ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم الدعوة
إلى الله بين الأخذ بالأسباب
وانتظار النتائج رسالة
من : أ.د محمد بديع المرشد
العام للإخوان المسلمين الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول
الله وعلى آله وأصحابه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد: لا شك
أن الدعوة إلى الله عز وجل بكل
أبعادها تقوم على ضوابط أساسية
مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، فلقد كلفنا
الله عز وجل بالدعوة إليه
وحملنا هذه المسئولية الهامة،
وأكد سبحانه وتعلى أنه لا يكلف
نفسا إلا وسعها، إذن فالدعوة
إلى الله سبحانه وتعالى واجبة
بكل صورها المتعددة ووسائلها
المتنوعة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125) حسب
طاقة كل فرد مسلم مكلف رجلا كان
أو امرأة، ولا يعفى من ذلك حتى
أصحاب الأعذار (لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى
الْمَرْضَى وَلا عَلَى
الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا
يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا
نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ
سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ)(التوبة:91) لأن هذا
التكليف امتداد لتحمل مسئولية
الإسلام ذاته منذ أن أسلمنا لله
رب العالمين (قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(يوسف:108)
بل إن الجن فهمت هذا التكليف
بمجرد أن قرأ عليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم القرآن
ونفذوا هذا التكليف فورا (
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا
أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ
وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ)(الأحقاف: من الآية29)
وقد
قام الحبيب المصطفى صلى الله
عليه وسلم بهذا التكليف الإلهى
فى كل الظروف والأحوال ومستفيدا
من كل الإمكانيات المتاحة، وكان
حتى وهو فى مكة المكرمة ومعه
المسلمون تحت كل ظروف الظلم
والاضطهاد يقول "من يؤوينى
حتى أبلغ دعوة ربى ؟" ودخل فى
جوار المطعم بن عدى وهو مشرك
مستفيدا من إحدى قيم المجتمع
الجاهلى الإيجابية التى تقضى
باحترام الجوار، وتحالف مع كل
القوى الفاعلة فى المجتمع رغم
اختلافها من أجل هدف نبيل وهو
رفع الظلم عن كل مظلوم كائنا من
كان، فدخل فى حلف يلتزم كل
الأطراف فيه بهذه الفضائل "حلف
الفضول فى دار عبدالله بن جدعان"
واستفاد صلى الله عليه وسلم من
تجمع العرب من كل القبائل عند
بيت الله الحرام، وكذلك تجمعات
الأسواق سواء كانت أسواق بضائع
أو أسواق أدب وأشعار، وقد سبقه
نموذج نبى الله نوح عليه السلام
المذكور فى القرآن الكريم والذى
قام باستخدام كل وسائل الدعوة
تحت أى ظرف ورغم كل الضغوط (
رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي
لَيْلاً وَنَهَاراً)(نوح: من
الآية5) (ثُمَّ إِنِّي
دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً)(نوح:8) (ثُمَّ
إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ
وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ
إِسْرَاراً)(نوح:9) وقد
قامت أجيال المسلمين بأداء
تكليف الله بحمل الرسالة
وتبليغها جيلا بعد جيل وكما بشر
رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحمل
هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون
عنه تحريف الغالين وانتحال
المبطلين وتأويل الجاهلين"
وهو أيضا صلى الله عليه وسلم
بشرنا بأن هذا النموذج القدوة
سيظل يحمل الأمانة والرسالة حتى
يوم القيامة مهما صادفهم من
صعاب ومضايقات ومهما وضع فى
طريقهم شياطين الجن والإنس من
العقبات "لا تزال طائفة من
أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم
من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتى
أمر الله وهم كذلك" والكلمتان
المذكورتان فى حديث من أوتى
جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم
ليستا مترادفتان بل إن لكل
واحدة من الكلمتين معنى نحتاجه
فى طريق دعوتنا يلخص مشكلة من
أهم المشاكل التى تواجه العمل
الجماعى : الكلمة
الأولى (خالفهم) أى لم يسر معهم
من البداية مختلفا مع سبيلهم
الذى يسلكونه لتبليغ دعوة ربهم. أما
الكلمة الثانية (من خذلهم) فهى
كلمة موحية أخرى تعنى أن هناك من
سيسير معهم شوطا من طريق الدعوة
إلى الله ثم ينصرف عن مواصلة
العمل معهم سواء فى ظروف ابتلاء
شدة أو ظروف فتنة رخاء . وقد
حدث هذا لهذه الجماعة المباركة
على طول طريقها وعمرها الممتد
طولا وعرضا جغرافيا وتاريخيا
تماما كما نبأ الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم . وقد
شرب الأستاذ البنا رحمه الله من
هذا النبع الصافى وأرشد أتباعه
وهو المرشد الأول لهذه الجماعة
لاتباع نهج رسول الله صلى الله
عليه وسلم فى بذل أقصى الجهد مع
الإخلاص والتضحية مع الترابط
الوثيق لكل أفراد الجماعة حتى
يكونوا كالبنيان المرصوص
يستعصى على مناوئيه النيل منه . ولكن
الله عز وجل لم يكلفنا بالنتائج
لأنه أحيانا كثيرة لا تأتى
النتائج حسب رغباتنا بعد بذل
أقصى الجهد فتصاب النفس البشرية
بشئ من اليأس ولكن تأتى التسرية
عن قدوتنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عندما ووجه بمضايقات
بل واعتداءات وأشدها يوم
الطائف، رغم أنه ما ذهب إلى
الطائف إلا لدعوتهم إلى الله
ورضوانه وبلا مقابل إلا أنه يحب
لهم الهداية "اللهم اهد قومى
فإنهم لا يعلمون" (وَيَا
قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ
إِلَى النَّجَاةِ
وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ)(غافر:41)
(فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ
أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا
عَلَى اللَّهِ )(يونس: من الآية72)،
فقال له ربه عز وجل (قَدْ
نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ
الَّذِي يَقُولُونَ فَإنَّهُمْ
لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ
اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) وقال له
سبحانه وتعالى أيضا ( إِنْ
عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)(الشورى:
من الآية48) ونحن نشهد أنه صلى
الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة
وأدى الأمانة على خير ما كلف به
ونسأل الله عز وجل أن يجزيه عنا
خير ما جزى نبيا عن أمته، وقد
حكى لنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن النبى من الأنبياء
صلوات الله وسلامه عليهم يبعث
يوم القيامة ولم يستجب له أحد،
وها هو نبى الله نوح أطول
الأنبياء والمرسلين عمرا ومن
أولى العزم لبث فى قومه ألف سنة
إلا خمسين عاما فما استجاب له
على أرجح الأقوال إلا قليل . وقد
فصل الله عز وجل بين الأخذ
بالأسباب والنتائج فى قوله (
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)(الملك:
من الآية15) وقد حفر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الخندق هو
وأصحابه الكرام رضوان الله
عليهم ولم تدر معركة حوله، ولكن
جاءتهم النتيجة نصرا من الله
بالريح ولم يكن ذلك فى حسبانهم،
وقد وضع صلى الله عليه وسلم خطة
غاية فى الإتقان والأخذ
بالأسباب فى رحلة الهجرة، ولكن
وصل الكفار إلى الغار وجاءه
وصاحبه نصر الله من خارج الخطة
بخطف أبصار الكفار. وإخواننا
المجاهدون فى فلسطين وأمثالهم
فى كل مكان يتحملون أصعب
المشقات ويأتيهم عون الله ونصره
من حيث لا يحتسبون بعد تمام
أخذهم بالأسباب، والأمثلة
كثيرة ولكن الخلاصة التى نسأل
الله أن ينفعنا بها فى ديننا
ودنيانا فى هذا الموضوع هى : 1.
إخلاص النية لله ، فبها نؤجر
ونوفق وننصر . 2. إذا
حدث ما نتمناه حمدنا الله عز وجل
على فضله وتوفيقه . 3. إذا
لم يحدث ما كنا نتمناه فقد وقع
أجرنا على الله، ونسأله أن يقدر
لنا الخير حيث كان ثم يرضينا به . 4.
الاستمرار فى أداء الواجب على
كل حال بعد التأكد من سلامة
الأخذ بالأسباب وبذل أقصى الجهد
يؤكد أن العمل لله لأنه ما كان
لله دام واتصل. 5. لا
نزال نذكر موقف أمنا هاجر وهى
تأخذ بالأسباب سبع مرات وفى كل
مرة لا تحدث النتيجة التى
ترجوها ولكنها تستمر حتى يتحقق
ما أراده الله لها من خير وفير . 6. لا
نزال نذكر وصية رسول الله صلى
الله عليه وسلم لنا أنه "إذا
قامت القيامة وفى يد أحدكم
فسيلة فليغرسها" فها هى نهاية
الدنيا بل والفسيلة تعنى زرع
نخلة لا تؤتى ثمارها إلا بعد
سنين طويلة وليس هناك أى نتيجة
متوقعة إلا استمرار الإيجابية
والقيام بالواجب والحصول على
الأجر . أيها
المسلمون فى كل مكان .. ويا أبناء
الدعوة من الأخوة والأخوات،
رزقنا الله وإياكم دوام الإخلاص
ودوام العمل ودوام الإتقان
ودوام الرجاء ودوام القبول
فسيروا على بركة الله .. والله
يوفقكم ولن يتركم أعمالكم
وسيجزيكم أجركم بإذنه سبحانه
بأحسن ما كنتم تعملون . والله
أكبر ولله الحمد .. والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته القاهرة
فى : 26 من ذى الحجة 1431هـ 2 من ديسمبر 2010م
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |