ظاهرة
خطيرة ستندم عليها اسرائيل
بقلم:
رؤوبين بدهستور
في
فرنسا بدأت العملية بعد الانسحاب من
الجزائر بأربعة عقود، عندئذ فقد بدأ
الجنود القدامى والمثقفون في المواجهة
بشجاعة و صدق لعمليات الجيش الفرنسي
إبان دخوله لقمع التمرد الجزائري،
العملية تمخضت عن معلومات منشورة غير
قليلة تقوم بالأساس على الاعتراف
بالعمليات غير الأخلاقية التي أدت الى
مقتل آلاف الجزائريين الأبرياء بدون
سبب والتنكيل الطويل بالسكان المدنيين.
بعد
عقد أو اثنين عندما تبدأ عندنا عملية
مشابهة و يقوم ضباط كبار ومثقفون
بالتصدي لتبعات وآثار سياستنا في
المناطق، سيكون من الممكن الإشارة الى
مقالة واحدة اجتمع على كتابتها ضابط و
فيلسوف باعتبارها علامة فارقة جوهرية
و مقلقة جداً.
تحت
عنوان " كفاح أخلاقي ضد الإرهاب "
اللواء عاموس يادلين قائد الكليات
والفيلسوف البروفيسور آسا كوشير مقالة
في العدد الاخير من مجلة كلية الأمن
القومي قد تبيح من
الناحية الأخلاقية قتل الأبرياء
وإضفاء رداء من النبل الفلسفي على
الاحباطات الممركزة ( التصفيات ) وتبرر
العمليات العسكرية غير الأخلاقية
بصورة صارخة .
ليس
فقط أنه لا يوجد سبب للاعتذار – حسب
رأيهم – عن موت الأطفال والنساء ابان
اغتيال من اعتبر هدفاً للعملية وإنما
يتوجب اعتبار ذلك ضرورة لا مفر منها
نابعة من الضرورة والمتطلبات العسكرية
التي نضطر خلال تنفيذها الى التسليم
بالضرر اللاحق " بالمحيط البشري "
للهدف المحدد.
وهكذا
من خلال مواصفات لغوية لامعة و حاذقة
يسهم أصحاب المقالة بعملية نزع الصفة
الإنسانية التي تحول الأطفال الرضع
والنساء والكهول من الأبرياء الى محيط
بشري شاء حظهم العاثر ان يحولهم الى
هدف مسموح للقتل المنفلت الاعمى.
وعندما
يقومون بتحديد الإرهابي الجدير
بالموت، ينزلقون في المنحدر الأخلاقي
" الإنسان هو بمثابة قنبلة موقوتة
متكتكة ليس فقط عندما يكون على وسطه
حزام ناسف و في طريقه الى موقع
إسرائيلي هم يكتبون وإنما أيضاً في
مراحل متقدمة من الخطوة الفعلية،
عندما يمد شخص احداً غيره بالمواد
الناسفة و يرتب لعملية ومجرياتها و
يخطط لها و ما إلى ذلك.
من
ذلك يتبين أن دائرة الأشخاص
المستهدفين و القابلين للموت تتسع
عملياً وبلا حدود ذلك لأن تحديد من
يساعد الإرهابي مرن و متروك في نهاية
المطاف لتصرف رجل جهاز الشاباك الذي
يقرر حسب وجهة نظره و من دون محاكمة من
الذي سيدخله الى قائمة التصفيات
يادلين وكوشر يحرصان على التأكيد بأن
الاغتيال ليس عملاً انتقامياً أو
عقوبة أو ردعاً، و ليس من ورائه رؤية
تعتبر التنظيم الذي يخرج الإرهابيون
من صفوفه جيشاً يعتبر كل أعضائه هدفاً
للتصفية.
ولكن
مقالتهم لا تستطيع مجاراة وتيرة
التطورات في مثل هذه الحالة، رئيس هيئة
الأركان موشيه يعلون اوضح بعد مدة
قصيرة من نزول مقالتهم للطباعة أن
السياسة قد تغيرت وان كل أعضاء حماس هم
أهداف مشروعة وللإحباط الممركز لا
يذكر أحد أن كوشر و يادلين قد تحفظا على
هذا التغير في السياسة والذي يتناقض مع
روحية الأمور التي كتبوها.
الاثنان
مستعدان للاعتراف بأن الانتقادات
الموجهة لقتل 15 مواطناً مدنياً ابان
عملية تصفية صلاح شحادة في يوليو (تموز
) 2003 كنت مبررة من خلال رؤيتهما لهذا
القتل خللاً أخلاقياً خطيراً للوهلة
الأولى يبدو هذا تغيراً بالمقارنة مع
الموقف الذي عبر عنه كبار الضباط في
الجيش و الذين شنوا حملة تحريضية ضد كل
من تجرأ على انتقاد العملية.
و
لكن في وقت لاحق قررا أنه لا يوجد مكان
لانتقاد استخدام قنبلة تزن طناً لأن
هذه الانتقادات تنطوي على جهل
بالحقائق و عدم فهم للاعتبارات
المهنية و حتى عدم مسؤولية في مسائل
الحياة و الموت.
حسب
ادعائهم كان من الممكن استخدام أربع
قنابل من وزن ربع طن لضمان قتل صلاح
شحادة ولكن خطر الحاق الضرر بالمحيط
البشري المدني كان سيزداد في هذه
الحالة، النتيجة الصعبة نجمت حسب
قولهم عن فشل استخباري افترض خطأ أن
البيوت المحيطة فارغة هذان الادعاءان
بلا أساس و كل من يقرر إلقاء قنبلة تزن
طناً كان عليه أن يعرف أن عدداً كبيراً
من المواطنين سيصاب خلال ذلك.
يادلين
يمثل القيادة العليا في الجيش
الإسرائيلي وعلى هذه الخلفية يمكن لنا
أن نفهم جوهر موقفه و رؤيته هذه، إلا ان
اسهام كوشير في إضفاء الشرعية
الفلسفية الأخلاقية على هذه العمليات
وأسلوبها يثير الغضب في النفوس.
في
السنوات الأخيرة تحول كوشير الى
فيلسوف لعائلة الجيش ( فيلسوف البيت )
ومن مقالة كان قد كتبها قبل مدة في قضية
عدم الانصياع يمكن أن نفهم أنه يعتقد
أن الأخلاق تساوي وجود القانون
وتنفيذه في المجتمع الديمقراطي.
من
هنا يمكن للقارئ ان يستنتج ان خطوة من
يرفض تنفيذ ما جاء في القانون ( او
الاوامر ) غير مبررة بصورة أخلاقية،
هذا استخلاص مثير للإشكال طبعاً لأن
القوانين و الأوامر ليست كلها متساوقة
مع قيم الديمقراطية كما قررت المحكمة
في مذبحة كفر قاسم، خلافاً لذلك
الاستخلاص لا يميز كوشير بين الراية
السوداء، التي ترفرف فوق الأوامر التي
تؤدي الى قتل الأبرياء عندما يدور
الحديث عن عمليات الاغتيال المسماة
الاحباطات الممركزة.
لا
غرابة إذاً من أن الجيش الإسرائيلي قد
كلف كوشير بإعداد شيفرة الاستمرارية و
الامتداد للشيفرة الأخلاقية التي كان
قد أعدها في حينه.
في
الجيش الإسرائيلي يعرفون أن من الممكن
الاعتماد على انسان يدافع بحماسة عن
أسلوب عملهم في المناطق و قادة هذا
الجيش يتوقعون منه أن يعكس ذلك في
الشيفرة الجديدة التي ستحمل عنوان "هكذا
يتوجب التصرف في مكافحة الإرهاب،
والأمر الذي لا يقل عن ذلك بؤساً
وألماً هو أن الأكاديميين و المثقفين
الآخرين لا يهبون للتحذير من التآكل
الخطير الى هذا الحد في البنية التحتية
للديمقراطية عندنا في مواجهة صوت و
دعوات فيلسوف جيش الدفاع البروفيسور
آسا كوشير.
هآرتس
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|