ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم بيان
مجلس شورى جماعة الإخوان
المسلمين في سورية في
ختام دورته العادية الرابعة أيها الإخوةُ المواطنون..
أبناءَ سوريةَ الحرّةِ الأبية.. يا أبناءَ أمتنا العربية
والإسلامية.. ويا أحرارَ العالم في
كلّ مكان.. في
زمانٍ تتتابعُ فيه الفتنُ كقطع
الليل المظلم، على ديار العرب
والمسلمين، تعصفُ بأبناء أمتنا
العربية والإسلامية؛ نأخذُ
أنفسَنا وأهلَنا في سورية
الحبيبة، وفي كلّ مكانٍ من أرض
العروبة والإسلام، بالاعتصام
بكتاب ربنا، وسنة نبينا، ففيهما
البلاغُ والعصمة، وبالتواصي
بالحقّ، والتواصي بالصبر، فهما
نهجُ المؤمنين العاملين
للصالحات، وبالمبادرة الصادقة
للتعاون على الدفاع عن الدين
والأرض والعرض والنفس والمال.. 1 – الحربُ الساخنة: ومن
أول مطالع هذه الفتن، الحربُ
الساخنةُ التي تديرها قوى الشرّ
في العالم، تحت عناوينَ مموّهة،
على ديار العرب والمسلمين في
كلّ مكان، من تركستان الجريحة،
إلى أفغانستان، إلى باكستان،
إلى العراق الذي احتلّت أرضُه
لتغيير هويته الحضارية
والسكانية، إلى فلسطين التي
كانت محنةُ أهلها - وما تزال - من
أقسى وأفظع ما عرفه تاريخ
الإنسان، إلى الصومال الذي
يُضرَبُ أبناؤه بعضُهم ببعض،
إلى السودان الذي يؤخَذُ منذ
عقودٍ بأفانين الكيد الظاهر
والخفيّ.. وعلى
كل بقعةٍ من ديار العروبة
والإسلام، تسيلُ الدماء،
وتحصدُ آلةُ الشرّ يومياً
أرواحَ المئات من
المستضعفين من الرجال والنساء
والولدان. رحىً للحرب تدورُ على
أرضنا، لم يعدْ يكفي في
مواجهتها الإدانةُ والاستنكار،
إنما المطلوبُ عزيمةٌ صادقة،
ومبادرةٌ واعيةٌ راشدة، تردّ
المعتدي، وتُلجمُ الباغي،
وتنصرُ المظلوم. نقولُ لقوى الاستكبار
العالميّ: ارفعوا أيديَكم عن
بلاد العرب والمسلمين، وعن
رقابهم وعن ثرواتهم. 2 – الحربُ الباردة: ومن
رؤوس الفتن التي تعصف في ديار
العرب والمسلمين، هذه الحرب
الباردة التي تُشَنُّ على كلّ
قطرٍ من أقطارنا، تستهدف
حضارتنا وثقافتنا وثرواتنا،
والهيمنة على مقدّراتنا، تسعى
جاهدةً إلى كسر الإرادة، وتحريف
العقيدة، والعدوان على قيم الحق
والعدل، وسنن الفطرة التي فيها
بقاءُ الإنسان وبهاؤه، كما تسعى
إلى نهب ثروات الأمة، وإفقار
شعوبها وأفرادها؛ لنبقى دائماً
في ركاب التخلّف المقيت. وأخطرُ
ما في هذه الفتنة، أنها يحطبُ في
حبالها رجالٌ ونساءٌ من بني
جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا؛ قد
أخبرنا رسولُنا من أخبارهم حتى
كأننا نراهم رأيَ عين.. إن الحملة الشرسة المنظمة،
والمستندة إلى قواعدها في أوكار
الصهيونية العالمية، التي
يشنّها أعداء الإنسان
والحضارة، على بناء الأسرة،
وقيَم العفّة والطُّهر في
مجتمعنا السوريّ، تستدعي وقفةً
حذرةً جادّةً من كلّ الأخيار
الأطهار الأشراف، للتصدّي
للمؤامرة، ولوقاية مجتمعنا من
شرور هذه الهجمة الظالمة. 3 - مشروع
التفتيت العنصريّ الطائفيّ: لقد تميّزَتْ
شريعتُنا وحضارتُنا بأنها ظلّت
- على مرّ العصور - الوعاءَ
الجامعَ الذي لا يستأصلُ ولا
يُقصي ولا يُضيّق، بل يَلقَى
الجميعُ في بُحبوحته الأمنَ
والعدلَ والحمايةَ والرعاية،
ويومَ كان الآخرون غارقين في
غرفِ محاكم التفتيش المظلمة،
كانت أمةُ الإسلامِ توسّعُ بين
ظهرانَيْها للمخالفين، من
أبناء الأقوام والملل والنحل.. إن مشروعَ التفتيت العنصريّ
العرقيّ، واللعبَ على حبال
الطائفية المقيتة، لضرب أبناء
الوطن بعضهم ببعض، إنما هو جسرٌ
لعبور المخطّطات المستهدفة ليس
فقط لوحدة هذه الأمة، بل
لوجودها وهويتها أيضا؛ وإننا في
جماعة الإخوان المسلمين في
سورية، إذ نعلنُ إدانتَنا لهذا
المخطّط الحاقد على أمتنا وعلى
حاضرها ومستقبلها، وإذ نحذّرُ
أبناءَ الأمة كافّةً من
الانجرار إلى مزالقه، نؤكّدُ في
الوقت نفسه إدانتَنا لكلّ أشكال
البغي الذي يمارسه البعض، تحت
شتّى العناوين والرايات. إنّ
البغيَ مرتعُه وخيم. وإنّ على
علماء الأمة ورجال الرأي والفكر
فيها، أن يأخذوا حِذرَهم من هذه
الهجمةِ الظالمة التي تقودها
فئةٌ من المتعصّبين، تدعمها
مرجعياتٌ منغلقة، لا تدركُ حجمَ
الضرر الذي تُلحقُه بوحدة
الأمة، والخلل الذي تُدخِلُه
على تماسكها، والفرصة التي
تمنحها لأعدائها. 4 – عملياتُ الإرهابِ
والقتل العشوائيّ: إن
الجرأةَ على الدماء، والإسرافَ
في القتل، ومسلسل العمليات
الإرهاببة العشوائيّة، من غير
وازعٍ ولا ضابط!! إنما هي وجهٌ
رابعٌ من وجوه الفتنة التي تقضّ
مضاجعَ أمتنا، وتُقلقُ أولي
الأحلام والنُّهى من أبنائها.. فتنةٌ
نذكّرُ المنغمسين فيها بتقوى
الله، وبالوقوف عند حدوده،
وبالكفّ عن الاستهتار بحياة
الأبرياء، في وقائعَ لا يَعرفُ
القاتلُ فيها من قَتلَ، وفيمَ
قَتَل، ولا المقتولُ فيها لم
قُتِل. وإنه لا يزالُ المسلمُ في
فسحةٍ من دينه، ما لم يلقَ اللهَ
بدم. إن مجلس شورى جماعة الإخوان
المسلمين في سورية.. وهو يؤكّدُ
حقّ الشعوب في مقاومة المحتلين
المعتدين، ليدينُ كلّ عمليات
القتل العشوائيّ التي باتتْ
تشكّلُ خطراً على بلاد العرب
والمسلمين، وعلى حياة الناس
أجمعين. ويرى في هذه العمليات
التي تنفّذُ اليوم بدوافعَ ما
أنزل الله بها من سلطان، في
أفغانستان، وباكستان، والعراق،
والصومال، وفي غيرها من بلاد
العرب والمسلمين.. تشويهاً
لشعيرة الجهاد، ولمعنى الفداء
العظيم. 5 – الاستبدادُ والفساد: إن
الفتنة الكبرى التي عصفت وما
تزالُ تعصفُ بعالمنا العربيّ
والإسلاميّ، هي الاستبدادُ
وإرادةُ العلوّ والفساد في
الأرض، هذه الإرادةُ التي
تملّكت عقولَ القائمين على
الأمر في أكثر ديار العرب
والمسلمين، وتملّكت قلوبَهم
ونفوسَهم، فاستأثروا وتفرّدوا،
واستبدّوا وأقصَوا واستبعَدوا،
وروّعوا وسجَنوا وهجّروا
وقتلوا.. إنها ثمراتُ الاستبداد
المشؤوم، بمدخلاته وبمخرجاته،
هذه التي تعيشها أمتنا اليوم. الاستبدادُ
الذي حكمَ بلادَنا منذُ عقودٍ
طويلةٍ بقانون الخوف والتخويف:
حاكمٌ يخافُ من شعبه، وينسى ما
قيل لعمر: عدلْتَ فأمنتَ فنمت.
وشعوبٌ تخافُ من حكامها!! لتبقى
دولُنا بكلّ مقوّماتها رهينةَ
المنتفعين، الذين لا همّ لهم
إلا تحقيقُ مصالحهم، على حسابِ
القِيَم والأخلاق، وبسرقةِ
لقمةِ الجائعِ ورغيف الفقير. ومن
بين دائرتَيْ الخوفِ والتخويف،
تجدُ قوى البغي العالميّ
منافذَها للإمساك بمقدّرات
شعوبنا، تُمسكُ بعنق الحاكم
الخائف من شعبه، فتسلّطُه عليه،
لتحولَ بين هذه الشعوب وبين
إرادتها الخيّرة، في البناء
والنماء. فتنةٌ بيّنةُ الأبعاد،
واضحةُ المعالم، تحتاجُ إلى من
يكسرُ طرفَ دائرة الشرّ فيها،
ليسلمَ الإنسان، وتُبنَى
الأوطان.. أكثرَ
من أربعين عاماً والجولانُ ما
يزالُ محتلا.. أكثرَ من أربعين
عاماً وشعبُنا يعاني من القمع
والإقصاء والتهميش، والاستئثار
والتضييع والتفريط.. إنّ
التفرّدَ والاستبدادَ لا
يحرّران أرضاً، ولا يبنيان
وطناً، ولا يحقّقان أملاً. لأن
الأوطان إنما تبنيها سواعدُ
أبنائها المخلصين، وليس سواعد
المنتفعين والمقهورين
والخائفين والمستذَلّين. أيها الإخوة المواطنون..
أبناءَ سوريةَ الحرةِ الأبية.. في
آفاق هذا الإدراك الشامل لواقع
الأمة، ولقضاياها الكبرى،
توقّفَ مجلسُ شورى الجماعة عند
قرار القيادة تعليقَ الأنشطة
المعارضة.. فلقد جاءت الحربُ
الوحشيةُ التي شنّتها على أهلنا
في غزة، القوةُ الصهيونيةُ
المتغطرسة، وسطَ تواطؤٍ عالميّ
مريب، حلقةً في سلسلة الحرب
الظاهرة والخفية، التي تقودُها
قوى الشرّ العالميّ على بلاد
العرب والمسلمين.. حلقةً كان لها
ما قبلها، وسيكونُ لها ما
بعدَها، فيما يطرحه المعتدلون
والمتطرّفون من الصهاينةِ على
السواء. وفي
مواجهة هذه الحرب بكلّ أشكالها
وأبعادها.. نؤكّدُ: أنّ على
شعوبنا أن تصنعَ حاضرَها، وأن
تقرّرَ مستقبلها، وأن تحقّقَ
وجودَها، من خلال فعلٍ حضاريّ
ناجز. وليس لنا أن نعتمدَ على
معسولِ كلامِ رئيسٍ أمريكيّ أو
فرنسيّ، فكلّ شعبٍ يختارُ
رئيسَه لتحقيقِ مصالحه
وتطلّعاته، وليس لتحقيق مصالح
الآخرين وتطلّعاتهم. ونقول
للمعتدين: ارفعوا الحصار عن
أهلنا في غزة. وتوقّفوا عن
ممارسة سياسات القتل والتهجير
والإخراج من الديار، وأوقفوا
سياسات التهويد للقدس الشريف
ولكلّ بلدةٍ وحيٍّ من أرض
فلسطين. إن مجلسَ شورى جماعة
الإخوان المسلمين في سورية، وهو
يؤكّدُ إدانتَه لكلّ أشكال
الظلم والاستبداد والفساد،
المسيطرة على واقع قطرنا
السوريّ، والتي يئنّ تحتَ
وطأتها المواطن، ويدفعُ ثمنَها
شعبُنا، بما يشهد به واقعُ
الحال، وتقاريرُ المنظّماتِ
الدولية: الإنمائية والإنسانية
والحقوقية.. ليضَعُ قرارَ
القيادة بتعليق الأنشطة
المعارضة، في سياق الحرب
المفتوحةِ بكلّ أبعادِها، على
أمة العروبةِ والإسلام، والتي
لم تكن الحربُ على غزّةَ إلا
إحدى حلقاتها، ويثمّنُ المجلسُ
هذا القرار، ويرى فيه مبادرةً
وطنيةً لإعطاء فرصةٍ حقيقيةٍ
وصادقة، لكسر طرف دائرة الشرّ،
التي أغلقت على شعبنا منذُ
أكثرَ من أربعين عاماً، والتي
كانت سوريةُ الدولةُ والوطنُ
والإنسانُ.. هي الخاسرَ الأكبرَ
فيها. أيها الإخوةُ المواطنون..
أبناءَ سوريةَ الحرةِ الأبية.. إنّ
هذه المبادرةَ ليست غريبةً على
تاريخ جماعة الإخوان المسلمين،
التي مثّلتْ في تاريخها
الوطنيّ، وحدةَ عملٍ إيجابيّ
بنّاء، وفصيلاً وطنياً منفتحاً
ومتعاوناً على الخير والبرّ
والتقوى. حقيقةٌ لا بدّ من
التذكير بها ونحنُ ندعو إلى نفي
الظلمِ والفسادِ والاستبدادِ
عن حياة الناس في بلدنا الحبيب.. ندعو
إلى وطنٍ حرٍّ سيّد، متعاونٍ
متراصٍّ أبناؤه، الوحدةُ
الوطنيةُ قاعدتُه، ودولةُ
السواء والقانون عنوانُه،
والنهوضُ الحضاريّ الإنسانيّ
القويمُ مشروعُه. وطنٍ بلا
تمييز، ولا استئثار، ولا
معتقلات، ولا خوفَ فيه ولا
تخويف.. ونمدّ
أيديَنا إلى كلّ الأحرار من
أبناءِ وطننا، للتعاون على بناء
وطنِ القِيَمِ والحرية
والمساواةِ والعدل.. ونعلنُ
تضامنَنا مع جميع الأحرار،
القابعينَ وراء القضبان، من أجل
قضايا وطنهم العادلة.. وفي
مقدمتهم إخوةُ العقيدةِ
والوطنِ من رجالِ التيارِ
الإسلاميّ بكلّ ألوانِ طيفه.
والمواطنون الشرفاء المعتقلون
من قيادات إعلان دمشق، الذي
نعتبرُ أنفسَنا عضواً مؤسّساً
وفاعلاً فيه، وجميع معتقلي
الرأي والضمير في السجون
السورية. أيها الإخوةُ المواطنون..
أبناءَ سوريةَ الحرةِ الأبية.. الإخلاصُ
والسدادُ شرطُ الفلاح والنجاح.
وكما قال عمرُ لأبي موسى في كتاب
القضاء: الفهمَ الفهم.. وإنها
لفتنٌ كقطع الليل المظلم تدَعُ
الحليمَ حيران.. تلكَ الدارُ الآخرةُ
نجعلُها للذين لا يريدونَ
عُلوّاً في الأرضِ ولا فساداً،
والعاقبة للمتقين.
صدقَ الله العظيم. والله أكبر
ولله الحمد. 13 آب (أغسطس) 2009 مجلس الشورى لجماعة الإخوان
المسلمين في سورية
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |