بمناسبة
الانشغال في ورش الإصلاح والتغيير
مقارنة
بين حال إسرائيل وأحوال العالم العربي
المأزوم
خطاب
الأزمة العربي هو على الأغلب أقرب
إلى
"الكوميديا السوداء" ومن نوع "المضحك
المبكي".
بقلم:
ماجد كيالي
اعتادت
الخطابات السياسية العربية على تشخيص
مشكلات الواقع العربي بمصطلح الأزمة،
فثمة أزمة سياسية وأخرى اقتصادية ثم
ثقافية وهكذا..
وبالطبع
فإن المشكلة لا تكمن في التشخيص، بحد
ذاته، وإنما في طبيعته. إذ لا يكفي
القول مثلا بأن فلان مريض، وكفى، وإنما
ينبغي تفحّص طبيعة هذا المرض ودرجته (دائم
أم عارض أو عضوي أم سطحي)، للانتقال إلى
مرحلة تأمين البيئة والعلاج
المناسبين، ثم توفير سبل الوقاية من
الوقوع في ذات المرض مجددا.
الواضح
أن إدارة الأوضاع العربية لا تتمّ على
هكذا منوال، فالحديث عن أزمات العرب
قديم ومرير ومضني، وثمة إجماع على أنه
ثمة مشكلة في إدارتنا لأوضاعنا
السياسية والاقتصادية، وفي مفاهيمنا
الثقافية وعلاقاتنا البينية، وفي
قدراتنا وشكل مواجهتنا للتحديات
والمخاطر الخارجية.
واللافت
أن هذا الحديث لم يقتصر يوما على
المحكومين، إذ ندر أن تجد حاكما لم
يعترف بالمعضلات والأزمات والمشكلات
التي يعيشها العرب، منذ عقود من الزمن،
ولكن من دون أن يتقدم أحد للمبادرة
بتقديم العلاجات المناسبة؛ وإذا كان
ثمة من مبادرة من أحد ما فإن هذه
المبادرة
كانت تأتي، على الأغلب، طارئة وجزئية
وسطحية، كونها توظّف في غايات ضيقة
ووفق حسابات معينة.
ويستنتج
من كل ذلك أن الأزمات لدينا (وبكل أسف)
باتت من النوع العضوي، فالأمراض
والطفيليات تعضّت في جسد الأمة
العربية وبدأت تفتك بها، ودليل ذلك
التردّي في الأوضاع المعيشية
والاقتصادية وفي مستوى التعليم وفي
حال الضياع والإحباط والفساد والتفكّك
التي باتت تسود المجتمعات العربية.
ودليل ذلك، أيضا، حال الانكشاف والعجز
والتشتت، التي جعلت من العالم العربي
"حيطاً واطياً" لكل المغامرين،
بعد أن بات بمثابة حقل تجارب للمشاريع
الخارجية، التي ربما تمهّد لحقبة
جديدة من الوصاية الدولية على المنطقة
العربية، تحت هذه الذريعة أو تلك.
وما
دمنا في بحث مصطلح الأزمة فلا بد من
القول بأن خطاب الأزمة العربي هو، على
الأغلب، أقرب إلى "الكوميديا
السوداء" ومن نوع "المضحك المبكي"!
فما
يثير الانتباه في هذه الخطابات، مثلا،
أنها غالبا ما ترى الأزمة نوعا من
مؤامرة خارجية، حاكتها القوى
الصهيونية والامبريالية، لتجزئة
الامة العربية واضعافها، طمعا
بثرواتها وأراضيها، أو في إطار "صراع
الحضارات"؛ في حين أن هذه الخطابات
تقف عاجزة عن تفسير تفشي الفقر والفساد
وتهميش المجتمعات في البلاد أو تفسير
ضعف العلاقات العربية البينية في
مجالات التجارة والتعليم وحتى في مجال
السياحة (من دون أن نتحدث عن السياسة)!
هذا أولا؛ وثانيا، فإن هذه الخطابات
تحاول أن تسطّح حال الأزمة باعتبارها
معطيا طبيعيا وعاديا، في محاولة منها
لحجب دور العوامل الذاتية في توطّن
الأزمات وتفاقمها في العالم العربي؛
وثالثا، فإن هذه الخطابات غالبا ما
تقيم "مساواة" بين غير "متساوين"،
فمثلما أن لإسرائيل أو الولايات
المتحدة أزماتها فنحن لدينا أزماتنا،
وهذه مثل تلك! من دون أي إدراك لطبيعة
أن الأزمة بالنسبة لإسرائيل أو أمريكا
هي أزمة فائض قوة، وأنها بالنسبة لنا
هي أزمة فائض عجز، ومن دون تفحّص مغزى
خروج إسرائيل أو أمريكا من كل أزمة تمر
بها، ربما أقوى من قبل، في حين أن
العالم العربي يغرق في أزماته يوما بعد
يوم، كونه يفتقد أصلا للإدارة
وللإرادة في التصدي الجذري لمعالجتها.
ومن
باب تفحّص مصطلح "الأزمة" لعله من
المفيد عقد مقارنة بين أزمات إسرائيل
وأزمات العرب.
فالحديث
عن أزمات سياسية في إسرائيل يدور لمجرد
سقوط حكومة، أو لمجرد خروج حزب أو حتى
وزير منها، في حين أن الإسرائيليين
يرون في ذلك دليلا على حيوية نظامهم
السياسي الديمقراطي التعددي، ودليلا
على حسن إدارتهم لخلافاتهم
وتناقضاتهم، وإعطائهم أولوية للحفاظ
على سلامة دولتهم وشعبهم.
أما
الوضع على الجانب العربي فلا يبدو
قابلا للمقارنة بالنظر لاحتكار
السياسة من قبل طبقة معينة، وضعف
التقاليد الحزبية وانعدام المشاركة
السياسية وتدني مستوى الديمقراطية،
ويكاد الأمر يصل في بعض الأحوال حد
افتقاد بعض النظم إلى أسس الشرعية،
وحتى إلى وجود الدولة نفسها كحالة
مؤسسية!
ويعكس
مؤشّر المشاركة في السياسة المباشرة
ظاهرة اللامبالاة والسلبية
والاغتراب، التي تسود المجتمعات
العربية، بالقياس للمجتمع الإسرائيلي
الذي تبلغ فيه نسبة المشاركة في
الانتخابات 80 بالمئة، هذا عدا عن
النسبة العالية للمشاركة في النشاطات
الحزبية والشؤون العامة. وبحسب
تقرير صادر جماعة تنمية الديمقراطية
في مصر، في العام 1997، فإن 88 بالمئة من
المصريين لا ينتمون إلى الأحزاب
السياسية، و67 بالمئة منهم ليس لديهم أي
اهتمام بالسياسة وفقط فإن 52 بالمئة ممن
لهم حق القيد في الجداول الانتخابية
مقيدون، و20 بالمئة فقط من هؤلاء،
يشاركون في الانتخابات. أما تقرير
التنمية البشرية للعام 1999 فيشير إلى أن
نسبة المشاركين في التصويت
للانتخابات، في العام 1995، بلغ في:
لبنان 44%، الأردن 47%، مصر 48%،.
أما
في الحديث عن أزمة اقتصادية في إسرائيل
فشاهدها تراجع مستوى التنمية وتدني
الاستثمارات وتزايد معدلات البطالة
وانخفاض مستوى المعيشة. وبالطبع فإن
الإسرائيليين يقرون بوجود هذه الأزمة
ويعملون على حلها. ومع ذلك فإن الحديث
يدور هنا عن دولة عدد سكانها حوالي 6
مليون نسمة، ولديها ناتج سنوي قدره 100 ـ
120 مليار دولار، أي سدس الناتج القومي
العربي! والحديث يدور هنا أيضا عن دولة
يبلغ دخل المواطن فيها 16 ـ 18 ألف دولار
سنويا، في حين أن دخل المواطن العربي
يبلغ حوالي 2500 دولار سنويا! وبالتحديد
فإن الحديث عن الأزمة الاقتصادية في
إسرائيل يتعلق بتراجع في الناتج
القومي السنوي بمقدار 8 مليار دولار،
وبتراجع في دخل الفرد بمبلغ قدره 1000
دولار، ومعنى ذلك أن الأمر يتعلق بهامش
السمنة أو الرفاهية في حين أن الأزمة
الاقتصادية في العالم العربي تتعلق
بالأساسيات وبالحاجات.
وبحسب
د. يوسف صايغ فإن الدخل القومي للفرد في
إسرائيل تضاعف 26 مرة خلال نصف قرن برغم
تضاعف عدد سكان إسرائيل سبع مرات!
ويشير د. أنطوان إلى أن الناتج المحلي
لإسرائيل، في العام 1997، بلغ 20 بالمائة
من الناتج المحلي للوطن العربي، وأنه
قد يصل، في العقد أو العقدين القادمين،
إلى حوالي 40 % منه. ويستنتج زحلان من ذلك
بأن الإخفاق العربي ينبت من الداخل من
الجهل والفساد والمحاباة، وافتقاد
الإدارة الجيدة. أما د نادر فرجاني
فيشير إلى أن إسرائيل تتفوق على العرب
عشرة مرات في عدد العلماء وأكثر
بثلاثين مرة في الإنفاق على البحث
والتطوير وأكثر من خمسين مرة في وصلات
الانترنيت وأكثر من سبعين مرة في النشر
العلمي وقرابة ألف مرة في الاختراع.
ومن
كل ذلك يمكن التوصل إلى عدة استنتاجات،
لعل أهمها:
أولا،
أن الأزمات هي ظاهرة طبيعية لأية دولة
ولأي مجتمع، والمسألة الأساسية لا
تكمن في وجود الأزمة وإنما في كيفية
التعامل معها، وتجاوز آثارها السلبية،
وربما في كيفية استثمارها لتحفيز
الطاقات واستنفار الإمكانيات،
لتحويلها من معطى سلبي إلى معطى
ايجابي، إن أمكن.
ثانيا،
طوال أكثر من نصف قرن استمرأ النظام
العربي التذرع بحالة الصراع مع
إسرائيل لتبرير العجز عن النهوض
بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية
وإسكات المطالب المتعلقة
بالديمقراطية والمشاركة الشعبية، فلا
استطاع مواجهة إسرائيل ولا أمّن
متطلبات التنمية.
ثالثا،
ظل العرب ينظرون إلى تفوق إسرائيل من
ناحيتي التفوق العسكري وعلاقتها
بالغرب وخصوصا بالولايات المتحدة، في
حين جرى التغطية على أوجه التفوق
النابعة من العوامل الداخلية لهذه
الدولة.
رابعا،
ليس ثمة مفر من مواجهة العوامل
الداخلية التي تقف وراء الإخفاقات
العربية: السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، إدراكا
لحقيقة أن إسرائيل تطورت أصلا في ظل
الصراع مع العرب، برغم من التناقضات
السياسية والاجتماعية والثقافية التي
تعشعش فيها وبرغم من أن عمر هذه الدولة
لا يزيد عن بضعة عقود من الزمن. ولابد
هنا من التذكير هنا، بأن إسرائيل لا
تتباهى، فقط، بقوة جيشها وبترسانتها
من التسلح فهي تتباهى أكثر بمستوى
رفاهية سكانها وبديمقراطيتها (بالنسبة
لليهود) وبتقدمها العلمي والتكنولوجي
وبقوتها الاقتصادية.
فإلى
متى سيبقى بعض العرب يتهربون من
أزماتهم في حين أن يغرقون فيها، أكثر
فأكثر يوما بعد يوم؟!
ميدل
ايست اونلاين
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|