ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 19/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مواقف

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

بسم الله الرحمن الرحيم

في الذكرى الثامنة والعشرين

مجزرة صبرا وشاتيلا..

 شاهد على إرهاب الكيان الصهيوني المتواصل

حركة المقاومة الإسلامية - حماس

الخميس 7 شوال 1431هـ

الموافق 16 أيلول/سبتمبر 2010م

المقدمة

إن استذكاراً سريعاً لمسرى الأحداث في الوطن العربي ومن حوله منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الستة الأخيرة يدلل على أن أقل ما يمكن أن يوصف به الكيان الصهيوني الجاثم فوق ثرى فلسطين منذ عام 1948 بقوة القهر ومجافاة القانون الدولي وشرعة الإنسان أنه ظل على الدوام ظالماً مفترياً ومظلماً قاتماً ومغرقاً في نزعة العدوان وممارسة جميع صنوف وأنواع الطغيان والوحشية والإجرام، لكثرة ما حفل به تاريخه الأسود من سفك لدماء العرب بصورة عامة والفلسطينيين بصورة خاصة، تمثل بمسلسل أحمر مستمر ومتصل الحلقات من المجازر والمذابح البربرية التي فاقت في كمها وكيفية ارتكابها جميع أشكال وألوان الإبادة الجماعية التي ارتكبها بحق الشعوب البريئة والمغلوبة على أمرها أكثر الأنظمة فاشية في العالم، بما في ذلك أنظمة الفصل العنصري "الأبرتهايد" التي خلفها الاستعمار الغربي وراءه في بلدان عديدة من العالم، فلا يمكن نسيان مجازر الصهيونية العديدة التي ارتكبتها في ظل صمت المجتمع الدولي وما أكثرها فلا يمكن نسيان مجزرة "دير ياسين"، و"اللد" و"الرملة" ومجزرة "الطنطورة" و"قبية" و"كفر قاسم" و"خان يونس" و"صبرا وشاتيلا" و"البرج الشمالي" ومجزرة "الحرم الإبراهيمي" و "قانا" ومجزرة "جنين" ومحرقة غزة الأخيرة في عدوان صهيوني وحشي غاشم .

يحيي الفلسطينيون هذه الأيام الذكرى الثامنة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا، والتي اعترف المحققون "الإسرائيليون"، أن ضحاياها تراوح عددهم بين 3000 و3500 بين رجل وشيخ وامرأة وطفل جرى قتلهم بدم بارد، والتنكيل بجثثهم بأبشع الطرق في محاولة لإلحاق الهزيمة النفسية وتدمير الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني.

المجزرة التي احتلت موقعاً مركزياً في الوجدان الفلسطيني ـ الإنساني مازالت جرحاً مفتوحاً، لم يغلق بعد، فكثير من أبناء المخيم، الذين خطفوا على يد الجلادين، مازال مصيرهم مجهولاً ومازال أهلهم يعيشون أملاً، ولو ضئيلاً بعودتهم..، في الوقت الذي مازال فيه القتلة  يسرحون ويمرحون، فعدم معاقبة القتلة وجرهم أمام محكمة جنائية دولية دفع بهم إلى ارتكاب المزيد من المجازر في صفوف الفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء.

 

أولاً: جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" ضد الإنسانية مقاربة قانونية سياسية:

أولى القانون الدولي وتحديداً القانون الدولي الإنساني اهتماماً بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والجرائم ضد السلم وجرائم الإبادة ولهذا الغرض وُجد القانون الدولي الجنائي الذي هو "مجموعة من القواعد الموضوعية التي تنظم فرض العقوبات على الأفعال التي ترتكبها الدول والأفراد والتي يكون من طبيعتها الإخلال بالنظام العام الدولي وبالانسجام فيما بين الشعوب."، بالرجوع إلى قواعد القانون الدولي الإنساني فإن تعريف الجرائم ضد الإنسانية ينصرف إلى قتل المدنيين أو إبادتهم أو تهجيرهم أو أي أعمال غير إنسانية ترتكب ضدهم قبل الحرب أو خلالها وكذلك أفعال الاضطهاد المبنية على أسس سياسية أو عنصرية أو دينية ترتكب تبعاً لجريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو كانت ذات صلة بهما، وتلتقي الجرائم ضد الإنسانية مع كل من جرائم الحرب التي ترتكب ضد قوانين الحرب سواء كانت اغتيالات أو سوء معاملة للمدنيين في الأراضي المحتلة أو قتل الأسرى أو معاملتهم بشكل قاس أو نهب الأموال العامة أو الخاصة أو تدمير المدن والقرى، ومع الجرائم ضد السلم التي هي التخطيط لحرب عدوانية أو القيام بها وما شابه ذلك، ويدخل في نفس السياق جرائم الإبادة ـ إبادة الجنس البشري ـ فقد حددت المادة الثانية من اتفاقية جرائم الإبادة لسنة 1948م الأفعال التي تعد جريمة إبادة للجنس البشري بأنها:

أ ـ قتل أفراد جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية.

ب ـ إلحاق ضرر بدني أو عقلي بالغ بأفراد الجماعة.

ت ـ إرغام الجماعة عمداً على العيش في ظل ظروف يقصد بها أن تؤدي كليا أو جزئيا إلى القضاء عليها قضاءً مادياً.

ث ـ فرض تدابير يقصد بها منع التوالد في الجماعة.

ج ـ نقل أطفال الجماعة قسرا إلى جماعة أخرى.

ومن الملاحظ أن هذه الجرائم تتداخل مع بعضها البعض ومرتكبوها يعدون مجرمو حرب.  وجميع هذه  الجرائم قد ارتكبتها الاحتلال "الإسرائيلي" ضد الشعب الفلسطيني.

القانون الدولي الجنائي يسمح لمحاكم دولية مختصة بمحاكمة مرتكبي هذا النوع من الجرائم بل أعطى الحق للقضاء الوطني بمتابعة مجرمي الحرب الذين يرتكبون جرائم خارج الحدود ولكن ضمن شروط، وتعد "اتفاقيات جنيف" الأربعة المرجع الرئيسي فيما يتعلق بقواعد الحرب والقتال، بما في ذلك الجوانب الإنسانية، إلا أن العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية الأخرى تتطرق إلى هذه الممارسات، ومنها إعلان حقوق الإنسان، ومواثيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل، ومواثيق الصحفيين والأطقم الطبية، وغيرها من المواثيق الدولية.

وعلى الرغم من توقيع الاحتلال "الإسرائيلي" على عدد من هذه المواثيق إلا أنها لا تراعي الكثير مما تنص عليه في ارتكابها للمجازر والجرائم ضد الشعب الفلسطيني والتي كان آخرها جرائمها في حربها البشعة ضد قطاع غزة التي استهدفت كل جوانب الحياة مرتكبة مجازر وجرائم إبادة جماعية. 

 

ثانياً: صبرا وشاتيلا مجزرة صهيونية بامتياز:

يقع مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في الأطراف الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، بجوار حي "صبرا" الشعبي والفقير أيضاً، وبجانبهما عدة أحياء أخرى شعبية ومتلاصقة، لكن المنطقة كلها تُعرف بــ"صبرا وشاتيلا"، ويسكنها العديد من اللاجئين الفلسطينيين، معظم من يسكن المخيم هم من لاجئي 1948م، وأغلبهم من سكان الجليل الأعلى شمال فلسطين.

لقد كانت مجزرة "صبرا وشاتيلا" من أكبر المجازر الصهيونية، وقد حدثت في ظرف يشبه ظرف النكبة، انتصار عسكري صهيوني، وعصابات ينفي الاحتلال ارتباطها به، وقد حدثت المجزرة خلال الاجتياح الصهيوني للبنان 1982م ، بعد أن حاصر جنود الاحتلال "الإسرائيلي" المخيم، وعلى الرغم من أن من نفذ المجزرة هم من الميليشيات اللبنانية، إلا أن الحراسة "الإسرائيلية" هي التي سهرت على حمايتهم وسهلت مهمتهم، حيث كان جنود الاحتلال على أطراف المخيم، يمنعون الفارين بحياتهم ويهددونهم بالقتل، مما يضطرهم للرجوع إلى مصيرهم ذاته، وكانت قنابل الإضاءة لجيش الاحتلال تنير للقتلة دروبهم في أزقة المخيم، في عملية أجمع المراقبون والمصورون والأجانب العاملون في الهلال الأحمر و المؤسسات الدولية على وصف الصحفي الصهيوني " أمنون كابيلوك" لها بأنها: "بدأت سريعاً، وتواصلت دون توقف لمدة أربعين ساعة"

أربعون ساعة من القتل والسحل والذبح تحت سماء تنيرها القنابل المضيئة التي وفرتها الطائرات الحربية الصهيونية لتسهيل المهمة ووسط قيام دبابات جيش الحرب الصهيوني بإحكام كل مخارج النجاة في المنطقة المستهدفة ومنع أي أحد من الدخول إليها بما في ذلك الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء المحلية والعالمية وممثلي المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في لبنان ومخيمي صبرا وشاتيلا نفسهما إلا بعد انتهاء المجزرة في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر/أيلول 1982م حين استفاق العالم على مجزرة من أبشع ما عرفه تاريخ البشرية، ليجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس ورؤوساً بلا أعين أو أنوف أو آذان، وليجد أكثر من 3000 جثة طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبناء الشعب اللبناني.

 

وفي ما يلي، تسلسل أحداث المجزرة كما وردت في تقرير جمعية الدراسات الفلسطينية:

 

الأربعاء 15 أيلول/سبتمبر

الخميس صباحاً: جيش الاحتلال "الإسرائيلي" يتقدم على أربعة محاور: من المطار إلى مستديرة شاتيلا، ومن السفارة الكويتية نحو الفاكهاني، ومن المرفأ نحو فندق النورماندي، ومن المتحف في اتجاه كورنيش المزرعة، أما الحجة التي تذرع بها الصهاينة فهي حماية السكان في بيروت الغربية من أعمال انتقامية محتملة تقوم بها الميليشيات بعد اغتيال بشير الجميل.

السادسة عصراً: الدبابات الصهيونية تتمركز عند المفارق الرئيسية كما تطوق صبرا وشاتيلا من الجنوب والغرب والشرق, الجهة الرابعة هي جهة حي الفاكهاني, وأقام جيش الاحتلال مقر قيادته في بناية من ثماني طبقات على بعد 50 مترا من المخيم.

 

الخميس 16 أيلول/سبتمبر

الخامسة صباحاً: المروحيات تحلق مجدداً في سماء بيروت الغربية فتلقي الرعب في نفوس السكان.

السابعة صباحاً: الدبابات تتقدم في رأس بيروت والحمرا والمزرعة، ولقيت مقاومة شرسة من مقاتلي الحركة الوطنية في بعض النقاط وبدأت القذائف الأولى تتساقط فوق صبرا وشاتيلا المحاصرتين، فيما عقد اجتماع ضم الشيوخ والوجهاء في المخيم وقرر هؤلاء الحكماء إرسال وفد إلى جيش الاحتلال "الإسرائيلي" ليوضح له أنه لم يعد هناك مقاتلون في المخيمات. وضم الوفد أربعة رجال طاعنين في السن، توجهوا إلى السفارة الكويتية، لم يرهم أحد بعد تلك الساعة، ووجدت جثثهم بعد أيام قرب السفارة.

الثالثة بعد الظهر:تكثيف القصف على صبرا وشاتيلا، والسكان ينزلون إلى الملاجئ, في بعض الملاجئ يتكدس أكثر من 300 شخص، والبعض الآخر يلجأ إلى مستشفى عكا.

الخامسة بعد الظهر:ازدياد القصف في مستشفى عكا، اقترح أحدهم إرسال وفد من النساء والأطفال، لم يكونوا على علم بالمبادرة السابقة، ولا بمصير الوفد، هذا الوفد قاده سعيد، العامل المصري في محطة الوقود، ومعه نحو 50 امرأة وطفلاً يحملون العلم الأبيض متجهين إلى مركز قيادة جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، فقتلوا أولئك جميعاً ولم يعودوا.

السادسة عصراً: العناصر المسلحة الأولى تتسلل إلى حي عرسال جنوب المدينة الرياضية، يحملون الفؤوس والسكاكين، يدخلون البيوت ويقتلون من يجدون داخلها، لا يسمع إطلاق نار، السكان لا يجرؤون على الخروج من بيوتهم، أو من الملاجئ نتيجة الرشقات المتفرقة والقصف.

الثامنة مساء: أرخى الليل سدوله، والسماء بيضاء بسبب مئات القنابل المضيئة، وتسمع رشقات غامضة المصدر، لكن لا أحد يجرؤ على الخروج، القناصة يطلقون النار على كل شيء يتحرك، وحدهم الجرحى يحاولون الوصول إلى مستشفى عكا قبالة حرج تابت، وصل الجرحى في الليل ورووا أن ثمة مجزرة في المخيم. وطوال الليل وبلا كلل، واصل الفريق الطبي في مستشفى عكا الاهتمام بالجرحى الذين كانوا يصلون في موجات متتالية، من جهة أخرى امتلأ المستشفى باللاجئين الفارين من المجازر، كان هناك نحو ألفين منهم مكدسين في الممرات، وفي الطبقة السفلية، وعند المدخل.

 

الجمعة 17 أيلول/سبتمبر

الخامسة صباحاً:عند الفجر عاد إلى مستشفى عكا بعض النسوة اللواتي كن في عداد الوفد، وكانت شعورهن منفوشة وثيابهن ممزقة بعدما تعرضن للاغتصاب، وقتل العدد الأكبر منهن أمام السفارة الكويتية على يد الميليشيا، فرغ المستشفى في لحظات، إذ فر من لجأ إليه، ولم يبق سوى الأطباء والممرضين وعدد من الجرحى.

الحادية عشرة ظهراً: نادى اثنان من المسلحين، قالا أنهما كتائبيان، على المساعدة الاجتماعية النرويجية "أنا سوندي"، وأمروها بإخراج كل الأجانب العاملين في مستشفى عكا، فتم بالقوة جمع الفريق الطبي الأجنبي بأكمله: (فرنسيان وفيليبينية ونرويجية ومصري وفنلندية وسيرلانكية)، وإجباره على السير حتى مدخل شاتيلا: رافقه أيضاً طبيب الأطفال الفلسطيني "سامي الخطيب"، وبقيت في المستشفى ممرضة نرويجية وأخرى استرالية للاهتمام بخمسة أطفال رضع مصابين بالشلل، عند مدخل المخيم، كان السكرتير الأول في السفارة النرويجية ينتظرهم، فاصطحب معه في السيارة حاملي الجنسية النرويجية، وقصد المستشفى لجلب الأطفال، تم إطلاق سائر أعضاء الفريق الطبي باستثناء "سامي الخطيب"، الذي أعيد إلى المستشفى حيث أعدم مع طبيب فلسطيني آخر بقي في المستشفى وهو الطبيب "علي عثمان"، ومن الضحايا الآخرين ممرضة فلسطينية في العشرين من عمرها هي انتصار إسماعيل التي اغتصبت وقتلت، وكذلك الطباخ الفلسطيني الذي قتل مع موظفين آخرين.

وبعد مغادرة الأطباء دخل المسلحون المستشفى وراحوا يستجوبون الجرحى، اقتيد جريح شاب في الـ 15 من العمر، وهو "مفيد أسعد"، إلى خارج المستشفى حيث أطلقت عليه رصاصة أصابته في عنقه وضرب بالفأس. في هذه الأثناء، كانت المجزرة مستمرة داخل المخيم حيث تمت تصفية عائلات بكامل أفرادها من دون تمييز, وكان بينها عائلات لبنانية، فعائلة المقداد اللبنانية من البقاع فقدت 39 من أفرادها، معظمهم من النساء والأطفال، وبينهم نساء حوامل:

 زينب المقداد كانت في الشهر الثامن من حملها، والهام المقداد في الشهر التاسع، ووفاء المقداد في الشهر السابع. كما وجدت ثلاث نساء دون الثلاثين من العمر مقطعات وقد بقرت بطونهن وأخرجت الأجنة ورمي بها، بالقرب منهن، زينب أم لستة أولاد، ووفاء أم لأربعة، أما ابنة إلهام البالغة من العمر سبعة أعوام، فقد تعرضت للاغتصاب قبل قتلها. تمت بكل وحشية تصفية المحتمين ببعض الملاجئ التي احتشد فيها نحو مئتي شخص، كما جردوا مما في الجيوب ومن الساعات والعقود وأقراط الآذان. وبدأت الجرافات بالعمل، تحمل الجثث وترميها في مقابر جماعية تم حفرها لهذا الغرض، أو تهدم مباني لدفن الجثث تحت ركامها.

 

السبت 18 أيلول/سبتمبر

السادسة والدقيقة الـ 30 صباحاً: اقتحم أفراد الميليشيا مستشفى عكا وأمروا الفريق الطبي الأجنبي بالمغادرة، فاقتيد جميع الأطباء والممرضين (سويديان، فنلندي، دانماركي، أربعة ألمان، ثلاثة هولنديين، أربعة بريطانيين، أميركيان، ايرلندية، فرنسية) إلى مدخل مخيم شاتيلا، حاول أحد التقنيين الفلسطينيين العاملين في المختبر مرافقتهم، لكنه أوقف واقتيد خلف أحد الجدران، ثم سمع صوت طلق ناري بعد فترة.

في اليوم التالي وجدت جثته في المكان نفسه، يؤكد الطبيب "بيير ميشلو مشاغن"، الاختصاصي النرويجي بتقويم الأعضاء: "رأينا الجرافات تدمر البيوت، وتدفن الجثث تحت الركام".

السابعة صباحاً:بدأ المسلحون إفراغ مخيم شاتيلا وحي صبرا ممن بقي فيهما من السكان، في الليلة السابقة كانت مجموعة من الرجال حاولت يائسة الدفاع عن مدخل صبرا لجهة سينما الشرق، وأوقفوا تقدم عناصر الميليشيا عند السوق، كانت مكبرات الصوت تدعو العائلات إلى الخروج من منازلها والتجمع في الشارع الرئيسي، فيخرج المدنيون في هذا الحي، يلوحون بالأعلام البيضاء لاعتقادهم أنهم يواجهون الجيش الاحتلال الصهيوني، ليكتشفوا أنهم أمام ميليشيات لبنانية تابعة لحزب "الكتائب" أو لـ"سعد حداد"، اكتشفوا المقابر الجماعية على امتداد الشارع الرئيسي والشوارع المتفرعة منه، وفي منتصف الطريق، فصلوا الرجال عن النساء والأطفال فبدأت النساء يولولن، لكن رشقات عدة اسكتتهن، المسيرة تتقدم، لكن من وقت إلى آخر يتم اقتياد بعض الرجال أمام أحد الجدران وتطلق النار عليهم، الجرافات تعمل، بضربة واحدة تنهار أعمدة المبنى فيسقط الركام ليدفن الجثث تحته، قرب السفارة الكويتية ومقر قيادة جيش الاحتلال أزيلت البيوت، ولم يبق سوى مقبرتين جماعيتين على جانبي الطريق. توافد الصحافيون والمصورون، وإذ صدمهم رعب المشهد راحوا يلتقطون صور المجزرة الجماعية وأكوام الجثث المنتفخة والتي تصفر وهي تشوى تحت أشعة الشمس الحارقة, وكانت آثار تقطيع الأعضاء، والحبال التي قيدتها، والثياب الممزقة، وفروات الرؤوس، وفقء العيون، تشهد كلها على العنف وأعمال التعذيب التي رافقت المجزرة، حتى الأحصنة أعدمت وكانت رائحة لا تطاق.

وتجدر الإشارة إلى أن العالم كله رغم بشاعة تلك المذبحة، لم يستطع أن يفعل شيئاً لذلك السفاح الذي أشرف على المجزرة، كل الذي قدروا عليه هو اللوم والاستنكار !!

 

ثالثاً: محاولات لإخفاء معالم المجزرة:

وبالرغم من محاولة جيش الاحتلال "الإسرائيلي" إخفاء معالم المجزرة عبر استخدامه للجرافات والآليات، إلا أن الصحافة نقلت ما شاهدته وكانت مجزرة "صبرا وشاتيلا" أول مجزرة متلفزة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.

وقد كتب الصحافي الأميركي "توماس فريدمان" من نيويورك تايمز في حينه يقول: "رأيت في الأغلب مجموعات من الشبان في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، صُفُّوا بمحاذاة الجدران، وقُيِّدوا من أيديهم وأقدامهم، ثم حُصدوا حصداً بوابل من طلقات المدافع الرشاشة بأسلوب عصابات الإجرام المحترفة".

وعندما دخل مندوبو الصليب الأحمر المخيمين، وجدوا أمامهم 3297 شهيداً منهم 136 شهيداً لبنانياً، حيث امتزج الدم الفلسطيني واللبناني. وبعد شيوع أخبار المجزرة عالمياً بدأت المطالبة بتشكيل لجان تحقيق في الجريمة، وأولى هذه اللجان التي تشكلت كانت لجنة التحقيق "الإسرائيلية" بقيادة القاضي "كاهانا"، وكما هو عادة لجان التحقيق الصهيونية لم يتم تحميل جيش الاحتلال أية مسؤولية عن المجزرة. وحملت كامل المسؤولية لضباط حزب الكتائب  لكن اللجنة أوصت بعزل المجرم شارون من منصبه كوزير "للدفاع" بالرغم من أن اتفاقية جنيف العام 1949 والبروتوكول المتعلق بها لعام 1977 ينصان على أن تقوم الدول بمحاكمة الأشخاص المرتكبين لهذه الجرائم بصرف النظر عن جنسياتهم.

 

رابعاً: لجنة كاهانا الصهيونية : الجلاد هو القاضي...

تشكلت "لجنة كاهانا" في تل أبيب في تشرين الثاني /نوفمبر 1982م للتحقيق في ملابسات المجزرة، وقد اعترفت في تقريرها صراحة بمسؤولية رئيس وزراء العدو آنذاك "مناحيم بيغن" وأركان حكومته وجيشه عن المجزرة، استناداً إلى اتخاذهم قرار دخول "حزب الكتائب" ومقاتلي "القوات اللبنانية" بقيادة "إيلي حبيقة" وعدد آخر من لجنتها التنفيذية، إلى المخيمين وجوارهما، إلا أن اللجنة اكتفت بتحميلهم مسؤولية غير مباشرة والمطالبة بإقالة وزير الدفاع "آرئيل شارون" وعدم التمديد لـ"رفائيل إيتان" كرئيس لأركان الجيش بعد انتهاء مدة خدمته في شهر أبريل/نيسان من عام 1983، وهو ما حصل بالفعل.

وكان من البديهي أن تلقي اللجنة تبعة المسؤولية المباشرة والكاملة في ما جرى على قادة ومقاتلي"القوات اللبنانية" ومن خلالهم على "حزب الكتائب" باعتبار أنهم كانوا رأس الحربة، في المجزرة والأداة التنفيذية لها. لكن ضابطاً كبيراً في الأسطول البحري الأميركي الذي كانت بعض قطعه راسية قبالة شواطئ العاصمة اللبنانية بيروت ويدعى "ونستون بيرنيت" دحض مزاعم "لجنة كاهانا" من خلال تأكيده على أن "النخبة القيادية الصهيونية" في تل أبيب تتحمل المسئولية المباشرة للمجزرة وأن ما جرى في صبرا وشاتيلا  كان جرائم حرب حقيقية. وفي تقرير رسمي رفعه إلى قيادته في وزارة الدفاع "البنتاجون" عبر عن استخفافه بتقرير "لجنة كاهانا" بالتساؤل:"إذا لم يكن كل ما جرى جرائم حرب، فما الذي يكون؟". لكن من المؤسف أن تقرير الضابط الأميركي لم يحظ باهتمام مماثل للاهتمام الذي حظي به تقرير "لجنة كاهانا"، برغم أن الضابط  "ونستون بيرنيت" قد سجل بدقة كاملة ولحظة بلحظة جميع ملابسات وتفاصيل المجزرة والاجتماعات المكثفة التي جرت بين كبار القادة العسكريين والسياسيين للكيان الصهيوني والقادة الكتائبيين.

وبالرغم من أن جهات رسمية وأخرى خاصة كثيرة أكدت ما جاء في تقرير الضابط الأميركي "بيرنيت" ومن بينها منظمة "هيومان رايتس وتش" التي قال مديرها التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "هاني ميغالي":  "أن هناك الكثير من الدلائل التي أشارت إلى أن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت على نطاق واسع في مجزرة صبرا وشاتيلا".

 إلا أنه لم يتم ليومنا هذا جلب أي من المجرمين المباشرين وغير المباشرين أمام القضاء الإقليمي أو القضاء الدولي. ولقد جرت محاولات عربية وأخرى دولية غير حكومية لمحاكمة هؤلاء في لاهاي وأماكن أخرى من العالم، إلا أن الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة تمكن من إحباطها كلها.

 

تشكيل لجنة تحقيق دولية

وإلى جانب لجنة التحقيق "الإسرائيلية" كانت هناك لجنة تحقيق دولية تشكلت العام 1982، وهي لجنة مستقلة شكلها رجال قانون بارزون من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا برئاسة المحامي والسياسي الإيرلندي "شون ماك برايد" الحائز على جائزة نوبل للسلام العام 1974.

وتعتبر نتائج التحقيق التي توصلت إليها هذه اللجنة من أهم النتائج التي تم التوصل إليها في مذابح صبرا وشاتيلا، حيث أكدت في تقريرها أن الكيان الإسرائيلي يتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانونية عن مذابح صبرا وشاتيلا، كون "إسرائيل" قوة احتلال كانت تسيطر على منطقة المذابح وبالتالي فهي مسؤولة عن حماية السكان طبقا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي وقعت عليها "إسرائيل" وأصبحت ملزمة لها.

واعتبرت اللجنة مذابح صبرا وشاتيلا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإن مرتكبيها أو المساهمين فيها بأية طريقة من الطرق يتحملون مسؤوليتها فردياً، ومن واجب الدول معاقبة الأفراد أو المنظمات المتهمة بهذه الجرائم.ولم تستبعد اللجنة في تقريرها أن تكون مذابح صبرا وشاتيلا جزءاً من سياسة الكيان الإسرائيلي التي اعتمدها منذ تأسيسه لتطهير فلسطين من أهلها، واستشهدت في هذا الشأن بالمذابح التي ارتكبتها منظمة "أرغون" بقيادة "مناحيم بيغن" رئيس الوزراء "الإسرائيلي" آنذاك "أثناء مذابح صبرا وشاتيلا في دير ياسين"، ومنظمة "شتيرن" بقيادة "إسحق شامير" العام 1948 والتي كان معظم ضحاياها نساء وأطفالا وشيوخا.

وبعد ذلك تحرك رجال القانون اللبنانيون ورفعوا دعوى قضائية في الثامن عشر من حزيران العام 2001 ضد شارون أمام المحاكم البلجيكية نيابة عن ضحايا المذابح الذين مازالوا أحياء وعلى رأسهم السيدة "سعاد سرور".وقضت المحكمة العليا البلجيكية بعد ذلك بمحاكمته بعد خروجه من الوزارة إلا أنه دخل بغيبوبة وهو على رأس عمله كرئيس لوزراء "الكيان الإسرائيلي".

 

الخاتمة:

وفي الذكرى الثامنة والعشرين للمجزرة، ينزف الجرح الفلسطيني دون توقف، وتستعيد جراح أخرى لم تندمل بعد، آلامها المبرحة. فقطاع غزة تعرض في 27/12/2008م لمجزرة جماعية نفذتها قوات الاحتلال الصهيونية وأودت بحياة أكثر من 1500شهيد في حرب طالت مناحي الحياة كافة في القطاع الذي مازال يقبع خلف حصار قاتل، وتهديدات بالمزيد من "العقوبات"، تلقى ترحيباً من عواصم غربية تقدم نفسها منارة للديمقراطية والحرية والعدالة. والأرض الفلسطينية في الضفة المحتلة تتعرض هي الأخرى لمجازر لم تتوقف في قضم وحشي لأراضيها، واغتصابها على يد المستوطنات والمواقع العسكرية، وجدار الفصل والضم العنصري في ظل ذهاب فريق أوسلو إلى مفاوضات عبثية مع من تلطخت أيدهم بدماء الشعب الفلسطيني، و يهددون يوماً بعد يوم بحرب جديدة على لبنان أو قطاع غزة،  في محاولة يائسة لاستعادة هيبة جيش الاحتلال "الإسرائيلي" التي مرغتها مقاومة الشعب الفلسطيني واللبناني، وصمودهما الأسطوري.

إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، لن يعيد الشهداء الذين مضوا، ولعله لن يعيد المخطوفين الذين اختفت آثارهم..، لكن إحياء ذكرى المجزرة، وكل المجازر الصهيونية في طول الأرض الفلسطينية والعربية وعرضهما، من شأنه أن يقول للجلاد إن الذاكرة لم تخن أصحابها، ولن تخونهم، وإن الجريمة لن تسقط بفعل الزمن ولن تسقط. وأن الرعب الذي حاولت أن تزرعه في النفوس لم يفعل الفعل الذي كنت تتمنى، ولسوف تطاردك الجريمة في كل يوم وفي كل مكان، إلى أن يبزغ فجر يرتاح فيه الشهداء في أضرحتهم ويحتفل الأحياء بنصرهم، تحت راية الحرية والعودة والاستقلال.

المكتب الإعلامي

الخميس 7 شوال 1431هـ

الموافق 16 أيلول/سبتمبر 2010م

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام

====================

تتكرر الجرائم والقاتل واحد

في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا المكتب الإعلامي الحكومي يدعو لمحاكمة قادة الاحتلال

في مثل هذا اليوم يستذكر الشعب الفلسطيني، بل والعالم أجمع أحداث مجزرة عاش وقائعها الفلسطينيون من سكان مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982م ، وعلى مدار ثلاثة أيام تفنن جنود الاحتلال الإسرائيلي وعملائهم في إخراج ما بصدورهم من غل ووحشية ضد المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، ليذهب ضحية المجزرة 3500 من اللاجئين الفلسطينيين الأبرياء ، ليسطر هذا اليوم بأحداثه وفظائعه صفحة جديدة من صفحات التاريخ الصهيوني الأسود المليء بالمجازر والمذابح والدماء.

وبهذه المناسبة، يترحم المكتب الإعلامي الحكومي- وزارة الإعلام ، على أرواح الشهداء الذين ارتقوا في هذه المجزرة، وندعو جماهير شعبنا الفلسطيني في شتى أماكن تواجده لإحياء هذه الذكرى التي تؤكد أن القاتل الذي يستطيع الإفلات من العقاب فانه لن يتوقف عن إجرامه وبغيه، وما جرائم ومجازر الاحتلال المستمرة منذ قبية ودير ياسين وكفر قاسم، مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا وخانيونس، وليس انتهاء بالحرب على غزة وما ارتكبه الاحتلال من جرائم يندى لها جبين كل حر وشريف.

ويؤكد المكتب أن هذه الذكرى تأتي لتعيد للأذهان وحشية وهمجية المحتل ومخالفته لكل القوانين والأعراف الدولية، سيما المتعلقة بحماية المدنيين ، ولذلك كان من الضروري على المجتمع الدولي أن يقف بقوة أمام هذه المجازر المستمرة، ويسعى لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذين ارتكبوا هذه المجزرة وغيرها.

وفي هذا الإطار يدعو المكتب وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على أحداث المجزرة وغيرها من المجازر والتذكير الدائم بممارسات الاحتلال الوحشية والتحرك من أجل إبقاء ذكرى المجزرة حية في الأذهان والعمل على إدراجها ضمن صلاحيات محكمة الجنايات الدولية والسعي لإنفاذ مواثيق المحكمة على مرتكبيها.

ويؤكد المكتب أن حكومة الاحتلال لا تزال تواصل ارتكاب المجازر وممارسة سياستها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني ، وهو ما يستدعي الخروج من سياسة الصمت المتبعة من قبل المجتمع الدولي والتغاضي عن جرائم الاحتلال، لأن هذه السياسة هي التي كانت دائما تشجعه على مواصلة ارتكاب المجازر.

وزارة الإعلام

المكتب الإعلامي الحكومي

16 سبتمبر 2010م

http://www.gmo.ps/ar/?page=news_det&id=7171

-----------------------

البيانات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها  

   

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ