بسم الله الرحمن
الرحيم
رسائل
المراقب العام – الرسالة
الثامنة والعشرون
بمناسبة
حلول شهر رمضان المبارك
في
30 من شعبان 1428 الموافق 12 من
أيلول 2007
من
المراقب العام لجماعة الإخوان
المسلمين في سورية، إلى إخوته
وأخواته أبناء الجماعة
وأنصارها وأصدقائها، وإلى
أبناء شعبنا السوريّ الأبيّ،
داخلَ الوطنِ الحبيب وخارجَه..
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته، وكلّ
عامٍ وأنتم بخير.. وأحمدُ إليكم
الله الذي كتبَ علينا الصيام، وجعلَ رمضانَ
واحةَ رحمةٍ ومغفرةٍ وعتقٍ من
النار، تفيءُ إليها الأنفسُ
والأرواح.. والصلاة والسلام على
حبيبنا وقُدوتنا
سيّدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه،
ومن سار على دربهم واهتدى
بهَدْيهم إلى يوم الدين..
أما بعدُ أيها
الإخوة المؤمنون.. أيها الإخوان
المسلمون..
فإنّ رمضانَ واحةٌ حقيقيةٌ
تفيءُ إليها الأنفسُ المكدودةُ
من اللهاثِ وراء المادة،
والانشغالِ بمتطلّبات الجسد،
والاستغراقِ في دوّامة
الحاجاتِ التي لا تنقضي.. وهو
مدرسةٌ صَقْلٍ وتهذيب، وهو بعضُ
أيام الله في دورة الزمن،
فلنُعطِ هذه الأيامَ
الروحانيةَ حقّها، ولنكنْ ممن
يعظّمُ شعائرَ الله، ويقفُ عند
حدوده، ويحفظُ للشهر الكريم
حرمته ومهابته (ومن يعظّم
شعائرَ الله فإنها من تقوى
القلوب..). وتعظيمُ شعائر الله
مسؤوليةٌ تقع على عاتق الجميع،
بالتواصي بالحقّ، والتواصي
بالصبر، وإحياءِ شعيرة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر..
أيها الإخوة
المؤمنون.. أيها الإخوان
المسلمون..
رمضان شهر
الصيام.. والصومُ عبادةٌ تستغرقُ الجوارحَ
والنفسَ والروح. يتحرّكُ
المسلمُ في شئون حياته، حاضراً
بين يدَيْ مولاه، دون أن
يَشغلَه شأنٌ عن هذا الحضور،
فإنْ واجهَهُ عارضٌ يناقضُ ما
هو فيه من العبادة، تذكّرَ
وذكّر: إني صائم.. إني صائم..
والصيامُ ليس جوعاً وعطشاً،
إنما هو حالةٌ من التسامي عن كلّ
متطلّبات الجسد والجوارح،
وإمساكٌ للسمع والبصر واللسان
والفؤاد.. عن كلّ ما يُسخِطُ
الله، إنه لجمٌ للنفس الأمّارة،
و فتحُ الآفاق للنفس المطمئنة..
فإنه (رُبّ صائمٍ ليس له من
صيامه إلاّ الجوعُ والعطش)، و(من
لم يدَعْ قولَ الزور والعملَ
به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ
طعامَه وشرابَه)
ورمضان شهر
القيام.. كتب الله علينا صيامَه، وسنّ لنا الحبيبُ
محمد صلى الله عليه وسلم
قيامَه، وقد كان قيامُ الليل في
هذه الأمة شعارَ الصالحين، ومن
أول ما كُتِبَ على سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم، عوناً
على القيام بحقّ الرسالة (يا
أيها المزّمّل.. قم الليلَ إلا
قليلا، نصفَه أو انقصْ منه قليلاً،
أو زدْ عليه، ورتل القرآنَ
ترتيلا)
وصلاةُ التراويح شَعيرةُ
رمضان، وفي أدائها في المساجد
مع الجماعة تعظيمٌ لشعائر الله،
وتكثيرٌ لسواد القائمين
القانتين. وصلاةُ التهجّد
ساعاتِ السَّحَر، من الخير الذي
لا ينبغي أن يفوتَ مسلماً في هذه
الأيام النضِرات.
ورمضان شهر
القرآن.. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن..) وكان
جبريلُ عليه السلام يراجعُ
القرآنَ مع سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في رمضان،
فطيّبوا نفوسَكم وقلوبَكم
وأفواهَكم بتلاوة القرآن
وتدبّر آياته، والوقوفِ عند
معالمه وحدوده، وليتضاعف
الوردُ القرآنيّ في رمضان،
والله يضاعفُ لمن يشاء، فإنه (من
قرأ حرفاً من كتاب الله، فله به
حسنة، والحسنةُ بعشر أمثالها،
لا أقولُ: ألم حرف.. ولكنْ ألفٌ
حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف)..
فاقرءوا القرآن، وتعهّدوا
أهليكم بقراءته وفهمه، والوقوف
عند حدوده..
ورمضان شهر
الدعاء.. (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيبُ
دعوةَ الداعِ إذا دعانِ..
فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي،
لعلهم يرشُدون).
والدعاءُ مخّ العبادة، وهو
تكليفٌ أمرنا الله به، ليُظهرَ
العبدُ حاجتَه إلى مولاه،
وثقتَه به، (وقال ربكم ادعوني
أستجبْ لكم، إنّ الذين يستكبرون
عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)،
فادعوا الله وأنتم موقنون
بالإجابة، ادعوا الله لأنفسكم،
ولآبائكم وأمهاتكم وذريّاتكم
وإخوانكم، وأبناء شعبكم وأمتكم..
أن يكشفَ الكرب، ويفرّجَ
الغمّة، وأن يعزمَ لهذه الأمة
أمرَ رشد، يعزّ فيه أهل طاعته،
ويذلّ فيه أهل معصيته، ويؤمَرُ
فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن
المنكر.. والدعاءُ من سهام
السحَر ( ولا تحسبنّ الله غافلاً
عما يعملُ الظالمون، إنما
يؤخّرُهم ليومٍ تَشخَصُ فيه
الأبصار، مهطعين مُقنِعي
رؤوسِهم، لا يرتدّ إليهم
طرفُهم، وأفئدتُهم هواء..)
ورمضان شهر
الجود والإحسان.. شهر البذل والإنفاق، وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يُعطي عطاءَ من
لا يخشى الفقر، وكان أجودَ الناس, وكان أجودَ ما يكونُ
في رمضان حين يلقاه جبريل عليه
السلام, وكان يلقاه كلّ ليلةٍ في
رمضان، فيدارسُه القرآن،
فلَرسولُ الله صلى الله عليه
و سلم أجودُ بالخير من الريح
المرسلة .
والجودُ لا يكون دائماً عن
سَعَة، فقد سبقَ درهمٌ مائةَ
ألف درهم.
إذا
أنتَ لم تُعطِ القليلَ، ولم
تقدرْ على سعةٍ، لم يظهر
الجودُ
فجودوا
استكمالاً لفضيلة صيامكم،
وتطييباً لعبادتكم، ولا تنسَوا
أنّ الجودَ في هذه الأيام
الشديدة يكادُ يدخلُ في حكم
الواجب الذي لا مندوحةَ عنه،
ولا تنسَوا أنّ في المال حقاً
سوى الزكاة، ولا تنسَوا جراحَ
الأمة المفتوحةَ في الشام وفي
فلسطين وفي العراق.. وفي كل مكان..
فأرُوا الله من أنفسكم خيراً،
ومُدّوا يدَ العون لمساندة لاجئ
لا يجدُ العون، ولجبر عثرة
كريم، و(اتقوا النار ولو بشقّ
تمرة).
ورمضان شهر
الجهاد.. والجهادُ ذروةُ سنام الإسلام، وآفاقُه
وميادينُه التي شرعها الله لا
حدودَ لها. فجهادٌ للنفس،
وجهادٌ بالنفس، وجهادٌ بالمال،
وجهادٌ بالكلمة، وجهادٌ
بالدعوة، وجهادٌ في تعظيم حرمات
الله، وجهاد في تبليغ آيةٍ عن
الله..
لقد عظّمَ الإسلامُ من شأن جهاد
الكلمة، وجعلَ شهيدَها أعظمَ
الشهداء، (سيدُ الشهداء حمزة،
ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائر،
فأمره ونهاه فقتله). والكلمةُ
موقف، ينتصرُ به المسلمُ
للحق، وينصرُ المظلوم، ويدافعُ
عن دين الله، يردّ شبهةً
ويبيّنُ حقيقة، ويجلو معنىً
سامياً. وإنّ العالم المفتوحَ
اليومَ يناديكم، وقد تكاثرت
السهامُ على هذا الدين، حتى
تكسّرت النصالُ على النصال،
فانصروا الله ينصرْكم، دافعوا
عن الإسلام، اشرحوا للبشرية
مناهجَه وشرائعَه، وسماحتَه
ويُسرَه وجمالَه، انتصروا
للحقّ، وانصروا المظلومين
المضطّهدين، لتكونوا في عداد
المجاهدين (فمن جاهدَهم بيده
فهو مؤمن، ومن جاهدَهم بلسانه
فهو مؤمن، ومن جاهدَهم بقلبه
فهو مؤمن، وليس وراءَ ذلك من
الإيمان حبةُ خردل).
أيتها الأخوات
المؤمنات.. أيتها الأخوات
المسلمات..
إن كلّ خطابٍ للأخ المسلم، إنما
هو موجهٌ في أصله إلى الأخت
المسلمة أيضاً. (إنّ المسلمين والمسلمات،
والمؤمنين والمؤمنات،
والقانتين والقانتات،
والصادقين والصادقات،
والصابرين والصابرات،
والخاشعين والخاشعات،
والمتصدّقين والمتصدّقات،
والصائمين والصائمات،
والحافظين فروجَهم والحافظات،
والذاكرين الله كثيراً
والذاكرات.. أعدّ الله لهم
مغفرةً وأجراً عظيما).
إن النساءَ شقائقُ الرجال. وإن
دَوْرَ المرأة المسلمة في
رمضان، يُلقي بظلاله على الأسرة
وعلى المجتمع كلّه، وعلى رسالة
الإٍسلام الحضارية في آفاقها
المتسامية. على المرأة المسلمة
وهي تعيشُ سموّ الصوم، وتنطلقُ
في آفاقه الرحبة.. أن تذكرَ
رسالتها الدعوية، وأن تحدّث
نساء العالم أجمع، عن مكانتها
وعزّتها وحريتها.. عن دورها
الحقيقيّ في الحياة العامة
والخاصة، عما حباها الإسلامُ من
حقوق، أماً وزوجاً وبنتاً
وأختاً، وأن تسدّ ثغرةَ الهجوم
على الأسرة المسلمة والمرأة
المسلمة، بنفسها وبجهدها الذي
يجبُ أن يلقى حظّه من التنظيم،
ومن الارتقاء إلى مستوى تحديات
العصر..
يا شباب
الإسلام.. إن رمضانَ شهرُ القرآن، ومعجزةُ القرآن
الخالدةُ هي الكلمة، فاحملوا
كلمات الله إلى العالمين،
بلاغاً وإنجازاً، وحضوراً
فاعلاً متساميا. فالقصدَ القصد،
بلا إفراطٍ ولا تفريط، وإنما لزومٌ
للجادّة، وثباتٌ على المنهج،
ودعوةٌ إلى الله على بصيرة،
بالحكمة والموعظة الحسنة،
والحوار بالتي هي أحسن..
أيها الإخوة
المؤمنون.. أيها الإخوان
المسلمون..
بارك الله لي ولكم في رمضان،
وتقبل منا جميعاً الصيام
والقيام، وجعلنا من أهل الرحمة
والمغفرة والعتق من النار. وإلى لقاءٍ آخر
في رسالةٍ قادمة، أستودعكم الله.
وكل عام وأنتم
بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
لندن
في 30 من شعبان 1428 الموافق 12 من
أيلول 2007
أخوكم: أبو أنس
علي
صدر الدين البيانوني
المراقب العام
للإخوان المسلمين في سورية
|