ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مواقف

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بسم الله الرحمن الرحيم

حديث من القلب

أ. محمد مهدي عاكف

المرشد العام للإخوان المسلمين

·      وقل اعملوا ....

·      الأخ القرآني ....

·      الذكر وأثره في حياة الأخ المسلم ....

·      المسجد والجماعة في حياة الأخ المسلم ....

·      حقيقة الأخوة في نفوس الإخوان ....

·      الثبات على المبدأ عند الإخوان ....

 (1) وقل اعملوا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه ..

قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة - 105) ... أي أن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين، ومن علم أن عمله لا يخفى رغب في أعمال الخير، وتجنَّب أعمالَ الشرَّ، بهمَّةٍ عاليةٍ مع إخلاص النية لله عزَّ وجلَّ .... فالهمَّة العالية والنيَّة الخالصة إذا اجتمعتا بلغتا بالعبد غايةَ المراد ..... قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ (محمد – 21).

الرسالة العظيمة لا بدَّ لها من همَّة عالية ....

أيها الإخوان.. هذا نداءُ الله إليكم وإلى الناس أجمعين، وأنتم أَولى الناس بالمسارعة في الطاعات؛ لأنكم تحملون أعظم رسالة .. رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، التي تحمل الخيرَ للدنيا بأسْرها ... والتي لا يمكن أن تبلغَ غايتَها إلا بدعاةٍ يأخذون دينَهم بقوةٍ، ويتحمَّلون المسئوليةَ بجدٍّ وعزمٍ ... قال تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ (مريم - 12) ... وقال: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ .. فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ (الأعراف - 145) .. وقال: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ (البقرة – 63).

 

فأَخْذُ هذا الكتابِ، وحَمْلُ هذه الرسالةِ، يحتاج إلى إحساسٍ عظيمٍ بالمسئولية، وشدةِ عزيمة وقوة شكيمة, ولا يطيق ذلك إلا الكرامُ الأخيارُ المستعدُّون للبذل والتضحية .... يقول الأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله لشباب الدعوة: "إنما تنجحُ الفكرةُ إذا قَوِيَ الإيمانُ بها، وتوفَّر الإخلاصُ في سبيلها، وازدادت الحماسةُ لها، ووُجد الاستعدادُ الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها".

أنتم الرواحل في هذه الأمة ..

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً"  .. وفي رواية: "لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً" (رواه الشيخان) ... والراحلة هي الجملُ النجيبُ القويُّ على حمل الأثقال وطول الأسفار، مع جمال المنظر وحسن الهيئة ... وهو قليلٌ نادرٌ ... وكذلك المُنْتَجَبون من الناس القادرون على حمل الأعباء وتحمُّل المشاقِّ والتضحية من أجل الغايات العظيمة ... هم قلة ... لا تكاد تعثر في كل مائةٍ من الناس على واحدٍ منهم ... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ نَعْلَمُ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مِائَةٍ مِثْلِهِ إِلَّا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ" (رواه أحمد) .. وفي رواية: "لا نَعْلَمُ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ أَلْفٍ مِثْلِهُ إِلَّا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ" (رواه الطبراني) ... ولمثل هذا تتم عملية التربية في دعوتكم أيها الإخوان .... فلستم من أولئك الذين قيل فيهم:

إنّي لأفتَحُ عَينِيَ حِينَ أفتَحُها        عَلَى كَثِيرٍ ولكن لا أرى أحَدا

بل إنكم تهيِّئون أنفسكم للقيام بدورٍ عظيمٍ في خدمة دينِكم وأمتِكم .. تنهضون به، وتُنْهِضون الأمةَ معكم ... ولهذا قال الإمامُ الشهيدُ المؤسِّسُ رحمه الله: "ومن هنا كثُرتْ واجباتُكم، ومن هنا عظُمتْ تبعاتُكم، ومن هنا تضاعفت حقوقُ أمتكم عليكم، ومن هنا ثقُلت الأمانةُ في أعناقكم، ومن هنا وجب عليكم أن تفكِّروا طويلاً، وأن تعملوا كثيرًا، وأن تحدِّدوا موقفَكم، وأن تتقدَّموا للإنقاذ، وأن تُعْطُوا الأمةَ حقَّها كاملاً من هذا الشباب".

لا تكونوا إمعات ..

أيها الإخوان .... إن وضوحَ أهدافِكم ونُبلَ غاياتِكم وسُمُوَّ مقاصدِكم، وتَفَهُّمَكم لحاجةِ الدنيا إلى دعوتكم ... لحَرِيٌّ أن يجددَ عزائمكم، ويطلقَ طاقاتكم، ويدفعَكم إلى مقدمة صفوف المصلحين ... ويمنعكم من التكاسل والفتور، أو التراخي والتردُّد، أو الاتصاف بالإمعية ... وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ؛ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا" (رواه الترمذي).

يقول الأخ الأستاذ البهي الخولي رحمه الله: "إن الداعية يجب أن يشعر بأن دعوتَه حيَّةٌ في أعصابه، متوهِّجة في ضميره، تصيح في دمائه، فتُعْجِله عن الراحة والدعة إلى الحركة والعمل، وتشغله بها في نفسه وولده وماله ... وهذا هو الداعيةُ الصادقُ الذي تُحِسُّ إيمانَه بدعوتِه في النظرةِ والحركةِ والإشارةِ، وفي السِّمَةِ التي تختلط بماءِ وجهِه".

من هذا المنطلق أردت أن أناجيَكم- أيها الأحبةُ - بهذه السلسلةِ من (حديث من القلب) ... أذكِّركم ونفسي فيه بواجبنا الأكبر ومهمَّتنا العظيمة ... لتنهض هممُنا، وتَنْشط عزائمُنا، ونغادر الكسلَ والفتورَ، ونكون عند أمرِ الله لنا، وعند حُسْنِ ظنِّ أمتِنا بنا ... لا يثنينا عن واجبنا ودعوتنا كثرةُ الخصوم ولا تكالب قوى الشر.

 

 

وأنا على يقينٍ أننا إذا حقَّقنا القوةَ في حَمْل دعوتِنا فسيقرِّب الله يومَ النصر ويحققُ الآمال ... قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ (الأعراف – 170).

وتأمَّل أخي الكريم ما في قوله ﴿يُمَسِّكُونَ من دلالةٍ على القوة والحرص والعزم والجزم والهمَّة في الأخذ بالكتاب!.

والله معكم ... ولن يتركم أعمالكم ... والله أكبر ولله الحمد.

 (2)  الأخ القرآني

كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن ....

أرادت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تقدِّم لنا شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سُئلت عن أخلاقه ... فقالت للسائل: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ .. قال: بَلَى ... قَالَت: "فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ" (رواه مسلم) ... وفي حديث آخر: "كَانَ خلقُهُ الْقُرْآنَ، يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ" (رواه مسلم)

 

وفي بعض الروايات ... أن أم المؤمنين أرادت أن تقدِّم صورةً عمليةً تفسيريةً لهذا ... فقالت للسائل: "تقرءون سورة (المؤمنون) التي مطلعها ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) ... ﴾ ... إلى قوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ (10) ... قال: نعم .... قالت: " كان هذا خُلُقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم " (رواه البخاري في الأدب) ... أي أن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترجمةً عمليةً لكتاب الله .. فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي بين الناس.

شخصية الأخ القرآني..

أيها الإخوان ....

لهذا عُني الإخوان المسلمون بأن يجعلوا كتابَ الله تبارك وتعالى أولَ أورادهم، وكان من تعهُّدهم أن يرتب الأخ على نفسه كل يومٍ جزءًا على الأقل من القرآن الكريم يتلوه؛ كما يرتب على نفسه قدرًا من الآيات يحفظه ... إدراكًا من الإخوان لفضل القرآن وأثره العظيم في التربية.

 

لكنَّ الأخَ المسلمَ القرآنيَّ لا يقبل أن يكون القرآنُ عنده مجردَ كلامٍ يُتْلَى أو ترنيماتٍ تُسْمَع ... بل هو تعليماتٌ تُحْفَظ، وتوجيهاتٌ تُنَفَّذ، وتربيةٌ تظهر في السلوك والأخلاق ... وهذا ما ينبهنا إليه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين يقول: " ينبغي لحامل القرآن أن يُعْرَف بليلِه - أي بقيام الليل- إذا الناسُ نائمون، وبنهارِه - يعني بصيام نهاره - إذا الناسُ يفطرون، وبِحُزْنِه إذا الناسُ يفرحون، وببكائِه إذا الناسُ يضحكون، وبصَمْتِه إذا الناسُ يخلطون، وبِخُشُوعِهِ إذا الناسُ يَخْتالون، وينبغي لحاملِ القرآنِ أن يكونَ باكيًا محزونًا حكيمًا حليمًا عليمًا سِكِّيتًا، وينبغي لحاملِ القرآنِ أن لا يكونَ جافيًا ولا غافلاً ولا صخَّابًا ولا صيَّاحًا ولا حَدِيدًا " ( حلية الأولياء).

 

 وليس حزنُ الأخ القرآني حزنًا على ما فاته من الدنيا .. لكنه حزنٌ على تقصيره في حق الله .. وحزنٌ على أنه لم يكن أفضلَ من ذلك .. فينهض للتجويد والتحسين، ويتحوَّل من الكسل والفتور للعمل والنشاط .. وهكذا كان أبو بكر وعمر وسائر الصحابة .. كما وصفتهم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: "إذا سمعوا القرآن "تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله" (البيهقي في الشُّعَب).

القرآني مصلح مجاهد..

أيها الإخوان ....

لكنَّ هذا الشخصَ القرآنيَّ الباكيَ المحزونَ، إذا جدَّ الجِدُّ، ودعا داعي الجهاد كان فارسَ الميدان ... وإذا دخل ميدانَ السياسة كان أبصرَ الناس بالمصالح والمفاسد، وأقضى الناس لحاجات العباد ...  وإذا عامل الناس بالدينار والدرهم كان أصدقَ الناس وأكثرَهم أمانةً ... وإذا دخل بيتَه كان أحسنَ الناس عشرةً وتربيةً للأبناء ... وإذا رأى الفسادَ والمنكرَ كان أشدَّ الناس بغضًا له وسعيًا في إنكاره وإزالته ... وإذا دعاه الوطن للتضحية كان أسرعَ الناس تلبيةً للنداء، وأسخاهم يدًا بالبذل والعطاء.

 

فأبو بكر الذي يبكي عند تلاوة وسماع القرآن، هو الذي وقف وقفة الأسد حين ارتدَّ المرتدون، وقال: "والله لأقاتلنهم ولو انفردت سالفتي" .... وعمر بن الخطاب الذي كان بكاؤه عند القراءة يُسْمَع في آخر المسجد؛ هو الذي فتح بيتَ المقدس وبلادَ فارس والروم ... وعمر بن عبد العزيز الذي وقع مغشيًّا عليه من سماع آية من القرآن؛ هو الخليفة الحازم الذي أصلح الله به ما اعوجَّ من أمر هذه الأمة ... وهكذا حرَّك القرآن الإخوان المسلمين لحمل راية الجهاد في كل الميادين، بدءًا من ميدان جهاد النفوس حتى ميدان قتال أعداء الله وأعداء الأمة ... والأمثلة أكثر من أن تحصر.

شخصية الأخ كما يريدها الإخوان المسلمون ...

أيها الإخوان ...

الشخصية القرآنية شخصية تجمع الخير من جميع جوانبه، وتحرص على صلاح القلب وصلاح البدن، وتحرص على أن تأخذ من الدنيا حظَّها، وألا تدع في الآخرة نصيبها ... وتردِّد صباحًا ومساءً ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ (الأنعام – 162) .... فليست صلاتها فقط وليس نسكها فقط لله رب العالمين، بل حياتها كلها لله، بل مماتها لله رب العالمين.

 

هذه هي الشخصية التي يريدها الإخوان المسلمون، والتي يصنعها القرآن الكريم، فتُبَيِّض وجهَ الحياة وتُنَضِّر جبينَ الدنيا، بالعمل الجادِّ والدعوة الدائبة إلى الله على بصيرة، حتى يُحقَّ الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ... فأقبِلوا على القرآن أيها الإخوان، وتضلَّعوا من علومه ومعارفه، وتأدَّبوا بآدابه ... وحقِّقوا في واقعكم معنى هتافكم الدائم (القرآن دستورنا) ....

 

والله معكم ... ولن يتركم أعمالكم ... والله أكبر ولله الحمد.

(3) الذكر وأثره في حياة الأخ المسلم

قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ (الأحزاب: 41-42) ... وتكرر الأمر بالذكر الكثير في آيات متعددة ...

وقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ ((متفق عليه) ...

وقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ .. وفي رواية: إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ ...قَالَ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ "  (رواه الترمذي وأحمد)

الذكر أفضل الأعمال

أيها الإخوان ...

حدَّد الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله مقصد الإخوان المسلمين بقوله: " "إن الإخوان المسلمين يقصدون أول ما يقصدون إلى تربية النفوس، وتجديد الأرواح، وتقوية الأخلاق، وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة، ويعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تُبنى عليه نهضات الأمم والشعوب".

 

ويدرك الإخوان أن لا سبيل إلى ذلك إلا السبيل الذي سلكه الداعي الأول صلى الله عليه وسلم  ... وهو إيقاظ الأرواح، وتوصيلها بالله رب العالمين؛ عن طريق أفضل الأعمال وهو الذكر ...

قال صلى الله عليه وسلم : " أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ " ... قَالُوا: بَلَى.... قَالَ: " ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى " (رواه الترمذي) ...

وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الذكر سبب السبق والفوز، فقال: " سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ " ...  قَالُوا: وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .. قَالَ: " الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ " ... أي المولعون بكثرة الذكر ... " يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا " (الترمذي) ... ومن السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظله: " رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " (متفق عليه)

والذكر أعظم باب أنت داخله        لله .. فاجعل له الأنفاس حراساً

والذكر هو سبب حياة القلب وتركه سبب موته ... ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: " مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ... مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ " (متفق عليه) .. وفي رواية: " مَثَلُ الْبَيْتِ ".

والذكر سبب في طمأنينة القلوب ... قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28) ... ذلك أنَّ قلب المؤمن شديد التأثر بالذكر ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 2) .. ولذلك فلا شيء يشغل المؤمن عن الذكر ... فالمؤمنون ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ (النور: من الآية 37)

 

 والذكر يردّ المخطئ إلى الصواب ...  فيسارع في الرجوع إلى الحق ... قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: من الآية 135)

 

والذكر سبب لاستحقاق معية الله للعبد ...  كما قال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 152) ... وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ" (رواه مسلم) ... وهي معيَّة بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق، وكفى بهذا فضلاً وشرفًا، فتخيَّل كم يكون مقتضى ذكر الله تعالى من الفتح والنصر والقوة والمعونة والتوفيق .. ! ..

ولذلك فالذكر أساس نجاح الداعي وشجاعته في المواجهة.

فالذاكر لله يدرك أن المقادير تجري بأمره، ويمتلئ قلبه بهيبة الله وعظمته، فلا يتردَّد في تبليغ الدعوة والجهر بالحق، وبهذا أمر الله موسى وهارون فقال: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ (طه: 42)

ترك الذكر قسوة للقلب

قال تعالى ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الزمر: من الآية 22) ...

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي" (رواه الترمذي)

 

ومن عواقب الغفلة عن ذكر الله استحواذ الشيطان على العبد..  ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ (المجادلة: من الآية 19) ... ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾  (الزخرف: من الآية 36)

 

الذكر معنى شامل لكثير من الطاعات

يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: "اعلم يا أخي أن الذكر ليس المقصود به الذكر القولي فحسب، بل إن التوبة ذكر، والتفكُّر من أعلى أنواع الذكر، وطلب العلم ذكر، وطلب الرزق إذا حسُنت فيه النية ذكر، وكل أمر راقبتَ فيه ربك وتذكَّرتَ نظرَه إليك ورقابتَه فيه عليك ذكر، ولهذا كان العارف ذاكرًا على كل حالاته".. قَالَ قَتَادَةُ: "كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ، وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ" (رواه البخاري)

 

الذكر في كل وقت وعلى كل حال

قال الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: "وإذ عرفت هذا أيها الأخ الكريم، فلا تستغرب بعدُ أن يكون المسلم ذاكرًا لله على كل حال، ولا تعجب إذا طالبنا الإخوان المسلمين أن يستنُّوا بسنَّة نبيهم ويقتدوا به، فيحفظوا هذه الأذكار ويتقربوا بها إلى العزيز الغفار .. ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا"  (الأحزاب: 21)

أيها الإخوان ...

لهذا كان من أصول تربيتنا الروحية المحافظة على الوظيفة الكبرى صباحًا ومساءً ... فإن ضاق وقتُ الأخ فليقرأ الوظيفة الصغرى، ثم المحافظة على الذكر الدائم في كل المناسبات والأحوال، بل وفي كل الأوقات، وعلى كل الهيئات ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾  (النساء: من الآية 103) ... فذلك سمتُ أولي الألباب ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: من الآية 191) ...

قال ابن عباس رضي الله عنهما : " كل عبادة فرضها الله تعالى جعل لها وقتًا مخصوصًا، وعذر العباد في غير أوقاتها، إلا الذكر لم يجعل الله له وقتًا مخصوصًا، قال ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: من الآية 41)

فأقبلوا أيها الإخوان على الذكر بقلوب لله خاشعة ... ونفوس في رحمة الله طامعة ... ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال: من الآية 45) (الجمعة: من الآية 10)

والله معكم ... ولن يتركم أعمالكم ... والله أكبر ولله الحمد.

(4) المسجد والجماعة في حياة الأخ المسلم

الجماعة في المساجد عنوان الهداية والصلاح

قال تعالى ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ﴾ (التوبة: 18) ... وأخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ".

 

إلى هذا الحد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظرون إلى جماعة المسجد على أنها فرقان بين المؤمن والمنافق، وكان المريض منهم يُحمَل إلى المسجد حملاً وهو غير قادر على المشي!.

 

والأدلة على فضل جماعة المسجد كثيرة لا تخفى عليكم أيها الإخوان المسلمون، حتى إن أحد الصحابة كان منزله أبعد ما يكون عن المسجد، فقيل له: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ! قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ".

ضيافة روحية

إن السائر إلى المسجد للصلاة يمشي ذهابًا وإيابًا في ضيافة الله، وأكرم بها من ضيافة تمتلئ منها القلوبُ سكينةً، وتؤوب منها الأرواحُ راضيةً سعيدةً، وتنقلب منها الصدورُ منشرحةً مسرورةً، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم :  مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ" (متفق عليه) ... وذكر صلى الله عليه وسلم الْكَفَّارَاتِ فقال: "الْكَفَّارَاتُ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (رواه الترمذي)

الله يفرح بعبده المعتاد على المسجد والجماعات

قال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ إِلاَّ تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِم" (رواه ابن ماجة)

 حذار من الصلاة في البيوت وهجران المساجد!!

لهذا كان من توجيهات الإخوان: المحافظة على صلاة الجماعة، وإعمار المساجد بالذكر والصلاة، وعدم التماس الرخص لترك الجماعة في المسجد إلا لعذرٍ قاهرٍ، فقد اشتكى ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعمى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كِبَر سنه وعمى بصره وفقد القائد الملازم، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: " هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ"؟ ... قال: نَعَمْ .... قَالَ:  "مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً"  (رواه ابن ماجة)

 

ولذلك فإن عليك أيها الأخ المسلم أن تخرج إلى المسجد لصلاة الجماعة، مهما تكن الظروف، ولو غلب على ظنك أنك لن تدرك الجماعة الأولى؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا" (رواه أبو داود)

المسجد وصلاة الجماعة .. أهم مسارات الدعوة

إن دعوتنا أيها الإخوان هي دعوة الإسلام التي تنطلق من المسجد؛ حيث ترتبط القلوب وتتحابُّ في الله، وقد كان مما يوصي به الإمام حسن البنا رحمه الله الإخوانَ في كل شعبة أو منطقة لزيادة الترابط؛ أن يحرصوا على صلاة الفجر معًا جماعةً مرةً كل أسبوع على الأقل في المسجد.

 

كما أن صلاة الجماعة التي نؤديها في اليوم خمس مرات ليست إلا تدريبًا يوميًّا على نظامٍ اجتماعيٍّ عمليٍّ، امتزجتْ فيه محاسنُ النظم المختلفة؛ إذ يحقق معنى المساواة، ويقضي على الفوارق والطبقات والعنصرية، ويحقق الوحدة والنظام في الإرادة والمظهر على السواء، ويُعَوِّد المؤمنَ على تصويب المخطئ حتى لو كان هذا المخطئ هو الإمام، ويعوِّد الإمام المخطئ على تصحيح خطئه والنزول عند الصواب، أيًّا كان من أرشده إليه، فماذا بقي بعد ذلك للنظم المختلفة من فضلٍ على الإسلام وقد جمع محاسنها جميعًا واتقى كل ما فيها من سيئات؟!

 

ثم إن المحافظة على الجماعة تغرس في المؤمن روح الإيجابية، وتنزع منه صفة السلبية واللامبالاة، وتدفعه إلى التحقق بالإسلام عمليًّا، والعمل له وإرشاد الدنيا إلى سبيل الخير الذي جاء به ... يقول الأستاذ البنا: "ومن هنا أيها الإخوة رأينا أخلاء المسجد، وأنضاء العبادة، وحفظة الكتاب الكريم، بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان الله عليهم؛ لا يقنعون باستقلال بلادهم، ولا بعزة قومهم، ولا بتحرير شعوبهم، ولكنهم ينسابون في الأرض، ويسيحون في آفاق البلاد، فاتحين معلمين، يحررون الأمم كما تحرَّروا، ويهدونها بنور الله الذي اهتدوا به، ويرشدونها إلى سعادة الدنيا والآخرة، لا يَغُلُّون ولا يغدرون، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

 

فإلى المساجد أيها الأحباب، اعمروها بالجماعات والصلوات والذكر والقرآن، واختلطوا فيها بالكرام من جماهير أمتكم، وانطلقوا منها بالدعوة والتوجيه والإرشاد للدنيا بأسرها، وعودوا إليها مع كل نداءٍ بالصلاة تغسلون أرواحكم، وتستأنفون حركتكم ونشاطكم.

والله معكم ... ولن يتركم أعمالكم ... والله أكبر ولله الحمد.

 (5) حقيقة الأخوة في نفوس الإخوان

أيها الإخوان ...

فقد اهتمَّ الإسلامُ غاية الاهتمام بتوثيق عُرَى الأخوة الَّتِي تُوجِبُ الْمَحَبَّةَ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حتى جعل الأخوَّةَ التي جمع عليها القلوبَ أصلاً من أصول الإيمان لا يتمُّ إلا بها، ولا يتحقق إلا بوجودها؛ بل جعلها أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ وأكملَ معانيه ...

 

 فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌٌ﴾ (الحجرات: من الآية10) ...

 

وقال صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْلِمُ أَخو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ"  (متفق عليه) ... وقال صلى الله عليه وسلم:  مَثَل الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَل الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" (متفق عليه) ...

ولذلك ... كان من أركان بيعتنا .. الأخوَّة ....

ولذلك أيضاً ... كان من أصول الإصلاح الاجتماعي الكامل الذي جاء به الإسلام .. إعلانُ الأخوة بين الناس.

معنى الأخوَّة عند الإخوان المسلمين

 قال الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله: "وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوبُ والأرواحُ برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابطِ وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّقُ أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وِحْدَةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: من الآية9).

والأخُ الصادقُ يرى إخوانَه أوْلى بنفسِه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكونَ بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، و"إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ" (رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم) ... و"الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" (متفق عليه) ... ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: من الآية71) ... وهكذا يجب أن نكون".

الأخوة عندنا دين

لم يزل الإخوان حريصين على تحقيق الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينهم، مجتهدين ألا يُعكِّر صَفْوَ علاقتهم شيءٌ، مدركين أن الأخوَّةَ في الدين من أفضل ما يتقربون به إلى الله زلفى، وملتمسين بالمحافظة عليها نيْلَ الدرجات العلى، ومن ثَمَّ يحرصون على مراعاة حقوقها التي  تصفيها عن شوائب الكدورات ونزغات الشياطين، وقد جعل أهل العلم أقل درجات الأخوة أن يعامل الأخ أخاه بما يحب أن يعامله به.

من حقوق الأخوة ...

من حقوق الأخوة ... الصبر على خطأ الأخ حتى يرجع للحق، من غير تشهيرٍ به أو إشاعةٍ لزلاته ... قال أبو الدرداء: "إذا تغيَّر أخوك وحال عما كان عليه فلا تَدَعْه لأجل ذلك؛ فإن أخاك يَعْوَجُّ مرةً ويستقيم أخرى" ... وَقَالَ إبراهيم النَّخَعِيُّ: "لا تَقْطَعْ أَخَاك وَلا تَهْجُرْهُ عِنْدَ الذَّنْبِ، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُهُ الْيَوْمَ وَيَتْرُكُهُ غَدًا" ... وجاء في بعض الآثار: قال عيسى عليه السلام للحواريين: "كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائمًا وقد كشف الريحُ ثوبَه عنه؟" ... قالوا: نستره ونُغَطِّيه ... قال: "بل تكشفون عورته!" ...  قالوا: سبحان الله! مَن يفعل هذا؟ ...  فقال: "أحدُكم يسمعُ بالكلمةِ في أخيه فيزيدُ عليها ويُشِيعُها بأعظمَ منها".

وحتى حين تختلف بالإخوان الآراء فإن رابطةَ الأخوة تحميهم من الوقوع في الأعراض، أو إشاعةِ الشبهات، أو ترديد المفتريات ... وهم يحفظون كلمةَ حكيم الفقهاء الإمام الشافعي رحمه الله: "الحُرُّ مَنْ رَاعَى وِدَادَ لَحْظَةٍ، وَانْتَمَى لِمَنْ أَفَادَه لَفْظَةً"

 

ومن حقوق الأخوة التي يدعو إليها الإخوان المسلمون ... ما لخصه الفضيلُ بن عِياضٍ رحمه الله في قوله: "نَظَرُ الأخِ إلى وجه أخيه على المودَّةِ والرحمةِ عبادةٌ، فلا تصحُّ المحبةُ في الله عزَّ وجلَّ إلا بما شرط فيها من الرحمة في الاجتماع والخلطة، وعند الافتراق: بظهور النصيحة، واجتناب الغيبة، وتمام الوفاء، ووجود الأنس، وفقد الجفاء، وارتفاع الوحشة" ... وكان يقال: إذا وقعت الغيبَةُ، ارتفعتْ الأخوَّة ....

وما ألطف قول أحد السلف يخاطب أخاه الذي هجره:

هَبْنِي أَسَأْتُ كَمَا تَقُولُ      فَأَيْنَ عَاطِفَةُ الْأُخُوَّة

أَوْ إِنْ أَسَأْتَ كَمَا أَسَأْتُ     فَأَيْنَ َفَضْلُكَ وَالْمُرُوَّة

فليس من أخلاق الأخ المسلم في شيءٍ أن يلتمس أسبابَ العيب لمَن خالفه من إخوانه أو من غيرهم، أو أن يسعى في الانتقاص من فضله، أو التحقير من عمله وعطائه، وينتصحون بنصيحة الفاروق عمر بن الخطاب: "لا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلا يَكُنْ بُغْضُكَ تَلَفًا" ... فلما سُئل: وكيف ذلك؟ قال: "إِذَا أَحْبَبْتَ فَلا تَكْلَفْ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالشَّيْء يُحِبُّهُ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَلا تَبْغَضْ بُغْضًا تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُكَ وَيَهْلِكَ" (البخاري في الأدب) ... وكان الحسن بن علي رضي الله عنه يقول: "لا تُفْرِطْ فِي حُبِّكَ، وَلا تُفْرِطْ فِي بُغْضِكَ، مَنْ وَجَدَ دُونَ أَخِيهِ سِتْرًا فَلا يَكْشِفْ" (رواه عبد الرزاق).

ومن حقوق الأخوة ... النصيحة بآدابها الشرعية .. فلا تشنيعَ ولا تشهيرَ، ولا تجريحَ للأشخاص ولا للهيئات، ولا كشفَ لأسرار الناس، ولا اختلاقَ ولا كذبَ، ولا تبريرَ للخطأ، ولا مجاملةَ على حساب الحق، ولا رغبةَ في التَّشَفِّي ولا انتصارَ للهوى، بل هي نصيحةٌ أمينةٌ صادقةٌ، تَبْرَأُ بها الذِّمَّةُ، وتُؤَدَّى بها الأمانةُ، مع بقاءِ المودَّةِ ونَمَاءِ عاطفةِ الأُخُوَّة.

 

أخوَّتُنا أحدُ أسرار قوتنا

 إن هذه الأخوةَ التي نذكِّر بحقوقها أيها الإخوان هي الصخرةُ التي تتكسَّر عليها موجاتُ المكرِ ومحاولاتُ النَّيْلِ من دعوتنا المباركة، وهي أول أسباب النصر ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (64)﴾ (الأنفال).

أيها الإخوان المسلمون ...

لقد أعلنها نبينا صلى الله عليه وسلم واضحةً صريحة: " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيث، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" (متفق عليه) ...  وفهم المسلمون الأولون رضوان الله عليهم من الإسلام هذا المعنى الأخويَّ، وأَمْلَتْ عليهم عقيدتُهم في دين الله أَخْلَدَ عواطفِ الحبِّ والتآلفِ، وأَنْبَلَ مظاهر الأخوة والتعارف، فكانوا رجلاً واحدًا وقلبًا واحدًا ويدًا واحدة، فحقق الله لهم وبهم النصر والعز والتمكين.

فلْنستمسكْ بهذه الأخوة الخالدة التي تزول الدنيا ولا تزول، وتفنى الأيام وهي أبقى من الزمن، ولْنحرصْ على أداء حقوقها، واستشعار قيمتها، ولْنحافظْ على وِرْد الرابطة اليومي ...

والله معكم .... ولن يتركم أعمالكم ... والله أكبر ولله الحمد.

(6) الثبات على المبدأ عند الإخوان

إنَّ من سنن الله المحكمة وقوانينهِ الماضية؛ أن تكون نتيجةُ التدافع بين الحق والباطل نصرًا مؤزَّرًا للحق وأهله ... ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: من الآية 47) ...

وإذا كان ادعاءُ الإيمان سهلاً على كل أحدٍ؛ فقد اقتضتْ حكمتُه سبحانه أن يجعلَ هذا التدافعَ ابتلاءً يَمِيزُ به الخبيثَ من الطيب، ويكشفُ به الثابتَ على المبدأ من المراوغ المتلوِّن الذي لا يثبت أمام الفتنة ... ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 31) ... وشتان بين المجاهد الصابر لحكم الله الثابت على الحق، وبين فئة من الأدعياء.

رَضُوا بالدنيا وابْتُلُوا بحظوظِهم        وخاضوا بحارَ الجِدِّ دعوى فما ابْتَلُّوا

ومن هنا كان الثباتُ على المبدأ والصبرُ على الفتنة؛ من أهم سمات المؤمنين الصادقين والدعاة المخلصين ...

ولذلك .. كان من أهم مبادئ الإخوان المسلمين: الثباتُ على المبدأ، والوفاءُ بالعهد، مع اعتقاد أن أقدس المبادئ هو "الدين".

الثبات.. ركنٌ من أركان البيعة عند الإخوان المسلمين

قال الإمام حسن البنا رحمه الله: "وأريد بالثبات: أن يظل الأخُ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته؛ مهما بعدت المدة، وتطاولت السنوات والأعوام؛ حتى يلقى الله على ذلك، وقد فاز بإحدى الحسنيين، فإما الغاية، وإما الشهادة في النهاية...  ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب- 23) ... والوقت عندنا جزءٌ من العلاج، والطريقُ طويلةُ المدى، بعيدةُ المراحل، كثيرةُ العقبات، ولكنها وَحْدَها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة".

إنه الفهم الدقيق لحقيقة الرسالة التي نؤمن بها، وندعو إليها، ولطبيعة الطريق الذي أسعدنا الله بالسير فيه خلف نبيه صلى الله عليه وسلم.

أسبابُ الثبات عند الإخوان ومصدرُه

يُوقن الأخُ المسلمُ بقِصَر عمر الدنيا بالنسبةِ إلى حياةِ الخلود في الآخرة، ويدرك تمامًا أنه استُخْلِف في الأرض للابتلاء ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (الإنسان- 2) ....

 

ويُوقن بأن أشدَّ الناس بلاءً في الحياة الدنيا هم رسلُ الله وأنبياؤه، فلا يطمع أن يكون خيرًا منهم، ويثق تمامًا بقوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ (الحديد -22) ....

ويوقن أنَّ من صفته تعالى أنه يُقَدِّر ويلطف، ويبتلي ويُخَفِّف ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ (يوسف: من الآية 100).

ويدرك الأخُ المسلم كذلك أنَّ الابتلاءاتِ تصقل الإيمان، وتُذهب صدأ القلوب، كمثل قطعة الذهب تدخل النار فيَذْهبُ خَبَثُها ويَبْقَى طَيِّبُها، ويؤمن إيمانًا لا يتزعزع بأن ﴿مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ ((الطلاق : 2-3).

ويُوقن الأخ المسلم كذلك بأن مصائبَ الدنيا تهون، أما مصيبةُ الدين فخسارةٌ لا تُعَوَّض ... وقد تعلَّم الإخوان من نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: "اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا" (حسَّنه الترمذي) ... وقدوتُهم في ذلك نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي رفض أية مساومة على الحق الذي جاء به ... وسيدنا يوسف الذي خُيِّر بين السجن وبين الحرام فـ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ (يوسف: من الآية 33).

والأخ المسلم يستشعر حلاوةَ الثواب على الصبر والثبات، فتهون عليه مرارة البلاء، إذ يوقن أنه "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " (متفق عليه).

ثباتنا أحد أسرار قوتنا

أيها الإخوان !! ...

إنَّ إيمانَنا برسالتِنا رسالةِ الحق والخير والنور، وثباتَنا على مبادئِنا المستمدةِ من دينِنا دينِ الحق، وتمسّكَنا بمنهجِنا وطريقِنا الذي رضيَه اللهُ لنا؛ كل ذلك هو الذي يعطينا القوةَ أمامَ خصومِ دعوتِنا، فلا نكوصَ ولا تذبذبَ ولا زعزعةَ؛ بل شموخ وثبات، فدعوتنا الطيبة كالشجرة الطيبة ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ (إبراهيم: من الآية 24) ... جذورُها لا تزداد على المكائد إلا ثباتًا ورسوخًا، وساقُها لا تزداد على الابتلاءات إلا قوةً وسُمُوقًا، وأغصانُها لا تزداد على كثرة الرمي إلا إنباتًا وإثمارًا، فهي ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم: من الآية 25).

 

لقد تعرَّضتْ دعوتُنا- شأنَ الدعوات الصادقة على مدار التاريخ- لألوانٍ من الابتلاء، وأفانينَ من الكيد، وموجاتٍ متواصلةٍ من التضييق والبطش، وتكالبتْ عليها الخصوماتُ من الداخل والخارج، من أعداءِ الإسلام، ومن الأنظمةِ المستبدَّةِ، ومن الخصومِ الذين هالهم إقبالُ الشباب على دعوة الحق وانفتاحُ القلوب لها، فنسجوا الأكاذيبَ، وأشاعوا الإفكَ والزورَ حول الدعوة وتاريخها ورجالها، وأحيانًا من بعض أبنائها الذين مالتْ بهم بعضُ أغراضهم عن جادَّةِ الصواب، فنَسُوْا سوابقَ الأُخوَّةِ والإحسان، وقَبِلوا- بوعيٍ أو بغير وعيٍ- أن يكونوا أداةً بيد بعض الكارهين للدعوة والحاقدين عليها، وهم أدرى الناس بنزاهةِ الدعوةِ وسلامةِ القصدِ وصحةِ الطريق.

وفي مواجهة هذا كله استمسك الإخوانُ بدعوتهم، وأعرضوا عن الدخول في خصوماتٍ ليستْ من شأنهم، واستمروا في دعوتهم، واجتهدوا في تحقيق أهدافهم، وثبتوا على مبادئهم، واستعانوا بالله ربهم، وأيقنوا بنصر الله إياهم، فمضت المحن وهم صامدون، وانقضت الفتن وهم بالحق مستمسكون، وهم يرددون:

كفايـةُ اللـه خيـرٌ من تَوَقِّينَا            وَعَادةُ الله في الماضين تكفينا

كاد الأعادي فلا والله ما تركوا            قولاً وفعـلاً وتلقينًا وتهجيـنا

ولم نَزِدْ نحن في سرٍّ وفي علنٍ            على مقالتـنا يا ربَّـنا اكفيـنا

فكـان ذاك، ورَدَّ اللهُ حاسـدَنا             بغيظِـه لم يَنَـلْ تقديرَه فيـنا

فاستمروا أيها الإخوان على منهاجكم ثابتين، وسيروا في خطتكم موفَّقين، ولا تلتفتوا لمحاولات الكيد والدس لصرفكم عن طريقكم، واثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا حتى يبلغ الله أمره، ويُظهِرَ دينه ...  ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51)

والله معكم ... ولن يتركم أعمالكم ... والله أكبر ولله الحمد.

محمد مهدي عاكف

المرشد العام للإخوان المسلمين

2009    

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ