فكيف
سيكون حال المواد الأخرى، وعن أي
استراتيجية يتحدث المعنيون في
الوزارة، وأعتقد أنه لابد من وقفة
مسؤولة مع هذا الحال الذي يتدهور
بتسارع، وعلى المعنيين الإجابة عن
الأسئلة التالية:
- كيف يستقيم بقاء ربع الجيل خارج النظام
التعليمي (أميين)، مع وجود مئات آلاف
الخريجين الجامعيين بدون عمل!!؟
- إلى متى سنلفظ تلاميذنا ومعلمينا إلى
خارج النظام التعليمي؟
- متى سنقرر أن نمنح المعلم دخلاً لائقاً
يسمح له بالتفرغ لهذه المهنة النبيلة؟
- ما سبب حرص الوزارة على منع الاستثمارات
الخاصة في مجال التعليم، بالرغم من
دورها الإشرافي في الحالتين؟
- لقد قرأ تقرير التنمية مليون شخص في
العالم، ألم يقرأه أحد المعنيين في
الوزارة؟ وكيف استجاب له؟
وأخيراً
نتمنى أن يقوم السيد وزير التربية
بالتصدي لهذه المشكلات التي تراكمت
عبر سنوات طويلة، وأن يقوم برعاية
صياغة استراتيجية إصلاح جذري للنظام
التعليمي، ونقترح عليه أن تكون الخطوة
الأولى استبعاد من عبثوا بنظامنا
التعليمي وأوصلوه إلى هذا الموقع الذي
لا يسر أحداً.
عن
مجلة أبيض وأسود السورية ـ العدد 71 /
آذار 2004
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها |
|