ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مذكِّرة بشأن الثورات الشعبية في البلدان العربية
وبعض العِبر المُستقاة منها "الرابطة
الإسلامية في بريطانيا" الحمد
لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين، وبعد، فقد
توالت الأحداث الكبرى في العالم
العربي وتلاحقت خلال الشهور
الأخيرة، فأخذت الثوراتُ
والهبّات الجماهيرية بألباب
العالم، وهو يتابع الشعوب
العربية وهي تعبِّر عن إرادة
توّاقة للحياة المتحرِّرة من
سطوة الظلم والاستبداد،
والمتطلِّعة إلى النهضة
والارتقاء. وإنّ
"الرابطة الإسلامية في
بريطانيا"، قد تابعت تلك
الأحداث، وما زالت تتابعها، منذ
أن انطلقت شرارة الثورة الشعبية
في تونس، مع نهاية العام 2010،
ليمرّ قطار الثورات السلمية
ببلدان عربية عدّة، مثل مصر
وليبيا واليمن ومحطّات أخرى،
حتى بلغ سورية أيضاً. وقد
عبّرت الرابطة في أكثر من موضع
ومناسبة، عن تضامنها مع الشعوب
العربية في تطلّعاتها المشروعة
وتحرّكاتها السلمية المشرِّفة،
ورأت فيها تعبيراً أصيلاً عن
نبض الحياة في هذه الأمّة، التي
لا يمكن أن تبقى متخلفة عن ركب
الأمم. وتودّ
"الرابطة الإسلامية في
بريطانيا"، عبر هذه المذكرة،
أن تسلِّط الأضواء على بعض
الأبعاد الجديرة بالانتباه،
ضمن هذه الأحداث المتلاحقة،
التي تشكّل منعطفاً تاريخياً
هامّاً له ما بعده بكلِّ تأكيد. لقد
برهنت الثورات الشعبية
والهبّات والانتفاضات
الجماهيرية، أنّ الشعوب
العربية والإسلامية لا يمكن أن
تظلّ مُستثناةً من الحرية
والديمقراطية، حتى وإنّ طال
العهد بصفحات الظلم والاستبداد
والطغيان. وقد
تهاوت مع هذا الحراك الشعبي
العريض، المزاعم التي ذهبت إلى
أنّ الشعوب العربية والإسلامية
ليست مهيّأة للديمقراطية، ولا
يمكن أن ينهض في بلدانها حكم
رشيد يحترم كرامة الإنسان
ويعبِّر عن خياراته. وجدير
بالانتباه أنّ الإسلام الحنيف ـ
كما نجد ذلك بوضوح في القرآن
الكريم والسنّة النبوية
المطهّرة وسيرة الخلفاء
الراشدين رضوان الله عليهم ـ قد
أكد على قيم الحرية، ونادى
بإقامة العدل، واحترام كرامة
الإنسان وصون حقوقه. وبهذا؛
فإنّ ما وقع من استبداد الظلم في
الأمّة، واضمحلال هذه القيم
وتواريها عن واقع البلدان
الإسلامية، إنّما جاء ضمن مجمل
ابتعادها عن تعاليم الإسلام
وواقع التراجع الحضاري الذي
ألمّ بها ردحاً طويلاً من الزمن. ومن
البشائر التي عايشها الجميع ـ
أخيراً ـ ما حققته شعوب عربية،
خلال زمن قياسي تقريباً، من طيّ
صفحة الاستبداد، والتمكين
للحرية والعدالة في بلادهها.
لقد تحقّق ذلك ـ بحمد الله وفضله
ـ دون أن تُرهِب إجراءاتُ القمع
جماهيرَ الشعب، أو تكبح
ممارساتُ القتل الجائرة
المواطنين عن متابعة حراكهم
المدني للمطالبة بحرِّياتهم
وحقوقهم الأساسية. لقد عبّرت
الشعوب، بهذا، عن إرادة حرّة في
إقامة الحكم الصالح والتمكين
لدولة القانون وإطلاق
الحرِّيات وضمان العيش الكريم
للمواطنين كافّة. لقد
أظهرت الشعوب العربية شجاعة
يُحتذى بها في امتلاك زمام
أمرها بجدارة، إدراكاً منها
بأنّ مستقبل بلادها المُشرِق لا
يكون إلاّ في مناخ من الحرية
والديمقراطية والعدالة
والمساواة، وبضمان احترام
إرادة الشعب وصون كرامته. ولا
شكّ أنّ هذه التجربة تستدعي
مقاربة شاملة تضع البلاد
والعباد على طريق الإصلاح
والازدهار. * * * * ونرى
أنّ الفرصة ـ وإن تأخّرت ـ لا
زالت مواتية لكلِّ من بيديه
الأمر، أن يَستدرك ما فات، وأن
يمضي إلى إصلاحات جادّة وفورية،
بلا قيود أو شروط، تستجيب لآمال
الشعوب وطموحاتها. إنّ
الردّ على الخروج السلمي
لجماهير الشعب إلى الميادين
والشوارع للمطالبة بالحرِّية،
لا يجوز أن يكون باقتراف
الفظائع والانتهاكات ضدّ
المواطنين العزّل المتظاهرين
سلمياً، والاستئناس بممارسة
التضليل الإعلامي. يل يجدر
اغتنام ذلك بالدفع بإصلاحات
ديمقراطية شاملة وملموسة،
تنتقل فوراً من القول إلى
الفعل، وتفتح أبواب الحرِّيات
العامة والشخصية بلا قيد أو
شرط، وتحقِّق المشاركة الشعبية
السويّة للمواطنين كافة،
وانتهاج سبيل مصارحة الشعب. لقد
بات معلوماً للجميع أنّ
الاحتماء بمنظومات القمع لا
يعصم أحداً من الشعوب الهادرة
التي أدركت قدراتها ووعت
إمكاناتها، وأنّ فنون التضليل
فات مفعولها في زمن الإعلام
المفتوح والتواصل الحرّ بالصوت
والصورة. فها هي الأجيال
العربية الشابّة، مصمِّمة على
إصلاح حاضرها وصناعة مستقبلها
بإرادة مستقلّة بلا مصادرة أو
وصاية، شاء من شاء وأبى من أبى.
وينبغي على الجميع أن يرى في ذلك
فرصةً للنهوض، تستحقّ
استجاباتٍ إيجابيّة تتجاوب
معها في الاتجاهات الصائبة. فلا
جدوى من محاولة إعادة عجلة
التاريخ إلى الوراء، أو
المراهنة على أساليب مُستهلَكة
لم تعد تجدي نفعاً في عالم اليوم. وليس
من شك، في أنّ مستقبل الأمّة
المشرق هو في حريّتها وكرامتها،
ورفع المظالم ومحاسبة
مقترفيها، وإقامة العدل وإحقاق
الحقوق، وهو ما يقع في صميم
إقامة الدين والعمل بمبادئ
الإسلام وقيمه الإنسانية. وبغير
ذلك ما من سبيل إلى نهضة راشدة،
أو التحاق بركب الأمم، أو
الإسهام الفاعل في العمران
الإنساني. إننا
نحذِّر في هذا المقام، من أنّ
استبداد الحكام وطغيانهم على
شعوبهم، يفتح الباب أمام
التدخلات الأجنبية غير مأمونة
العواقب، فالسيادة الخارجية
مرتبطة بالحصانة الداخلية التي
تتأسّس على ضمان الحرية والحقوق
والعدل وتحقيق مساءلة المسؤول
ومشاركة المواطن. ومن المؤلم أن
تستبيح النُّظُم المستبدّة أمن
مواطنيها حتى لا يجدون بدّاً من
الاستغاثة بالخارج وقوّاته. وفي
هذا ما يؤكد للقاصي والداني أنّ
أمن العباد من أمن البلاد، وأنّ
صون السيادة وضمان الاستقلال لا
ينفكّان عن إقامة العدل وكفّ
الظلم، وتحقيق الحرية
للمواطنين ومشاركتهم في
القرار، والعمل بخيارات الشعب
واحترام كرامة الإنسان وحماية
حقوقه. * * * * لقد
ظنّ بعض الطغاة أنّ بوسعهم
الاستمرار في عهود الاستبداد
والفساد، بالاستناد إلى دعم
خارجيّ من دول أجنبية، وهو دعم
فيه غضّ للطرف عن المظالم وكبت
الحريات وقمع الديمقراطية،
وغلّبة لغة المصالح على منطق
حقوق الإنسان. فليس خافياً أنّ
كلّ ما جرى من تجاوزات من قبل
الأنظمة ما كان له أن يستمر لولا
صمت العالم عليه أو حتى تواطؤه
معه. إلاّ
أنّ إرادة الشعوب كانت كفيلة
بفتح صفحة جديدة من الحياة
الحرّة في بلدانها، وهو ما
يقتضي مراجعة جادّة بشأن
مسؤولية بعض الدول الديمقراطية
في مساندة النظم الديكتاتورية
المتهالكة والتغطية على
انتهاكاتها الجسيمة بحق الشعوب.
ونرى
في الثورات الشعبية
والانتفاضات الجماهيرية
العربية الأخيرة، فرصةً هامّة
لإصلاح السياسات الخارجية
للنظم الديقراطية، التي لا
يُعقَل أن تتحالف مع نظم
الاستبداد وتتواطأ مع
انتهاكاتها بأي شكل كان، وأن
تتنكّر عبر ذلك للمواثيق
والالتزامات المُغلّظة بهذا
الشأن. إنّ من
يريد أن يبني علاقات تراعي
مصالحه، فعليه أن يمدّ جسور
التواصل مع الشعوب وقواها
الحيّة، لا مع الأنظمة
المستبدّة بالحكم والطغاة
الذين ستطوي الشعوب المدفوعة
بإرادة الحرية والكرامة عهودهم
المطبوعة بالمظالم والانتهاكات. إننا
نلحظ كيف أنّ منظومة الاستبداد
والفساد والظلم، قد أنتجت في
نهاية مطافها ظواهر متفاقمة من
التشدّد والعنف، استفحلت من
التكفير إلى التفجير، وأوغلت في
دماء الناس واستباحة حرماتهم،
وتمادت في أعمال الترويع
والترهيب. وقد كان واضحاً تلازم
الظواهر العنيفة التي شاعت
واستفحلت، مع غلواء الأنظمة
ومسالكها في الكبت والقهر
والفساد. ولكن، منذ أن هبّ الشعب
التونسي في ثورته المجيدة، ومن
بعده في مصر وغيرها، على ذلك
النحو الذي تفخر به الأمّة
ويشيد به العالم، اتضح للجميع
أنّ الحراك السلمي في مواجهة
الاستبداد والمظالم
والتجاوزات، أجدى من العنف
بكلِّ ما يخالطه من تجاوزات
ويترتّب عليه من مفاسد. وهكذا
رأت الشعوب العربية في حشد
جماهيرها وإعلاء صوتها وتنسيق
حراكها، سبيلاً أقرب لبلوغ
مطالبها المشروعة من أيِّ
مراهنة تعبث بأمن البلاد
والعباد، تُسفك فيها الدماء
وتُشاع فيها الفوضى وتُنتهكُ
فيها حدود الله. ولنا أن نأمل في
أن تكون صفحة العنف الدامي التي
اجتاحت أرجاء العالم العربي
والإسلامي آيلة إلى الطيّ مع
هذه الصفحات الجديدة. * * * * إنّ
"الرابطة الإسلامية في
بريطانيا"، وهي تتابع
التطوّرات الجارية في أرجاء
عدّة من العالم العربي، تلفت
الانتباه إلى خطورة المظالم
والافتقار إلى الحكم الصالح،
وحالة الحرمان وسوء توزيع
الموارد، وهو ما يستدعي مقاربة
شاملة تضع البلاد والعباد على
طريق الإصلاح والازدهار،
والكفّ عن أساليب القمع
والاضطهاد والقيود ضد الشعوب. وفي
الختام، تأمل "الرابطة
الإسلامية في بريطانيا" أن
يتحقّق للشعوب العربية
والإسلامية، الأمن والأمان،
وأن تُحقَن دماء أبنائها
وبناتها، وأن تطوَى إلى الأبد
صفحات الاستبداد، وأن يضمن
الجميع وحدة الصف ومشاركة جميع
الفئات في تشكيل حاضر الأمّة
ومستقبل نهضتها، في مناخ الحرية
والعدل والمساواة.انتهى * 27
ربيع الثاني 1432 هـ، موافق 1
أبريل 2011م الرابطة
الإسلامية في بريطانيا
07801954958 - 02089089109 ----------------------- البيانات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |